الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(26)
كتاب البر والصلة
722 - (11) باب برّ الوالدين وتقديمه على التطوع بالصلاة
6345 -
(2530)(88) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفٍ الثَّقَفِيُّ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَال: "أُمُّكَ"
ــ
(26)
كتاب البر والصلة
722 -
(11) باب برّ الوالدين وتقديمه على التطوع بالصلاة
6345 -
(2530)(88)(حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي) البلخي (وزهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (قالا حدثنا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفي ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (10) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (جاء رجل إلى رسول الله على الله عليه وسلم) لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (فقال) الرجل (من) هو (أحق الناس) وأولاهم وأحراهم وأوكدهم (بحسن صحابتي) ومعاشرتي بفتح الصاد وكسرها مصدر بمعنى الصحبة يقال صحبه يصحبه صحبة وصحابة اهـ مفهم وقد وقع الحديث بهذا اللفظ في الرواية الآتية والمراد بها هنا البر وحسن العشرة (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقهم بحسن صحبتك (أمُّك) أي والدتك قال النووي فيه الحث على بر الأقارب وأن الأم أحقهم بذلك ثم بعدها الأب ثم الأقرب فالأقرب قال العلماء والحكمة في تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته إلخ قال في المرقاة قلت وفي التنزيل إشارة إلى هذا التأويل في قوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ
قَال: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: "ثُمَّ أُمُّكَ" قَال: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: "ثُمَّ أُمُّكَ" قَال: ثُمَّ مَنْ؟ قَال: "ثُمَّ أَبُوكَ".
وَفِي حَدِيثِ قُتَيبَةَ: مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ وَلَم يَذْكُرِ النَّاسَ.
6346 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو كُرَيبٍ، مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاءِ الْهَمْدَانيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَجُلٌ:
ــ
شَهْرًا} فالتثليث في مقابلة ثلاثة أشياء مختصة بالأم وهي تعب الحمل ومشقة الوضع ومحنة الرضاع اهـ (قال) الرجل (ثم من) أحقهم بصحبتي (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) أحقهم بصحبتك (أمُّك قال) الرجل (ثم) أحقهم بصحبتي (منْ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم) أحقهم بصحبتك (أبوك وفي حديث قتيبة) وروايته لفظة (من أحق) وأولى (بحسن صحابتي ولم يذكر) قتيبة في روايته لفظة (النَّاس) أي لم يقل من أحق الناس بإضافة أحق إلى الناس بل أسقط كلمة الناس.
قال القرطبي: قوله أمك ثلاث مرات وأبوك في الرابعة يدل على صحة قول من قال إن للأم ثلاثة أرباع البر وللأب ربعه ومعنى ذلك أن أحقهما وإن كان واجبًا فالأم تستحق الحظ الأوفر من ذلك.
وفائدة ذلك المبالغة في القيام بحق الأم وأن حقها مقدم عند تزاحم حقها وحقه اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 327] والبخاري في الأدب [5971] وابن ماجه في الآداب [3702].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:
6346 -
(00)(00)(حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني حدثنا) محمد (بن فضيل) بن غزوان الضبي الكوفي صدوق من (9)(عن أبيه) فضيل بن غزوان الضبي الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (21) بابا (عن عمارة بن القعقاع) الضبي الكوفي (عن أبي زرعة عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة فضيل بن غزوان لجرير بن عبد الحميد (قال) أبو هريرة (قال رجل) لم أر من ذكر اسمه
يَا رَسُولَ الله، مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَال:"أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ".
6347 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بِكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عُمَارَةَ وَابْنِ شُبْرُمَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أبِي هُرَيرَةَ
ــ
كما مر (يا رسول الله من أحق) الناس (بحسن الصحبة قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقهم (أمك ثم أمك ثم أبوك ثم أدناك) أي أقربهم إليك (أدناك) كرره للتأكيد.
قال القرطبي: يعني أنك إذا قمت ببر الوالدين تعين عليك القيام بصلة رحمك وتبدأ منهم بالأقرب إليك نسبًا فالأقرب وهذا كله عند تزاحم الحقوق وأما عند التمكن من القيام بحقوق الجميع فيتعين القيام بجميع ذلك اهـ من المفهم وورد في حديث لأبي رمثة عند الحاكم انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول "أمك وأباك ثم أختك وأخاك ثم أدناك أدناك" وتردد بعض العلماء في الجد والأخ والأكثر على تقديم الجد وبه جزم الشافعية وظاهر حديث أبي رمثة يدل على تقديم الأخ إلا أن يقال إن الجد داخل في قوله وأباك وهو غير ظاهر ولأن الأخ يتقدم على الجد في ترتيب العصوبة والله أعلم من التكملة.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا فقال:
6347 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شريك) بن عبد الله بن أبي شريك ويقال له شريك بن عبد الله بن سنان بن أنس النخعي الكوفي صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب (عن عمارة) بن القعقاع بن شبرمة الضبي الكوفي (و) عبد الله (بن شبرمة) بضم المعجمة وسكون الموحدة وضم الراء ابن الطفيل بن حسان الضبي أبو شبرمة الكوفي القاضي أحد الأعلام عمّ عمارة بن القعقاع وعمارة أكبر منه روى عن أبي زرعة بن عمرو فرد حديث في الفضائل والبر وأنس وأبي الطفيل والشعبي وطائفة ويروي عنه (م ود س ق) وشريك ومحمد بن طلحة بن مصرف ووهب وثقه أحمد والنسائي وأبو حاتم قال ابن سعد كان شاعرًا فقيهًا ثقة قليل الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة فقيه من الخامسة مات سنة [144] أربع وأربعين ومائة (عن أبي زرعة) بن عمرو (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة
قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ. وَزَادَ: فَقَال: "نَعَمْ، وَأَبِيكَ، لَتُنَبَّأَنَّ".
6348 -
(00)(00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِم. حَدَّثَنَا شَبَابَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ. ح وَحدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ حَدَّثَنَا حَبَّانُ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. كِلاهُمَا عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.
فِي حَدِيثِ وُهَيبٍ: مَنْ أَبَرُّ؟ وَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ:
ــ
شريك بن عبد الله لجرير بن عبد الحميد (فذكر) شريك (بمثل حديث جرير وزاد) شريك على جرير لفظة (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل (نعم) أخبرك عن ذلك الأفضل (وأبيك) أي أقسمت بأبيك قال النووي لا يراد بذلك حقيقة القسم بل هي كلمة تجري على ألسنة الناس دعمة وتقوية للكلام وجملة قوله (لتنبأن) بالبناء للمفعول أي لتخبرن جواب ما سألته عنه أي لأخبرن لك جواب القسم وإن كان غير مقصود معناه نظرًا للفظه والحاصل أن السائل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عمن يستحق بره وحسن معاملته أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بأنك تخبر بجواب سؤالك فأجابه بما تقدم.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في هذا الحديث فقال:
6348 -
(00)(00)(حدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون البغدادي (حدثنا شبابة) بن سوار المدائني الفزاري مولاهم ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا محمد بن طلحة) بن مصرف اليامي الكوفي صدوق من (7) روى عنه في (3) أبواب (ح وحدثني أحمد) بن الحسن (بن خراش) الخراساني الأصل أبو جعفر البغدادي صدوق من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا حبّان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة بن هلال الباهلي أبو حبيب البصري ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي البصري ثقة من (7) روى عنه في (13) بابا (كلاهما) أي كل من محمد بن طلحة ووهيب بن خالد رويا (عن) عبد الله (بن شبرمة بهذا الإسناد) يعني عن أبي زرعة عن أبي هريرة مثله غرضه بيان متابعة محمد ووهيب لشريك بن عبد الله لكن (في حديث وهيب) وروايته لفظة (من أبر) الناس (وفي حديث محمد بن طلحة) وروايته
أَيُّ النَّاسِ أَحَقُّ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ.
6349 -
(2531)(89) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبٍ، ح وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ابْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ)، عَنْ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ. قَالا: حَدَّثَنَا حَبِيبٌ، عَنْ أَبِي العَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمرِو. قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهادِ. فَقَال: "أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَال: نَعَم. قَال: "فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ"
ــ
لفظة (أيُّ الناس أحق) مني (بحسن الصحبة) والمعاشرة (ثم ذكر) محمد بن طلحة (بمثل حديث جرير).
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال:
6349 -
(2531)(89)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حدثنا وكيع عن سفيان) الثوري (عن حبيب) بن أبي ثابت اسمه قيس ويقال هند بن دينار الأسدي مولاهم أبو يحيى الكوفي ثقة من (3) روى عنه في (15) بابا (ح وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى يعني ابن سعيد القطان عن سفيان) الثوري (وشعبة قالا) أي قال سفيان وشعبة (حدثنا حبيب) بن أبي ثابت (عن أبي العباس) السائب بن فروخ بفتح فضم مع التشديد غير منصرف للعلمية والعجمة الشاعر الأعمى المكي ثقة من (3) روى عنه في (3) أبواب (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل القرشي السهمي أبي عبد الرحمن المدني رضي الله عنه وهذان السندان من سداسياته (قال) عبد الله بن عمرو (جاء رجل) لم أر من ذكر اسمه واسم والديه (إلى النبي صلى الله عليه وسلم حالة كونه (يستأذنه) صلى الله عليه وسلم (في الجهاد فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (أحيٌّ) بهمزة الاستفهام الاستخباري أي هل حيٌّ (والداك قال) الرجل في جواب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم (نعم) هما حيان (قال) النبي صلى الله عليه وسلم للرجل (ففيهما) أي ففي بر والديك (جاهد) أي أتعب نفسك وابذل مالك هذه الرواية والرواية الآتية دليل لعظم فضيلة برهما وأنه آكد من الجهاد وفيه حجة لما قاله العلماء إنه لا يجوز الجهاد إلا بإذنهما إذا كانا مسلمين أو بإذن المسلم منهما إلخ كذا في النووي واسم هذا الرجل المستأذن هو جاهمة بن العباس بن مرداس على ما ذكره ابن حجر في الفتح وكذا في تنبيه المعلم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال الحافظ في الفتح قوله جاء رجل يحتمل أن يكون جاهمة بن العباس بن مرداس فقد روى النسائي وأحمد من طريق معاوية بن جاهمة أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئت لأستشيرك فقال هل لك من أم قال نعم قال الزمها الحديث ورواه البيهقي من طريق ابن جريج عن محمد بن طلحة بن ركانة عن معاوية بن جاهمة السلمي عن أبيه كذا في فتح الباري [6/ 140] قوله فقال: "أحيٌّ والداك قال نعم" فيه ما يدل على أن المفتي إذا خاف على السائل الغلط أو عدم الفهم تعين عليه الاستفصال وعلى أن الفروض والمندوبات مهما اجتمعت قدم الأهم منها وأن القائم على الأبوين يكون له أجر مجاهد.
وزيادة قوله: "ففيهما فجاهد" أي جاهد نفسك في برهما وطاعتهما فهو الأولى بك لأن الجهاد فرض كفاية وبر الوالدين فرض عين فلو تعين الجهاد وكان والداه في كفاية ولم يمنعاه أو أحدهما من ذلك بدأ بالجهاد فلو لم يكونا في كفاية تعين عليه القيام بهما فيبدأ به فلو كانا في كفاية ومنعاه لم يلتفت إلى منعهما لأنهما عاصيان بذلك المنع وإنما الطاعة في المعروف كما لو منعاه من صلاة الفرض فأما الحج فله أن يؤخره السنة والسنتين ابتغاء رضاهما قاله مالك هذا وإن قلنا إنه واجب على الفور مراعاة لقول من يقول إنه على التراخي وقد تقدم الكلام على ذلك في الحج فراجعه اهـ من المفهم.
قال القسطلاني "ففيهما فجاهد" الجار متعلق بالأمر قدم عليه للاختصاص أي خصصهما بتكليف النفس بما يرضيهما والفاء الأولى فصيحية لأنها للإفصاح عن شرط محذوف والثانية جزائية لتضمن الكلام معنى الشرط والتقدير فإذا كان الأمر كما قلت وأردت بيان ما هو اللازم لك فاخصصهما بالجهاد وقوله فجاهد أتى به للمشاكلة فليس ظاهره مرادًا لأن الجهاد إيصال الضرر إلى الغير وإنما المراد به القدر المشترك من كلفة الجهاد وهو بذل المال وتعب البدن فيؤول المعنى ابذل مالك وأتعب بدنك في رضا والديك اهـ باختصار.
قلت اختلج في صدري أن ما بعد فاء الجزائية لا يعمل فيما قبلها ثم رأيت في العيني حيث قال الجار والمجرور متعلق بمقدر وهو جاهد ولفظ جاهد المذكور مفسر له لأن ما بعد الفاء الجزائية لا يعمل فيما قبلها ثم قال وفيه التأكيد ببر الوالدين وتعظيم
6350 -
(00)(00) حدَّثنا عُبَيدُ الله بْنُ مُعَاذٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ حَبِيبٍ. سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسٍ. سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
قَال مُسْلِمٌ: أَبُو الْعَبَّاسِ اسْمُهُ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخَ الْمَكِّيُّ.
6351 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو كُرَيب. أَخْبَرَنَا ابْنُ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ. ح
ــ
حقهما وكثرة الثواب على برهما اهـ والله أعلم ويحتمل كون الفاء في قوله فجاهد زائدة.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 188] والبخاري في الجهاد باب الجهاد بإذن الأبوين [3004] وفي الأدب باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين [5972] وأبو داود في الجهاد باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان [2530] والترمذي في الجهاد باب فيمن خرج في الغزو وترك أبويه [1671] والنسائي في الجهاد باب الرخصة في التخلف لمن له والدان [3103] وفي البيعة باب البيعة على الهجرة [4163] وابن ماجه في الجهاد باب الرجل يغزو وله أبوان [2809].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:
6350 -
(00)(00)(حدثنا عبيد الله بن معاذ) العنبري البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري (عن حبيب) بن أبي ثابت قيس الأسدي الكوفي (سمعت) السائب بن فرُّوخ (أبا العباس) المكي، (سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة معاذ بن معاذ ليحيى بن سعيد القطان (فذكر) معاذ بن معاذ (بمثله) أي بمثل حديث يحيى القطان قال أبو إسحاق راوي الكتاب (قال) لنا (مسلم) بن الحجاج (أبو العباس) الذي هو من بعض مشايخي (اسمه السائب بن فروخ المكي) تفسير من المؤلف.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:
6351 -
(00)(00)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني (أخبرنا) محمد (بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (11) بابا (عن مسعر) بن كدام بن ظهير الهلالي الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (ح
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. ح وَحدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ زَكرِيَّاءَ. حَدَّثنَا حُسَينُ بْنُ عَلِي الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ. كِلاهُمَا عَنِ الأعْمَشِ. جَمِيعًا عَنْ حَبِيبٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ.
6352 -
(00)(00) حدَّثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ؛ أَنَّ نَاعِمًا،
ــ
وحدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السمين البغدادي (حدثنا معاوية بن عمرو) بن المهلب الأزدي المعني بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون منسوب إلى بني معن بطن من الأزد أبو عمرو الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (4) أبواب (عن أبي إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن حصن بن حذيفة الفزاري أبي إسحاق الكوفي أحد الأعلام روى عن الأعمش ويروي عنه معاوية ثقة من (8) روى عنه في (5) أبواب (ح وحدثني القاسم بن زكرياء) بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي ثقة من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا حسين بن علي) بن الوليد (الجعفي) مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (3) أبواب (عن زائدة) بن قدامة الثقفي أبي الصلت الكوفي ثقة من (7) روى عنه في (10) أبواب (كلاهما) أي كل من أبي إسحاق الفزاري وزائدة بن قدامة رويا (عن) سليمان (الأعمش) بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة من (5) روى عنه في (13) بابا (جميعًا) أي كل من مسعر بن كدام وسليمان الأعمش (عن حبيب) بن أبي ثابت (بهذا الإسناد) يعني عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو غرضه بسوق هذين السندين بيان متابعة مسعر والأعمش لشعبة في رواية هذا الحديث عن حبيب بن أبي ثابت وساقا (مثله) أي مثل حديث شعبة عن حبيب بن أبي ثابت.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقال:
6352 -
(00)(00)(حدثنا سعيد بن منصور) بن شعبة أبو عثمان الخراساني المكي ثقة من (10) روى عنه في (10) بابا (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري المصري ثقة من (7) روى عنه في (13) بابا (عن يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد مولى شريك بن الطفيل الأزدي المصري عالمها ثقة من (5) روى عنه في (11) بابا (أن ناعمًا) ابن أجيل بجيم مصغرًا الهمداني
مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَهُ؛ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَال: أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ الله صلى الله عليه وسلم فَقَال: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ الله. قَال:"فَهَلْ مِنْ وَالِدَيكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ " قَال: نَعَم. بَلْ كِلاهُمَا. قَال: "فَتَبْتَغِي الأَجْرَ مِنَ الله؟ " قَال: نَعَمْ. قَال: "فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيكَ فأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا"
ــ
المصري (مولى أم سلمة) ثقة من (3) روى عنه في (2) بابين اللباس والصلة (حدّثه) أي حدّث ليزيد بن أبي حبيب (أن عبد الله بن عمرو بن العاص) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة ناعم مولى أم سلمة لأبي العباس (قال) عبد الله (أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال) الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم (أبايعك على الهجرة) من وطني إلى المدينة لأكون مجاورًا لك (و) على (الجهاد) حالة كوني (أبتغي) وأطلب (الأجر) والثواب من الله تعالى بالهجرة والجهاد فـ (ـقال) له رسول الله صلى الله عليه وسلم (فهل من والديك أحدٌ حيٌّ قال) الرجل (نعم) ليس أحدهما حيًّا (بل كلاهما) أي بل كلٌّ من والديّ حتى فـ (ـقال) له النبي صلى الله عليه وسلم أ (فتبتغي) وتطلب (الأجر) والثواب (من الله) تعالى (قال) الرجل (نعم) أبتغي الأجر فـ (ـقال) له النبي صلى الله عليه وسلم (فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما) ومعاشرتهما بالخدمة والإحسان إليهما بمالك وببدنك وبطاعتهما ما لم يأمراك بمعصية وإلا فلا طاعة لهما.
وقال العيني في عمدة القاري [7/ 40] قال أكثر العلماء منهم الأوزاعي والثوري ومالك والشافعي وأحمد إنه لا يخرج إلى الغزو إلا بإذن والديه ما لم يقع ضرورة وقوة العدة فإذا كان كذلك تعين الفرض على الجميع وزال الاختيار ووجب الجهاد على الكل فلا حاجة إلى الإذن من والد وسيد وقال ابن حزم في مراتب الإجماع إن كان أبواه يضيعان بخروجه ففرضه ساقط عنه إجماعًا وإلا فالجمهور يوقفه على الاستئذان والأجداد كالآباء والجدات من الأمهات وعن المنذري هذا في التطوع أما إذا وجب عليه فلا حاجة إلى إذنهما وإن منعاه عصاهما إذا كانا مسلمين فإن كانا كافرين فلا سبيل لهما إلى منعه ولو كانت طاعتهما نفلًا وطاعتهما حينئذ معصية وعن الثوري هما كالمسلمين وقال الحافظ واستدل بهذا الحديث على تحريم السفر بغير إذنهما لأن الجهاد إذا منع بغير إذنهما مع فضيلته فالسفر المباح أولى ثم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعين السفر
6353 -
(2532)(90) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ. حَدَّثَنَا حُمَيدُ بْنُ هِلالٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّهُ قَال: كَانَ جُرَيجٌ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَةٍ. فَجَاءَتْ أُمُّهُ.
قَال حُمَيدٌ: فَوَصَفَ لَنَا أَبُو رَافِعٍ صِفَةَ أَبِي هُرَيرَةَ لِصِفَةِ رَسُولِ الله صَلَّى
ــ
طريقًا إليه فلا منع وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف قلت والرّاجح توقفه على استئذان الوالدين اهـ.
ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6353 -
(2532)(90)(حدثنا ضيبان بن فروخ) الحبطي الأبلي (حدثنا سليمان بن المغيرة) القيسي البصري ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا حميد بن هلال) العدوي أبو نصر البصري ثقة من (3) روى عنه في (9) أبواب (عن أبي رافع) رفيع بن رافع الصائغ المدني مولى ابنة عمر بن الخطاب نزيل البصرة ثقة من (2) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أنه) أي أن أبا هريرة (قال كان جريج) بجيمين مع التصغير وهو كان أولًا رجلًا تاجرًا من بني إسرائيل فأعرض عن الدنيا واختار التعب فبنى صومعة يتعبد فيها كما ذكره بقوله كان (يتعبّد في صومعة) بفتح الصاد والميم بوزن فوعلة وهي البناء المرتفع المحدد أعلاه من صمعت الشيء إذا دققته ورققته لأنها دقيقة الرأس كما في فتح الباري وفي النواوي الصومعة كنيسة منقطعة عن العمارة تنقطع فيها رهبان النصارى لتعبدهم وهي رفيعة مثل المنارة [6/ 480] وأخرج أحمد في مسنده من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة هذا الحديث وفي أوله كان رجل من بني إسرائيل تاجرًا وكان ينقص مرةً ويزيد أخرى فقال ما في هذه التجارة خير لألتمسن تجارةً هي خير من هذه فبنى صومعة وترهّب فيها وكان يقال له جريج ودلّ ذلك على أنه كان بعد عيسى بن مريم عليهما السلام وأنه كان من أتباعه لأنهم هم الذين ابتدعوا الترهب وحبس النفس في الصوامع (فجاءت أمه) إلى صومعته يومًا وفي حديث لعمران بن حصين ذكره الحافظ وكانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها فأتته يومًا وهو في صلاته وفي رواية أبي رافع عن أبي هريرة عند أحمد فأتته أمه ذات يوم قالت أي جريج أشرف عليَّ أكلمك أنا أمك (قال حميد) بن هلال (فوصف لنا) أي حكى لنا (أبو رافع صفة أبي هريرة) أي وصف أبي هريرة له (لصفة رسول الله صلى
الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ أُمَّهُ حِينَ دَعَتْهُ. كَيفَ جَعَلَتْ كَفَّهَا فَوْقَ حَاجِبِهَا. ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَها إِلَيهِ تَدْعُوهُ. فَقَالتْ: يَا جُرَيجُ، أنَّا أُمُّكَ، كَلِّمْنِي، فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي. فَقَال: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاتِي، فَاخْتَارَ صَلاتَهُ، فَرَجَعَتْ ثُمَّ عَادَتْ فِي الثَّانِيَةِ. فَقَالتْ: يَا جُرَيجُ، أَنَا أُمُّكَ، فَكَلِّمْنِي. قَال: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلاتِي. فَاخْتَارَ صَلاتَهُ
ــ
الله عليه وسلم) أي لوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم له صفة (أمه) وهيئتها (حين دعته) ونادته وقوله (كيف جعلت كفها فوق حاجبها) بدل اشتمال من أمه أي لوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه أي لوصفه كيف جعلت كفها فوق حاجبها وقوله (ثم رفعت رأسها إليه تدعوه) وتناديه معطوف على جعلت قال القاضي عياض فيه جواز حكاية الأحوال إذا لم تكن على وجه السخرية والمجون وكانت لبيان علم أر زيادة فائدة اهـ من الأبي وإنما احتاجت إلى رفع الرأس لأن جريجًا كان في صومعة وما كانت تتمكن من مخاطبته إلا عن طريق كوة أو نحوها ولعلها كانت فوقها بقليل فرفعت رأسها إليها وأما وضع كفها فوق حاجبها فلئلا يمنع ضوء الشمس وغيرها من رؤية ابنها في داخل الصومعة.
(قالت) في ندائه (يا جريج أنا أمك كلمني) بإجابة ندائي (فصادفته) في ندائها وهو (يصلِّي فقال) جريج حين سمع نداءها (اللهم) اجتمع عليّ (أمي وصلاتي) أي حق إجابة أمي وحق إتمام صلاتي إما أنه قال ذلك في نفسه دون أن ينطق بلسانه أو نطق هذه الكلمة لأن الكلام كان جائزًا في أثناء الصلاة في شريعتهم كما أنه كان جائزًا في ابتداء شريعتنا ثم نسخ (فاختار) إتمام (صلاته) على إجابتها (فرجعت) إلى بيتها (ثم عادت) إليه (في) المرة (الثانية فقالت يا جريج أنا أمّك فكلمني فقال اللهم أمّي وصلاتي فاختار صلاته) قال القاضي عياض ليس في الحديث أنه كان في صلاة فرض ولعل شرعه حرمة قطع النافلة فهو من تعارض فرضين البر ووجوب التمادي ولكن يمكن أن يخفف ويجيبها ولعله خشي أن تنزله من صومعته وتذهب به ليكون معها أو خشي أن مكالمتها يأنس بها من غير من انقطع إليه وتحل عزيمته فيما التزمه ولعل شرعه كان يوافق ذلك في عدم قطع الصلاة ولكن يبقى شيء آخر وهو أن البر فرض والعزلة وصلاة النافلة طول النهار ليست فرضًا والفرض مقدم فلعله غلط في إيثار العزلة والصلاة ولذلك أجاب الله سبحانه دعاءها عقابًا له اهـ من الأبي وقال القرطبي جريج كان عابدًا ولم يكن عالمًا إذ بأدنى نظر ترجح الإجابة لأن البر واجب وصلاة النفل ندب فلا تعارض يوجب إشكالًا فكان يجب عليه تخفيف صلاته أو قطعها وإجابة أمه لا سيما وقد تكرَّر إليه مجيئها وتشوقها واحتياجها
فَقَالتِ: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا جُرَيجٌ، وَهُوَ ابْنِي، وَإِنِّي كَلَّمْتُهُ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِي. اللَّهُمَّ فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ.
قَال: وَلَوْ دَعَتْ عَلَيهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ.
قَال:
ــ
إلى مكالمته وهذا كله يعين إجابتها ألا ترى أنه أغضبها بإعراضه عنها وإقباله على صلاته ويبعد اختلاف الشرائع في وجوب بر الوالدين وعند ذلك دعت فأجاب الله سبحانه دعاءها تأديبًا له وإظهارًا لكرامتها والظاهر أنها كانت فاضلة عالمة ألا تراها كيف تحرزت في دعائها فقالت اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات ولم تقل غير ذلك وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث ولو دعت عليه أن يفتن لفتن وهي أيضًا لو كظمت غيظها وصبرت لكان ذلك الأولى بها لكن لما علم الله صدق حالهما لطف بهما وأظهر مكانتهما عنده بما أظهر من كرامتهما ويستفاد من الحديث تأكد سعي الولد في إرضاء الأم واجتناب ما يغير قلبها واغتنام صالح دعوتها ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم "الجنة تحت أقدام الأمهات" ذكره العجلوني في كشف الخفاء [1/ 335] وقال رواه الخطيب في جامعه والقُضاعي في مسنده عن أنس ورواه الديلمي في مسند الفردوس [2611] وابن عدي في الكامل [6/ 2347] أي من انتهى من التواضع لأمه بحيث لا يشق عليه أن يضع قدمها على خده استوجب بذلك الجنة والأولى في هذا الحديث أن يقال إنه خرج مخرج المثل الذي يقصد به الإغياء في المبرّة والإكرام وهو نحو من قوله صلى الله عليه وسلم "الجنة تحت ظلال السيوف" متفق عليه ورواه أبو داود أيضًا اهـ من المفهم.
(فقالت) أمه (اللهم إن هذا) الذي ناديته (جريج وهو ابني وإني كلمته فأبى أن يكلمني اللهم فلا تمته حتى تريه المومسات) أي الزواني البغايا المتجاهرات بذلك وهي جمع مومسة وهي الزانية المجاهرة وتجمع على مياميس أيضًا ووقع في هذه الرواية أنها أتته مرتين ودعت عليه في المرة الثانية ووقع في حديث عمران بن حصين أنها جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات ومثبت الزيادة أولى بالتقديم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل كونه من كلام أبي هريرة (ولو دعت عليه) بـ (ـأن يفتن) بالوقوع في الزنا (لفتن) بوقوعه في الزنا إجابة لدعوتها يعني لو دعت أمه بالمواقعة على الزانية لواقع عليها ولكنها لم تدع عليه بالمواقعة لكونها فاضلة عالمة مشفقة عليه (قال) النبي صلى الله
وَكَانَ رَاعِي ضَأْنٍ يَأوي إِلَى دَيرِهِ. قَال: فَخَرَجَتِ امرَأَةٌ مِنَ الْقريَةِ فَوَقَعَ عَلَيها الراعِي. فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ غُلامًا. فَقِيلَ لَها: مَا هذا؟ قَالتْ: مِنْ صَاحِبِ هذا الدَّيرِ. قَال:
ــ
عليه وسلم (وكان راعي ضأن يأوي) أي ينضم (إلى ديره) ويجاورها والدير بفتح الدال المهملة وسكون الياء كنيسة منقطعة عن العمارة تنقطع فيها رهبان النصارى لتعبدهم وهي بمعنى الصومعة المذكورة في الرواية الأخرى وهي نحو المنارة ينقطعون فيها عن الوصول إليهم والدخول عليهم (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (فخرجت امرأة) بغية (من القرية) إلى محل الراعي ففتنته (فوقع عليها الراعي) أي جامعها اسم ذلك الراعي صهيب اهـ تنبيه المعلم وقال ابن حجر في الفتح [6/ 482] قلت ولم أقف على اسم هذا الراعي ويقال إن اسمه صهيب اهـ (فحملت) منه حملًا (فولدت غلامًا) أي وّلدًا ذكرًا وفي تنبيه المعلم قال شيخنا اسمه بابوس اهـ وكتبت إلى شيخنا معترضًا عليه أن بابوس ليس علمًا عليه وإنما هو ولد كل شيء في صغره كما قال صاحب جامع اللغة فكتب إلى قلت ذلك لأنه جزم به أحمد بن نصر الداودي المالكي شارح البخاري فيما نقله عنه عبد الواحد بن محمد السفاقسي المعروف بابن التين في شرح البخاري بأنه اسم علم لهذا الغلام وكونه اسما لكل شيء صغير لا يمنع أن يكون علمًا لهذا الغلام اهـ من تنبيه المعلم وبابوس هذا بموحدتين بينهما ألف وسين مهملة في آخره اهـ منه قوله "فخرجت امرأة من القرية" قال ابن حجر في الفتح [6/ 480] ولم أقف في شيء من الطرق على اسم هذه المرأة لكن في حديث عمران بن حصين أنها كانت بنت ملك القرية قلت وعند النقاش في فنون العجائب في [49 - 59] أنها كانت بغيًا وأنها كانت راعية معزى ولا تعارض بين هذه الأقوال كلها فيما ذكر ابن حجر فقال ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأنها خرجت من دار أبيها بغير علم أهلها متنكرة وكانت تعمل الفساد إلى أن ادّعت أنها تستطيع أن تفتن جريجًا فاحتالت بعد أن خرجت في سورة راعية ليمكنها أن تأوي إلى ظل صومعته لتتوصل بذلك إلى فتنته وسيأتي في رواية ابن سيرين أنها كانت امرأة بغيًا وأرادت أن تفتن جريجًا فعرضت نفسها عليه فأبى فأمكنت راعيًا من نفسها.
(فقيل لها) لم أر من بين اسم هذا القائل (ما هذا) الغلام ممن حملته (قالت) حملته (من صاحب هذا الدير) أي من صاحب هذه الصومعة (قال) رسول الله صلى الله
فَجَاؤُوا بِفُؤُوسِهِم وَمَسَاحِيهِم، فَنَادَوهُ فَصَادَفُوهُ يُصَلِّي، فَلَم يُكَلِّمهُم. قَال: فَأَخَذُوا يَهْدِمُونَ دَيرَهُ. فَلَما رَأَى ذلِكَ نَزَلَ إِلَيهِم. فَقَالُوا لَهُ: سَلْ هذِهِ. قَال: فَتَبسَّمَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَ الصبِيِّ فَقَال: مَنْ أَبُوكَ؟ قَال: أَبِي رَاعِي الضأنِ. فَلَما سَمِعُوا ذلِكَ مِنْهُ قَالُوا: نَبْنِي مَا هدَمنَا مِنْ دَيرِكَ بِالذهبِ وَالْفِضةِ. قَال: لَا
ــ
عليه وسلم (فجاؤوا) أي جاء أهل القرية (بفؤوسهم) جمع فأس بالهمزة فيهما وهي الآلة المعروفة يحفر بها الأرض ويشق بها الحطب ويهدم بها الجدار (ومساحيهم) جمع مسحاة بكسر الميم وهي الآلة التي يكسح بها الطين أي يقلب بها التراب عن وجه الأرض عند الزراعة وتسمى بالمجرفة أيضًا لكن المسحاة ما كان من حديد والمجرفة ما كان من خشب مأخوذة من قولهم سحى الطين يسحيه من باب رمى ويسحوه من باب دعا إذا قشره وكسحه والمراد أن القوم زعموا أن جريجًا العابد هو الذي زنى بالمرأة فغضبوا عليه وأتوا إليه بهذه الآلات لهدم صومعته (فنادوه) بصوت رفيع (فصادفوه يصلَّي فلم يكلمهم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأخذوا) أي شرعوا (يهدمون ديره فلما رأى) جريج (ذلك) الهدم منهم (نزل إليهم) من عليها فقال لهم ما سبب هذا الهدم (فقالوا له سل هذه) المرأة عن سببه فإنها أخبرت لنا بأنك وقعت عليها وولدت منك الغلام وفي هذه الرواية حذف يأتي تفصيله في الرواية الآتية (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فتبسم) أي ضحك جريج ضحكًا بلا صوت أي كشر عن أسنانه الشفتين (ثم مسح رأس الصبي فقال) له (من أبوك) يا غلام (قال) الصبي (أبي) أي والدي (راعي الضأن) وفي هذا إثبات لكرامات الأولياء فإن تكلم هذا الصبي كان على سبيل الكرامة لجريج العابد رحمه الله تعالى وذكر ابن بطال احتمال أن يكون جريج نبيًّا فيكون كلام الصبي معجزة له وذكر في رواية البخاري في الصلاة أن اسم هذا الصبي بالوس ثم إن نسبة الأبوة إلى الراعي إنما وقعت على سبيل المجاز لأنه ولد من مائه لا على سبيل لحوق النسب به شرعًا وذكر الحافظ في الفتح [6/ 483] عن بعض العلماء أن بني إسرائيل كان من شرعهم أن المرأة تصدّق فيما تدعيه على الرجال ويُلحق به الولد وأنه لا ينفعه جحد ذلك إلا بحجة تدفع قولها اهـ.
(فلما سمعوا ذلك) الكلام (منه) أي من الصبي (قالوا) لجريج (نبني) ونعيد (ما هدمنا من ديرك) وصومعتك (بالذهب والفضة قال) جريج (لا) تبنوه بالذهب والفضة
وَلكِنْ أَعِيدُوهُ تُرَابًا كَمَا كَانَ. ثُمَّ عَلاهُ.
6354 -
(00)(00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَمْ يتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ
ــ
(ولكن أعيدوه) أي أعيدوا لي ما هدمتم (ترابًا) أي من تراب (كما كان) ما هدمتموه من تراب أولًا لا من ذهب وفضة (ثم) أعادوه له و (علاه) أي ارتفع عليه وعبد ربّه كعادته وفي قوله "أعيدوه ترابًا كما كان" أن السذاجة هي المطلوبة في بناء المعابد والمساجد وأن زخرفتها بالذهب والفضة مما لا يليق بشأنها. وفي هذا الحديث دلالة على أن من تعدّى على جدار أو دار وجب عليه أن يعيده على حالته إذا انضبطت صفته وأمكنت مماثلته ولا تلزم قيمة ما تعدى عليه وقد بوّب البخاري على حديث جريج هذا باب من هدم حائطًا بنى مثله وهو تصريح بما ذكرناه وهو مقتضى قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيكُمْ} [البقرة: 194]، فإن تعذرت المماثلة فالمرجع إلى القيمة وهو مذهب الكوفيين والشافعي وأبي ثور في الحائط وفي العتيبة عن مالك مثله ومذهب أهل الظاهر في كل متلف هذا ومشهور مذهب مالك وأصحابه وجماعة من العلماء أن فيه وفي سائر المتلفات المضمونة القيمة إلا ما يرجع إلى الكيل والوزن بناء منهم على أنه لا تتحقق المماثلة إلا فيهما اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 307] والبخاري في مواضع منها في المظالم باب إذا هدم حائطًا فليبني مثله [2482] ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6354 -
(00)(00)(حدثنا زهير بن حرب حدثنا يربد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة من (9) روى عنه في (19) بابا (أخبرنا جرير بن حازم) الأزدي البصري ثقة من (6) روى عنه في (19) بابا (عن محمد بن سيرين) الأنصاري مولاهم مولى أنس البصري ثقة من (3) روى عنه في (16) بابا (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة ابن سيرين لأبي رافع الصائغ (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لم يتكلّم في المهد) قال القرطبي المهد هو وطاء الصبي وكل ما يسوى له وقد يكون سريره وعن قتادة في قوله تعالى: {كَيفَ نُكَلِّمُ
إلا ثَلاثةٌ: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. وَصَاحِبُ جُرَيجٍ. وَكَانَ جُرَيجٌ رَجُلًا عَابِدًا. فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً. فَكَانَ فِيهَا. فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي. فَقَالتْ: يَا جُرَيجٌ. فَقَال: يَا رَبِّ، أُمِّي وَصَلاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتهِ. فَانْصَرَفَتْ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ
ــ
مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم: 29]، المهد حجر أمه والمهد أصله مصدر مهدت الشيء أمهده إذا سويته وعدلته أي لم يتكلم في زمن تعهده في المهد والسرير (إلا ثلاثة عيسى بن مريم وصاحب جريج) يعني بابوس وظاهر هذا الحصر يقتضي أن لا يوجد صغير تكلم في المهد إلا هؤلاء الثلاثة وهم عيسى وصبي جريج والصبي المتعوذ من الجبار وقد جاء من حديث صهيب المذكور في تفسير سورة البروج في قصة الأخدود أن امرأة جيء بها لتلقى في النار على إيمانها ومعها صبي لها في غير كتاب مسلم زيادة يرضع فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أم اصبري فإنك على الحق رواه مسلم [3005] والترمذي [3337] وقال ابن عباس رضي الله عنهما إن شاهد يوسف كان صبيًّا في المهد وقال الضحاك تكلم في المهد ستة شاهد يوسف وصبي ماشطة امرأة فرعون وعيسى ويحيى وصاحب جريج وصاحب الأخدود.
"قلت " فأسقط الضحاك صبي الجبار وذكر مكانه يحيى وعلى هذا فيكون المتكلمون في المهد سبعة فبطل الحصر بالثلاثة المذكورين في الحديث.
"قلت" ويجاب عن ذلك بأن الثلاثة المذكورين في الحديث هم الذين صح أنهم تكلموا في المهد ولم يختلف فيهم فيما علمت واختلف فيمن عداهم فقيل إنهم كانوا كبارًا بحيث يتكلمون ويعقلون وليس فيهم أصح من حديث صاحب الأخدود ولم تسلم صحة الجميع فيرتفع الإشكال بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما كان في علمه مما أُوحي إليه في تلك الحال ثم بعد هذا أعلمه الله تعالى بأشياء من ذلك فأخبرنا بذلك على ما في علمه والله أعلم اهـ من المفهم.
(وكان جريج رجلًا عابدًا فاتخذ صومعة) ليتعبد فيها (فكان فيها) أي في تلك الصومعة (فأتته أمه) لم أر من ذكر اسمها (وهو) أي والحال أنه (يصلي فقالت يا جريج فقال يا رب) اجتمع عليَّ إجابة (أمي و) إتمام (صلاتي فأقبل على صلاته فانصرفت) أمه غضبى (فلما كان من الغد أتته وهو يصلّي فقالت يا جريج فقال يا رب أمّي وصلاتي فأقبل على صلاته) وترك إجابتها (فانصرفت) غضبى (فلما كان من الغد) من اليوم الثاني
أتتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي. فَقَالتْ: يَا جُرَيجُ. فَقَال: يَا رَبِّ، أُمِّي وَصَلاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتهِ. فَانْصَرَفَتْ. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي. فَقَالتْ: يَا جُرَيجُ فَقَال: أَي رَبِّ، أُمِّي وَصَلاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتهِ. فَقَالتِ: اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ. فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيجًا وَعِبَادَتَهُ. وَكَانَتِ امْرَأَةْ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا. فَقَالتْ: إِنْ شِئْتُم لأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ. قَال: فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيهَا. فَأَتتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوي إِلَى صوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا. فَوَقَعَ عَلَيهَا، فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ. قَالتْ: هُوَ مِنْ جُرَيجٍ، فَأَتوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ. فَقَال: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: زَنَيتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ. فَوَلَدَتْ مِنْكَ. فَقَال: أَينَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاؤُوا بِهِ. فَقَال: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ. وَقَال: يَا غُلامُ، مَنْ أَبُوكَ؟
ــ
(أتته وهو يصلّي فقالت يا جريج فقال أي رب) أي يا رب (أمّي وصلاتي فأقبل على صلاته فقالت) في اليوم الثالث داعية عليه (اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات) أي البغايا (فتذاكر بنو إسرائيل) فيما بينهم (جريجًا) أي اجتهاده في العبادة (و) كثرة (عبادته وكانت) فيهم (امرأة بغي) أي زانية (يتمثل بحسنها) وجمالها أي يضرب بجمالها المثل لانفرادها به (فقالت إن شئتم لأفتننَّه) أي لأختبرنّه (لكم) هل هو مخلص أم لا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فتعرّضت) تلك البغية وطلبت (له) أي لجريج (فلم يلتفت إليها فأتت راعيًا كان يأوي) ويجاور (إلى صومعته فأمكنته من نفسها فوقع عليها) أي جامعها (فحملت) من الراعي حملًا (فلما ولدت قالت هو) أي هذا الولد ولدتُه (من جريج فأتوه) أي فأتى أهل القرية جريجًا (فاستنزلوه) أي طلبوا منه نزوله من الصومعة (وهدموا صومعته وجعلوا) يسبونه و (يضربونه فقال) لهم جريج (ما شأنكم) وحالكم ضربتموني وهدمتم صومعتي (قالوا) له (زنيت بهذه البغيّ) أي بهذه البغية (فولدت منك) ولدًا (فقال) لهم جريج: (أين الصبي) الذي ولدته مني (فجاؤوا به) أي بالصبي (فقال) لهم جريج (دعوني) أي اتركوني وأمهلوني (حتى أصلي) ما شاء الله (فلما انصرف) وفرغ من صلاته (أتى الصبيّ فطعن في بطنه وقال) للولد (يا غلام من أبوك) قد يقال إن الزاني لا يلحقه الولد وكيف يقول من أبوك وجوابه من وجهين أحدهما لعله كان
قَال: فُلانٌ الرَّاعِي. قَال: فَأقْبَلُوا عَلَى جُرَيجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيتَمَسَّحُونَ بِهِ. وَقَالُوا: نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَال: لا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ، فَفَعَلُوا.
وَبَينَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ. فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ. فَقَالتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا. فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيهِ فَنَظَرَ إِلَيهِ. فَقَال: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ.
قَال: فَكَأَني أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
شرعهم يلحقه والثاني أن المعنى من ماء من أنت يا غلام وسمّاه أبًا مجازًا اهـ نووي (قال) الغلام له أبي (فلان الراعي) أي راعي الضأن (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأقبلوا) أي فأقبل القوم الذين ضربوه أولًا وشتموه (على جريج) ورجعوا إليه نادمين على ما فعلوه به حالة كونهم (يقبلونه) أي يقبلون رأسه (وبتمسحون به) ويعانقونه (وقالوا) له (نبني لك صومعتك) التي هدمناها عليك (من ذهب قال) جريج (لا) تبنوها لي من الذهب بل (أعيدوها) لي (من طين كما كانت) أولًا من طين (ففعلوا) ما أمرهم به أي أعادوها له من طين ثم ذكر الثالث من الصبية الثلاثة فقال (وبينا صبي يرضع من أمه) قال الحافظ في الفتح [6/ 483] لم أقف على اسم هذه المرأة ولا على اسم ابنها ولا على اسم أحد ممن ذكر في هذه القصة كذا قاله برهان الدين في تنبيه المعلم والفاء في قوله (فمرَّ رجلٌ راكبٌ) زائدة في جواب بينا (على دابة فارهة) أي على دابة نشيطة نجيبة قوية يقال فرهت بضم الراء فراهة وفراهة إذا نشطت وركضت (و) ملتبس ب (شارة) وهيئة ولبسة (حسنة) والشارة الهيئة واللباس والشارة بدون همزة الهيئة والمنظر واللباس الحسن الذي يتعجب منه ويشار إليه والمعنى مر عليها رجل راكب ذو شارة حسنة يعني أن الراكب كان في هيئة حسنة ولباس فاخر (فقالت أمه) أي أم الصبي (اللهم اجعل ابني مثل هذا) الراكب (فترك) الصبي (الثدي وأقبل إليه) أي إلى الراكب المار (فنظر إليه فقال اللهم لا تجعلني مثله) أي مثل هذا الراكب (ثم أقبل) الصبي (على ثديه) الذي يرتضع منه (فجعل) أي شرع (يرتضع) من الثدي اللبن ولم يتكلم بعد ذلك إلى أوان الكلام في العادة وقوله "لا تجعلني مثله" دعت أمه له بأن يكون مثل هذا الراكب لكونه صاحب ثروة وهيئة جميلة ولكن ردّ عليها الصبي وأبي أن يكون مثله لما في باطن الراكب من الكبر والعجب والتجبُّر (قال) أبو هريرة (فكأني أنظر) الآن (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ. فَجَعَلَ يَمُصُّهَا، قَال: "وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا ويقُولُونَ: زَنَيتِ. سَرَقْتِ. وَهِيَ تَقُولُ: حَسْبِيَ اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَقَالتْ أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا. فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيهَا. فَقَال: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا. فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ. فَقَالتْ: حَلْقَى، مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيئَةِ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ فَقُلْتَ:
ــ
وهو) صلى الله عليه وسلم (يحكي) ويصف (ارتضاعه) أي ارتضاع الصبي. (بـ) ـوضع (إصبعه السبابة) الشريفة (في فمه) الشريف (فجعل) النبي صلى الله عليه وسلم (يمصّها) أي يمص سبابته حكاية لارتضاع الصبي من ثدي أُمِّه (قال) النبي صلى الله عليه وسلم (ومرُّوا) أي ومرّ قوم من الناس لم أر من ذكر أسماءهم من الشرّاح أي ومرّوا على ذلك الولد وأُمه وهو يرتضع (بجاربة وهم يضربونها ويقولون) لها (زنيت سرقت) بتاء خطاب المؤنثة في الفعلين (وهي) أي والحال أن الجارية (تقول حسبي الله) أي كافي الله من شرّهم (ونعم الوكيل) أي الموكول إليه أمور الخلق والمخصوص بالمدح هو الله سبحانه (فقالت أمُّه) أي أم الولد (اللهم لا تجعل ابني مثلها) أي مثل هذه الجارية (فترك) الصبي (الرضاع ونظر إليها) أي إلى الجارية المضروبة (فقال) الولد (اللهم اجعلني مثلها) أي مثل هذه الجارية (فهناك) أي فعندما قال الولد اللهمَّ اجعلني مثل هذه الجارية (تراجعا) أي تراجع الولد وأمه (الحديث) بينهما يعني جعلت الأم وابنها يتراجعان الكلام فيما بينهما فإن الأم كانت تزعم قبل ذلك أن الصبي ليس أهلًا للمخاطبة ولما صدرت منه كلمة أو كلمتان وكان ذلك على سبيل خرق العادة وتكرّر منه الكلام عرفت أنه يمكن مخاطبته ومساءلته (فقالت) لها (حلقى) أي أصابني الله بوجع في حلقي وهي بالف مقصورة كلمة جرت على ألسنتهم مجرى المثل لا يريدون معناه وهي في أصلها تقال فيمن أصيب حلقه بوجع فقولهم حلقى دعاء في الأصل بمعنى جعلك الله حلقى أي مصاب الحلق بوجع وهي هنا للدعاء على نفسها ولكنها من الكلمات التي تجري على ألسنتهم في معرض الدعاء الغير المقصود وكذلك كلمة عقرى وأكثر ما تستعمل الكلمتان معًا فيقال عقرى حلقى وقد مرت الكلمة في كتاب الحج في قصة حفصة بنت عمر رضي الله عنهما (مرَّ رجل حسن الهيئة) والصورة (فقلت اللهم اجعل ابني مثله فقلت) أنت أيها
اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. وَمَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَها ويقُولُونَ: زَنَيتِ. سَرَقْتِ. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا. فَقُلْتَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا".
قَال: إِن ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ. وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا: زَنَيتِ وَلَمْ تَزْنِ، وَسَرَقْتِ، وَلَمْ تَسْرِقْ. فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا
ــ
الولد (اللهم لا تجعلني مثله ومرُّوا بهذه الأمة وهم يضربونها ويقولون) لها (زنيت سرقت فقلت اللهم لا تجعل ابني مثلها فقلت اللهم اجعلني مثلها) وأنت تعاكسني في كل ما قلت في الدعاء لك فما سبب هذا (قال) الولد (أن ذاك الرجل) الذي دعوت الله أن يجعلني مثله (كان جبارًا) قهارا على الناس متكبرا عن طاعة الله تعالى (فقلت) أنا لأجل ذلك (اللهم لا تجعلني) جبارًا (مثله وإن هذه الجارية) المجرورة المضروبة (يقولون لها زنيت و) الحال أنها بريئة (لم تزن و) يقولون لها (سرقت و) الحال أنها بريئة (لم تسرق فقلت) لأجل ذلك (اللهم اجعلني) بريئًا عندك من الذنب (مثلها).
قال القرطبي: والحاصل أن أمّ هذا الصبي الرضيع نظرت إلى الصورة الظاهرة فاستحسنت صورة الرجل وهيئته فدعت لابنها بمثل هذا واستقبحت صورة الأمة وحالتها فدعت أن لا يجعل الله ابنها في مثل حالتها فأراد الله تعالى بلفظه تنبيهها بأن أنطق لها ابنها الرضيع بما تجب مراعاته من الأحوال الباطنة والصفات القلبية وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم رواه أحمد [2/ 539] ومسلم [2564](34) وابن ماجه [3143] وكما قال بعض حكماء الشعراء:
ليس الجمال بمئزر
…
فاعلم وإن رديت بردا
إنَّ الجمال معادن
…
ومناقب أورثن مجدا
وهذا الصبي ظاهره أن الله تعالى خلق فيه عقلًا وإدراكًا كما يخلقه في الكبار عادةً ففهم كما يفهمون ويكون خرق العادة في كونه خلق له ذلك قبل أوانه ويحتمل أن يكون أجرى الله ذلك الكلام على لسانه وهو لا يعقله كما خلق في الذراع والحصى كلامًا له معنى صحيح مع مشاهدة تلك الأمور باقية على جمادتها كل ذلك ممكن والقدرة صالحة والله تعالى أعلم بالواقع منهما فأما عيسى عليه السلام فخلق الله له في مهده ما خلق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للعقلاء والأنبياء في حال كمالهم من العقل الكامل والفهم الثاقب كما شهد له بذلك القرآن وفي هذا الحديث ما يدل على صحة وقوع كرامات الأولياء وهذا قول جمهور أهل السنة والعلماء وقد نسب لبعض العلماء إنكارها والظن بهم أنهم ما أنكروا أصلها لتجويز العقل لها ولما وقع في الكتاب والسنة وأخبار صالحي هذه الأمة مما يدل على وقوعها وإنما محل الإنكار ادعاء وقوعها ممن ليس موصوفًا بشروطها ولا هو أهلٌ لها وادعاء كثرة وقوع ذلك دائمًا متكررًا حتى يلزم عليه أن يرجع خرق العادة عادة وذلك إبطال لسنة الله تعالى وحسم السبل الموصلة إلى معرفة نبوة أنبياء الله تعالى والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ثلاثة أحاديث الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثاني حديث عبد الله بن عمرو ذكره للاستشهاد وذكر فيه ثلاث متابعات والثالث حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.
***