الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
729 - (18) باب فضل إزالة الأذى من الطريق وحرمة تعذيب الهرَّة ونحوها وحُرمة الكبر والنهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله
6511 -
(2593)(161) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سُمَيٍّ؛ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"بَينَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيق، فَأَخَّرَهُ. فَشَكَرَ اللهُ لَهُ. فَغَفَرَ لَهُ"
ــ
729 -
(18) باب فضل إزالة الأذى من الطريق وحرمة تعذيب الهرَّة ونحوها وحُرمة الكبر والنهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله
" وفضل الضعفاء والخاملين والنهي عن قول هلك الناس والوصية بالخيار والإحسان إليهم واستحباب طلاقة الوجه والشفاعة فيما ليس بحرام ومجالسة الصالحين وفضل الإحسان إلى البنات".
6511 -
(2593)(161)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (قال قرأت على مالك عن سُمي مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزوميّ مولاهم أبي عبد الله المدني ثقة من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما رجل) من المسلمين ولم أر أحدًا من الشرّاح ولا ابن حجر عيَّن اسم هذا الرجل (يمشي بطريق) أي في طريق (وجد) أي رأى (غصن) شجر (شوك) نبت (على الطريق) أي فوق الطريق (فأخره) أي أزال ذلك الغصن عن الطريق (فشكر الله له) أي جازاه الله على تلك الحسنة (فغفر له) عطف تفسير على ما قبله.
قوله "فشكر الله له" أي رضي بفعله وقبله منه أو جازاه جزاء الشاكرين فسمى الجزاء شكرًا أو أظهره لملائكته أو لمن شاء من خلقه الثناء عليه بما فعل من الإحسان بعبيده أو أثنى عليه بمحضر من الملائكة وفيه فضل إماطة الأذى وقد سبق في كتاب الإيمان أنها أدنى شعب الإيمان وهذا الحديث شامل لكل ما يحتمل أن يؤذي المارَّة إما برائحته الكريهة أو بمنظره القبيح أو بإمكان أن ينزلق به إنسان أو ينجرح به أحد أو بمنع الناس عن المرور أو بالضغط عليهم فإيقاف السيَّارات في موضع ينسد به طريق العامة من الإيذاء الممنوع فسحب المرور لها حسنة لهم يكتب لهم به أجر.
6512 -
(00)(00) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ. فَقَال: وَاللهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُؤذِيهِمْ. فَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ".
6513 -
(00)(00) حدَّثناه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ. حَدَّثَنَا شَيبَانُ،
ــ
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 533] والبخاري في الأذان باب فضل التهجير إلى الظهر [652] وفي المظالم باب من أخذ الغصن وما يؤذي الناس في الطريق فرمى به [2472] وأبو داود في الأدب باب إماطة الأذى من الطريق [5245] والترمذي في البرِّ والصلة باب ما جاء في إماطة الأذى [1958] وابن ماجه في الآداب باب إماطة الأذى عن الطريق [3726].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6512 -
(00)(00)(حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمّان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة سهيل لسمي مولى أبي بكر (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ رجل) من المسلمين (بغصن) أي بفرع (شجرة) نبتت (على ظهر طريق) أي في هواء طريق (فقال) الرجل لنفسه (والله لأنحينَّ) أي لأُبعدن ولأُزيلنَّ (هذا) الغصن (عن) هواء طريق (المسلمين) وممرهم كي (لا يؤذيهم) هذا الغصن في مرورهم فأزاله عن طريقهم (فأدخل الجنة) بسبب إزالته عن طريق المسلمين وقوله لأنحين مضارع مسند إلى المتكلم من نحى المضعف من باب زكى بمعنى لأبعدن وأُزيلنَّ.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا فقال:
6513 -
(00)(00)(حدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبيد الله) بن موسى العبسي بموحدة مولاهم أبو محمد الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي نسبة إلى نحو بن شمس لا إلى علم النحو أبو معاوية البصري ثم الكوفي ثم البغدادي ثقة من (7) روى عنه في (9) أبواب
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَقَدْ رَأَيتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيق. كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ".
6514 -
(00)(00) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِنَّ شَجَرَةً كَانَتْ تُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَطَعَهَا. فَدَخَلَ الْجَنَّةَ"
ــ
(عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة الأعمش لسهيل بن أبي صالح (عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال) والله (لقد رأيت رجلًا يتقلّب) أي يتنعم (في) نعم (الجنة) وملاذها (في شجرة) أي بسبب قطع غصن شجرة (قطعها من ظهر الطريق) وفوقها (كانت) تلك الشجرة (تُؤذي الناس) المارين في الطريق وقوله "رأيت رجلًا" إمّا يقظة أو منامًا كل محتمل ولا معارضة بين قوله هنا في شجرة قطعها وبين ما سبق من قوله بغصن شجرة فأخره لأنه يجمع بينهما بأن سبب الإيذاء هو الغصن فقطعه عن الشجرة وعبّر عنه في هذه الرواية بقطع الشجرة من إطلاق الكل وإرادة البعض.
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6514 -
(00)(00)(حدثني محمد بن حاتم) بن ميمون السَّمين البغدادي صدوق من (10)(حدثنا بهز) بن أسد العمّي البصري ثقة من (9)(حدثنا حمّاد بن سلمة) بن دينار الربعيّ البصري ثقة من (8) روى عنه في (16) بابا (عن ثابت) بن أسلم البناني البصري ثقة من (4) روى عنه في (14) بابا (عن أبي رافع) الصّائغ نفيع بن رافع العدوي مولاهم مولى ابنة عمر بن الخطاب المدني نزيل البصرة ثقة من (2) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة أبي رافع لأبي صالح السمَّان (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنَّ شجرة كانت تؤذي المسلمين) في طريقهم (فجاء رجل) من المسلمين (فقطعها) أي فقطع غصنها لئلا يعارض ما سبق (فـ) ـبسبب قطعها (دخل الجنة) بمحض فضل الله تعالى مجازاة له على قطعها.
6515 -
(2594)(162) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَمْعَةَ. حَدَّثَنِي أَبُو الْوَازِعِ. حَدَّثَنِي أَبُو بَرْزَةَ. قَال: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، عَلِّمْنِي شَيئًا أَنْتَفِعُ بِهِ. قَال:"اعْزِلِ الأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ"
ــ
قال الأبي الأظهر أنها كانت غير مملوكة لأحد وأما الشجرة المملوكة المتدلي أغصانها على الطريق التدلّي المؤذي للمارَّة فللمار أن يقطعها إذا ظهرت إذايتها أو يرفع أمرها إلى القاضي حتى يثبت ذلك عنده وقد رخص بعضهم في أكل ثمرها وكما يزال الأذى عن الطريق فكذا يمنع من إحداثه ومن أعظمه المساقي المحدثة في طريق الأجنّة وتجريتها على سطح الطريق وكذا المجاري من الحمامات والكنف إذا كان الطريق ضيقًا وإذا كان الطريق واسعًا جدًّا واتخذ المساقي في فناء حائط جاز لقوله في المدونة من حفر في فنائه حفرة فمات فيها حيوان فلا ضمان عليه قال لأنه فعل ما يجوز له اهـ منه.
ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث أبي برزة رضي الله عنه فقال:
6515 -
(2594)(162)(حدثني زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن أبان) بالصرف وعدمه (بن صمعة) بفتحات ومهملتين بينهما ميم ويجوز إسكانها الأنصاريّ البصري والد عتبة الغلام المتعبد روى عن أبي الوازع في إماطة الأذى عن الطريق جابر بن عمرو ومسهر وابن سيرين وشهر بن حوشب وعدّة ويروي عنه (م) استشهادًا ويحيى بن سعيد القطان وخلق وثقه ابن معين والعجلي وأبو داود والنسائي وزاد أبو داود أنكر في آخر أيامه وقال في التقريب صدوق تغيَّر آخرًا من السابعة مات سنة [153] ثلاث وخمسين ومائة (حدثني أبو الوازع) جابر بن عمرو الرَّاسبي البصري صدوق من (3) روى عنه في (2) بابين الفضائل والبر والصلة باب إماطة الأذى من الطريق (حدثني أبو برزة) الأسلمي نضلة بن عبيد المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه (قال) أبو برزة (قلت يا نبي الله علمني شيئًا أنتفع به) في الدنيا والآخرة فـ (ـقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اعْزل الأذى) أي أزل وأبعد (عن طريق المسلمين) وممرِّهم ما يُؤذيهم في مرورهم من الشوك والحجر مثلًا وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث ابن ماجه في الآداب باب إماطة الأذى عن الطريق [3681].
قال القرطبي: وفي هذا الحديث ما يدلُّ على الترغيب في إزالة الأذى والضرر عن المسلمين وعلى إرادة الخير لهم وهذا مقتضى الدين والنصيحة والمحبة.
6516 -
(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنْ أَبِي الْوَازِعِ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ؛ أَنَّ أَبَا بَرْزَةَ قَال: قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَا أَدْرِي. لَعَسَى أَنْ تَمْضِيَ وَأَبْقَى بَعْدَكَ. فَزَوِّدْنِي شَيئًا يَنْفَعُنِي اللهُ بِهِ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"افْعَلْ كَذَا. افْعَلْ كَذَا - (أَبُو بَكْرٍ نَسِيَهُ) - وَأَمِرَّ الأَذَى عَنِ الطَّرِيق"
ــ
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه فقال:
6516 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي (أخبرنا أبو بكر) عبد الله (بن شعيب بن الحبحاب) بمهملتين مفتوحتين بينهما موحدة ساكنة وفي آخره موحدة أيضًا بن صالح الأزدي البصري روى عن أبي الوازع الرَّاسبي في إماطة الأذى ويروي عنه (م ت) ويحيى بن يحيى وثقه أبو داود وقال ابنُ معين لا بأس به وقال في التقريب ثقة من السابعة (عن أبي الوازع) جابر بن عمرو (الراسبيِّ) بكسر السين المهملة بعدها باء موحدة نسبة إلى بني راسب قبيلة معروفة نزلت البصرة اهـ نووي البصري (عن أبي برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمي) المدني (أن أبا برزة قال) وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة أبي بكر لأبان بن صمعة (قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني لا أدري) ولا أعلم مدة حياتي وحياتك والله (لعسى أن تمضي) وتموت قبلي (وأبقى) حيًّا (بعدك) أي بعد وفاتك ولا أجد، من يعلمني حينئذ (فزوّدني شيئًا) أي علمني شيئًا يكون زادًا لي في ديني (ينفعني الله) عز وجل (به) في الدنيا والآخرة (فقال) لي (رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليمه إيّاي (افعل كذا) من الخير (افعل كذا) وكذا قال يحيى بن يحيى (أبو بكر) بن شعيب (نسيه) أي نسى ذلك المأمور به الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أبا برزة (و) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي برزة أيضًا (أمرَّ) أي أزل (الأذى) أي ما يُؤذي المسلمين (عن الطريق) أي عن طريقهم وممرّهم قال القرطبي قوله:"وأمر الأذى" هكذا روايتي ورواية عامّة الشيوخ براء مشددة من المرور بمعنى نحِّ وأزل وعند الطبري (وأمز) بزاي معجمة ساكنة من الميز يقال ميزت الشيء من الشيء أبنته عنه وفي المصباح مزته ميزًا من باب باع عزلته وفصلته عن غيره أي أزله من الطريق وميزه عنه وعند ابن ماهان "أخِّره" وكلها بمعنى واحد اهـ من المفهم.
6517 -
(2595)(163) حدّثني عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ عُبَيدٍ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ، (يَعْنِي ابْنَ أَسْمَاءَ)، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ. سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ. فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ. لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا، إِذْ هِيَ حَبَسَتْهَا. وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ"
ــ
ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو حرمة تعذيب الهرة ونحوها بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
6517 -
(2595)(163)(حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء بن عبيد) بن مخراق (الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة أبو عبد الرحمن البصريّ ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا) عمّي (جويرية يعني ابن أسماء) بن عبيد الضبعي البصري صدوق من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهذا السند من رباعيَّاته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عُذِّبت امرأة) قال في تنبيه المعلم هي امرأة حميرية سوداء طويلة أو من بني إسرائيل انظر مستند ذلك في كتابنا من قصص الماضين [ص 346 - 348] اهـ منه وقد مرّت قصة هذه المرأة من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في كتاب الكسوف وأن النبي صلى الله عليه وسلم رآها حين شاهد النَّار في أثناء صلاة الكسوف وذكر في بعض الروايات هناك أنها كانت امرأة حميرية سوداء طويلة أو من بني إسرائيل (في هرّة) أي بسبب هرّة (سجنتها) أي سجنت المرأة تلك الهرة وحبستها عن طلب أرزاقها (حتى ماتت) جوعًا والهرّة الحيوان تعادي الفئران طوّاف على الناس غالبًا (فدخلت) المرأة (فيها) أي بسبب تلك الهرة أي بسبب حبسها ومنعها من الطعام (النار) الأخرويَّة (لا هي) أي لا تلك المرأة لا ملغاة لا عمل لها لدخولها على المعرفة أو عاملة عمل ليس أي ليست تلك المرأة (أطعمتها) أي أطعمت تلك الهرَّة بطعام من عندها (و) لا (سقتها) بماء من عندها (إذ هي) أي تلك المرأة (حبستها) أي منعت تلك الهرة عن طلب أرزاقها والظرف متعلق بأطعمتها أي ليست أطعمتها ولا سقتها وقت حبسها ومنعها عن طلب أرزاقها (ولا هي) معطوف على جملة قوله لا هي أطعمتها أي وليست تلك المرأة (تركتها) أي تركت تلك الهرّة وأطلقتها حالة كون الهرة (تأكل من خشاش الأرض) وحشراتها وهوامِّها فلا تموت
6518 -
(00)(00) حدّثنى هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ. جَمِيعًا عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَى حَدِيثِ جُوَيرِيَةَ.
6519 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ،
ــ
جوعًا قال الأبي والحديث أصلٌ في منع تعذيب الحيوان آدميًّا كان أو غيره وأن من وجوه تعذيبه منعه الأكل والموجب للعقوبة المذكورة فيه مجموع الأمرين الحبس والمنع من الأكل ولو حبستها وغفلت أن تطعمها حتى ماتت فهو من القتل خطأ "وخشاش الأرض" هوامُّها وحشراتها وفي الخاء الفتح والكسر والضم اهـ سنوسي وأمَّا الخشاش بالكسر لا غير فهو الذي يدخل في أنف البعير من خشب وأما الخشاش بالفتح فهو الماشي من الرجال قال الجوهريُّ وقد يضمُّ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاريُّ في بدء الخلق باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه [3318] وفي موضع آخر.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
6518 -
(00)(00)(حدثني هارون بن عبد الله) بن مروان البغدادي أبو موسى البزاز المعروف بالحمّال بالمهملة (وعبد الله بن جعفر بن يحيى بن خالد) بن برمك البرمكي أبو محمد البصري ثم البغدادي ثقة من (11) روى عنه في (5) أبواب (جميعًا عن معن بن عيسى) بن يحيى الأشجعي أبي يحيى القزّاز المدني ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (عن مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خُماسياته غرضه بيان متابعة بن أنس لجويرية بن أسماء وساق مالك بن أنس (بمعنى حديث جويرية).
ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
6519 -
(00)(00)(وحدثنيه نصر بن عليّ) بن نصر بن علي بن صهبان الأزدي أبو عمر البصريّ (الجهضميُّ) ثقة ثبت من (10) روى عنه في (16) بابا (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى الساميُّ أبو محمد البصري ثقة من (8) روى عنه في (11) بابا (عن عبيد الله بن عُمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العُمريّ المدني ثقة من
عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ أَوْثَقَتْهَا. فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَسْقِهَا. وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ".
6520 -
(00)(00) حدَّثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ عُبَيدِ اللهِ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ.
6521 -
(2596)(164) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ. قَال: هَذَا
ــ
(5)
روى عنه في (12) بابا (عن نافع عن ابن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عُبيد الله لجويرية (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عذّبت امرأة في هرَّة) أي بسبب هرَّة وفي هنا بمعنى الباء السببية كما هو معلوم عند علماء العربية (أوثقتها) أي ربطتها وجعلتها في الوثاق (فلم تطعمها) بضم التاء من الإطعام أي لم تطعمها طعامها في الوثاق (ولم تسقها) بفتح التاء وكسر القاف من السّقي أي لم تعط لها شرابها من الماء في الوثاق (ولم تدعها) أي لم تتركها مطلقة مرسلة حالة كونها (تأكل من خشاش الأرض) وهوامّها وحشراتها كالفئران والجُعلان والحيّات.
ثم ذكر المؤلف المتابعة في الشاهد لحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
6520 -
(00)(00)(حدثنا نصر بن علي الجهضميُّ حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى (عن عبيد الله) بن عمر (عن سعيد) بن أبي سعيد (المقبري عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بيان متابعة سعيد المقبري لنافع مولى ابن عمر ولكنها متباعة ناقصة وساق المقبريُّ (بمثله) أي بمثل حديث نافع عن ابن عمر.
ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث أبي هريرة رضي الله عنهم فقال:
6521 -
(2596)(164)(حدَّثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا عبد الرزاق) بن همام (حدثنا معمر) بن راشد (عن همَّام بن منبّه) اليماني (قال) همّام (هذا) الحديث
مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ لَهَا، أَوْ هِرٍّ. رَبَطَتْهَا. فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا. وَلَا هِيَ أَرْسَلَتْهَا تُرَمْرِمُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ. حَتَّى مَاتَتْ هَزْلًا"
ــ
الذي أمليه عليكم (ما حدَّثنا) به (أبو هريرة) رضي الله عنه (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر) همَّام (أحاديث منها) أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلتْ امرأة) قيل هي حميرية وقيل هي إسرائيلية (النَّار) وهذا السند من خماسياته وظاهره أنها عذّبت حقيقة أو بالحساب والمناقشة على الهرّة قيل وكانت كافرةً والأصحّ أنها مسلمة وإنما دخلت النار بهذا الإثم كذا في المناوي (من جرَّاء هرّة) مملوكة (لها) أي من أجل هرة كانت لها يُمدّ ويقصر يقال من جرّائك ومن جرَّاك ومن جريرتك ومن أجلك بمعنى اهـ نووي قال في القاموس من "جرَّاك" بفتح الجيم وتشديد الراء وتخفيفها ويُمدّ ويقصر ومن جريرتك بمعنى من أجلك اهـ (أو) قال أبو هريرة من جراء (هرٍّ) لها بحذف الهاء قال القرطبي وظاهر هذا أن الهرّ يملك لأنه صلى الله عليه وسلم أضاف الهرّ للمرأة باللام التي هي ظاهرة في الملك (ربطتها فلا هي) أي فليست هي (أطعمتها ولا هي أرسلتها) أي أطلقتها حالة كون الهرة (ترمرم) أي تأكل (من خشاش الأرض) وقوله (حتى ماتت) الهرّة (هزْلًا) أي جوعًا متعلق بربطتها وقوله "تُرَمْرِم" بضم التاء وفتح الراء وسكون الميم الأولى وكسر الراء الثانية هكذا في أكثر النسخ وفي بعضها "تُرمم" بضم التاء وكسر الميم الأولى وراء واحدة وفي بعضها "ترم" بفتح التاء وضم الراء وتشديد الميم قال صاحب الأفعال رممت الأمر أصلحته ورم العظم صار رميمًا ورم الحبل انقطع ورمت الشاة تناولت النبات بشفتيها قال القاضي ويقال رمرم بإظهار التضعيف في الراء من الرمرام وهو الحشيش أي أكلته واشتق لها فعلًا منه وكلها ترجع إلى الأول والله أعلم اهـ من الأبي.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 261] وابن ماجه في الزهد باب ذكر التوبة [4310].
ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو تحريم الكبر بحديثي أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما فقال:
6522 -
(00)(00) حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ. حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ. حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الأَغَرِّ؛ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيرَةَ قَالا: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْعِزُّ إِزَارُهُ. وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ. فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ"
ــ
6522 -
(00)(00)(حدثنا أحمد بن يوسف) بن خالد بن سالم (الأزدي) السلمي النيسابوري ثقة من (11) روى عنه في (11) بابا (حدثنا عمر بن حفص بن غياث) بن الطلق النخعي الكوفي ثقة من (10) روى عنه في (8) أبواب (حدثنا أبي) حفص بن غياث النخعي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا (حدثنا الأعمش حدثنا أبو إسحاق) السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني الكوفي (عن أبي مسلم) هو (الأغرّ) بن عبد الله أو ابن سليك مولى أبي هريرة وأبي سعيد كانا اشتركا في عتقه فهو مولى لهما المدني نزيل الكوفة روى عنهما ويروي عنه (م عم) وأبو إسحاق ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (أنَّه) أي أن أبا مسلم (حدّثه) أي حدّث لأبي إسحاق السبيعي (عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سباعياته (قالا) أي قال أبو سعيد وأبو هريرة (قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه (العزُّ) وهي صفة أثرها غلبته تعالى على غيره (إزارُهُ) أي إزار الله سبحانه وتعالى والإزار صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها (والكبرياء) وهي صفة أثرها تنزهه تعالى عن كل ما لا يليق به (رداؤه) تعالى والرداء صفة ثابتة لله تعالى نثبتها ونعتقدها ولا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (فمن ينازعني) أي فمن يشاركني فيهما بادعائهما والتخلق بهما (عذبته) عذابًا شديدًا إن استحلهما فهو كافر مخلّد في النار وإلا فهو عاص مرتكب كبيرة وهذا وعيد شديد في الكبر مصرّح بتحريمه وتفسيرنا هذا هو المذهب الحقُّ وما سواه باطل ولا تغتر بقول المؤولين فتهلك.
قال القرطبي قوله "العزّ إزاره والكبرياء رداؤه" إلخ كذا جاء هذا اللفظ في رواية مسلم مفتتحًا بالغيبة ثم التفت إلى التكلم وهذا على عكس قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَينَ بِهِمْ} [يونس: 22]، فالتفت من الخطاب إلى الغيبة وهي طريقة عربية معروفة يسميها البديعيون بالمحسنات اللفظية وقد جاء هذا الحديث في غير كتاب مسلم بلفظ "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدًا منهما قصمته ثم ألقيته في النار"
6523 -
(2596)(164) حدَّثنا سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيمَانَ، عَنْ أَبِيهِ. حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ "أَنَّ رَجُلًا قَال: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلانٍ. وَإِنَّ اللهَ تَعَالى قَال: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلانٍ
ــ
رواه أبو داود بهذا اللفظ [4090] وأصل الإزار ما يستر به أسافل البدن ويشدُّ على الوسط والرداء ما يستر به أعالي البدن ويجعل على الكتفين والمقصود من الحديث أن العزّ والعظمة والكبرياء من أوصاف الله تعالى الخاصّة به التي لا تنبغي لغيره فمن تعاطى شيئًا منها أذله الله تعالى وصغّره وحقّره وأهلكه كما قد أظهره من سنته في المتكبرين السابقين واللاحقين اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في اللباس باب ما جاء في الكبر [4090] وابن ماجه في الزهد باب البراءة من الكبر والتواضع [4227].
ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو النهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله تعالى بحديث جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه فقال:
6523 -
(2596)(164)(حدَّثنا سويد بن سعيد) بن سهل الهرويّ أبو محمد الحدثاني صدوق من (10) روى عنه في (7) أبواب (عن معتمر بن سليمان) بن طرخان التيمي البصري ثقة من (9) روى عنه في (15) أبواب (عن أبيه) سليمان بن طرخان التيميّ البصري ثقة من (4) روى عنه في (13) بابا (حدثنا أبو عمران الجوني) بفتح الجيم نسبة إلى جون بن عوف بطن من الأزد كما في لبّ اللباب عبد الملك بن حبيب الأزديُّ البصري ثقة من (4) روى عنه في (13) بابا (عن جندب) بن عبد الله بن سفيان البجلي أبي عبد الله الكوفي ثم البصري ثم المصري رضي الله عنهم وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث) أي أخبر لنا (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسم هذا الرجل (قال والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال) في شأن ذلك الرجل الحالف (مَنْ ذا الذي) أي من الذي (يتألّى) ويحلف (عليَّ) أي على شأني على (أن لا أغفر) أنا (لفلان) قوله "والله لا يغفر الله لفلان" قال الطبري قطعه بذلك حكم على الله سبحانه وذلك جهل بأحكام الربوبية اهـ قوله "من ذا الذي يتألى" أي يحلف من الأليّة على وزن غنية وهي اليمين وفيه دلالة لمذهب أهل السنة من غفران الذنوب بلا
فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ. وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ" أَوْ كَمَا قَال
ــ
توبة إذا شاء الله غفرانها اهـ نووي قال القرطبي "وقول المتألِّي والله لا يغفر الله لفلان" ظاهر في أنه قطع بأن الله تعالى لا يغفر لذلك الرجل وكأنه حكم على الله وحجر عليه وهذه نتيجة الجهل بالأحكام الإلهية والإدلال على الله تعالى بما اعتقد أن له عنده من الكرامة والحظ والمكانة ولذلك المذنب من الخسة والإهانة فإن كان هذا المتألي مستحلًا لهذه الأمور فهو كافر فيكون إحباط عمله لأجل الكفر كما يحبط عمل الكفار وأمّا إن لم يكن مستحلًا لذلك وإنما غلب عليه الخوف فحكم بإنفاذ الوعيد فليس بكافر ولكنَّه مرتكب كبيرة فإنه قانط من رحمة الله فيكون إحباط عمله بمعنى أن ما أوجبت له هذه الكبيرة من الإثم يربي على أجر أعماله الصالحة فكأنه لم يسبق له عملٌ صالح اهـ من المفهم.
وقول الله تعالى: "من ذا الذي يتألّى عليَّ أن لا أغفر لفلان" استفهام على جهة الإنكار والوعيد ويستفاد منه تحريم الإدلال على الله تعالى ووجوب التأدب معه في الأقوال والأحوال وأن حق العبد أن يعامل نفسه بأحكام العبودية ومولاه بما يجب له من الأحكام الإلهية والربوبية وقوله (فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك) دليلٌ على صحة مذهب أهل السنة أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب وهو موجب قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)} [النساء: 48]، وأن لله تعالى أن يفعل في عبيده ما يشاء وقد بينا الإحباط المذكور في هذا الحديث اهـ مفهم (أو) الحديث (كما قال) النبي صلى الله عليه وسلم شك من الراوي فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم هل قال هذا اللفظ المذكور أو غيره أو ممن دونه فيما قاله كقوله "قد عفوت لفلان وأفسدت عملك" وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله تعالى.
قال الأبي قوله "قد غفرت لفلان" حجة لأهل السنة في أن الله سبحانه يغفر الكبائر بلا توبة إن شاء ذلك "قوله وأحبطت عملك" قال القاضي احتجت به المعتزلة في أن الذنوب تحبط الأعمال ولا حجة فيه لأن هذا المتألّي إن كان قانطًا من رحمة الله سبحانه ومكذبًا بها فهو كافر والكفر يحبط العمل الصالح وإن لم يكن كذلك وإنما كان مذهبه تنفيذ الوعيد في العصاة فيكون أحبطت عملك مجازًا عن رجحان معصيته بما قاله
6524 -
(00)(00) حدّثني سُوَيدُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ مَيسَرَةَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ"
ــ
واعتقده على طاعته حتى كأنه لا حسنة له قال الأبي يعني برجحان معصيته أنه من إحباط الموازنة لا خلاف فيه وإنما الخلاف في إحباط عدم اعتبار الحسنات لاقتراف السيئات فالمعتزلة تثبته وأهل السنة ينفونه اهـ من الأبي.
ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو فضل الضعفاء والخاملين بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6524 -
(00)(00)(حدثني سويد بن سعيد) بن سهل الهرويّ الأصل ثم الحدثاني (حدثني حفص بن ميسرة) العقيلي مصغرًا أبو عمر الصنعاني ثقة من (8) روى عنه في (10) أبواب (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني المدني صدوق من (5)(عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني ثقة من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رُبَّ) رجل (أشعث) أي متلبد الشعر مغبره غير مدهون ولا مرجَّل (مدفوع بالأبواب) أي مطرود عنهم على الأبواب ممنوع من الدخول عليهم احتقارًا له يعني لا قدر له عند الناس (لو أقسم على الله) أي لو حلف بالله على وقوع شيء سواء كان جلب منفع أو دفع مضرة (لأبرّه) الله تعالى أي لجعله بارًا في قسمه وافيًا أي لأوقع الله تعالى ذلك الشيء الذي حلف عليه إكرامًا له بإجابة سؤاله وصيانته من الحنث في يمينه وذلك لعظم منزلته عند الله تعالى وإن كان حقيرًا عند الناس وقيل معنى القسم هنا الدعاء وإبراره إجابته اهـ نووي بتصرف والمعنى على هذا القيل من لو دعا الله لأجابه. قوله "رُبَّ أشعث مدفوع بالأبواب" مبتدأ وصفة وجملة لو الشرطية خبره والأشعث المتلبد الشعر غير المدهن والمدفوع بالأبواب أي عن الأبواب فلا يترك بقربها احتقارًا له ويصح أن يكون معناه يدفع بسد الأبواب في وجهه ربما أراد دخول باب من الأبواب أو قضاء حاجة من الحوائج وقوله "لو أقسم على الله لأبرَّه" أي لو وقع منه قسم على الله في شيء لأجابه الله تعالى فيما سأله إكرامًا له ولطفًا به وهذا كما تقدم من قول أنس بن النضر لا والله لا تكسر ثنية الربيع أبدًا فأبر الله قسمه بأن جعل في قلوب الطالبين للقصاص الرضا بالدية بعد أن أبوا قبولها ولقد
6525 -
(2600)(168) حدَّثنا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ح وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ سُهَيلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"إِذَا قَال الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ".
قَال أَبُو إِسْحَاقَ:
ــ
أبعد من قال إن القسم هنا هو الدّعاء من جهة اللفظ والمعنى اهـ من المفهم وحاصل معنى الحديث إن الذين يزعمهم الناس ضعفاء ولا يعترفون لهم بفضل قد تكون منزلتهم عند الله رفيعة حيث يحلفون توكلًا على الله سبحانه فيحقق الله سبحانه ما أقسموا عليه.
وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم رحمه الله.
ثم استدل المؤلف على الجزء السادس من الترجمة وهو النهي عن قول هلك الناس بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله عنه فقال:
6525 -
(2600)(168)(حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب) الحارثي المدني ثقة من (9)(حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار الربعي البصري ثقة من (8)(عن سهيل بن أبي صالح) السمان (عن أبيه) أبي صالح ذكوان الزيات (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ح وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميميُّ (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذان السندان من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قال الرجل) منكم (هلك الناس فهو) أي فذلك الرجل القائل فهو مبتدأ خبره (أهلكهم) بالرفع على أنه اسم تفضيل يعني أن ذلك الرجل القائل أشد منهم هلاكًا وأسوأ حالًا بما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه وزعمه أنه خير منهم وأما إذا قال ذلك تفجعًا على ذهاب الصالحين ونقصهم عمن مضى من الأولين فليس من ذلك لأن الأول عنوان الكبر والثاني عنوان الإشفاق وتعظيم السَّلف والتقصير بالنفس وقيل إنه في المبتدعة الذين يقولون هلك الناس واستوجبوا الخلود بمعاصيهم ويقنطون الناس من رحمة الله (قال أبو إسحاق) إبراهيم بن
لَا أَدْرِي، أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ، أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ.
6526 -
(00)(00) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ. ح وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. جَمِيعًا عَنْ سُهَيلٍ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ
ــ
سفيان رواية صحيح مسلم رحمه الله تعالى (لا أدري) ولا أعلم أن لفظة. (أهلكهم بالنصب) على أنه فعل ماض من الإهلاك والجملة الفعلية خبر لهو المعنى حينئذ أن الذي قال لهم ذلك مقنّطًا لهم هو الذي أهلكهم بهذا القول فإن الذي يسمعه قد ييأس من رحمة الله تعالى فيهلك وقد يغلب على القائل رأي الخوارج فيهلك الناس بالخروج عليهم ويشق عصاهم بالقتال وغير ذلك والمراد أن من قال هلك الناس فقد جعلهم هلكى وظن فيهم الهلاك من غير تحقيق ولا دليل من جهة الله تعالى والمعنى على هذه الرواية غير واضح فرواية الرفع أولى وأوضح (أو) أن هذه اللفظة هو (أهلكهُم بالرفع) على أنه اسم تفضيل خبر لهو وهذه الرواية أوضح في المعنى كما قلنا آنفًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 342] وأبو داود [4983].
ثم ذكر المؤلف المتابعة فيه فقال:
6526 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا يزيد بن زريع) التميمي العيشي بتحتانية أبو معاوية البصري ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (عن روح بن القاسم) التميمي البصري ثقة من (6) روى عنه في (11) بابا (ح وحدثني أحمد بن عثمان بن حكيم) بن دينار الأوديُّ الكوفي ثقة من (11) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي الكوفي القطواني نسبة إلى قطوان محلة في الكوفة صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (عن سليمان بن بلال) التيمي المدني ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (جميعًا) أي كلٌّ من روح بن القاسم وسُليمان بن بلال رويا (عن سهيل) بن أبي صالح (بهذا الإسناد) يعني عن أبي صالح عن أبي هريرة غرضه بيان متابعتهما لحمَّاد بن سلمة وساقا (مثله) أي مثل حديث حمّاد بن سلمة.
ثم استدل المؤلف على الجزء السابع من الترجمة وهو الوصية بالجار والإحسان إليهم بحديث عائشة رضي الله عنها فقال:
6527 -
(2601)(169) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. ح وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، عَنِ اللَّيثِ بْنِ سَعْدٍ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ. كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، (وَاللَّفْظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، (يَعْنِي الثَّقَفِيَّ)، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ، (وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ)؛ أَنَّ عَمْرَةَ حَدَّثَتْهُ؛ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ تَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا زَال جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجارِ حَتَّى ظَننْتُ أَنَّهُ لَيُوَرِّثَنَّهُ"
ــ
6527 -
(2601)(169)(حدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس ح وحدثنا قتيبة ومحمد بن رمح عن اللّيث بن سعد ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدة) بن سليمان الكلاعي الكوفي قيل اسمه عبد الرحمن ثقة من (8) روى عنه في (12) بابا (ويزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي ثقة من (9) روى عنه في (19) بابا (كلّهم) أي كلّ من هؤلاء الأربعة من مالك بن أنس وليث بن سعد وعبدة بن سليمان ويزيد بن هارون رووا (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاريّ المدني ثقة من (5) روى عنه في (16) بابا (ح وحدّثنا محمد بن المثنى واللفظ له حدثنا عبد الوهَّاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) البصري (سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري (أخبرني أبو بكر وهو ابنُ محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري المدني ثقة من (5) روى عنه في (5) أبواب "وأبو بكر" اسمه وكنيته واحد (أن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد الأنصارية المدنية ثقة من (3) روى عنها في (7) أبواب (حدثته) أي حدثت لأبي بكر (أنها سمعت عائشة) رضي الله عنها وهذه الأسانيد الأربعة كلها من خماسياته (تقول) عائشة (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما زال جبريل) الأمين عليه السلام (يُوصيني) ويأمرني (بالجار) أي بالإحسان إلى الجار ومواصلتهم وأكثر عليَّ الوصيَّة (حتى ظننت أنه) أي أن جبريل (ليورثنَّه) أي ليحكم له الإرث مني أي ليأتيني من الله تعالى بحكم كونه وارثًا واستدلّ به الأبيّ على أن المراد بالجار هنا هو الجار المسلم ولا يدخل فيه الذميّ لأنه لا يرثُ المسلم وهذا الاستدلال ضعيف لأنّ مراده أن الجار يكون وارثًا بحكم جواره إلا أن يكون هناك مانع من الإرث كاختلاف الدين وهذا صادق في جميع الورثة فإنهم يرثون بقرابتهم فيقال فيهم إنهم ورثة مع أن الكافر منهم لا يرث المسلم لقيام المانع
6528 -
(00)(00) حدّثني عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ. حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِهِ
ــ
وسيأتي قريبًا في حديث جابر أن الجار المشرك له حق الجوار والله سبحانه أعلم.
وقوله "يوصيني بالجار" أي بالإحسان إليه وحسن العشرة معه واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلديّ والمقيم والمواطن والنافع والضارّ والقريب والأجنبي والأقرب دارًا والأبعد وله مراتب بعضها أعلى من بعض وقد أخرج الطبراني عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجيران ثلاثة جار له حق واحد وهو المشرك له حق الجوار وجار له حقان وهو المسلم له حق الجوار وحق الإسلام وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم له حق الجوار والإسلام والرحم اهـ من فتح الباري [10/ 442].
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 238] والبخاري في الأدب باب الوصية بالجار [6014] وأبو داود في الأدب باب في حق الجار [1515] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في حق الجوار وابن ماجه في الآداب باب حق الجوار [3717].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
6528 -
(00)(00)(حدّثني عمرو) بن محمد بن بكير (الناقد) البغدادي (حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المخزوميُّ المدني الفقيه صدوق من (8) روى عنه في (6) أبواب (حدّثني هشام بن عروة) ثقة من (5)(عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة عروة لعمرة وساق عروة (بمثله) أي بمثل حديث الرَّاوي السابق الذي هو عمرة بنت عبد الرحمن ولو قال: "بمثلها" لكان أوفق وأقعد ولعل ما هنا تحريف من النساخ والصواب ما قلنا.
قال الأبي الجار من كان بينك وبينه اتصال في المسكن ويدخل فيه الجار في الحائط والحانوت وسواءٌ كان بملك أو كراء ولا يدخل الذميَّ لأن قوله يورّثه يخرجه وقدر الاتصال في المسكن حدّه بعضهم بأربعين دارًا اهـ قال القرطبي قد تقدّم أن الجار
6529 -
(2602)(170) حدّثني عُبَيدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ. قَال: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا زَال جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجارِ حَتَّى ظَننْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ"
ــ
يقال على المجاور في الدار وعلى الدَّاخل في الجوار وكلّ واحد منهما له حق ولا بدّ من الوفاء به وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه" رواه أحمد ومسلم وقوله "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره" متفق عليه ولما أكد جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم حق الجوار وكثر عليه من ذلك غلب على ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سيحكم بالميراث بين الجارين وهذا يدل على أن هذا الجار هنا هو جار الدار لأن الجار بالعهد قد كان من أول الإسلام يرث ثم نسخ ذلك كما تقدم فإن كان هذا القول صدر من النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر فقد كان التوارث مشروعًا فمشروعيته واقعة فتعين أن المراد بالجوار في هذا الحديث هو جوار الدار والله تعالى أعلم.
ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال:
6529 -
(2602)(170)(حدثني عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريريُّ) البصري ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا يزيد بن زريع) التيمي البصري ثقة من (8)(عن عمر بن محمد) بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمريّ المدني ثقة من (6) روى عنه في (10) أبواب (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر (قال) أبوه محمد بن زيد (سمعت) جدّي عبد الله (بن عمر) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبريلُ) عليه السلام (يوصيني بالجار) أي يأمرني بالإحسان إلى الجار وحسن المعاشرة معه (حتى ظننت أنه) أي أن جبريل (سيورِّثُهُ) أي سيأتيني من الله تعالى بحكم إرثه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الأدب باب الوصاة بالجار [6015].
قال النووي في هذه الأحاديث الوصية بالجار وبيان عظم حقه وفضيلة الإحسان إليه اهـ.
6530 -
(2603)(171) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ -وَاللَّفْظُ لإِسْحَاقَ- (قَال أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا. وَقَال إِسَحْاقُ: أَخْبَرَنَا) عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ. حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبا ذَرٍّ، إذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ"
ــ
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه فقال:
6530 -
(2603)(171)(حدثنا أبو كامل الجحدري) فضيل بن حسين البصري (وإسحاق بن إبراهيم) المروزي (واللفظ لإسحاق قال أبو كامل حدثنا وقال إسحاق أخبرنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمّي) بفتح العين وتشديد الميم نسبة إلى بني العم بطن من تميم وعبد الصمد البصري ثقة من كبار (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا أبو عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي البصري ثقة من (4)(عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي ذر) الغفاري جندب بن جنادة الغفاري الربذيّ رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو ذر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا ذر إذا طبخت) لحمًا وجعلت له (مرقةً فأكثر ماءها) أي ماء المرقة (وتعاهد) أي تذكر (جيرانك) بتلك المرقة وأهدها إليهم وواسهم بها لتوفي حقوق الجيران قال في القاموس التعهُّد والتعاهد والاعتهاد أن يلتزم محافظة شيء ويتفقد أحواله ولا تغفل عنه أصلًا يقال تعهد وتعاهد واعتهده إذا تفقده وأحدث العهد به اهـ وفي السنوسي وهذا أمر ندب وإرشاد إلى مكارم الأخلاق قال الأبي قوله (جيرانك) جمع جار ولكن يخصِّصه قوله في الآخر ثم انظر أهل بيت من جيرانك فبالبيت الواحد يخرج من العهدة اهـ ومعنى "وتعاهد جيرانك" أي وابحث عن أحوالهم وأعطهم من المرقة إن احتاجوا إليه وفيه فضل الإيثار وأن يقلل. الرجل من ترفهه وتنعمه ليسد حاجة أخيه المسلم وقوله "فأكثر ماءها" تنبيه لطيف على تيسير الأمر على البخيل إذا الزيادة المأمور بها إنما هي فيما ليس له ثمن وهو الماء ولذلك لم يقل إذا طبخت مرقة فأكثر لحمها أو طبيخها إذ لا يسهل ذلك على كل أحد وهذا الأمر على جهة الندب والحض على مكارم الأخلاق وإرشاد إلى محاسنها لما يترتب عليه من المحبة وحسن
6531 -
(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ. ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيبٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ. أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَال: إِنَّ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم أَوْصَانِي: "إِذَا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأَكْثِرْ مَاءَهُ. ثُمَّ انْظُرْ أَهْلَ بَيتٍ مِنْ جِيرَانِكَ، فَأَصِبْهُمْ مِنْهَا بِمَعْرُوفٍ"
ــ
العشرة والألفة ولما يحصل له من المنفعة ودفع الحاجة والمفسدة فقد يتأذى الجار بقتار "بضم القاف دخان ذو رائحة خاصة ينبعث من الشواء والطبيخ" أي برائحة قدر جاره وعياله وصغار ولده ولا يقدر على التوصل إلى ذلك فتهيج من ضعفائهم الشهوة ويعظم على القائم عليهم الألم والكلفة وربما يكون يتيمًا أو أرملة ضعيفة فتعظم المشقة ويشتد منهم الألم والحسرة وكل ذلك يندفع بتشريكهم في شيء من الطبيخ يدفع إليهم فلا أقبح من منع هذا النزر اليسير الذي يترتب عليه هذا الضرر الكبير اهـ من المفهم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 149] والترمذي في الأطعمة باب ما جاء في إكثار ماء المرقة [1833] وابن ماجه في الأطعمة باب من طبخ فليكثر ماءه [3405].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي ذر رضي الله عنه فقال:
6531 -
(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا) عبد الله (بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي ثقة ثقة من (8) روى عنه في (17) بابا (أخبرنا شعبة ح وحدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني وهذا التحويل لا فائدة فيه وإسقاطه أولى والله أعلم (حدثنا ابن إدريس أخبرنا شعبة عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي (عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر) رضي الله عنه وهذان السندان من سداسياته غرضه بيان متابعة شعبة لعبد العزيز بن عبد الصمد العمّي (قال) أبو ذر (إنَّ خليلي) محمدًا صلى الله عليه وسلم أوصاني) أي أمرني بإكثار المرق إذا طبخت لحمًا أو طبيخًا فقال لي (إذا طبخت مرقًا) أي شيئًا له مرق (فأكثر ماءه ثم) بعدما طبخت (انظر) أي ابحث عن أحوال (أهل بيت من جيرانك) فإن كان بهم فاقة (فأصبهم) أي ناولهم وأعطهم وأهد لهم (منها) أي من تلك المرقة إهداءً (بـ) ـقدر (معروف) عند الناس أي بشيء يهدى مثله عرفًا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تحرزًا من القليل المختصر فإنه وإن كان مما يهدى فقد لا يقع ذلك الموقع فلو لم يتيسر إلا القليل المختصر فليهده ولا يحتقره كما جاء في الحديث الآخر "لا تحتقرنّ من المعروف شيئًا" ويكون المهدي له مأمورًا بقبول ذلك المحتقر والمكافأة عليه ولو بالشكر لأنه وإن كان قدره محتقرًا دليل على تعلق قلب المهدي بجاره اهـ من المفهم قال الأبي وإن لم يكن مع المرق لحم هو بحسب الحال من كثرة اللحم وقلّته.
"تتمة" قال ابن أبي جمرة حفظ الجار من كمال الإيمان وكان أهل الجاهلية يحافظون عليه ويحصل امتثال الوصية به بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية والسّلام وطلاقة الوجه عند لقائه وتفقد حاله ومعاونته فيما يحتاج إليه وكف أسباب الأذى عنه على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان عمن لم يأمن جاره بوائقه وهي مبالغة تنبيء عن تعظيم حق الجار وإن إضراره من الكبائر ويفترق الحال في ذلك بالنسبة للجار الصالح وغير الصالح والذي يشمل الجميع إرادة الخير له وهو عظة بالحسن والدعاء له بالهداية وترك الإضرار له إلا في الموضع الذي يجب الإضرار له فيه بالقول والفعل والذي يخص الصالح هو جميع ما تقدم وغير الصالح كفه عن الذي يرتكبه بالحسن على حسب مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعظ الكافر بعرض الإسلام عليه وذكر محاسنه له والترغيب فيه برفق ويعظ الفاسق بما يناسبه بالرفق أيضًا ويستر عليه زلَلُهْ عن غيره وينهاه برفق فإن أفاد فيه ذلك وإلا فيهجره قاصدًا تأديبه مع إعلامه ليكف وأما حد الجوار فجاء عن عليٍّ رضي الله عنه قال من سمع النداء فهو جار والمراد به النداء بصوت معتدلًا لا بالآلة المعروفة الآن وقيل من صلّى معك صلاة الصبح في المسجد فهو جار وعن عائشة رضي الله عنها حدّ الجوار أربعون دارًا من كل جانب وعن الأوزاعي مثله وأخرج البخاري في الأدب المفرد مثله عن الحسن وللطبراني بسند ضعيف عن كعب بن مالك مرفوعًا "ألا إنّ أربعين دارًا جارٌ" وأخرج ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب أربعون دارًا عن يمينه وعن يساره ومن خلفه ومن بين يديه وهذا يحتمل كالأولى ويحتمل أن يريد التوزيع فيكون من كل جانب عشرة اهـ فتح الباري [10/ 447].
ثم استدل المؤلف على الجزء الثامن من الترجمة وهو استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء بحديث آخر لأبي ذر الغفاري رضي الله عنه فقال:
6532 -
(2604)(172) حدّثني أَبُو غَسَّانَ الْمَسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، (يَعْنِي الْخَزَّازَ)، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. قَال: قَال لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ"
ــ
6532 -
(2604)(172)(حدثني أبو غسان المسمعي) مالك بن عبد الواحد البصري ثقة من (10) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي البصري ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا أبو عامر) صالح بن رستم بضم الراء وفتح التاء المثناة وقد تضم بينهما مهملة ساكنة المزني مولاهم (يعني الخزَّاز) من (6) بمعجمات نسبة إلى بيع الخز أو صناعته البصري صدوق من (6) روى عن أبي عمران الجوني ويروي عنه عثمان بن عمر وليس له ذكر إلا في هذا الموضع وفي الخلاصة روى عن أبي عمران الجوني وابن أبي مليكة وأبي قلابة والحسن ويروي عنه (م عم) وعثمان بن عمر وابنه عامر وإسرائيل بن يونس وهيثم قال العجلي جائز الحديث وقال أبو داود ثقة وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه وقال الدراقطني ليس بالقويّ وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالقويّ عندهم وقال في التقريب صدوق كثير الخطأ من السادسة مات سنة [152] اثنتين وخمسين ومائة اهـ (عن أبي عمران الجوني) عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري (عن أبي ذر) الغفاري المدني وهذا السند من سداسياته (قال) أبو ذر (قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا تحقرنَّ) يا أبا ذر ولا تستصغرن ولا تحسبنَّ (من المعروف) أي من الشيء الذي يهدى مثله عرفًا وهو بيان مقدم لقوله (شيئًا) وهو مفعول به لتحقرنَّ والمعنى لا تستصغرن شيئًا من المال الذي يهدى مثله عرفًا أي تحسبنّه حقيرًا فتترك الإهداء به (ولو) كان ذلك المعروف (أن تلقى) وترى (أخاك بوجه طلق) بفتح الطاء وكسر اللام ويجوز إسكانها والطلق وكذا الطليق معناه منبسط غير عبوس يقال رجل طلق الوجه وطليق الوجه وهو المنبسط الوجه السمحة من طلق وجهه يطلق من باب شرف طلاقة إذا انبسط وكانت فيه بشاشة ولم ينبس وفيه الحث على فعل المعروف وما تيسر منه وإن قل حتى طلاقة الوجه عند اللقاء للمحاويج كما قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَال ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ (7)} ودل الحديث على أن طلاقة الوجه عند اللقاء مندوبة ويؤجر المرء عليها وقوله "لا تحقرن من
6533 -
(2605)(173) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ بُرَيدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى. قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ، أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَال:"اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا. وَلْيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ"
ــ
المعروف شيئًا" هو أصل كبير نافع جدًّا فإن الشيطان ربما يمنع المرء عن تعاطي الخيرات قائلًا إنك قد ارتكبت ذنوبًا كبارًا وتركت الأعمال الواجبة من الحسنات فيما ينفعك لو عملت هذا العمل الحقير فيحرمه منه بوسوسته ولا يدري أن الحسنة ربما تجر إلى الحسنات الأخرى وربما تقع حسنة صغيرة في حيّز مرضاة الله تعالى فيغفر للمرء بسببها ويصان من ارتكاب المحرّمات من أجلها.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 173] والترمذي في الأطعمة [1833] وابن ماجه [3362].
ثم استدلَّ المؤلف على الجزء التاسع من الترجمة وهو استحباب الشفاعة فيما ليس بحرام بحديث أبي موسى رضي الله عنه فقال:
6533 -
(2605)(173)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر) القرشي الكوفي ثقة من (8) روى عنه في (15) بابا (وحفص بن غياث) بن طلق بن معاوية النخعي الكوفي قاضيها ثقة من (8) روى عنه في (14) بابا كلاهما رويا (عن بريد بن عبد الله) أبي بردة الصغير الأشعري الكوفي (عن) جدّه (أبي بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو موسى (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل) النبي صلى الله عليه وسلم (على جلسائه) جمع جليس أي على من عنده من الجلساء (فقال اشفعوا) أي ليشفع بعضكم في بعض في غير الحدود فتندب الشفاعة إلى ولاة الأمور وغيرهم من ذوي الحقوق ما لم يكن في حدٍّ أو في أمرٍ لا يجوز تركه اهـ مناوي (فلتؤجروا) على شفاعتكم وهذا طلب بمعنى الخبر أي فتؤجرون وتثابون على شفاعتكم وإن لم تقبل شفاعتكم عند المشفوع إليه وفي بعض الروايات فتؤجروا بلا لام أمر وعلى هذه الرواية فهو مجزوم بالطلب السابق فلا أمر فيه أي إن شفعتم تؤجرون على شفاعتكم (وليقض الله على لسان نبيه ما أحب) وهذا أيضًا طلب بمعنى الخبر أي ويقضي الله سبحانه وتعالى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على لسان رسوله ما شاء لأن الله لا يؤمر أي يظهر الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه بوحي أو إلهام ما قدر في الأزل أنه سيكون من إعطاء أو حرمان كذا في المناوي.
"قوله أقبل على جلسائه فقال اشفعوا تؤجروا" قال القرطبي وقد وقع هذا اللفظ تؤجروا بغير فاء ولام وهو مجزوم على جواب الأمر المضمَّن معنى الشرط ومعناه واضح لا إشكال فيه وقد رُوي "فلتؤجروا" بفاء ولام وهكذا وجدته في أصل شيخنا أبي الصبر أيوب وينبغي أن تكون هذه اللام مكسورة لأنها لام كي وتكون الفاء زائدة كما زيدت في قوله صلى الله عليه وسلم "قوموا فلأصلي لكم" متفق عليه في بعض رواياته وقد تقدم قول من قال إن الفاء قد تأتي زائدة ويكون معنى الحديث اشفعوا لكي تؤجروا ويحتمل أن يقال إنها لام الأمر ويكون المأمور به التعرض للأمر بالاستشفاع فكأنه قال استشفعوا وتعرضوا بذلك للأجر وعلى هذا فيجوز كسر هذه اللام على أصل لام الأمر ويجوز تخفيفها بالسكون لأجل حركة الحرف الذي قبلها اهـ من المفهم.
وقوله "وليقض الله على لسان نبيه ما أحبَّ" هكذا صحّت الرواية هنا "وليقض" بالام وجزم الفعل بها ولا يصح أن تكون لام كي كذلك ولا يصح أيضًا أن تكون لام الأمر لأن الله تعالى لا يؤمر ولأن هذه الصيغة وقعت موقع الخبر كما قد جاء في بعض نسخ مسلم ويقضي الله على الخبر بالفعل المضارع ومعناه واضح وهذه الشفاعة المذكورة في الحديث هي في الحوائج والرّغبات للسلطان وذوي الأمر والجاه كما شهد به صدر الحديث ومساقه ولا يخفى ما فيها من الأجر والثواب لأنها من باب صنائع المعروف وكشف الكرب ومعونة الضعيف إذ ليس كل أحد يقدر على الوصول إلى السلطان وذوي الأمر ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول مع تواضعه وقربه من الصغير والضعيف إذ كان لا يحتجب ولا يُحجب "أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها" رواه الطبراني والبيهقي كما في كشف الخفاء [1/ 43] وفيض القدير [1/ 83] وهذا هو معنى قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء: 85] قال القاضي ويدخل في عموم الحديث الشفاعة للمذنبين فيما لا حد فيه عند السلطان وغيره وله قبول الشفاعة فيه والعفو عنه إذا رأى ذلك كله كما له العفو عن ذلك ابتداء وهذا فيمن كانت منه الزلة والفلتة وفي أهل الستر والعفاف وأما المصرّون على فسادهم المستهترون في
6534 -
(2606)(174) حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَينَةَ. عَنْ بُرَيدِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ جدهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم. ح وحدّثنا محمد بْنُ الْعَلاءِ الهَمْدَانِي، (وَاللَّفظُ لَهُ)، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيدٍ، عَنْ أبي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي
ــ
باطلهم فلا تجوز الشفاعة لأمثالهم ولا ترك السلطان عقوبتهم ليزدجروا عن ذلك وليرتدع غيرهم بما يفعل بهم وقد جاء الوعيد بالشفاعة في الحدود كما في قصة أسامة بن زيد.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يقضي للمشفوع له أو عليه بما فيه مصلحة عند الله تعالى ولكن الشفيع يؤجر على شفاعته وإن لم يحقق ما شفع فيه وفيه أن الشفاعة بمنزلة المشورة فلا ينبغي أن يتخذه الشفيع طريقًا للضغط على المشفوع إليه وكذلك لا ينبغي للشفيع أن يسقط على المشفوع إليه إن لم يعمل على حسب شفاعته واختار مباحًا آخر غير المشفوع فيه قال النووي وفي الحديث استحباب الشفاعة لأصحاب الحوائج المباحة سواء كانت الشفاعة إلى سلطان في كف ظلم أو إسقاط تعزير أو في تحصيل عطاء لمحتاج أو نحو ذلك وأما الشفاعة في الحدود فحرام وكذا الشفاعة في إمضاء باطل أو إبطال حق ونحو ذلك فهي حرام اهـ.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 413] والبخاري في مواضع كثيرة منها في الزكاة باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها [1432] وفي المظالم باب نصر المظلوم [2446] وفي الأدب باب قول الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [6082] إلى غير ذلك من الأبواب وأبو داود في الأدب باب في الشفاعة [5131] والترمذي في العلم باب الدال على الخير كفاعله [2672] والنسائي في الزكاة باب الشفاعة في الصدقة [2556].
ثم استدل المؤلف على الجزء العاشر من الترجمة وهو استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء بحديث آخر لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقال:
6534 -
(2606)(174)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن بريد بن عبد الله عن جدّه) أبي بردة الكبير عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) الأشعري رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته (ح وحدثنا محمَّد بن العلاء الهمداني واللفظ له حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي
مُوسَى، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَال: "إِنما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ،
ــ
موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال) وهذا السند أيضًا من خماسياته (إنما مثل) أي إنما صفة (الجليس الصَّالح) صفة للجليس وهو المراعي لحقوق الله وحقوق العباد (و) مثل (الجليس السوء) أي ومثل الجليس السيئ والسوء في أصله مصدر وهو صفة للجليس على تأويله بالمشتق أي ومثل الجليس السيئ والسيئ ضد الصالح كذا وقع في بعض النسخ وهو الأفصح والأحسن وفي بعضها "مثل جليس الصالح وجليس السوء" فيكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته فيكون بمعنى ما في النسخة الأولى والجليس هو من اخترته للمجالسة معه أي مثل الصالح الذي تجالسه ومثل السيئ الذي تجالسه
وقوله (كحامل المسك) عائد للجليس الصالح (ونافخ الكبير) عائد لجليس السّوء على طريق اللف والنشر المرتب وهو من المحسنات اللفظية عند البديعيين قال القرطبي هذا نحو ما يسميه أهل الأدب لف الخبرين وهو نحو قول امرئ القيس:
كأنَّ قلوب الطير رطبًا ويابسًا
…
لدى وكرها العناب والحشف البالي
فكأنه قال قلوب الطير رطبًا العناب ويابسًا الحشف ومقصود هذا التمثيل في الحديث الحض على صحبة العلماء والفضلاء وأهل الدين وهو الذي يزيدك نطقه علمًا وفعله أدبًا ونظره خشيةً والزجر عن مخالطة من هو على نقيض ذلك وحامل المسك هو الذي يستصحب المسك لبيعه أو للتطيب به مثلًا وقد تطابقت الأخبار واستفاضت على أن المسك يجتمع في غدة حيوان هو الغزال أو يشبهه فيتعفن في تلك الغدة حتى تيبس وتسقط فتؤخذ تلك الغدة كالجليدات المحشوة وتلك الجلدة هي المسماة بفأرة المسك والجمهور من علماء الخلف والسلف على طهارة المسك وفأرته وعلى ذلك يدل استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له وثناؤه عليه وإجازة بيعه كما دل عليه هذا الحديث ومن المعلوم بالعادة المستمرة بين العرب والعجم استعماله واستطابة ريحه واستحسانه في الجاهلية والإِسلام لا يتقذره أحد من العقلاء ولا ينهى عن استعماله أحد من العلماء حتى قال القاضي أبو الفضل نقل بعض أئمتنا الإجماع على طهارته غير أنه قد ذكر عن العمرين كراهيته ولا يصح ذلك فإن عمر رضي الله عنه قد قسم منه ما غنم بالمدينة وقال المازري وقال قوم بنجاسته ولم يعينهم والصحيح القول بطهارته وإن لم يكن مجمعًا عليه
إما أن يُحذِيَكَ، وَإمَّا أَن تَبتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أن تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طَيبَة. وَنَافِخُ الكِيرِ، إما أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَة"
ــ
للأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك إذ قد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يستعمله حتى إنه كان يخرج "ووبيص المسك في مفرقه" كما قالت عائشة رضي الله عنها متفق عليه وقد تقدم قوله "أطيب الطيب المسك" رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وغير ذلك.
(إما أن يحذيك) أي يعطيك منه بغير عوض هدية هو بضم الياء رباعيًّا من أحذيته إحذاء إذا أعطيته وفي الصحاح أحذيته نعلًا إذا أعطيته نعلًا تقول منه استحذيته فأحذاني وأحذيته من الغنيمة إذا أعطيته منها والاسم الحذيا (وإما أن تبتاع) وتشتري المسك (منه) أي من صاحبه (وإما أن تجد منه ريحًا طيبة) فتستفيد منه من كل جهة (ونانخ الكبير) في مشغل الحداد (إما أن يحرق) عليك (ثيابك) بشرارته (وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة) أي منتنة "والكير" بكسر الكاف وسكون الياء منفخ الحدَّاد و"الكور" المبني الذي ينفخ فيه على النار والحديد ويجوز أن يعبر بالكير عن الكور والكير حقيقته البناء الذي يركب عليه الحداد الزق والزق هو الذي ينفخ فيه فأطلق على الزق اسم الكبير مجازًا لمجاورته له وقيل الكير هو الزق نفسه وأما البناء فاسمه الكور وحاصل معنى الحديث أن حامل المسك ممن ينفعك لا محالة إما بإهداء المسك إليك أو بيعه منك ولا يخلو على الأقل من أن ينفعه برائحته الطيبة وكذلك الجليس إما أن تحصل منه على علم ينفعك أو أنه ينفعك بصحبته ونافخ الكير على العكس من ذلك فإنه لا يخلو من إيذاء ولو برائحته الكريهة فكذلك الجليس السوء قال النووي ففي الحديث فضيلة مجالسة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة اهـ والإشارة إلى جواز بيع المسك وطهارته وفيه الرَّد على من كرهه وهو منقول عن الحسن البصري وعطاء وغيرهما ثم انقرض هذا الخلاف واستقر الإجماع على طهارة المسك وجواز بيعه.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 458] والبخاري في مواضع منها في الذبائح باب في المسك [5534] وأبو داود في الأدب باب من يؤمر أن يجالس [4830].
6535 -
(2607)(175) حدثنا محمد بْنُ عَبْدِ الله بْنِ قُهْزَاذَ. حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ سُلَيمَانَ. أخبَرَنَا عَبْدُ الله. أَخبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ. حَدثني عَبْدُ الله بْنُ أَبِي بَكرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ. ح وحدّثني عَبدُ الله بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِهرَامَ وَأَبُو بَكرِ بْنُ إِسْحَاقَ، (وَاللَّفْظُ لَهُمَا)، قَالا: أخبَرَنَا أبُو الْيَمَانِ. أَخبَرَنَا شُعَيبٌ، عَنِ الزهْرِيّ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ أبي بَكرٍ؛ أَن عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيرِ أَخبَرَهُ؛ أَن عَائِشَةَ زَوْجَ النبي صلى الله عليه وسلم قَالت: جَاءَتنِي امرَأَةٌ، وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا. فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيئًا غَيرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ. فَأعْطَيتُهَا
ــ
ثم استدل المؤلف على الجزء الحادي عشر من الترجمة وهو فضل الإحسان إلى البنات بحديث عائشة رضي الله عنها فقال:
6535 -
(2607)(175)(حدثنا محمَّد بن عبد الله بن قهزاذ) المروزي ثقة متقن من (11) روى عنه في (7) أبواب (حدثنا سلمة بن سليمان) المروزي أبو سليمان المؤدب ثقة من (10) روى عنه في (3) أبواب (أخبرنا عبد الله) بن المبارك بن واضح الحنظلي المروزي ثقة من (8) روى عنه في (10) أبواب (أخبرنا معمر) بن راشد الأزدي ثقة من (7)(عن ابن شهاب حدثني عبد الله بن أبي بكر) بن محمَّد بن عمرو (بن حزم) الأنصاري المدني ثقة من (5) روى عنه في (11) بابا (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من ثمانياته (ح وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل (بن بهرام) ويقال له ابن مهران الدارمي السمرقندي ثقة متقن من (11) روى عنه في (14) بابا (وأبو بكر) محمَّد (بن إسحاق) الصاغاني الخراساني الأصل نزيل بغداد ثقة من (11) روى عنه في (8) أبواب (واللفظ لهما قالا أخبرنا أبو اليمان) الحكم بن نافع القضاعي الحمصي ثقة من (10) روى عنه في (6) أبواب (أخبرنا شعيب) بن أبي حمزة الأموي اسمه دينار أبو بشر الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الزهريّ حدثني عبد الله بن أبي بكر) بن حزم (أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سباعياته. (زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت جاءتني امرأة) وأنا في حجرتي (ومعها أبنتان لها) لم أر من ذكر اسم الثلاثة (فسألتني) الصدقة (فلم تجد عندي شيئًا) من الطعام (غير تمرة واحدة) أي حبَّة من التمر (فأعطيتها) أي فأعطيت تلك المرأة
إِيَّاهَا. فَأَخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَينَ ابْنَتَيهَا، وَلَمْ تَأكُلْ مِنْهَا شَيئًا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَى النبِي صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا. فَقَال النبي صلى الله عليه وسلم:"مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيهِن، كُن لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ"
ــ
(إياها) أي تلك التمرة (فأخذتها) مني أي فأخذت المرأة مني تلك التمرة (فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل) المرأة (منها شيئًا) لا قليلًا ولا كثيرًا بل آثرت بها ابنتيها لشدة شفقتها عليهما (ثم قامت) من عندي (فخرجت) هي (وابنتاها) قالت عائشة (فدخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي (فحدثته) صلى الله عليه وسلم (حديثها) أي قصتها (فقال النبي صلى الله عليه وسلم من ابتلي) واختبر (من) هؤلاء (البنات بشيء) أي اختبر بشيء منهن قليلًا كان أو كثيرًا قال النووي إنما سماه ابتلاءً لأن الناس يكرهونهن في العادة قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58)} [النحل: 58](فأحسن إليهن) بالقيام بأمورهن من الإنفاق والتأديب والتعليم (كنَّ) تلك البنات (له) أي لمن ابتلي بهن (شرًّا) أي حجابًا (من النار) يوم القيامة قال النووي معناه أي يكون جزاؤه على ذلك وقاية بينه وبين نار جهنم حائل أبي نه وبينها وهذا الابتلاء المذكور في الآية هو ما حكاه الله تعالى في شأن الكفار وأما المسلم فليس من شأنه أن يكره البنات فالظاهر من لفظ الابتلاء في حق المسلم الإشارة إلى ما في تربيتهم من المشقة أكثر مما في تربية الأولاد فإن الخوف عليهن أشد ومساعداتهن للوالد في اكتساب المعيشة أقل وذكر الحافظ هنا عن شيخه أن الابتلاء هنا بمعنى الاختبار فلا إشكال وقال بعض العلماء إن هذه الفضيلة مختصة بمن عال بنتين أو ثلاثة لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكرهن بصيغة الجمع ولكن الظاهر أن الحكم يشمل من عال بنتًا واحدةً أما أولًا فلأن لفظ بشيء بعد قوله "من ابتلي من البنات" يدل على أن الفضيلة عامة لكل من عال بنتًا ولو واحدة وأما ثانيًا فإنه وقع في حديث لأبي هريرة عند الطبراني في الأوسط قلنا وثنتين قال وثنتين قلنا وواحدة قال وواحدة ويشهد له ما أخرجه الطبراني بسند واه عن ابن مسعود مرفوعًا من كانت له ابنة فأدبها وأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها وأوسع عليها من نعمة الله التي أوسع عليه إلخ ذكره الحافظ في الفتح.
قوله "فأحسن إليهن" قال الحافظ وقد اختلف في المراد بالإحسان هل يقتصر به
6536 -
(00)(00) حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ، (يعني ابْنَ مُضَرَ)، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، أَن زِيادَ بْنَ أَبِي زِيادٍ، مَوْلَى ابْنِ عَيَّاشٍ حدثهُ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ، سَمِعْتُهُ يحدث عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنهَا قَالتْ: جَاءَتْنِي مِسْكِينَة تَحْمِلُ ابْنَتَينِ لَهَا، فَأطْعَمْتُهَا ثَلاثَ تَمَرَاتٍ،
ــ
على قدر الواجب أو بما زاد عليه والظاهر الثاني فإن عائشة أعطت المرأة التمرة فآثرت بها ابنتيها فوصفها النبي صلى الله عليه وسلم فدل على أن من فعل معروفًا لم يكن واجبًا عليه أو زاد على قدر الواجب عليه عُد محسنًا والذي يقتصر على الواجب وإن كان يوصف بكونه محسنًا لكن المراد من الوصف المذكور قدر زائد.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 33 و 92] والبخاري في الزكاة باب اتقوا النار ولو بشق تمرة [1418] وفي الأدب باب رحمة الولد وتقبيله [5995] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في النفقة على البنات [1913].
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
6536 -
(00)(00)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر يعني ابن مضر) بن محمَّد بن حكيم أبو محمَّد المصري ثقة من (8) روى عنه في (9) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (الهاد) الليثي المدني ثقة من (5) روى عنه في (12) بابا (أن زياد بن أبي زياد) ميسرة المخزومي مولاهم المدني (مولى) عبد الله (بن عيّاش) بن أبي ربيعة القرشي المدني روى عن عراك بن مالك في المعروف ويروي عنه (م ت ق) ويزيد بن الهاد ومالك بن أنس قال النسائي ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان عابدًا زاهدًا لا يأكل اللحم له عندهم ثلاثة أحاديث وقال في التقريب ثقة عابد مات سنة [135] خمس وثلاثين ومائة (عن عراك بن مالك) الغفاري المدني ثقة من (3) روى عنه في (8) أبواب قال زياد (سمعته) أي سمعت عراكًا (يحدّث عمر بن عبد العزيز) الأمويّ المدني (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عراك لعروة بن الزبير (أنها) أي أن عائشة (قالت جاءتني) امرأة (مسكينة) أي فقيرة (تحمل) تلك المسكينة (ابنتين لها) أي تصحب بهما وتمشي معهما ولا معارضة بين ما هنا وبين ما في الرواية السابقة من قوله "ومعها ابنتان لها" لأن العمل يصدق على المعية والصحبة بهما قالت عائشة (فاطعمتها) أي فأعطيتها (ثلاث تمرات) أي ثلاث حبات من التمر وما هنا معارض بظاهره لما مر في الرواية السابقة من أنها لم تجد عند عائشة إلا تمرة واحدة
فَأَعْطَت كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَت إلى فِيهَا تَمْرَةَ لِتَأكُلَهَا، فَاسْتَطعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التمْرَةَ التِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا، بَينَهُمَا. فَأَعْجَبَنِي شَأنُهَا. فَذَكَرْتُ الذِي صَنَعَت لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال:"إِن اللهَ قَدْ أَوَجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ. أَوْ أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ"
ــ
ويمكن الجمع بينهما بأنها لم تجد عندها ما يخصها دون البنتين إلا تمرة واحدة ويحتمل أنها لم يكن عندها في أول الأمر إلا واحدة فأعطتها ثم وجدت ثنتين ذكر الحافظ الاحتمالين ثم ذكر احتمال تعدد القصة وهو بعيد جدًّا ويمكن أن يكون الاختلاف نشأ من تصرف الرواة عند روايتهم بالمعنى وكانت عائشة رضي الله عنها أعطتها ثلاث تمرات كما في رواية عراك ولكن إيثارها للبنتين إنما وقع في تمرة واحدة كانت لها فذكره الرواة الآخرون ولم يذكروا التمرتين وقد من مرارًا أن الرواة إنما يهتمون بحفظ أصول القصة دون تفاصيلها الجزئية والله أعلم.
(فأعطت) المرأة (كل واحدة منهما تمرة) تمرة (ورفعت) المرأة (إلى فيها) أي إلى فمها (تمرة) واحدة (لتأكلها فاستطعمتها) أي فطلبت (ابنتاها) منها إطعام تلك الحبة إيّاهما (فشقت) تلك المرأة ونصفت (التمرة) الواحدة (التي كانت تريد أن تأكلها) بنفسها أي جزأت تلك التمرة وقسمت (بينهما) نصفين قالت عائشة (فأعجبني شأنها) وشفقتها علي بنتيها (فذكرت) التقسيم (الذي صنعتـ) ـه تلك المرأة (لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن الله) سبحانه (قد أوجب) وأثبت على نفسه (لها) أي لتلك المرأة (بها) أي بتلك الصنعة التي صنعت ببنتها (الجنة أو) قال النبي صلى الله عليه وسلم أو الراوي بدل قوله قد أوجب لها لفظة قد (أعتقها) أي أعتق الله تلك المرأة (بها) أي بسبب صنعتها وشفقتها والشك من الراوي أو ممن دونه.
قال القرطبي: "قوله من ابتلي بشيء من البنات فأحسن إليهن كن له سترًا من النار" ابتلي امتحن واختبر وأحسن إليهن صانهن وقام بما يصلحهن ونظر في أصلح الأحوال لهن فمن فعل ذلك وقصد به وجه الله تعالى عافاه الله تعالى من النار وباعده منها وهو المعبّر عنه بالستر من النار ولا شك في أن من لم يدخل النار دخل الجنة وقد دلّ على ذلك قوله في الرواية الأخرى في المرأة التي قسمت التمرة بين بنتيها إن الله قد أوجب لها الجنة وأعاذها من النار.
6537 -
(2608)(176) حدّثني عَمْرٌو الناقِدُ. حَدَّثَنَا أبُو أحْمَدَ الزبَيرِيُّ. حَدَّثَنَا محمد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عُبَيدِ الله بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَال: قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَال جَارِيَتَينِ حَتى تَبْلُغَا،
ــ
وقوله بشيء من البنات يفيد بحكم عمومه أن الستر من النار يحصل بالإحسان إلى واحدة من البنات فأما إذا عال زيادة على الواحدة فيحصل له زيادة على الستر من النار السبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجنة كما جاء في الحديث الآخر وهو قوله صلى الله عليه وسلم من عال جاريتين حين تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضمَّ أصابعه كما سيأتي بعد هذه الرواية من حديث أنس.
ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث أنس رضي الله عنه فقال:
6537 -
(2608)(176)(حدثني عمرو) بن محمَّد (الناقد) البغدادي (حدثنا أبو أحمد) محمَّد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسديّ (الزبيري) مولاهم الكوفي ثقة من (9) روى عنه في (10) أبواب (حدثنا محمَّد بن عبد العزيز) الراسبي الجرمي أبو روح البصري روى عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس في المعروف وأبي الشعثاء جابر بن زيد ويروي عنه (م ت) وأبو أحمد الزبير وابن المبارك ووكيع وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب ثقة من السابعة. (عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس) الأنصاري أبي معاذ البصري ثقة من (4) روى عنه في (5) أبواب (عن) جده (أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عال) وأنفق (جاريتين) أي بنتين وقام بمؤنتهما وتربيتهما ونحوهما أي ربى صغيرتين وقام بمصالحهما نحو نفقة وكسوة اهـ مناوي مأخوذ من العول وهو القرب ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ابدأ بمن تعول قال القرطبي معنى عال أي قام عليهما بما يصلحهما ويحفظهما يقال منه عال الرجل عياله يعولهم عولًا وعيالة ويقال علته شهرًا إذا كفيته معاشه (حتى تبلغا) أي حتى تصلا إلى حال يستقلان بأنفسهما وذلك إنما يكون في النساء إلى أن يدخل بهن أزواجهن ولا يعني ببلوغهما إلى أن تحيض وتكلف إذ قد تزوج قبل ذلك فتستغني بالزوج عن قيام الكافل وقد تحيض وهي غير مستقلة بشيء من مصالحها ولو تركت لضاعت وفسدت أحوالها بل هي في هذه الحال أحق بالصيانة
جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنا وَهُوَ" وَضَمَّ أَصَابِعَهُ
ــ
والقيام عليها لتكمل صيانتها فيرغب في تزوجها ولهذا المعنى قال علماؤنا لا تسقط النفقة عن والد الصبية بنفس بلوغها بل بدخول الزوج بها اهـ من المفهم (جاء يوم القيامة أنا وهو) كهاتين الأصبعين (وضمّ) النبي صلى الله عليه وسلم (أصابعه) حين إذ قال ذلك إشارة إلى قرب منزلته إلى منزلته صلى الله عليه وسلم قال القاضي يعني رفاقته معه في الجنة أو دخوله معه في أوّل الأمر ويكفي به فضلًا وهذا الفضل لمن قام بالبنات كنّ له أو لغيره وجاء في الحديث الثاني في غير الأم "من عال يتيمًا" اهـ دهني.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 147 - 148] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في النفقة على البنات والأخوات [1914].
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب ستة عشر حديثًا الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والثاني حديث أبي برزة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثالث حديث عبد الله بن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه ثلاث متابعات والرابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستشهاد والخامس حديث أبي سعيد وأبي هريرة ذكرهما للاستدلال بهما على الجزء الثالث من الترجمة والسادس حديث جندب بن عبد الله ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والسابع حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة والثامن حديث أبي هريرة الثامن ذكره للاستدلال به على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والتاسع حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء السابع من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والعاشر حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد والحادي عشر حديث أبي ذر ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثاني عشر حديث أبي ذر الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الثامن من الترجمة والثالث عشر حديث أبو موسى الأشعري ذكره للاستدلال به على الجزء التاسع من الترجمة والرابع عشر حديث أبي ذر ذكره للاستدلال به على الجزء العاشر من الترجمة والخامس عشر حديث عائشة ذكره للاستدلال به على الجزء الحادي عشر من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والسادس عشر حديث أنس ذكره للاستشهاد به.
***