المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌723 - (12) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما وتفسير البر والإثم ووجوب صلة الرحم وثوابها والنهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم يجوز الهجران - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ٢٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌712 - (1) والرابع عشر منها باب فضائل جليبيب رضي الله عنه وأبي ذر الغفاري رضي الله عنه

- ‌713 - (2) والخامس عشر منها باب فضائل جرير وابن عباس وابن عمرو وابن مالك رضي الله تعالى عنهم أجمعين

- ‌(714) - (3) (والسادس عشر منها باب فضائل عبد الله بن سلام وحسَّان بن ثابت رضي الله عنهما

- ‌715 - (4) والسابع عشر منها باب فضائل أبي هريرة وقصة حاطب بن أبي بلتعة مع بيان فضله وفضل أهل بدر وفضائل أهل بيعة الرضوان

- ‌فضائل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

- ‌716 - (5) والثامن عشر منها باب فضائل الأشعريين وأبي سفيان بن حرب وفضائل أهل السفينة من جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأهل سفينتهم وفضائل سلمان وصهيب وبلال رضي الله عنهم

- ‌فضائل أبي سفيان بن حرب

- ‌فضائل جعفر بن أبي طالب

- ‌فضائل أسماء زوجة جعفر

- ‌فضائل سلمان رضي الله عنه

- ‌فضائل صهيب رضي الله عنه

- ‌717 - (6) والتاسع عشر منها باب فضائل الأنصار والتخيير بين دُورهم وحسن صحبتهم ودعائه لغفار وأسلم رضي الله عنهم ودعائه على بعض القبائل من العرب

- ‌718 - (7) "والعشرون منها باب فضائل بعض قبائل العرب وبيان خيار الناس وفضائل نساء قريش ومؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه رضي الله عنهم

- ‌719 - (8) والحادي والعشرون منها باب قول النبي صلى الله عليه وسلم أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي وخير القرون أصحابي ثم الذين يلونهم إلخ وقوله صلى الله عليه وسلم لا تمضي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم

- ‌720 - (9) الباب الثاني والعشرون منها باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم وفضل أويس القرني رضي الله عنه وما ذُكر في مصر وأهلها وفي فضل عمان

- ‌حكم سبّ الصحابة رضي الله عنهم

- ‌فضل: أويس القرني رضي الله تعالى عنه

- ‌وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر

- ‌721 - (10) الباب الثالث والعشرون منها بابُ ذكر كذّاب ثقيف ومُبيرها وفضل فارس وقوله صلى الله عليه وسلم الناس كمائة إبل لا تجد فيها راحلةً

- ‌ كتاب البر والصلة

- ‌722 - (11) باب برّ الوالدين وتقديمه على التطوع بالصلاة

- ‌723 - (12) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبرّ أهل وُدّهما وتفسير البرّ والإثم ووجوب صلة الرحم وثوابها والنهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم يجوز الهجران

- ‌724 - (13) باب النهي عن الظن السيِّيء والتجسس ونحوهما وما يحرم على المسلم من المسلم والنهي عن الشحناء وفضْل الحبّ في الله وفضْل عيادة المرضى

- ‌725 - (14) باب ثواب المؤمن على ما يصيبه من مرض أو غيره وتحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم بظلمه

- ‌726 - (15) بابُ نصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا وكون المؤمنين كالبنيان وتراحمهم والنهي عن السباب واستحباب التواضع وتحريم الغيبة وبشارة من ستره الله في الدنيا بستره في الآخرة ومداراة من يتقى فحشه وفضل الرفق

- ‌727 - (16) بابُ النهي عن لعن الدَّواب وغيرها ومن لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبَّه أو دعا عليه وذمّ ذي الوجهين وتحريم فعله وتحريم الكذب وبيان المباح منه وتحريم النميمة وقبح الكذب وحسن الصدق وفضله

- ‌728 - (17) باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وخَلْق الإنسان خلقًا لا يتمالك والنهي عن ضرب الوجه والوعيد الشديد لمن عذَّب الناس بغير حقٍّ وأمر منْ يمرُّ بسلاحٍ في مجامع الناس بإمساك نصالها والنهي عن الإشارة إلى مسلم بسلاح

- ‌729 - (18) باب فضل إزالة الأذى من الطريق وحرمة تعذيب الهرَّة ونحوها وحُرمة الكبر والنهي عن تقنيط الإنسان من رحمة الله

- ‌730 - (19) باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه وإذا أحبّ الله عبدًا حببّه لعباده والأرواح جنود مجنّدة والمرء مع من أحبّ وإذا أُثني على الصالح فهي بشرى فلا تضرّه

- ‌ كتاب القدر

- ‌731 - (20) باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته وكل إنسان ميسر لما خلق له

- ‌732 - (21) باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام وأنّ الله كتب المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض وتصريف الله القلوب كيف شاء وأن كل شيء بقدر وأن الله قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره

- ‌733 - (22) باب معنى كل مولود يُولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم وبيان أن الآجال والأرزاق لا يزيدان ولا ينقصان عمَّا سبق به القدر وبيان الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله تعالى

- ‌كتاب العلم

- ‌734 - (23) باب النهي عن اتباع متشابه القرآن وعن الاختلاف فيه وكون الألدّ الخصم أبغض الناس إلى الله واتباع سنن اليهود والنصارى وقوله صلى الله عليه وسلم هلك المتنطِّعون

- ‌735 - (24) باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان ومنْ سَنَّ سنّةً حسنةً أو سيئة إلخ

الفصل: ‌723 - (12) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما وتفسير البر والإثم ووجوب صلة الرحم وثوابها والنهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم يجوز الهجران

‌723 - (12) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبرّ أهل وُدّهما وتفسير البرّ والإثم ووجوب صلة الرحم وثوابها والنهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم يجوز الهجران

6355 -

(2533)(91) حدَّثنا شَيبَانُ بْنُ فَرُّوخَ. حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال:"رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ" قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: "مَنْ أَدْرَكَ أَبوَيهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ؟

ــ

723 -

(12) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبرّ أهل وُدّهما وتفسير البرّ والإثم ووجوب صلة الرحم وثوابها والنهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم يجوز الهجران

ثم استدل المؤلف على الجزء الأول من الترجمة بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6355 -

(2533)(91)(حدثنا شيبان بن فرّوخ) الحبطي الأبلي صدوق من (9)(حدثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي ثقة من (1)(عن سهيل) بن أبي صالح السمان القيسي مولاهم المدني صدوق من (6)(عن أبيه) أبي صالح ذكوان السمان القيسي المدني ثقة من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رغم أنف) بفتح الغين المعجمة وكسرها لغتان فيها قال أهل اللغة معناه ذل وخذل وخزي وأصله لصق أنفه بالرغام وهو تراب مختلط برمل وهو الرغم بضم الراء وفتحها وكسرها وقيل الرغم كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه أي ذل وخذل أنفُ (ثم رغم أنف ثم رغم أنف) كرّره تأكيدًا للأول (قيل) له صلى الله عليه وسلم ولم أر من ذكر اسم القائل (منْ) هو أي من ذلك المرغوم (يا رسول الله قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك المرغوم (من أدرك أبويه) أي أدرك حياتهما (عند الكبر) أي عند كبر سنهما وقوله (أحدهما أو كليهما) بدل من أبويه أي أدرك حياة أحدهما أو حياة كل منهما فأو للتقسيم لا للشك (فلم يدخل الجنة) بالإحسان إليهما وطاعتهما يعني لم يبر ولم يدخل ومنه يستفاد أن برّهما سبب دخول الجنة والله أعلم قال القاضي فيه عظيم أجر البر وأنه يدخل الجنة فمن فاته فاته خير كثير وظاهره أن برّهما يكفر كثيرًا من السيئات وأنه لا يمنع من

ص: 278

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الجنة إلا التقصير في حقهما أو التكثير من الكبائر التي يرجح بها ميزانه لا سيما إذا أدركهما عند الكبر وحاجتهما إلى القيام بحقهما اهـ.

قوله "رغم أنف" إلخ قال الدهني هكذا وجدناه في نسخ متعددة بلا تنوين فأبقيناه على حاله وإن القاعدة تقتضي تنوين هذه الكلمات الثلاث كما في قوله تعالى: {وَكُلًّا آتَينَا} [الأنبياء: 79] وكقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآتي لا يدخل الجنة قاطع اهـ.

"قلت" هذا لم يخالف القاعدة النحوية لأنه من باب حذف المضاف إليه ونية لفظه لأن أصله رغم أنف من أدرك والديه فلم يدخل الجنة والله أعلم اهـ من الفهم السقيم.

ثم يحتمل أن يكون تكرار الدعاء برغم الأنف على هذا النوع من الإنسان فقط ويحتمل أيضًا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا في كل مرّة على نوع مستقل وهذا الثاني هو الظاهر مما أخرجه الترمذي من طريق سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة ولفظه "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل على ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة".

وقد أخرج الحاكم وابن حبان والطبراني عن كعب بن عجرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "احضروا المنبر فحضرنا فلما ارتقى درجةً قال آمين فلما ارتقى الدرجة الثانية قال آمين فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال آمين فلما نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئًا ما كنا نسمعه قال إن جبريل عرض لي فقال بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له قلت آمين فلما رقيت الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك قلت آمين فلما رقيت الثالثة قال بعد من أدرك أبويه الكبر أو أحدهما فلا يدخلاه الجنة قلت آمين" ورجاله ثقات وكان حديث أبي هريرة اختصارًا لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنهما وإنما دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم لأن دخول الجنة كان في غاية من السهولة لمن أدرك أبويه في الكبر لأن اليسير من برّهما وخدمتهما يجلب له الأجر الجزيل اهـ من التكملة.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث الترمذي في الدعوات باب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "رغم أنف رجل"[3545].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:

ص: 279

6356 -

(00)(00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ" قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ"

ــ

6356 -

(00)(00)(حدثنا زهير بن حرب حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن سهيل) بن أبي صالح (عن أبيه) أبي صالح السمان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة جرير لأبي عوانة (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه) ثلاثًا (قيل) له صلى الله عليه وسلم (منْ) الذي رغم أنفه (يا رسول الله قال من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة) قال القرطبي قوله "رغم أنفه ثم رغم أنفه" إلخ يقال رغم بكسر الغين وفتحها لغتان رغما بفتح الراء وكسرها وضمها ومعناه لصق بالرغام بفتح الراء وهو التراب وأرغم الله أنفه أي ألصقه وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مؤكد على من قصر في برّ والديه ويحتمل وجهين أحدهما أن يكون صرعه الله لأنفه فأهلكه وهذا إنما يكون في حق من لم يقم بما يجب عليه من برِّهما. وثانيهما أن يكون أذله الله لأن من ألصق أنفه الذي هو أشرف أعضاء الوجه بالتراب الذي هو موطئ الأقدام وأخس الأشياء فقد انتهى من الذل إلى الغاية القصوى وهذا يصلح أن يدعى به على من فرَّط في متأكدات المندوبات ويصلح لمن فرَّط في الواجبات وهو الظاهر وتخصيصه عند الكبر بالذكر وإن كان برهما واجبًا على كل حال إنما كان ذلك لشدة حاجتهما إليه وضعفهما عن القيام بكثير من مصالحهما وليبادر الولد اغتنام فرصة برهما لئلا تفوته بموتهما فيندم على ذلك "وقوله أحدهما أو كليهما" كذا الروايات الصحيحة بنصب أحدهما وكليهما لأنه بدل من والديه المنصوب بأدرك وقد وقع في بعض النسخ "أحدهما أو كلاهما" مرفوعين على الابتداء ويتكلف إضمار الخبر والأول أولى وقوله "ثم لم يدخل الجنة" معناه دخل النار لانحصار منزلتي الناس في الآخرة بين جنة ونار كما قال: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير} [الشورى: 7] فمن قيل فيه لم يدخل النار منهم إنه في الجنة وبالعكس وأو المذكورة هنا للتقسيم ومعناه أن المبالغة في برّ أحد الأبوين عند عدم الآخر يدخل الولد الجنة كالمبالغة في برّهما معًا ويعني بهذه المبالغة المبرّة

ص: 280

6357 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيمَانَ بْنِ بِلالٍ. حَدَّثَنِي سُهَيلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أَنْفُهُ" ثَلاثًا، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ

ــ

التي تتعين لهما في حياتهما وقد يتعين لهما أنواع من البر بعد موتهما كما قد فعل عبد الله بن عمر مع الأعرابي الذي وصله بالعمامة والحمار ثم ذكر ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كما روى أبو داود عن أبي أسيد قال بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرُّهما به بعد موتهما قال نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما رواه أحمد 3 [/ 497 و 498] وأبو داود [5142] وابن ماجه [3664].

ولا خلاف في أن عقوق الوالدين محرم وكبيرة من الكبائر وقد دل على ذلك الكتاب في غير موضع وصحيح السنة كما روى النسائي والبزار من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه والديّوث والمرأة المرجلة تشبه بالرجال وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والمنَّان عطاءه ومدمن الخمر" رواه النسائي في الكبرى [2343] والبزار كما في كشف الأستار [1785].

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

6357 -

(00)(00)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (عن سليمان بن بلال) التيمي المدني ثقة من (8) روى عنه في (13) بابا (حدثني سهيل عن أبيه) أبي صالح السمّان (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة سليمان بن بلال لجرير بن عبد الحميد (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رغم أنفه" ثلاثًا ثم ذكر) سليمان (مثله) أي مثل حديث جرير.

واعلم أن عقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما كما أن برَّهما موافقتهما على أغراضهما الجائزة لهما وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه إذا لم يكن ذلك الأمر معصية وإن كان ذلك المأمور به من قبيل

ص: 281

6358 -

(2534)(92) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ، أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ،

ــ

المباحات في أصله وكذلك إذا كان من قبيل المندوبات وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يصيره في حق الولد مندوبًا إليه وأمرهما بالمندوب يزيده تأكيدًا في مندوبيته والصحيح الأول لأن الله تعالى قد قرن طاعتهما والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده فقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، وقال:{وَوَصَّينَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8]، في غير ما موضع وكذلك جاءت في السنة أحاديث كثيرة تقتضي لزوم طاعتهما فيما أمرا به فمنها ما رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك رواه الترمذي [1189] قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح فإن قيل فكيف يرتفع حكم الله الأصلي بحكم غيره الطارئ فالجواب أنه لم يرتفع حكم الله بحكم غيره بل بحكمه وذلك أنه لما أوجب علينا طاعتهما والإحسان إليهما وكان من ذلك امتثال أمرهما وجب ذلك الامتثال لأنه لا يحصل ما أمرنا الله به إلا بذلك الامتثال ولأنهما إن خولفا في أمرهما حصل العقوق الذي حزمه الله تعالى فوجب أمرهما على كل حال بايجاب الله تعالى والله أعلم اهـ من المفهم.

ثم استدل المؤلف على الجزء الثاني من الترجمة وهو برُّ أهل ودّهما بحديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:

6358 -

(2534)(92)(حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح) الأموي المصري (أخبرنا عبد الله بن وهب) بن مسلم المصري (أخبرني سعيد بن أبي أيوب) مقلاص الخزاعي مولاهم أبو يحيى المصري ثقة من (7) روى عنه في (5) أبواب (عن الوليد بن أبي الوليد) عثمان وقيل ابن الوليد القرشي العدوي مولاهم مولى ابن عمر أبي عثمان المدني روى عن عبد الله بن دينار في البر ويروي عنه (م عم) وسعيد بن أبي أيوب وحيوة بن شريح والليث ويزيد بن الهاد وغيرهم وثقه أبو زرعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال في التقريب لين الحديث من الرابعة. (عن عبد الله بن دينار) العدوي

ص: 282

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ. فَسَلَّمَ عَلَيهِ عَبْدُ اللهِ. وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ. وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَت عَلَى رَأْسِهِ. فَقَال ابْنُ دِينَارٍ: فَقُلْنَا لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، إِنَّهُمُ الأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضوْنَ بِالْيَسِيرِ. فَقَال عَبْدُ اللهِ: إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ"

ــ

مولاهم المدني ثقة من (4) روى عنه في (6) أبواب (عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته (أن رجلًا من الأعراب) قال في التنبيه لم أر من ذكر اسم هذا الرجل ولا اسم أبيه الوادّ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (لقيه) أي لقي ذلك الرجل لعبد الله بن عمر (بطريق مكة) أي في طريقها في سفره إليها (فسلّم عليه) أي على ذلك الرجل (عبد الله) بن عمر (وحمله) أي وحمل ابن عمر ذلك الرجل (على حمار كان) ابن عمر (يركبه) أي يركب ذلك الحمار بنفسه (وأعطاه) أي وأعطى ابن عمر ذلك (عمامة كانت على رأسه) أي على رأس ابن عمر (فقال) عبد الله (بن دينار فقلنا له) أي لابن عمر (أصلحك الله) تعالى أي وفّقك الله بكل صلاح (إنهم) أي إن قوم هذا الرجل هم (الأعراب) أي سكان البوادي (وإنَّهم) أي وإن الأعراب (يرضون باليسير) أي بالقليل من العطاء فلم أعطيت له هذا العطاء الكثير من الحمار والعمامة (فقال عبد الله) بن عمر (أن أبا هذا الرجل) الذي أعطيته (كان ودًا) بضم الواو وكسرها وتشديد الدال أي صديقًا العمر بن الخطاب) رضي الله عنه والود في الأصل مصدر بمعنى المودة والمحبة ثم استعير لصاحب المودة من إطلاق المصدر وارادة الوصف (واني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنَّ أبرَّ البرِّ) للوالدين أي إنَّ أشد البر وأفضله وأكثره ثوابًا (صلة الولد) وإحسانه وإكرامه (أهل ودّ) ومحبة (أبيه) وصداقته أي إكرامهم بالعطايا والزيارة ففي الحديث فضل صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم وإكرامهم وهو متضمن لبر الأب وإكرامه لكونه بسببه وتلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشايخ والزوج والزوجة وقد سبقت الأحاديث في إكرامه صلى الله عليه وسلم خلائل خديجة رضي الله عنها وأخرج أبو داود في سننه [5142] عن أبي أسيد رضي الله عنه قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله هل بقي من برِّ أبويَّ شيء أبرهما به بعد موتهما قال نعم الصلاة عليهما والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما.

ص: 283

6359 -

(00)(00) حدّثني أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي حَيوَةُ بْنُ شُرَيحٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال:"أَبَرُّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أَبِيهِ".

6360 -

(00)(00) حدَّثنا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَاللَّيثُ بْنُ سَعْدٍ. جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛

ــ

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أبو داود في الأدب باب في برِّ الوالدين [5143] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في إكرام صديق الوالد [1903].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في هذا الحديث فقال:

6359 -

(00)(00)(حدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرني حيوة بن شريح) بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري ثقة من (7) روى عنه في (7) أبواب (عن) يزيد بن عبد الله (بن الهاد) الليثي المدني ثقة من (5) روى عنه في (12) بابا (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة يزيد بن الهاد للوليد بن أبي الوليد (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أبرّ البرِّ) أي أفضل البر إلى الوالدين وأحسنه وأكثره أجرًا (أنْ يصل الرجل وُدَّ أبيه) أي أن يكرم صديق أبيه ويعطيه ويخدمه قال ابن فرشة والبرُّ هو الإحسان جعل البر بارًا ببناء أفعل التفضيل منه وإضافته إليه مجازًا والمراد منه أفضل البر وأفعل التفضيل ها هنا للزيادة المطلقة اهـ قال الأبي يعني آكد البر وأفضله إيثار أهل ود أبيه على غيرهم لا على الأب لأنه إنما كان من قبل الأب.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا فقال:

6360 -

(00)(00)(حدثنا حسن بن علي) الهذلي الخلال (الحلواني) المكي ثقة من (11)(حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري المدني ثقة من (9)(حدثنا أبي) سعد بن عبد الرحمن الزهري (والليث بن سعد) المصري (جميعًا) أي كلاهما رويا لي (عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد) الليئي المدني ثقة من (5)(عن عبد الله بن دينار عن) عبد الله (بن عمر) رضي الله عنهما وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة

ص: 284

أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيهِ، إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ. وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَبَينَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذلِكَ الْحِمَارِ، إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَال: أَلَسْتَ ابْنَ فُلانِ بْنِ فُلانٍ؟ قَال: بَلَى، فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ وَقَال: أرْكَبْ هذَا، وَالْعِمَامَةَ قَال: اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ. فَقَال لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: غَفَرَ اللهُ لَكَ أَعْطَيتَ هَذَا الأعرَابِي حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيهِ، وَعِمَامَةَ كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَال: إِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ مِنْ أَبرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ، بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ" وَإِن أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ

ــ

إبراهيم بن سعد والليث بن سعد لحيوة بن شريح (أنَّه) أي أن ابن عمر (كان إذا خرج) وسافر من المدينة (إلى مكة كان له حمار يتروح عليه) أي كان يستصحب حمارًا ليستريح عليه (إذا ملَّ) وضجر من (ركوب) البعير و (الرَّاحلة) وكان له (عمامة يشد بها رأسه) إذا صدع (فبينا هو) أي ابن عمر (يومًا) راكب (على ذلك الحمار إذ مرّ به) أي على ابن عمر (أعرابي) أي رجل من سكان البادية (فقال) ابن عمر للأعرابي (ألست) أيها الرجل (ابن فلان بن فلان قال) الأعرابي (بلى) حرف يجاب به النفي فيكون لنفي النفي ونفي النفي إثبات والمعنى حينئذ ليس الأمر كما قلت من نفي النفي بل أنا ابن فلان بن فلان (فأعطاه) أي فأعطى ابن عمر الأعرابي (الحمار) الذي يتروَّح عليه (وقال) ابن عمر للأعرابي (اركب هذا) الحمار (و) خذ هذه (العمامة) و (اشدد بها رأسك) أي تعمم بها على رأسك (فقال له) أي لابن عمر (بعض أصحابه) أي بعض أصحاب ابن عمر (غفر الله لك) يا ابن عمر هل (أعطيت هذا الأعرابي حمارًا كنت تروّح) أي تستريح (عليه وعمامة كنت تشد بها رأسك فقال) ابن عمر (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن من أبرّ البر) وأفضله وأكثره أجرًا (صلة الرجل) أي إعطاء الرجل جائزة وعطية (أهل ودّ أبيه) أي أهل محبة أبيه وصداقته (بعد أن يولّي) ويغيب أبوه موتًا أو بغيره ثم قال ابن عمر (وإنَّ أباه) أي أبا هذا الأعرابي كان صديقًا لـ) ـوالدي (عمر) بن الخطاب رضي الله عنه ولهذا الحديث أعطيته صلة عملًا به "قوله بعد أن يولّي " قال الأبي هو بضم الياء وفتح الواو وشد اللام المكسورة قال بعض الشافعية هذه الكلمة مما تخبط فيها الناس والذي أعرف فيها أنها مسندة إلى ضمير الأب أي بعد أن يغيب أبوه أو يموت اهـ وفي المشارق "بعد أن تولّى الأب" قال شارحه ابن ملك بفتح التاء أي غاب والغيبة أعم

ص: 285

6361 -

(2535)(93) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيمُونٍ. حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ مُعَاويةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ ألأَنْصَارِيِّ. قَال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ؟

ــ

من أن تكون بموت أو سفر وإنما كانت الوصلة بأولياء والده بعده أبر لأن ذلك يؤدي إلى كسب الدعاء له وبقاء المودة وفيه إشارة إلى تأكيد حق الأب لأن صلة أصدقائه إذا كانت أبرَّ الإحسان ففضل صلته يخرج عن وصف اللسان اهـ منه.

ثم استدل المؤلف على الجزء الثالث من الترجمة وهو تفسير البر والإثم بحديث النواس بن سمعان الكلابي أصلًا لأنصاري حلفًا رضي الله عنه فقال:

1 636 - (2535)(93)(حدثني محمد بن حاتم بن ميمون) السمين البغدادي صدوق من (10)(حدثنا) عبد الرحمن (بن مهدي) بن حسّان الأزدي البصري ثقة من (9)(عن معاوية بن صالح) بن حدير مصغرًا الحضرمي الحمصي صدوق من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير) بالتصغير فيهما الحضرمي أبي حميد الشامي ثقة من (4) روى عنه في (9) أبواب (عن أبيه) جبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي الحمصي أبي عبد الرحمن ثقة مخضرم أسلم في زمن أبي بكر ولأبيه صحبة وكأنه هو ما وفد إلا في زمن عمر ثقة من (2) روى عنه في (10) أبواب (عن النواس بن سمعان) الكلابي الثامي الصحابي الشهير روى عنه في (3) أبواب وله سبعة عشر حديثًا روى عنه (م) بثلاثة أحاديث في الصلاة والفتن والبرّ رضي الله عنه وقوله (الأنصاري) قال النووي هكذا وقع في نسخ صحيح مسلم"الأنصاري" قال أبو علي الجياني هذا وهم وصوابه الكلابي فإن النواس كلابي مشهور قال المازري والقاضي عياض المشهور أنه كلابي ولعله حليف للأنصار وهو النواس بن سمعان بن خالد بن عمرو بن قرط بن كلاب هكذا نسبه الغلابي ويحيى بن معين. "قلت" هذا كله حكاية أبي عبد الله المازري والذي ذكره أبو عمر في نسبه أنه قال هو النواس بن سمعان بن خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن ربيعة الكلابي وبين النسبين زيادة في الأجداد وتغيير في الأسماء فتأمله اهـ من المفهم.

(قال) النواس (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن) معنى (البرِّ والإثم) أي سألته عما يبر فاعله فيلحق بالأبرار وهم المطيعون لله تعالى وعما يأثم فاعله فيلحق

ص: 286

فَقَال: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإِثْمُ مَا حَاكَ في صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيهِ النَّاسُ".

6362 -

(00)(00) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيلِيُّ،

ــ

الآثمين فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بجواب جملي أغناه عن التفصيل (فقال) له (البر) قال النووي قال العلماء البر يكون بمعنى الصلة وبمعنى اللطف والمبرة وحسن الصحبة والعشرة وبمعنى الطاعة وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق وقال الأبي إن البر بأي معنى كان يستلزم حسن الخلق اهـ أي فأجابه بقوله البرُّ (حُسن الخلق) بضم الخاء واللام يعني أن حسن الخلق أعظم خصال البر كما قال "الحج عرفة" رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة ويعني بحسن الخلق الإنصاف في المعاملة والرفق في المجادلة والعدل في الأحكام والبذل والإحسان اهـ من المفهم (والإثم ما حاك) وتحرّك (في صدرك) وقلبك وتردد فيه ولم ينشرح له الصدر وحصل في القلب منه الشك وخوف كونه ذنبًا (وكرهت أن يطلع عليه الناس) أي المؤمنون الأتقياء أي الشيء الذي يؤثر نفرة وحزازة في القلب يقال حاك الشيء في قلبي إذا رسخ فيه وثبت ولا يحيك هذا في قلبي أي لا يثبت فيه ولا يستقرّ قال شمر الكلام الحائك هو الراسخ في القلب وإنما أحاله النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الإدراك القلبي لما علم من جودة فهمه وحسن قريحته وتنوير قلبه وأنه يدرك ذلك من نفسه وهذا كما قال في الحديث الآخر "الإثم حزّاز القلوب" رواه البيهقي في شعب الإيمان [7277] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يعني به القلوب المنشرحة للإسلام المنورة بالعلم الذي قال فيه مالك "العلم نور يقذفه الله تعالى في القلب" وهذا الجواب لا يصلح لغليظ القلب قليل الفهم فإذا سأل عن ذلك من قل فهمه فصلت له الأوامر والنواهي الشرعية وقد قالت عائشة رضي الله عنها "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم " رواه أبو داود [4842] بلفظ "أنزلوا الناس منازلهم " مرفوعًا من حديث عائشة رضي الله عنها اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 182] والترمذي في الزهد باب ما جاء في البر والإثم [2390].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث النوّاس رضي الله عنه فقال:

6362 -

(00)(00)(حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التميمي (الأيلي) ثقة من

ص: 287

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاويةُ، (يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ جُبَيرِ بْنِ نُفَيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ. قَال: أَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ سَنَةً. مَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْهِجْرَةِ إلا الْمَسْأَلَةُ. كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيءٍ. قَال: فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ. وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيهِ النَّاسُ"

ــ

(10)

روى عنه في (4) أبواب (حدثنا عبد الله بن وهب) القرشي المصري ثقة من (9)(حدثني معاوية يعني ابن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن نواس بن سمعان) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عبد الله بن وهب لعبد الرحمن بن مهدي (قال) نواس (أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنةً) كاملةً بنية السفر والرجوع إلى وطني لا الاستيطان بالمدينة يعني أنه أقام بالمدينة تلك المدة كالزائر من غير نية نقلة إليها من وطنه لاستيطانها والحال أنه (ما يمنعني من) نية (الهجرة) والنقلة إليها والهجرة هي الانتقال إليها من الوطن واستيطان المدينة (إلا المسألة) أي إلا الرغبة في سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمور الدين وتعلمها ثم الرجوع إلى وطني فإنّه كان سمح بذلك للطارئين دون المهاجرين وكان المهاجرون يفرحون بسؤال الغرباء الطارئين من الأعراب وغيرهم لأنهم يحتملون في السؤال ويعذرون ويستفيد المهاجرون بالجواب اهـ نووي بتصرف ثم قال النواس أيضًا لأنه (كان أحدنا) أي أحد الصحابة (إذا هاجر) إلى المدينة ونوى الاستيطان بها (لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء) من أمور الدين والدنيا وقد تمم هذا المعنى أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع وقد تقدم القول في ذلك في أوائل الكتاب (قال) النواس (فسألته عن البر والأثم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم البر حسن الخلق والأثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلّع عليه الناس) أي المؤمنون الأتقياء لأنهم يعيبون بذلك.

ثم استدل المؤلف على الجزء الرابع من الترجمة وهو وجوب صلة الرحم وتحريم قطيعتها بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فقال:

ص: 288

6363 -

(2536)(94) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ. قَالا: حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، (وَهُوَ ابْنُ إِسْماعِيلَ)، عَنْ مُعَاويةَ، (وَهُوَ ابْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِم)، حَدَّثَنِي عَمِّي، أَبُو الْحُبَابِ، سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، قَال: قَال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ. حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ

ــ

6363 -

(2536)(94)(حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله الثقفي) البلخي (ومحمد بن عبَّاد) بن الزبرقان المكي نزيل بغداد صدوق من (10) روى عنه في (9) أبواب (قالا حدثنا حاتم وهو ابن إسماعيل) مولى بني عبد الدار أبو إسماعيل المدني صدوق من (8) روى عنه في (12) بابا (عن معاوية وهو ابن أبي مزرد) بضم الميم وفتح الزاي وتشديد الراء المكسورة اسمه عبد الرحمن بن ياسر (مولى بني هاشم) المدني لا بأس به روى عنه في (2) بابين قال (حدثني عمِّي أبو الحباب) بضم المهملة وتخفيف الموحدة (سعيد بن يسار) مولى ميمونة وقيل مولى شقران المدني ثقة من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أبو هريرة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنَّ الله) سبحانه وتعالى (خلق الخلق) أي أوجد المخلوقات على غير مثال سابق وخلق هنا بمعنى اخترع وأصله التقدير والخلق هنا بمعنى المخلوق وأصله مصدر أريد به اسم المفعول يقال خلق يخلق خلقًا من باب نصر إذا قدر أو إذا اخترع قال زهير:

ولأنت تفري ما خلقت وبعـ

ـعض القوم يخلق ثم لا يفري

أي تقطع ما قدرت وقال الله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} [لقمان: 11]، أي مخلوقه (حتى إذا فرغ) أي كمل خلقهم لا أنه اشتغل بهم ثم فرغ من شغله بهم إذ ليس فعله بمباشرة ولا بمناولة ولا خلقه بآلة ولا محاولة تعالى عما يتوهمه المتوهمون وسبحانه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون (قامت الرحم) في الكلام مجاز إذ الرحم عبارة عن قرابات الرجل من جهة طرفي أبائه وإن علوا وأبنائه وإن نزلوا وما يتصل بالطرفين من الأعمام والعمّات والأخوال والخالات والإخوة والأخوات ومن يتصل بهم من أولادهم برحم جامعة والقرابة إذًا نسبة من النسب كالأبوة والأخوة والعمومة وما كان كذلك استحال عليه حقيقة القيام فيحمل على أن الكلام على تقدير أي قام ملك عنها وتكلم اهـ

ص: 289

فَقَالتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَال: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَينَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالتْ: بَلَى. قَال: فَذَاكِ لَكِ".

ثُمَّ قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَهَلْ عَسَيتُمْ إِنْ تَوَلَّيتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} [محمد: 22 - 24]

ــ

مفهم قال الحافظ في الفتح [8/ 585] ويحتمل أن يكون الكلام على الحقيقة والأعراض يجوز أن تتجسد وتكلَّم بإذن الله تعالى وهذا هو القول الحق أي قامت الرحم بنفسها بإذن الله تعالى (فقالت) الرحم حقيقة بلسان المقال (هذا) أي قيامي هذا (مقام العائذ) أي قيام المستعيذ بك المستجير (من القطيعة) فأجرني من القطيعة فإن من استجار بك غير مخذول وعهدك غير منقوض قال الله تعالى في جواب استجارتها (نعم) أجرتك من القطيعة ثم عاهد لها فقال مخاطبًا لها (أما ترضين) أيتها الرَّحم (أن أصل من وصلك) ووصل الله لعباده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيّفها ولا نمثلها أثرها إحسانه إليهم (وأقطع من قطعك) وقطع الله سبحانه لعباده صفة ثابتة له نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثّلها أثرها انتقامه منهم (قالت) الرحم لربها بلسان المقال حقيقةً (بلى) رضيت يا رب ما عاهدتني (قال) الرب عز وجل للرحم بلا واسطة حقيقة (فذاك) العهد من وصل من وصلك وقطع من قطعك واجب (لك) عليَّ بمقتضى فضلي ووعدي (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم) مصداق قولي قوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيتُمْ إِنْ تَوَلَّيتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 22 - 23 - 24].

وهذا الذي ذكرناه في معنى هذا الحديث هو القول الصواب والمذهب الحق الذي عليه السلف وفيه أقاويل باردة وتأويلات زائفة لا مستند لها قد ضربنا عليها صفحًا خوفًا من الإطالة لأنها لا طائل في ذكرها والله سبحانه وتعالى هو الموفق بالصواب.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في مواضع منها في الأدب باب من وصل وصله الله [5987] وفي التوحيد باب قول الله تعالى يريدون أن يبدلوا كلام الله [7502].

ص: 290

6364 -

(2537)(94) حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ، (وَاللَّفْظُ لأبَي بَكْرٍ)، قَالا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُعَاوَيةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَني وَصَلَهُ اللهُ. وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ"

ــ

"تتمة" قال القاضي عياض ولا خلاف أن صلة الرحم واجبة على الجملة وأن قطعها كبيرة والصلة درجات بعضها فوق بعض وأدناها ترك المهاجرة والكلام ولو بالسلام ويختلف ذلك باختلاف القدرة عليها والحاجة إليها فمن الصلة ما يجب ومنها ما يستحب ولا يسمى من وصل بعض الصلة ولم يبلغ أقصاها قاطعأ ولا من قصر عمَّا ينبغي أو قصر عمَّا يقدر عليه قاطعًا.

وقال القرطبي: الرحم التي توصل عامة وخاصة فالعامة رحم الدين لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وتجب مواصلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة كتمريض المريض وحقوق الموتى من كسلهم والصلاة عليهم ودفنهم وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم وأما الرحم الخاصة فتجب لهم الحقوق العامة وزيادة عليها كالنفقة على القرابة القريبة وتفقد أحوالهم وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب اهـ.

ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث عائشة رضي الله عنهما فقال:

6364 -

(2537)(94)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب واللفظ لأبي بكر قالا حدثنا وكليع عن معاوية بن أبي مزرّد) عبد الرحمن بن ياسر الهاشمي مولاهم المدني (عن يزيد بن رومان) بضم الراء وفتحها الأسدي مولاهم مولى آل الزبير أبي روح المدني ثقة من (5) روى عنه في (4) أبواب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها وهذا السند من سداسياته (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحم) أي القرابة مجسدة بصورة مخصوصة بقدرة الله تعالى (معلقة بالعرش) تعليقًا مغيبًا عنا لا نعرف كيفيته حالة كونها (تقول) قولًا حقيقيًّا بلسان المقال كما مرَّ (من وصلني وصله الله) عز وجل (ومن قطعني قطعه الله) تعالى جملة خبرية لفظًا إنشائية معنى قصدت إنشاء الدعاء له أو عليه والله أعلم وقد مرّ آنفًا معنى الوصل والقطع فراجعه.

ص: 291

6365 -

(2538)(96) حدّثني زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ. قَالا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ".

قَال ابْنُ أَبِي عُمَرَ: قَال سُفْيَانُ: يَعْنِي قَاطِعَ رَحِمٍ

ــ

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 62] والبخاري [5989].

"فائدة" قال ابن أبي جمرة تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء له والمعنى الجامع فيها هو إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة فإن كانوا كفّارًا أو فجارًا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إذا أصرّوا أن ذلك بسبب تخففهم عن الحق ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى كذا في فتح الباري [1/ 468] وقال القاضي واختلفوا في حد الرحم التي تجب صلتها فقيل هو كل رحم محرم بحيث لو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى حرمت مناكحتهما فعلى هذا لا يدخل أولاد الأعمام ولا أولاد الأخوال وقيل هو عام في كل رحم من ذوي الأرحام في الميراث يستوي المحرم وغيره ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم ثم أدناك ثم أدناك قال النووي وهذا القول الثاني هو الصواب ومما يدل عليه الحديث السابق في فضيلة أهل مصر فإن لهم ذمة ورحمًا وحديث "إن أبر البر أن يصل أهل ود أبيه" مع أنه لا محرمية والله أعلم اهـ.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث جبير بن مطعم رضي الله عنهما فقال:

6365 -

(2538)(96)(حدثني زهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (قالا حدثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل القرشي النوفلي أبي سعيد المدني ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) جبير بن مطعم بن عدي القرشي النوفلي المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب له (60) حديثًا (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا السند من خماسياته (قال لا يدخل الجنة قاطع) رحم. (قال ابن أبي عمر قال سفيان) بن عيينة (يعني) النبي صلى الله عليه وسلم بقوله قاطع بلا إضافة (قاطع رحم) قال القرطبي: وهذا

ص: 292

6366 -

(00)(00) حدّثني عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ. حَدَّثَنَا جُوَيرِيَةُ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ"

ــ

التفسير صحيح لكثرة مجيء لفظ قاطع في الشرع مضافًا إلى الرحم فإذا ورد مجردًا عن الإضافة حُمل على ذلك الغالب والكلام في كون القاطع لا يدخل الجنة قد تقدم في كتاب الإيمان وأنه يصح أن يحمل على المستحل لقطع الرحم فيكون القاطع كافرًا أو يخاف أن يفسد قلبه بسبب تلك المعصية فيختم عليه بالكفر فلا يدخل الجنة أو لا يدخل الجنة في الوقت الذي يدخلها الواصل للرحم لرحمه لأن القاطع يحبس في النار بمعصيته ثم بعد ذلك يخلص منها بتوحيده كل ذلك محتمل والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 84] والبخاري في الآداب باب إثم القاطع [5984] وأبو داود في الزكاة باب صلة الرحم [1696] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في صلة الرحم [1609].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث جبير رضي الله عنه فقال:

6366 -

(00)(00)(حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة ابن عبيد بن مخراق أبو عبد الرحمن البصري ثقة من (10) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا جويرية) بن أسماء بن عبيد بن مخراق الضبعي البصري صدوق من (7) روى عنه في (9) أبواب (عن مالك) بن أنس الإمام في الفروع (عن الزهري أن محمد بن جبير بن مطعم أخبره) أي أخبر مالكًا (أن أباه) أي أن أبا محمد جبير بن مطعم رضي الله عنه (أخبره) أي أخبر محمدًا وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة مالك لسفيان بن عيينة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل الجنة قاطع رحم) أي دخولًا بلا عذاب بل يدخلها بعد معاناة العذاب الذي استحقه بقطع الرحم أو المراد أنه لا يدخل الجنة أصلًا إن استحل قطع الرحم بلا شبهة مع العلم بتحريمها فهو كافر مخلد في النار لاستحلاله ما هو محرم بنص الكتاب والسنة.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه فقال:

ص: 293

6367 -

(00)(00) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ. وَقَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

6368 -

(2539)(97) حدّثني حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَس بْنِ مَالِكٍ. قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ عَلَيهِ رِزْقُهُ، أَوْ يُنْسَأ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"

ــ

6367 -

(00)(00)(حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري (وعبد بن حميد) بن نصر الكسي (عن عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن محمد بن جبير غرضه بيان متابعة معمر لمالك وساق معمر (مثله) أي مثل حديث مالك (و) لكن (قال) معمر في روايته (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بدل قول مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث أنس رضي الله عنهما فقال:

6368 -

(2539)(97)(حدثني حرملة بن يحيى التجيبي) المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (قال) أنس (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من سرَّه) وبشره وفرّحه (أن يبسط) ويوسع ويفُاض (عليه رزقه أو) أراد أن (ينسأ) بضم الياء وسكون النون وفتح السين على صيغة المبني للمجهول من الإنساء وهو التأخير والمراد طول العمر أي أو أراد أن يؤخر ويمهل له (في أثره) وأجله (فليصل رحمه) بما قدر عليه سمي الأجل أثرًا لأنه تابع للحياة في إثرها اهـ نووي.

قال السنوسي وفي معنى ذلك أنشد زهير حيث قال:

يسعى الفتى لأمور ليس يدركها

والنفس واحدة والهم منتشر

والمرء ما عاش ممدود له أجل

لا ينتهي العمر حتى ينتهي الأثر

وأصل الأثر من أثر مشيه في الأرض فإن مات لا يبقى له أثر أي لا يرى لأقدامه

ص: 294

6369 -

(00)(00) وحدَّثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيبِ بْنِ اللَّيثِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي. حَدَّثَنِي عُقَيلُ بْنُ خَالِدٍ

ــ

في الأرض أثر فمن ثم غلب استعمال انقطاع الأثر في انقراض الأجل والتأخير في الأجل هو ببقاء الذكر الجميل بعده فكأنه لم يمت وإلَّا فالأجل لا يزيد ولا ينقص وقيل قد يكون سبق في أمّ الكتاب أنه إن وصل رحمه فأجله كذا وإن لم يصل فأجله كذا وقال النووي وقيل معنى الزيادة أنه بالبركة فيه بتوفيقه لعمل الطاعة وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة والتوجيه ببقاء ذكره بعد الموت ضعيف اهـ سنوسي. قوله: "أن يبسط عليه رزقه" فيه أن طلب بسط الرزق ليس ممنوعًا وبسط الرزق توسيعه وكثرته وقيل البركة فيه وحاصل معنى هذا الحديث أن من تعوّد صلة الرحم فإنه يبسط له في الرزق ويزاد في عمره أمَّا استشكاله بأن الأرزاق والاجال مقدرة من الله تعالى لا تزيد ولا تنقص فيجاب عنه بأن هذه الزيادة والنقصان بالنسبة إلى التقدير المعفق وهو المكتوب في اللوح المحفوظ معلقًا بشيء كما قال تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39]، وأما التقدير المبرم أي المقطوع فقد جف القلم بما هو كائن منه ثابت لا تبديل له كما قال تعالى في هذه الآية:{وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي أصل المكتوب في اللوح المحفوظ الذي لم يعلق وهو الذي لا يقبل المحو والتغيير حُكي هذا المعنى عن عمر رضي الله عنه في الآية كما في المفهم وأجاب بعض العلماء عن هذا الإشكال بأن مراد الحديث ليس هو الزيادة في عدد أيام العمر وإنما المراد حصول البركة فيه بحيث إنه يوفق فيه الإكثار من الأعمال الصالحة التي تنفعه في الآخرة والجواب الأول أولى وأرجح.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 229] والبخاري في البيوع باب من أحدبَّ البسط في الرزق [2067] وفي الأدب باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم [5986] وأبو داود في الزكاة باب صلة الرحم [1696].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

6369 -

(00)(00)(وحدثني عبد الملك بن شعيب بن الليث) بن سعد الفهمي المصري ثقة من (11) روى عنه في (8) أبواب (حدّثني أبي) شعيب بن الليث ثقة من (10) روى عنه في (4) أبواب (عن جذي) ليث بن سعد ثقة حجة من (7)(حدثني عقيل بن خالد) بن عقيل مكبرًا الأموي مولاهم المصري ثقة من (6) روى عنه في (6)

ص: 295

قَال: قَال ابْنُ شِهَابٍ: أَخبَرَنِي أَنسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".

6370 -

(2540)(98) حدّثني مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، (وَاللَّفْظُ لابْنِ الْمُثَنَّى)، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَال: سَمِعْتُ الْعَلاءَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَجُلًا قَال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً، أَصِلُهُمْ ويَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيهِمْ ويسِيئُونَ إِلَيَّ. وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيجْهَلُونَ عَلَيَّ. فَقَال:"لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيهِمْ، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ"

ــ

أبواب (قال قال ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته غرضه بيان متابعة عقيل ليونس بن يزيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أحبَّ أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه).

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله عنه فقال:

6370 -

(2540)(98)(وحدثني محمد بن المثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن المثنى قالا حدثنا محمد بن جعفر) غندر الهذلي (حدثنا شعبة قال سمعت العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الجهني المدني (يحدّث عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني ثقة من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من سداسياته (أن رجلًا) لم أر من ذكر اسم هذا الرجل ولا قريبه (قال يا رسول الله إنَّ لي قرابةً) أي أصحاب قرابة ورحم لي (أصلهم) بما أقدر عليه (و) هم (يقطعوني) أي يفعلون بي أسباب القطيعة لي من الهجران لي في الكلام والسب والشتم وقوله (وأحسن إليهم) بالزيارة والإحسان إليهم بالعطاء (ويسيئون إليَّ) أي يفعلون بي الإساءة والإيذاء بالفعل والقول بمعنى ما قبله وكذا قوله (وأحلم) بضم اللام أي أصفح وأعفو (عنهم) جهلهم (و) هم (يجهلون) أي يسيئون ويسطون (عليَّ) أي يقولون قول الجهّال من السب والتقبيح بمعنى ما قبله وفي الكلام الإطناب لغرض الذم. (فقال) له النبي صلى الله عليه وسلم والله (لئن كنت) أيها الرجل صادقًا كما قلت) أي فيما قلت (فكأنما تسفهم) أي تطعمهم (الملَّ) أي الرماد الحار (ولا يزال) كائنًا (معك من) جهة (الله ظهير) أي معين لك (عليهم) دافع عنك لأذاهم (ما دمت على ذلك) الذي ذكرته من الوصل والإحسان والحلم قوله: "فكأنما

ص: 296

6371 -

(2541)(99) حدّثني يَحْيَى بن يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا

ــ

تسفهم المل" مأخوذ من أسف البعير إذا علفه اليبس كما في القاموس والمراد منه الإطعام والمل الرماد الحار يعني فكأنما تطعمهم الرّماد الحارَّ لما يلحقهم من الإثم قال التوربشتي أي إحسانك إليهم إذا كانوا يقابلونه بالإساءة يعود وبالًا عليهم حتى كانك في إحسانك إليهم مع إساءتهم إيَّاك أطعمتهم النار كذا في شرح السنوسي قال القرطبي قوله: "فكأنما تسفهم" الرواية بضم التاء وكسر السين وضم الفاء المشددة أي تجعلهم يسفونه من السف وهو شرب كل دواء يؤخذ غير متلوث وهو في الأصل أكل السويق يابسًا تقول سففت الدّواء وغيره كالسويق إذا أكلته غير معجون وأسففته غيري أي جعلته يسفه والمل الرماد الحار يقال أطعمنا خبز ملة ومعنى ذلك أن إحسانك إليهم مع إساءتهم لك يتنزل في قلوبهم منزلة النار المحرقة لما يجدون من ألم الخزي والفضيحة والعار الناشئ في قلب من قابل الإحسان بالإساءة قوله: "ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك" والظهير المعين ومعناه أن الله تعالى يؤيّدك بالصبر على جفائهم وحسن الخلق معهم ويعليك عليهم في الدنيا والآخرة مدة دوامك على معاملتك لهم بما ذكرت اهـ من المفهم وهذا الحديث مما انفرد به الإمام مسلم عن أصحاب الأمهات ولكنه شاركه أحمد [2/ 300].

ثم استدل المؤلف على الجزء الخامس من الترجمة وهو النهي عن التحاسد إلخ بحديث أنس رضي الله عنه فقال:

6371 -

(2541)(99)(حدثني يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن ابن شهاب عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من رباعياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تباغضوا) أي لا يبغض بعضكم بعضًا والبغض ضد الحب والبغضة بالكسر والبغضاء شدته كما في القاموس أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأن الحب والبغض معان قلبية لا قدرة للإنسان على اكتسابها ولا يملك التصرف فيها كما قال صلى الله عليه وسلم "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" رواه أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي يعني الحب والبغض (ولا تحاسدوا) أي لا يحسد بعضكم بعضًا والحسد في اللغة أن تتمنى زوال نعمة المحسود

ص: 297

وَلَا تَدَابَرُوا. وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ، إِخْوَانًا. وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ"

ــ

وعودها إليك يقال حسده يحسده حسودًا من باب قعد قال الأخفش وبعضهم يقول يحسد بالكسر والمصدر حسدًا بالتحريك وحسادة وحسدتك على الشيء وحسدتك الشيء بمعنى واحد.

وأما الغبطة فهي أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه تقول منه غبطته بما نال غبطًا وغبطة وقد يوضع الحسد موضع الغبطة لتقاربهما كما قال صلى الله عليه وسلم "لا حسد إلا في اثنتين" متفق عليه أي لا غبطة أعظم ولا أحق من الغبطة بهاتين الخصلتين اهـ من المفهم (ولا تدابروا) أي لا تفعلوا فعل المتباغضين اللذين يدبر كل واحد منهما عن الآخر أي يوليه دبره من المدابرة وهو جعل كل واحد من المتباغضين دبره وقفاه إلى الآخر ولا يواجهه بوجهه بغضًا له وكراهية رؤية وجهه وهي كناية عن المقاطعة (وكونوا) يا (عباد الله إخوانًا) أي مثل إخوان النسب في الشفقة والرحمة والمودة والمواساة والمعاونة والنصيحة كما أمركم الله سبحانه وتعالى بكونكم إخوانًا أمرًا ضمنيًا لا صريحًا بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، فإنه خبر عن الخصلة المطلوبة للمؤمنين التي ينبغي لهم أن يكونوا عليها ففيها معنى الأمر ويحتمل أن يريد بأمر الله هذا الأمر الذي هو قوله صلى الله عليه وسلم كونوا إخوانًا لأن أمره صلى الله عليه وسلم هو أمر الله وهو مبلّغ له قال النووي والمعنى أي تعاملوا وتعاشروا معاملة الإخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال اهـ (ولا يحل لمسلم أن يهجر) في الكلام والسلام (أخاه) المسلم ويعرض عنه (فوق ثلاث) من الليالي يعني أن الهجرة في الكلام دون الثلاث معفو عنها وسببه أن البشر لا بد له غالبًا من سوء خلق وغضب فسامحه الشرع في هذه المدة لأن الغضب فيها لا يكاد الإنسان ينفك عنه ولأنه لا يمكنه رد الغضب في تلك المدة غالبًا وبعد ذلك يضعف فيمكن رده بل قد يمحى أثره وظاهر هذا الحديث تحريم الهجرة فوق ثلاث وقد أكّد هذا المعنى قوله لا هجرة بعد ثلاث وكون المتهاجرين لا يغفر لهما حتى يصطلحا اهـ من المفهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 100] والبخاري في الأدب باب

ص: 298

6372 -

(00)(00) حدَّثنا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيدِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال. ح وحدّثنيه حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ.

6373 -

(00)(00) حدَّثنا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ. جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُيَينَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَزَادَ ابْنُ عُيَينَةَ:"وَلَا تَقَاطَعُوا"

ــ

ما ينهى من التحاسد والتدابر [6065] وباب الهجرة [6076] وأبو داود في الأدب باب من يهجر أخاه المسلم [4910] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في الحسد [1936].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

6372 -

(00)(00)(حدثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الشامي أبو محمد الأعور البغدادي صدوق من (10)(حدثنا محمد بن حرب) الخولاني أبو عبد الله الحمصي الأبرش ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (حدثنا محمد بن الوليد) بن عامر (الزبيدي) مصغرًا الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن الزهري أخبرني أنس بن مالك) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة الزبيدي لمالك بن أنس (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ح) وحدثنيه حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرني ابن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم غرضه بيان متابعة يونس لمالك وساق كل من الزبيدي ويونس (بمثل حديث مالك) بن أنس عن الزهري.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثانيًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

6373 -

(00)(00)(حدثنا زهير بن حرب و) محمد بن يحيى (بن أبي عمر) العدني المكي (وعمرو) بن محمد بن بكير (الناقد جميعًا) أي كل من الثلاثة رووا (عن ابن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أنس (و) لكن (زاد ابن عيينة) على جميع من روى عن الزهري لفظة (ولا تقاطعوا) أي لا تفعلوا أسباب التقاطع التي تقطع بعضكم

ص: 299

6374 -

(00)(00) حدَّثنا أَبُو كَامِلٍ. حَدَّثَنَا يَزِيدُ، (يَعْنِي ابْنَ زُرَيعٍ). ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ. جَمِيعًا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ.

أَمَّا رِوَايَةُ يَزِيدَ عَنْهُ فَكَرِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. يذْكُرُ الْخِصَال الأَرْبَعَ جَمِيعًا، وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ:"وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا".

6375 -

(00)(00) وحدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ؛

ــ

عن بعض من الحسد والغيبة والسب والشتم والبغض وهو من ذكر العام بعد الخاص وهذا السند من رباعياته غرضه بيان متابعة سفيان بن عيينة لمن روى عن الزهري.

ثم ذكر المؤلف المتابعة ثالثًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

6374 -

(00)(00)(حدثنا أبو كامل) الجحدري فضيل بن حسين البصري (حدثنا يزيد يعني ابن زريع) التيمي العيشي أبو معاوية البصري ثقة من (8) روى عنه في (12) بابًا (ح وحدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة من (11)(وعبد بن حميد) بن نصر الكسي ثقة من (11)(كلاهما) أي كل من ابني رافع وحميد رويا (عن عبد الرزاق) بن همام الحميري الصنعاني (جميعًا) أي كل من يزيد وعبد الرزاق رويا (عن معمر) بن راشد الأزدي (عن الزهري بهذا الإسناد) يعني عن أنس وهذان السندان من خماسياته غرضه بيان متابعة معمر لمن روى عن الزهري (أمَّا رواية يزيد) بن زريع (عنه فكرواية سفيان) بن عيينة (عن الزهري بذكر) أي في ذكر (الخصال الأربعة جميعًا) وهي عدم التباغض وعدم التحاسد وعدم التدابر وكونهم إخوانًا كالإخوة النسبية في الشفقة والتوادد والتناصح والله أعلم اهـ محمد الدهني (وأمَّا حديث عبد الرزَّاق) وروايته فهي بلفظة (ولا تحاسدوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا) بدون ذكر التباغض والله أعلم.

ثم ذكر المؤلف المتابعة رابعًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

6375 -

(00)(00)(وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو داود) الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري (حدثنا شعبة عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) بن مالك رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته غرضه بيان متابعة قتادة للزهري

ص: 300

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَقَاطَعُوا. وَكُونُوا، عِبَادَ اللهِ، إِخْوَانًا".

6376 -

(00)(00) حدّثنيه عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ. حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، مِثْلَهُ، وَزَادَ:"كَمَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ".

6377 -

(2542)(100) حدَّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَال: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "لَا يَحِل لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ. يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا

ــ

(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تحاصدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا) بترك تدابروا (وكونوا) يا (عباد الله إخوانًا) في الدين كإخوة النسب في الشفقة والمحبة والملاطفة والمناصرة والمناصحة.

ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث أنس رضي الله عنه فقال:

6376 -

(00)(00)(حدثنيه علي بن نصر) بن علي بن صهبان البصري (الجهضمي) نسبة إلى الجهاضمة محلة في البصرة (حدثنا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد الأزدي البصري ثقة من (9)(حدثنا شعبة بهذا الإسناد) يعني عن قتادة عن أنس غرضه بيان متابعة وهب لأبي داود وساق وهب (مثله) أي مثل حديث أبي داود (و) لكن (زاد) وهب على أبي داود لفظة (كما أمركم الله) تعالى.

ثم استدل المؤلف على الجزء السادس من الترجمة وهو تحريم الهجر فوق ثلاث بحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال:

6377 -

(2542)(100)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس (عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي) الجدعيّ بضم الجيم أبي يزيد المدني ثقة من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن أبي أيوب الأنصاري) خالد بن زيد المدني رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحلُّ لمسلم) ولا مسلمة (أن يهجر) من باب نصر (أخاه) المسلم في الكلام وفي السلام ابتداءً واجابة (فوق ثلاث ليال) حالة كونهما (يلتقيان فيعرض هذا) الذي جاء من

ص: 301

وَيُعْرِضُ هَذَا. وَخَيرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ"

ــ

اليمين عن هذا الذي جاء من اليسار (ويعرض هذا) الذي جاء من اليسار عن هذا الذي جاء من اليمين أي يعرض كل واحد منهما بجانبه عن الآخر. و (الهجر) بفتح الهاء وسكون الجيم وكذا (الهجران) بكسر الهاء لغة ترك الشيء كلامًا كان أو غيره وعرفًا ترك الشخص مكالمة الآخر إذا تلاقيا ثم اختلفوا في حد الهجران الممنوع بهذا الحديث فقال أكثر العلماء هو ترك السلام فمن بدأ بالسلام خرج من إثم الهجران كما دلّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث (وخيرهما) أي خير المتلاقيين (الذي يبدأ بالسّلام) هذا في الابتداء بالسلام أما رد السلام فهو واجب على كل حال فمن تركه حتى في ليلة واحدة حتى في مرة فهو آثم أما ترك الابتداء بالسلام بقصد الهجران فليس آثمًا ما لم يدم ثلاثة أيام وقيل لا يخرج عن إثم الهجران بمجرد السلام حتى يعود على ما كان عليه من المكالمة وهذا القول مروي عن الإمام أحمد بن حنبل وابن القاسم والقاضي عياض كما في فتح الباري [1/ 496] والظاهر أن الهجران الممنوع هو ترك السلام والكلام جميعًا فلو سلم ثم قصد ترك الكلام معه حتى في مواضع الضرورة أو لم يجبه حينما خاطبه بشيء كان ذلك من الهجران الممنوع ومجرد الاكتفاء بالسلام لا يخرجه من الهجران لأن القصد بترك الكلام معه بعد السلام مما يؤذي صاحبه والمقصود من الحديث التجنب عن إيذاء أخيه أما قوله صلى الله عليه وسلم "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" فإنه ليس معناه الاقتصار على السلام وإنما خرج الحديث مخرج الغالب فإن المسلمين يفتتحون مكالمتهم بالسلام فالمعنى أن خيرهما من يبدأ بالكلام ويجعل السلام على الآخر فاتحة لكلامه معه لا أنه يسقم عليه ثم يعرض عنه لأنه حينئذ يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم "يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 422] والبخاري في الاستئذان باب السلام للمعرفة وغير المعرفة [6237] وفي الأدب باب الهجرة [6077] وأبو داود في الأدب باب فيمن يهجر أخاه المسلم [4911] والترمذي في البر والصلة باب ما جاء في كراهية الهجر للمسلم [1933].

ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال:

ص: 302

6378 -

(00)(00) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَزُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. ح وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ. ح وَحَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ. حَدَّثَنَا مُحَمدُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيدِيِّ. ح وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِي وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ. كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ. بِإِسْنَادِ مَالِكٍ، وَمِثْلِ حَدِيثِهِ. إلا قَوْلَهُ:"فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا" فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا قَالُوا فِي حَدِيثِهِمْ، غَيرَ مَالِكٍ:"فَيَصُدُّ هذَا وَيصُدُّ هَذَا"

ــ

6378 -

(00)(00)(حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالوا حدثنا سفيان) بن عيينة (ح وحدثني حرملة بن يحيى أخبرنا) عبد الله (بن وهب أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي الأموي (ح وحدثنا حاجب بن الوليد) بن ميمون الشامي صدوق من (10) روى عنه في (4) أبواب (حدثنا محمد بن حرب) الخولاني أبو عبد الله الحمصي ثقة من (9) روى عنه في (5) أبواب (عن) محمد بن الوليد (الزبيدي) مصغرًا أبي الهذيل الحمصي ثقة من (7) روى عنه في (8) أبواب (ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومحمد بن رافع) القشيري (وعبد بن حميد) الكسي كلهم رووا (عن عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) بن راشد الأزدي البصري (كلهم) أي كل من سفيان في السند الأول ويونس في السند الثاني والزبيدي في السند الثالث ومعمر في السند الرابع رووا (عن الزهري بإسناد مالك) يعني عن عطاء عن أبي أيوب (و) بـ (ـمثل حديثه) أي وبمثل حديث مالك السابق لفظًا ومعنىً ومثل بالجر معطوف على إسناد مالك كما قررناه في الحل وقوله (إلا قوله) أي إلا قول مالك في روايته (فيعرض هذا ويعرض هذا) استثناء من المماثلة وإنما استثنى عن المماثلة (لأنهم) أي لأن هؤلاء الأربعة المذكورة آنفًا حالة كونهم (جميعًا) أي مجتمعين على المخالفة لمالك أي فإنهم قالوا جميعًا (في حديثهم) أي في روايتهم (غير مالك) هذا حشو لا حاجة إليه أو أتى به إيضاحًا للمعلوم من المقام للمبتدي أي قالوا لفظة (فيصدُّ هذا) أي يعرض هذا عن ذلك (ويصدُّ هذا) عن ذلك الآخر ويصد بمعنى يعرض فهو اختلاف لفظي أي يولِّيه عرضه أي جانبه اهـ نووي.

قال الخطابي رخص للمسلم أن يغضب على أخيه ثلاث ليال لقلته ولا يجوز فوقها إلا إذا كان الهجران في حق من حقوق الله تعالى فيجوز فوق ذلك وفي حاشية السيوطي

ص: 303

6379 -

(2543)(101) حدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي فُدَيْكٍ. أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ (وَهُوَ ابْنُ عُثْمَانَ)، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا يَحِل لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثةِ أَيَّامٍ"

ــ

على الموطأ قال ابن عبد البر هذا مخصوص بحديث كعب بن مالك وصاحبيه حيث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بهجرهم يعني زيادة على ثلاث إلى أن بلغ خمسين ليلة قال وأجمع العلماء على أن من خاف من مكالمة أحد وصلته ما يفسد عليه دينه أو يدخل مضرة في دنياه يجوز له مجانبته وبعده ورب صرم جميل خير من مخالطة من تؤذيه قوله "وخيرهما" أي أكثرهما ثوابًا "الذي يبدأ صاحبه بالسلام" معناه أن الذي يبدأ بقطع الهجرة فسبق صاحبه بالسلام أحسن خلقًا وأعظم أجرًا وما ذكرناه من جواز الهجران في الثلاث هو مذهب الجمهور والمعتبر ثلاث ليال فإن بدأ بالهجرة في بعض يوم فله أن يلغي ذلك البعض ويعتبر ليلة ذلك اليوم فيكون أول الزمان الذي أبيحت فيه الهجرة ثم بانفصال الليلة الثالثة تحرم الهجرة على ما قدمناه وهذا الهجران الذي ذكرناه هو الذي يكون عن غضب لأمر جائز لا تعلق له بالدين فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه به إلى أن يتوب من ذلك ولا يختلف في هذا اهـ من المفهم.

ثم استشهد المؤلف لحديث أبي أيوب بحديث ابن عمر رضي الله عنهم فقال:

6379 -

(2543)(101)(حدثنا محمد بن رافع) القشيري (حدثنا محمد) بن إسماعيل بن مسلم (بن أبي فديك) مصغرًا يسار الديلي المدني صدوق من (8) روى عنه في (8) أبواب (أخبرنا الضحاك وهو ابن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني صدوق من (7) روى عنه في (8) أبواب (عن نافع عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام) قوله "أن يهجر أخاه" المراد بالأُخوة أخوة الإسلام فمن لم يكن كذلك جاز هجره فوق الثلاث والمراد بالهجر فيما يقع بين الناس من عيب أو موجدة أو تقصير في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان في جانب الدين فإن هجرة أهل البدع دائمة ما لم تظهر التوبة فإنه صلى الله عليه وسلم لما خاف على كعب بن مالك وصاحبيه النفاق حين تخلّفوا عن غزوة تبوك أمر بهجرهم فهجروا خمسين يومًا وهجر نساءه صلى الله عليه وسلم شهرًا وهجرت عائشة ابن الزبير

ص: 304

6380 -

(2544)(102) حدَّثنا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، (يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ)، عَنِ الْعَلاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"لَا هِجْرَةَ بَعْدَ ثَلاثٍ"

ــ

مدة ومات جماعة من الصحابة مهاجرين لآخرين منهم اهـ أبي وهذا الحديث انفرد به الإمام مسلم رحمه الله عن أصحاب الأمهات.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي أيوب بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

6380 -

(2544)(102)(حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد) بن عبد الدراوردي المدني (عن العلاء) بن عبد الرحمن الجهني المدني (عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني (عن أبي هريرة) رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا هجرة بعد ثلاث) ليال والهجرة بكسر الهاء وسكون الجيم اسم هيئة من الهَجر والهِجران بكسر الهاء وسكون الجيم فيهما وهما مصدران لهجر الثلاثي يقال هجر في الكلام إذا سكت وهذا الحديث أيضًا مما انفرد به المؤلف رحمه الله تعالى.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب من الأحاديث اثنا عشر حديثًا الأول حديث أبي هريرة الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثاني حديث ابن عمر الأول ذكره للاستدلال به على الجزء الثاني من الترجمة وذكر فيه متابعتين والثالث حديث النواس بن سمعان ذكره للاستدلال به على الجزء الئالث من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والرابع حديث أبي هريرة الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الرابع من الترجمة والخامس حديث عائشة ذكره للاستشهاد به والسادس حديث جبير بن مطعم ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعتين والسابع حديث أنس بن مالك ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والثامن حديث أبي هريرة الثالث ذكره للاستشهاد والتاسع حديث أنس الثاني ذكره للاستدلال به على الجزء الخامس من الترجمة وذكر فيه خمس متابعات والعاشر حديث أبي أيوب الأنصاري ذكره للاستدلال على الجزء السادس من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة والحادي عشر حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد والثاني عشر حديث أبي هريرة الرابع ذكره للاستشهاد والله تعالى أعلم.

***

ص: 305