الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معاجلة بعض المشكلات الاجتماعية
رغم اهتمام الإسلام بجانبي الروح والجسد في الإنسان، وربط العقيدة والعبادة بالسلوك، وتشريعه الأحكام المقننة للتعامل، والأخلاق المصاحبة له، ليتم بأسلوب سمح، وجعله تقوى الله تعالى أولى أهدفه، فإن الطبائع البشرية ميالة إلى مخالفة الشرع، واتباع الهوى، إضافة إلى ما في البيئة من مغريات، لذلك اهتم الإسلام بالوقاية من الانحراف، وفتح باب التوبة للمخطئين، وسن أحكاما زجرية لمن لم يتب زجرا له، ولغيره.
ومن المشاكل التي قد تحدث في المجتمع المسلم، الانقطاع عن الدارسة، والفهم الخاطئ للعقيدة، والمشاكل الجنسية، والمخدرات والرشوة.
وسنجمل القول فيها إن شاء الله تعالى.
الانقطاع عن الدارسة
يعالج هذا المشكل القضاء على أسبابه بما يناسبها، فإن نشأ عن ضعف استعداد التليمذ للدراسة فالأولى في هذه الحالة توجيهه إلى التكوين المهني.
وإذا نشأ عن ظروف خاصثة كقلة وسائل النقل، وبعد المدرسة، أو عن فقر التلميذ فالواجب إزالة السبب، وتوفير الظروف الملائمة لإرجاع التلميذ إلى المدرسة أو توجييه إلى ما يحقق ميوله الإيجابية، ويبعده عن الانحراف.
الفهم الخاطئ للعقيدة
أكثر ما ينشأ هذا المشكل عن الفهم الخاطئ لعنصر من عناصر العقيدة، أو عن الشبهات التي يوجهها أعداء الإسلام ضده.
والعلاج يكون توضيح العقيدة توضيحًا كافيًا مناسبًا لمستوى المخطئ، وبيان الخطأ الذي وقع فيه، والأخطاء التي تنجم عنه، واقناعه بالطرق المناسبة بوجوب تخلصه مما حصل له من لبس، أو ضلال.
المشاكل الجنسية
من هذه المشاكل الزنا، وما يؤدي إليه، أو يترتب عليه، وقد عالجه الشرع بالوقاية منه، وفرض عقوبة على مرتكبه.
الوقاية من الزنا
تمثلت الوقاية منه في منع أسبابه، والنهي عنه، ومعاقبة مرتكبه والترغيب في الزواج.
1 منع أسبابه:
حرم الإسلام على الرجال والنساء النظر غير المباح إلى الجنس الآخر، وأمرهما باللباس الساتر، وبالعفة، وحرم على النسوة التبرج اتقاءً للفتنة.
قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ}
أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 1.
في هذه الآية -إضافة إلى ما ذكرته في التمهيد لها- تفصيل كامل للباس المرأة الساتر، وتعداد للرجال الذي تظهر أمامهم زينتها، وهم زوجها، ومحارمها، وما ملكت يمنيها، ومن كانوا من أتباع بيتها ممن يترددون عليها، وليس لهم رغبة في النساء لمرض أو لعجز، والأطفال ما قبل المراهقة من خلا بالهم من شهوة النساء.
2 النهي عنه وبيان مخاطره:
نهى الإسلام عن الزنا نهى تحريم إبقاء للعفة، وحفظًا للأنساب من الاختلاط وحماية لحقوق الأبناء في ثبوت نسبهم، واتقاءً للأمراض الخطيرة كالزهري والسفلس وفقدان المناعة وغيرها.
قال تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} 2.
3 عقوبته:
هي جلد الزاني البكر غير المتزوج ورجم المحصن.
ثبت الجلد بالقرآن الكريم في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} 3.
وثبت الرجم بالسنة الشريفة نصًا وتنفيذاً.
عن سعيد بن المسيب أن رجلًا من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق فقال له: إن الآخر زني. فقال له أبو بكر: هل ذكرت هذا لأحد غيري؟
1 سورة النور: 30-31.
2 سورة الإسراء: 32.
3 سورة النور: 2.
فقال: لا، فقال له أبو بكر: فتب إلى الله واستتر بستر الله. فإن الله يقبل التوبة عن عباده. فلم تقرره نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب. فقال له مثل ما قال لأبي بكر. فقال له عمر مثل ما قال له أبو بكر. فلم تقرره نفسه حتى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له إن الآخر زنى. فقال سعيد: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات. كل ذلك يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أكثر عليه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال: "أيشتكي أم به جنة؟ "، فقالوا: يا رسول الله، والله إنه لصحيح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبكر أم ثيب"؟ فقالوا: بل ثيب يا رسول الله. فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم"1.
هذا الحديث يقرر التحري الكامل الذي يجب أن يقع قبل تنفيذ العقوبة، فقد أراد أبو بكر، ثك عمر رضي الله عنهما أن يسترا عن المذنب، ودعواه إلى التوبة قبل أن ينتشر خبره، ويصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه أبى، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعرض عنه ثلاثًا ليدفعه إلى التأكيد مما يقوله عن نفسه، فاصر على قوله بإلحاح.
فبعث عليه الصلاة والسلام إلى أهله يسألهم عما إذا كان به مرض أو جنون؟ فنفوا ذلك وشهدوا بسلامته.
فسألهم هل هو متزوج؟ فأجابوا بالإثبات فرجمه.
هكذا ينبغي التحري في إثبات كل حد على مرتكبه وفي تنفيذه.
4 الترغيب في الزواج وتيسيره:
سنبحث هذه المسألة عند الحديث عن الأسرة.
1 موطأ مالك 41، الحدود 1، باب ما جاء في الرجم حديث 2، ج 2:82.
صحيح البخاري 86، الحدود 22، باب لا يرجم المجنون والمجنونة ج 4:176.
صحيح مسلم 29، الحدود 5، باب من اعترف على نفسه بالزنا حديث 16 ج 5:118.
ولم ذكر البخاري ومسلم فصة الرجل مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما و"الآخر" معناه الرذل الدنئ، كأنه يدعو على نفسه ويعيذها مما نزل به من مواقعة الزنا.
كنى عن نفسه بذلك، وهذا إنما يكون لمن حدث عن نفسه يقبيح فكره أن ينسبه إليه.
المخدرات
المخدرات آفة عالمية نشرتها عوامل كثيرة، ومنها:
1) سعى العصابات المجرمة في العالم لإفساد عقيدة الشباب وعقولهم ليسهل إغراؤهم واستلاب أموالهمم.
2) ضعف حصانة الشباب، واستغلال فترة مراهقتهم، وعدم اكتمال نضجهم.
3) قلة وعي الناس.
4) جهلهم بأحكام الشريعة
- مخاطرها:
من مخاطرها:
1) إضعاف وظيفة العقل أو إزالتها.
2) إتلاف المال.
3) تفكك بعض الأسر.
3) وجود عصابات ضالة ومضلة.
5) انتشار الجرائم.
- مقاومتها:
القضية خطيرة جدًا، والقائمون بها أشرار، غايتهم تحقيق أهدافهم بكل الوسائل، لذلك ينبغي أن تكون مقاومتهم أقوى من وسائلهم لتحول بينهم وبين إفساد المجتمع.
ومن وسائل مقاومتهم:
1) بيان تحريم الشرع الإسلامي للمخدرات واعتبارها من أكبر الكبائر لشدة خطرها.
2) تخصيص حصص تعليمية في المدارس لشرح أخطاهرا العقلية والصحية، والمالية، والعائلية، والاجتماعية.
3) تركيز وسائل الإعلام على بيان أضرارها.
4) تشديد العقوبة على مروجيها ومتناوليها.
الرشوة 1
- تعريفها:
الرشوة مثلثة الراء.
وهي مال يدفع لصاحب مسؤولية ليمكن صاحب المال من أمر ليس من حقه، أو ليسرع له بإتمام أمر على حساب شخص آخر، أو ليعينه على افتكاك حق غيره مباشرة".
ويعتبر إعطاء المال رشوة إذا كان من أخذه لا وجه له في أخذه، وجر منفعة لمقدمه، وخالف الشرع، وألحق ضررًا بالغير.
- حكمها:
حكمها التحريم لأن فيها مخالفة للشرع وإضرارًا بالغير.
- دليل التحريم:
الصيغة {وَلا تَأْكُلُوا} صيغة نهي، والنهي يقتضي التحريم.
1 راجع للتوسع في هذه المسألة كتاب عبد المغني بن إسماعيل النابلسي. تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية.
2 سورة البقرة: 188.
والمنهي عنه أكل مال بدون وجه شرعي، وإعطاؤه الحكام لأخذ حق الغير بالباطل.
ولفظ الحكام صريح في الدلالة على القضاة، ويشمل في هذه المسألة أصحاب المسئوليات عمومًا كما يشمل النهي كل مال يعطى لأخذ حق الغير.
ومن الأدلة من السنة، عن عبد الله بن عمرو قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي1.
وعند ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو نفسه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الراشي والمرتشي"2.
وعند الإمام أحمد3 والحاكم أبي عبد الله النيسابوري لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش.
الراشي هو دافع الرشوة، والمرتشي آخذها، والرائش الوسيط.
واللعن يقتضي الوعيد.
- الحكمة من تحريمها:
1 ضمان الحقوق للجميع.
2 صيانة الأموال.
3 تطبيق أحكام الشرع.
4 تقرير مبدأ الإخلاص في العمل.
1 سنن أبي داود 23، الأقضية 4، باب في كراهية الرشوة ج3:300.
سنن الترميذي 13، الأحكام 9، باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم ج 3:622.
2 سنن ابن ماجة 13، الأحكام 2، باب التغليظ في الحيف والرشوة ج2:775.
3 مسند أحمد بن حنبل 2: 164، 190، 194.
- أسبابها:
1 ضعف الوازع الديني.
2 طمع المرتشي.
3 الأنانية سبب مشترك بين الراشي والمرتشي.
4 ضعف الرقابة الإدارية.
- آثارها السيئة في المجتمع:
1 انتشار الحقد بين الناس.
2 تشجيع الظلم ونشره.
3 أكل المال بالباطل.
4 مخالفة الشرع.
5 أهدار القيم الإسلامية العليا كالعدل
6 إسناد المهمات والوظائف لغير أهل الكفاءات.
7 فقدان الثقة بالمسؤليين.
8 استيلاء اليأيس على قلوب الضعفاء.
- مقاومتها:
1 توعية الناس ببيان حكمها، وحكمة تحريمها.
2 تقوية الرقابة الإدراية.
3 تشديد العقوبة على مرتكبيها.