الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسس الزواج
نذكر من هذه الأسس ثلاثة هي:
1 اختيار الزوج.
2 اختيار الزوجة.
3 الخطبة.
1-
اختيار الزوج
عن أبي حاتم المزني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه فِأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد"، قالوا: يا رسول الله، وإن كان فيه؟ قال:"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه" ثلاث مرات1.
تضمن هذا الحديث صفتين من الصفات المطلوبة من المؤهَّل للزواج وهما:
1 الإسلام، فلا تزوج مسلمة بكافر.
2 الالتزام به عقيدةً، وعملًا، وأخلاقًا، فإن الفاسق غير مرغوب في تزويجه.
1 سنن الترمذي 9، النكاح 3، باب إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه ج3:395.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. وأبو حاتم المزني له صحبة، ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث.
ملاحظة: غرابة هذا الحديث لا تضر، لأن مضمونه ورد به الشرع.
وتضمن الحديث السابق: "يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج
…
" صفة الأهلية، وتتمثل في القدرة الجنسية والمالية، وفي تحمل المسئولية في تكوين الأسر ورعايتها ماديًّا وأدبيًّا.
فإذا توفرت هذه الصفات في الراغب في الزواج كان أهلًَا له. وللزوجة أن تطلب من الصفات الأخرى ما لا يتعارض مع الإسلام ولا يثقل على الزوج ولا يكبده المشقة.
2-
اختيار الزوجة
الزوجة ركن فعّال في الأسر بسبب مهامها المتعددة.
فهي طرف كبير في تحقيق طمأنينتها وتوفير الظروف الملائمة لكل أفرادها. وهي التي تربي الأولاد، وترعاهم، وتوجههم.
من أجل هذا فإن التأني في اختيارها أمر أساسي ينبني عليه ما بعده.
ومن اللازم معرفة الصفات التي أمر بالشرع بالبحث عنها في المرأة المراد تزوجها. وبالنظر في الحديث التالي يمكن الوقوف على بعضها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك"1.
عدد هذا الحديث أربع خصال يرغب في الزواج بالمرأة من أجلها، هي: المال، والحسب، والجمال، والدين، ولكنه أوردها بعد لفظ "تنكح" المبني للمجهول مما يعني أن هذه الخصال هي التي يبحث عنها الناس في المرأة، وليست المطلوبة شرعًا، فالحديث حكاية عما في الواقع لا أنه وقع الأمر بمضمونه كله، يدل على ذلك الأمر الوراد في آخر باختيار.
1 صحيح البخاري 67، النكاح 15، باب الأكفاء في الدين ج 3:242.
صحيح مسلم 18، الرضاع 16، باب استحباب نكاح ذات الدين حديث 62ج 4:175.
ذات الدين "فاظفر بذات الدين" ووصفه من لم يخترها يضعف العقل والافتقار من العلم لأنه لم يحسن الاختيار.
واستفيد هذا من عبارة "تربت يداك".
وفي نفس الوقت فإن ظاهر الحديث أجاز اختيار الزوجة للصفات الأربع الواردة فيه أو لبعضها.
وعليه فما يستخلص منه أن الصفة التي تجب مراعاتها في الزوجة عند الاختيار هي الدين. وأنه بالإمكان بعد ذلك البحث عن بقية الصفات الورادة فيه، وهي الحسب، والمال، والجمال، كلها أو بعضها.
والمتتبع لآراء الأئمة يجدهم أجمعوا على صفة الدين، واختلفوا في أولوية الصفات الأخرى بعده، لأن الدين صفة جامعة للاعتقاد، وطيب المعاشرة، والوفاء بالواجبات، وكل مكارم الأخلاق.
وطلب الزوج صفة أخرى يقرها الدين أمر جائز، سواء كانت مما ذكره في الحديث أو مما لم يذكر فيه كالتقارب في السن، والمستوى التعليمي، والمهارة في الاقتصاد البيتي وتحمل المسئولية العائلية، أو كل هذه وغيرها.
3-
الخطبة
الخطبة بكسر الخاء، وسكون الطاء، وفتح الباء: طلب الرجل الزواج ممن يرغب فيها من وليها. وتحصل بالتعارف، والرؤية، وتتم بالرضا.
ولا مانع من أن يكون إعلان الرغبة في الزواج من الفتاة، ولكن الخطبة تكون من الرجل. ويجتمع الخاطب بمخطوبته بحضور أسرتها أو أحد محارمها لتحصل الرؤية، وتحرم الخلوة بها.
وسمح الشرع بالرؤية في غير خلوة، ويمكن أن تكون عند الخطبة أو قبلها بطريقة شرعية، وهو أفضل حتى لا يقع التراجع عندها أو بعدها فتكون له آثار سلبية.
وعلى من تراجع أن يخبر بذلك الطرف الثاني بأدب واحترام، وأن لا يشهر تراجعه.
- الدليل على جواز رؤية الخاطب للمخطوبة:
عن أبي هريرة، قال:"كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنظرت إليها؟ " قال: "لا" قال: "فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا" 1.
شيئًا: صغر أو زرقة أو حول.
وعن المغيرة بن شعبة قال: خطبت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنظرت إليها؟ " قلت: لا. قال: "فانظر إليها. فإنه أجدر أن يؤدم بينكما"2.
في الحديث استحباب النظر إلى من يريد تزوجها وهو مذهب كافة أئمة أهل السنة.
- موضع النظر:
أكثر الأقوال أن ينظر إلى وجهها وكفيها لدلالة الوجه على الجمال أو ضده والكفين على خصوبة البدن أو عدمه، وقال الأوزاعي: يجتهد، وينظر إلى ما يريد منها إلا العورة.
وقال ابن حزم: ينظر إلى جميع بدنها. وأجاز أبو حنيفة النظر إلى القدمين مع الوجه والكفين3.
1 صحيح مسلم 16، النكاح 11، باب ندب النظر إلى وجه المرأة حديث 74و 75 ج4:142.
2 سنن الترمذي 26، النكاح 17، باب إباحة النظر قبل التزويج ج1: 69- 70.
سنن الترمذي 9، النكاح 5، باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة ج3:397.
3 انظر ابن قدامة، المغني 6: 552- 554
وقال أحمد في رواية ابنه صالح: ينظر إلى الوجه، ولا يكون عن طريق لذة، وله أن يردد النظر إليها، ويتأمل محاسنها لأن المقصود لا يحصل إلا بذلك. وفي رواية حنبل: لا بأس أن ينظر إليها وإلى ما يدعوه إلى نكاحها من يد أو جسم، ونحو ذلك1.
وأجاز مالك النظر إلى الوجه والكفين فقط2.
الخطبة على الخطبة
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه"3. وفي رواية البخاري عن عبد الله بن عمر نفلسه رضي الله عنهما قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله، أو يأذن له الخاطب4.
الشرح: قال مالك: وتفسير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما نرى والله أعلم: "لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه" أن يخطب الرجل المرأة فتركن إليه، ويتفقان على صداق واحد معلوم، وقد تراضيا، فهي تشترط عليه لنفسها، فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه، ولم يعن بذلك إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره، ولم تركن إليه أن لا يخطبها أحد، فهذا باب فساد يدخل على الناس 5.
1 انظر ابن قدامة المغني 6: 552- 554.
2 ابن رشد بداية المجتهد 2: 3.
3 موطأ مالك 28، النكاح 1، باب ما جاء في الخطبة ج 2:523.
صحيح البخاري 67، والنكاح 45، باب لا يخطب على خطبة أخيه ج 3:251.
4 صحيح البخاري 67، النكاح 45، باب لا يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح أو يدع ج 3:251.
5 موطأ مالك 1: 523- 524.
- حكم الخطبة على الخطبة:
الخطبة على الخطبة محرمة على الخاطب، وعلى من استجابت للثاني وهي مخطوبة. وحكمة التحريم منع إثارة التباغض بين المسلمين.
- حكم الزواج الحاصل من الخطبة على الخطبة:
إذا حصلت الخطبة الثانية بعد ركون الخاطبين إلى بعضهما فالزواج الناتج عنها يفسخ عند داود، ولا يفسخ عند أبي حنيفة، والشافعي.
وعن مالك القولان، وقول ثالث وهو أن يفسخ قبل الدخول، ولا يفسخ بعده1.
العدول عن الخطبة
العدول عن الخطبة هو إعلان الخاطب أو المخطوبة عن تراجعه على استمرار الخطبة، ويترتب عليه أمران أدبي ومادي. أما الأدبي: فهو توقيف رابطة الخطبة بين الخاطبين، ومن شأنها أن تحدث تساؤلًا عند أقاربهما وأصدقائهما. وقد يتأثر بها من وقع العدول عنه. وأما الأثر المادي فموضوعه الهدايا التي قدمت، فهل ترجعها المخطوبة للخاطب أم تبقيها عندها؟
اختلف الفقهاء فيها، فالمذهب الحنفي يرى استرجاع الخاطب لما قدمه من الهدايا إن كانت على حالتها لم تتغير. ويفصل المذهب المالكي في المسألة فيرى أن تسترد الهدايا إن كان العدول من المخطوبة، ولا تسترد إن كان من الخاطب. ويكون الاسترداد بإرجاع ما بقي بعينه، وتقويم ما أتلف وإرجاع قيمته.
ولا يبحث الشافعية عمن عدل، ويوجبون رد الهدايا، فإن كانت قائمة ردت أعيانها، وإن أتلفت ردت قيمتها.
1 ابن رشد بداية المجتهد 2: 2.