الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعدد الزوجات
أجازت الشريعة الإسلامية تعدد الزوجات إلى أربع، وحرمت ما زاد على ذلك.
والاقتصار على أربعة دلت عليه أدلة هي أدلة نفسها التي يستدل بها على تشريع التعدد.
الدليل الأول:
وفي الاستدلال بهذه الآية إبطال لقول من زعم أن العدد المسموح به من الزوجات تسع أي: مجموع (2+3+4)(مثنى وثلاث ورباع) ، وقد رد هذا القول كل العلماء المسلمين، ومنهم أبو بكر بن العربي2 والفخر الرازي3 والقرطبي4 وابن عاشور5.
1 سورة النساء3.
2 أحكام القرآن 1: 312-313.
3 مفاتيح الغيب 9: 174-175.
4 الجامع لأحكام القرآن 5: 13-14.
5 التحرير والتنوير 4: 225.
الدليل الثاني:
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن ابن عمر قال: "أسلم غيلان بن سلمة وتحته عشرة نسوة ،فقال له النبي "خذ منهن أربعًا" 1.
الدليل الثالث:
الاجماع2
الحكمة من تشريع تعدد الزوجات
لهذا التشريع غايات عدة نص عليها من تحدثوا عليه، وأُوُرِد هنا غايات أوردها ابن عاشور، واخترتها لتنوعها ودقتها، واتبعها بما رأيته من عوامل تتممها.
يرى ابن عاشور في تفسيره أن الله شرع تعدد النسوة للقادر العادل وأن هذا التشريع يحقق مصالح جمة منها:
1) تكثير عدة الأمة بازدياد المواليد فيها.
2) كفالة النساء لأنهن أكثر عددًا من الرجال في كل أمة
وكثرتهن ناتجة عن الأسباب التالية:
أ) زيادة عدد المواليد من الإناث على عدد المواليد من الذكور.
ب) تعرض الرجال لأسباب الهلاك في الحروب والشدائد أكثر من تعرض النساء.
ج) كون أعمار النساء أطول من أعمار الرجال غالبًا.
1 موطأ مالك 29، الطلاق 29، باب جامع الطلاق ج2:582.
سنن أبي داود 136، الطلاق 23 باب فيمن أسلم وعنده أكثر من أربع ج2:272.
سنن ابن ماجة 9، النكاح 40 باب الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة ج1:628.
2 الفخر الرازي، مفاتيح الغيب 9:175.
3 توسع الشريعة على الناس في تعدد النساء لمن كان ميالًا للتعدد مجبولًا عليه.
4) قصد الابتعاد عن الطلاق إلا لضرورة 1.
اضافة إلى هاته المصالح التي يحققها التعدد في نظر ابن عاشرو أضيف إليها عوامل تدعو إليه منها:
1) التأكد طيبًا من عقم الزوجة.
ذلك أن الإنجاب غزيرة فطر الله عليها الناس، وقد يمنعه عقم الزوجين أو أحدهما، وعند التأكد من عقم المرأة يحل التعدد المشكل، وقد لا يعارضه بعض النسوة في هذه الحالة.
2) عجز المرأة عن الاتصال الجنسي.
3) عزوفها عنه رغم سلامتها من الأمراض.
4) مرضها مرضًا يحد من نشاطها.
هذه الحالات وما شابهها تدفع بالزوج إلى التعدد، وإلى بعض الزوجات إلى الموافقة عليه.
شروط التعدد
أجاز الله تعالى الزوجات بشرط العدل.
والعدل إنما يحاول أن يحققه من توفر فيه الشرط الأساسي للزواج، وهو القدرة عليه لذلك نص العلماء على هذه القدرة باعتبارها وسيلة للعدل، رأينا ذلك عند ابن عاشور كما ذكرنا أولًا، ونص عليها غيره أيضًا.
وننقل عن الروض المربع شرح زاد المستقنع وعن حاشيته لعبد الرحمن العاصمي النجدي ما يلي: قال صاحب الروض المربع:
ويسن نكاح واحدة لأن الزيادة عليها تعريض للمحرم، قال تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} 2.
1 ابن عاشور، التحرير والتنوير 4:226.
2 سورة النساء: 129.
قال عبد الرحمن بن محمد العاصي النجدي، في تعليقه على هذا القول: ويسن نكاح واحدة إن حصل بها الإعفاف للآية.
وتستحب الزيادة إن لم تعفه، صوبه في تصحيح الفروع، إن كان قادرًا على كلفة ذلك مع توقان النفس إليه، ولم يترتب عليه مفسدة أعظم من فعله، ،إلا فلا.
وعلل تعريض الزيادة للمحرم بالميل إلى أحد الزوجين1.
ونحاول الآن بيان العدل المطلوب توفره بين الزوجتين أو الزوجات.
العدل بين الزوجين
نص عليه القرآن الكريم في آيتين:
الآية الأولى هي التي ذكرت في أول هذا المبحث والآية الثانية قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً} 2.
أمرت الآية الأولى بالاكتفاء بزوجة واحدة عند الخوف من عدم تحقق العدل.
ونفت الآية الثانية تحققه ولو مع الحرص عليه، ونهت عن الإفراط في الميل لزوجة دون أخرى، وهذه أقوال العلماء في المراد بالعدل.
جاء في تفسير القرطبي: يكون العدل في الميل والمحبة، والجماع، والمعاشرة والقسم بين الزوجات.
ومنع الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل دليل على وجوبه، وتحقيقه أقرب إلى الحق ومنع للجور.
1 حاشية الروض المربع 229.
2 سورة النساء: 129.
وقال القرطبي أيضًا في موضع آخر على الرجل أن يعدل بين نسائه لكل واحدة منهما يوم وليلة1.
هذا قول عامة العلماء، وذهب بعضهم إلى وجوب ذلك في الليل دون النهار.
ولا يسقط حق الزوجة مرضها ولا حيضها، ويلزمه المقام عندها في يومها وليلتها، وعليه أن يعدل بينهن في مرضه كما يفعل في صحته إلا أن يعجز عن الحركة فيقيم حيث غلب عليه المرض، فإذا صح استأنف القسم، والكتابيات والمسلمات في ذلك سواء2.
قال ابن العربي:
قال علماؤنا - أي في العدل- معناه في القسم بين الزوجات والتسوية في حقوق النكاح، وهو فرض. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتمده، ويقدر عليه، ويقول: -إذا فعل الظاهر من ذلك في الأفعال، ووجد قلبه الكريم السليم يميل إلى عائشة -"اللهم هذه قدرتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" يعني قلبه3.
هذا بعض ما جاء في المراد بالعدل المطلوب بين الزوجتين فأكثر فما هو مفهوم العدل في قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} الآية؟
العدل الذي نفت حصوله هذه الآية هو العدل التام التمثل فيما ذكرته قبل قليل، وفي الحب خاصة لذلك قال تعالى -في الآية نفسها-:{فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} تنبيهًا على أن الحب أمر خارح عن الإنسان خاضع للمؤثرات التي قد تكون لدى إحدى الزوجات من جمال، وزينة، وحسن خلق، ودعابة، وغيرها من صفات وأقوال، وأفعال لا توجد كلها، أو بعضها عند زوجة أخرى.
1 الجامع لأحكام القرآن 5: 20.
2 الجامع لأحكام القرآن 14: 217.
3 ابن العربي، أحكام القرآن 1:313.
مراعاة لتأثر الإنسان بهذا المؤثرات نفي الله تعالى حصول العدل في الحب ولو مع الحرص عليه، فنهى عن الإفراط في هذا الحب حتى لا يتجاوز الميل الطبيعي القهري إلى المحاباة في حقوق الزوجة كالقسم، وحسن المعاشرة، والنفقة بصورة تجعل التي وقع الميل عنها معلقة، لا هي متزوجة، ولا هي مطلقة.
فالعدل المنفي في الآية هو الحب القهري الخارجي عن إرادة الإنسان، والذي تضمنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روته السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل، ويقول:"اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك، ولا أملك"1.
وعلى من حصل له ذلك أن يجاهد نفسه، ويروضها على قبول ما بداله له غير مريح من التي نفر منها، ويتعود على ذلك حتى يميل إليها بطبعه وينصفها.
وألحق البعض الجماع بالحب في عدم تحقق العدل فيه بسبب توفر دواعيه لدى زوجة دون أخرى. ولست مع هذا القول، لأن الجماع من أهداف الزواج ومن حقوق الزوجة الأساسية، فلا بد من العدل فيه.
1 سنن أبي داود12، النكاح 38 ،باب القسم بين النساء ج 2: 242 واللفظ له.
ابن ماجه 9، النكاح باب القسمة بين النساء ج1:633.