الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الأول:
المجتمع
المسلم
المجتمع
…
المجتمع
- تكوين المجتمع الإنساني:
المجتمع مشتق من مادة جمع، وجمع الشيء ضم أجزاءه، وجمع الأشياء المتفرقة ضمها إلى بعضها.
واجتمع الإنسان بغيره: انضم إليه، أو إليهم.
وتجمع القوم: اجتمعوا من هاهنا وهاهنا 1،والجمع اسم لجماعة الناس، وإذا ازداد عدد المجتمعين تكونت الجماعة.
والجماعة الإنسانية: عدد من الأفراد تربط بينهم رابطة أو أكثر.
بنمو عدد الأفراد، وتطور حاجياتهم يستقرون في مكان، ويتضاعف تعاونهم الاضطراري في توفير الضرورات، والاختياري في تحقيق المصالح المشتركة بواسطة التعليم والزراعة والتجارة والصناعة وسواها.
ويتولد عن الاستقرار ووجود المصالح المشتركة الحاجة إلى القانون لتقنين التعامل، والعلاقات البشرية.
بوجود هذه العناصر: الإنسان، والأرض، والروابط، والمصالح والأهداف المشتركة، والعرف أو القانون يتكون المجتمع.
1 ابن منظور، لسان العرب، مادة "جمع" 9: 402- 404.
- تعريفه:
عرفه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رحمة الله، فقال: المجتمع البشري والأمة عبارة عن مجموعة من الناس. هي كل ملتئم من أجزاء هي الأفراد1.
وأعرفه بتفصيل، فأقول:
المجتمع الإنساني عدد هائل من الأفراد، جمعت بينهم روابط، وأهدف مشتركة، واستقرار في أرض، والتزموا بعرف، أو قانون.
الفرق بين المجتمع والدولة:
بازدياد عدد الأفراد، وإنشاء المؤسسات الدينية، والتربية، والصحية، والاقتصادية، وغيرها يسعى المجتمع لاختيار سلطة تحكمه، فيصبح دولة ويتوسع، وتزداد منشآته. فالفرق بين الكيانين هو السلطة الحاكمة.
وقد لا يرى البعض هذا الفرق، ولكني أؤكد عليه.
تعريف المجتمع المسلم:
إن المجتمع المسلم ككل مجتمع إنساني له نفس العناصر الأساسية المكونة لكل مجتمع، وهي: الإنسان، والروابط، والمصالح، والأهداف المشتركة، والعرف، أو القانون، والأرض. بيد أنه يتميز ببعض الروابط كالعقيدة الإسلامية، وتحكيم الشريعة.
وعلى هذا يمكن تعريفه بأنه عدد هائل من الأفراد المسلمين، جمعت بينهم مصالح، وعاشوا معًا في أرض واحدة، واتبعوا الإسلام عقيدة، ومنهج حياة.
أسس بنائه:
الأسس التي بني عليها المجتمع المسلم خمسة، وهي:
1 أصول النظام الاجتماعي: 4.
- الإنسان
- الروابط
- المصالح، والأهداف المشتركة
- الأرض
- اعتماد الإسلام عقيدة، ومنهج حياة
توضيح هذه الأسس
الأساس الأول: الإنسان
يتمثل الإنسان في الفرد، والأسرة، والمجتمع.
الفرد ينشأ في الأسرة، ثم يكون أسرة، ومجموع الأسر تكون المجتمع.
لهذا فالفرد يؤثر في المجتمع، والمجتمع يؤثر في الفرد بصفة أقوى.
وكلما وقع الاهتمام بتربيته كلما أدى وظيفته الحياتية بصفة أفضل.
وكوّن أسرة صالحة، فيتكون المجتمع الصالح. لأجل تكوين الفرد استمر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة أكثر من عقد من الزمن يربي صحابته على عقيدة الإسلام، وأخلاقه، وما نزل من أحكامه القليلة وقتئذ1.
وبتلك التربية الأساسية أمكن له أن يكون بهم مجتمعًا في المدينة المنورة بعد الهجرة عندما وجد الأرض.
واقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في بناء المجتمع ينبغي أن يربى الأفراد على عقيدة التوحيد، وعبادة الله تعالى، والتحلي بأخلاق الإسلام، والعمل بأحكامه، وطلب العلم، وممارسة العمل الحياتي: اليدوي والفكرى، حسب مقدرة الفرد وحاجة المجتمع.
1 انظر أحمد شلبي، المجتمع الإسلامي 37- 53.
الأساس الثاني: الروابط
هي ما يجمع بين الناس في المقصد، أو الإحساس، أو الأصل، أو المكان، فيتآلفون، ويتوحدون.
وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ- الروابط الفطرية.
ب- الروابط المكتسبة.
جـ- روابط أصلها فطري، وتتم باختيار الإنسان.
أ- الروابط الفطرية:
هي التي خلق الله الإنسان عليها.
ومنها: القرابة، واللغة الأم.
1-
القرابة:
تتمثل في علاقات الأبوة، والأمومة، والبنوة، والأخوة، والعمومة، والخؤولة.
ويحب المحافظة على طهارتها، لئلا تختلط الأنساب، فحفظ النسب من الكليات الخمسة التي هي حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسب، وحفظ المال.
وتتدعم بالالتزام بحقوق الأصول والفروع وبصلة الرحم.
وتنقلب هذه الروابط إلى سبب تفرقة إذا صارت عصبية ضيقة، لذلك يجب تجنب ذلك.
2-
اللغة:
هي رابطة فطرية لأبناء الشعب الواحد، ولأبناء الشعوب الذين تجمع بينهم لغة واحدة كالشعوب العربية، وينبغي استعمالها، وتنميتها، والاعتزاز بها.
وتعد اللغة من الروابط المكتسبة إذا حصلت بالتعلم.
ب- الروابط المكتسبة:
هي التي يكتسبها المرء بالتعلم كاللغة لمن لم ينشأ عليها، وكرابطة الزواج التي تنشأ بين الزوجين، وتقرب بين الأسر المتصاهرة، ويجب تقويتها لتكوين الأسر المتماسكة، ولحماية المجتمع من التشرد.
ومن هذه الروابط:
1-
رابطة الجوار، وقد حث الإسلام على دعمها ليترابط أبناء الحي والبلد.
2-
رابطة الدراسة، وفيها يتأثر الطالب بأساتذته وزملائه، ويرتبط بجامعته.
3-
رابطة العمل، وتربط العامل بمصنعه وزملائه.
ج- روابط أصلها فطري، وتتم باختيار الإنسان:
العقيدة، لأن الإنسان يرغب بفطرته في التدين بصفة عامة، ويختار الإسلام بصفة خاصة، إذا لم تسلط عليه موانع خارجية تبعده عنه لاستجابة أحكامه الروحية والمادية، فهي فطرية بهذا الاعتبار.
ومكتسبة لأنها تتم باختيار الإنسان.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء؟ "1.
المراد بالفطرة الإسلام. قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف، وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى:
1 موطأ مالك 16، الجنائز 16، باب جامع الجنائز، حديث 52ج 1:241.
صحيح البخاري 23، والجنائز 9، باب ما قيل في أولاد المشركين ج1: 245-246، واللفظ له. قوله:"كمثل البهيمة تنتج البهيمة": تلدها.
جدعاء: مقطوعة الأذن.
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} 1 الإسلام2.
ومعنى هذا أن المولود يولد على الإسلام، ويستمر عليه، ولا يعتنق دينًا غيره إلا بتأثير الأبوين والبيئة.
ولهذا اعتبرت عقيدة الإسلام فطرية لميلاد المولود عليه، ومكتسبة لأنه يختارها.
قال القرطبي -في المفهم-: المعنى أن الله خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول، وعلى تلك الأهلية أدركت الحق، ودين الإسلام هو الدين الحق وقد دل على هذا المعنى بقية الحديث حيث قال:"كمثل البهيمة تنتج البهيمة". يعني أن البهيمة تلد الولد كامل الخلقة فلو ترك كذلك كان بريئا من العيب لكنهم تصرفوا فيه بقطع أذنه مثلا فخرج عن الأصل.
الأساس الثالث: المصالح والأهداف المشتركة
المصالح المشتركة:
هي كل ما ينتفع به الجميع، كاستغلال موارد البلاد الاقتصادية مثل استخراج المعادن، الزراعة، والمياه، وكالمؤسسات الدينية، والصحية، والتربوية، وكتعبيد الطرق، وتوفير النقل.
وتم بتعاون الجميع، والتنازل -إن اقتضى الأمر- عن جزء من المصلحة الفردية التي تعوضها المنشآت العامة.
1 الروم 30.
2 ابن حجر، فتح الباري 3:248.
3 ابن حجر، فتح الباري 3:348.
والإسلام لا يلغي المصلحة الفردية، ولكنه يمنع تقديمها على المصلحة العامة.
- الأهداف المشتركة:
هي المصالح العامة التي لم تحقق بعد، ويسعى المجتمع إلى تحقيقها من مثل ما مثلنا له قبل قليل.
الأساس الرابع: الأرض ودروها في بناء المجتمع
الأرض هي العنصر الأساسي بعد الإنسان، في تكوين المجتمعات، فلا يوجد شيء بدون حيز، وكل حاجيات الإنسان منشؤها الأرض بدءًا من السكن والطعام فما بعدهما.
متطلبات الأرض من ساكنيها:
تتطلب الأرض من ساكنيها حمايتها، وعمارتها بتوفير السكن، والمؤسسات العامة، وتعبيد الطرقات، واستثمارها باستخراج المعادن، والانتفاع ببحرها بالملاحة والصيد، وبفضائها بالطيران، وبطقسها بمعرفة تأثيره على السكان، والزراعة، والنقل، والملاحة.
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} 1.
1 سورة الملك: 15.
2 سورة الجمعة: 10.
وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلا كان له به صدقة"1.
جهاد النبي صلى الله عليه وسلم للحصول على الأرض:
مكث الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة أكثر من عقد من الزمن، يجاهد لنشر الدعوة فيها واعتناق أهلها الإسلام، فأبوا، فحاول مع أهل الطائف، فرضوا، فلم يكوّن مجتمعًا، لأنه لم يجد الأرض حتى استجاب أهل يثرب لدعوته، وتفاوض معهم عند العقبة بمكة في سنتين متتاليتين.
وأفضى التفاوض إلى طلبهم هجرته إليهم، فوافقهم بعد مبايعتهم إياه على الإسلام، وتعهدهم بحمايته.
تكوين المجتمع المسلم بالمدينة:
هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته إلى يثرب، ومكنه أهلها حسب تعهدهم السابق من الأرض، فبنى مسجد قباء، ثم المسجد النبوي الشريف، وآخى بين المهاجرين والأنصار، وسن دستورًا لضمان حقوق كل السكان من المسلمين وغيرهم، فكون بذلك المجتمع المسلم بالمدينة.
ولتوسيعه أوجب عليه الصلاة والسلام على المسلمين الهجرة إلى المدينة إلى حين فتح مكة. فلما فتحت صارت أرضًا مسلمة.
عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا"2.
فهذا الحديث أنهى وجوب الهجرة إلى المدينة المنورة بعد أن تم فتح مكة، ودعا المسلمين إلى توسيع مجتمعهم والاستعداد للدفاع عنه.
وواصل الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته، فأرسل الدعاة إلى نواحي الجزيرة العربية،
1 صحيح مسلم 22، المساقاة 2، باب فضل الغرس والزرع، حديث 7 -10، ج 5: 28- 29.
2 صحيح البخاري 56، الجهاد والسير 1، باب فضل الجهاد والسير ج2: 134- 135.
واستقبل الوفود، فبايعوه على الإسلام، فشمل المجتمع المسلم كل الجزيرة العربية.
تكوينه صلى الله عليه وسلم المجتمع العالمي المسلم:
ولتكوين المجتمع الأوسع كاتب عليه الصلاة والسلام الملوك والأمراء حول الجزيرة العربية يدعوهم إلى الإسلام، فمهد للفتوحات الإسلامية التي وقعت بعد ذلك لنشر الإسلام، لا للسيطرة على الأرض بدليل أن من آمن من أهل البلاد المفتوحة تساوى مع الفاتحين، وأسندت إليه الوظائف السامية إن كان كفؤًا لها.
الاساس الخامس: اعتماد الإسلام عقيدة ومنهج حياة
يتم هذا الأساس بتربية الأفراد والجماعة على عقيدة التوحيد، والالتزام بمقتضياتها بالمواظبة على عبادة الله تعالى، والتحلي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، وتطبيق الشريعة ممثلة في القرآن والسنة، والاجتهاد الصحيح المتواصل لحل قضايا المسلمين، ورفض كل قانون وضعي يتعارض مع أحكام الشريعة.
عن مالك بن أنس أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مسكتم بهما: كتاب الله وسنة نبيه"1.
وسنفصل الكلام على هذا الأساس ببيان عناصره عنصرًا عنصرًا خلال تفصيل الكلام عن منهج بناء المجتمع المسلم.
1 موطأ مالك 46، القدر 1، باب النهي عن القول بالقدر، حديث 3ج 2:899.