المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌دعائم الأسرة من دعائم الأسرة قوامة الزوج، وضمان الحقوق العائلية بأقسامها - المجتمع والأسرة في الإسلام

[محمد طاهر الجوابي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأول:‌‌ المجتمعالمسلم

- ‌ المجتمع

- ‌منهج بناء المجتمع المسلم

- ‌الأصل الأول من الأصول التي ترتكز عليها عقيدة المسلم: عقيدة التوحيد وصلتها بالسلوك الإنساني

- ‌الأصل الثاني: العبادة وأثرها في الفرد والمجتمع

- ‌الأصل الثالث: تنظيم المعاملات حسب أحكام الشريعة الإسلامية

- ‌الأصل الرابع: الأخلاق الإسلامية وأثرها في العلاقات الاجتماعية

- ‌الأصل الخامس: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ودوره التربوي

- ‌الأصل السادس: طلب العلم ودوره في وعي المجتمع

- ‌الأصل السابع: ضرورة العمل وقيمته

- ‌الأصل الثامن: الدعوى إلى الاعتزاز بالإسلام

- ‌وسائل تقوية الروابط الاجتماعية

- ‌معاجلة بعض المشكلات الاجتماعية

- ‌خصائص المجتمع المسلم

- ‌القسم الثاني:‌‌ الأسرةفي الإسلام

- ‌ الأسرة

- ‌الزواج:

- ‌أسس الزواج

- ‌عقد الزواج

- ‌المهر

- ‌الولاية في الزواج

- ‌الشهادة

- ‌النسوة المحرمات

- ‌تعدد الزوجات

- ‌دعائم الأسرة

- ‌المشكلات العائلية الناشئة عن الزواج وحلولها - المشكلة الأولى: الطلاق

- ‌المشكلة الثانية: الخلع

- ‌المشكلة الثالثة: الظهار

- ‌المشكلة الرابعة: الإيلاء

- ‌المشكلة الخامسة: اللعان

- ‌الخاتمة

- ‌فهارس

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌فهرس الموضوعات

- ‌التعريف بالمؤلف

الفصل: ‌ ‌دعائم الأسرة من دعائم الأسرة قوامة الزوج، وضمان الحقوق العائلية بأقسامها

‌دعائم الأسرة

من دعائم الأسرة قوامة الزوج، وضمان الحقوق العائلية بأقسامها المتعددة على النحو التالي:

1 قوامة الزوج

2 ضمان الحقوق العائلية

أ- الحقوق الزوجية

الحقوق المشتركة

حقوق الزوج

حقوق الزوجة

ب- حقوق الأبوين، والأبناء، والأقارب

بر الواليدن

حقوق الأبناء

صلة الرحم

النفقة على الأقارب

ص: 128

الدعامة الأولى: قوامة الزوج

قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} 1.

بينت هذه الآية أن للزوجات من الحقوق على أزواجهن مثل ما لهؤلاء الأزواج من الحقوق عليهن، وأن الأزواج يتفوقون على الزوجات بدرجة.

ففي ماذا تمثل هذه الدرجة؟

تتمثل هذه الدرجة في تحمل الزوج مسؤولية الإشراف على الأسرة بتنظيمها وتوفير حاجاتها حسب مستوى أمثاله، وتحديد واجبات كل فرد فيها.

قال ابن عباس: الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة، والتوسع للنساء في المال، والخلق، أي: أن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه.

قال ابن عطية: وهذا قول حسن بارع2.

وقررت الآية الموالية القوامة. قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} 3.

1 البقرة: 228.

2 القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 3:125.

3 النساء: 34.

ص: 129

القوام الذي يقوم على شأن غيره، ويصلحه، واسندت هذه الآية القوامة إلى الرجال، وأفادت أن من أسباب ذلك تفضيل الله تعالى الأزواج على زوجاتهم، ومما يظهر فيه ذلك جعل الطلاق بيد الزوج دون الزوجة، فليس لها ذلك إلا بواسطة القاضي، أو عن طريق الخلع، وكمراجعة الزوج لزوجته في العدة.

يضاف لما ذكر تفوق الرجال على النساء عمومًا في قيامهم ببعض الأعمال الصعبة مثل الجهاد، وتوليهم بعض الولايات المختلف في إسنادها إلى المرأة، وتفضيلهم في العدالة، وولاية النكاح، وفي الإرث1.

ونصت الآية بعد ذكرها التفصيل على أن من أسباب قوامة الرجال انفاقهم على الأسرة لتكوينها، ولاستمرارها سكنًا، واطعامًا، وعلاجًا، وتعليمًا، وما يتبع ذلك.

وفهم العلماء من قوله تعالى: {وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أنه متى عجز الزوج عن الإنفاق على الزوجة لم يكن قوّامًا عليها، وإذا لم يكن قوّامًا عليها فسخ العقد لزوال المقصود الذي شرع لأجله الزواج.

وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة، وهو مذهب مالك، والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يفسخ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} 2 3.

والقوامة لا تعني استعلاء الزوج على الزوجة، واستبداده بالرأي، فأمر الأسرة شورى بين الزوجين في كل ما يحقق مصالحهما.

قال ابن عاشور -في بيان منزلة المرأة -: ودين الإسلام حري بإصلاح شأن المرأة، وكيف لا، وهي نصف النوع الإنساني، والمربية.

1 انظر ابن عاشور، التحرير والتنوير 2:402.

2 البقرة: 280.

3 القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 5:169.

ص: 130

الأولى التي تفيض التربية السالكة إلى النفوس قبل غيرها، والتي تصادف عقولًا لم تمسها وسائل الشر، وقلوبًا لم تنفذ إليها خراطيم الشياطين1. وأكد على التوازن الذي ينبغي أن يسود العلاقة الزوجية، فقال: وقوله: وللرجال خبر عن درجة قدم للاهتمام بما تفيده اللام من معنى استحقاقهم تلك الدرجة كما أشير إلى ذلك الاستحقاق في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} .

وفي هذا الاهتمام مقصدان: أحدهما: دفع توهم المساواة بين الرجال والنساء في كل الحقوق توهمًا من قوله آنفًا {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}

ثانيهما: تحديد إيثار الرجال على النساء بمقدار مخصوص لإبطال إيثارهم المطلق الذي كان متبعًا في الجاهلية2.

1 التحرير والتنوير 2: 400.

2 المرجع نفسه 2: 401.

ص: 131

الدعامة الثانية

أ- ضمان الحقوق العائلية

الحقوق الزوجية:

1 الحقوق المشتركة بين الزوجين

2-

حقوق الزوج.

3-

حقوق الزوجة.

الحقوق المشتركة

هي حقوق الزوجين معًا في الوقت نفسه، ومنها:

1-

حق الاستمتاع استجابةً لداعي الفطرة.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} {إِلَاّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وهي حق مشترك لا يمنع منه أحد الزوجين الآخر.

ولأحدهما فسخ عقد الزواج إذا كان في الآخر مانع من الاتصال الجنسي.

2-

المعاشرة بالمعروف من الاثنين.

هذا الحق يمكن أن ترجع إليه كل الحقوق الأخرى، لأنه إذا وجد وجدت جميعًا.

1 سورة المؤمنون: 5-6.

ص: 132

وقد أمر الله تعالى بمعاشرة الزوج لزوجته بالمعروف، فقال:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} 1. ولئن كان الأمر هنا موجها للزوج فإن الزوجة أيضا مطالبة بأن توفر من جانها هذه المعاشرة. لذلك جعلت الآية التالية المودة والرحمة متبادلين بين الاثنين لتتحقق الطمأنينة، فينعم بها الجميع.

قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} 2.

وتأكيدا لهذه السكينة اعتبر الله تعالى كل واحد من الزوجين كاللباس بالنسبة للآخر، فكما أن اللباس يستر الإنسان، ويحميه من البرد والحر، فكذلك الزوجات كلاهما مضطر للآخر، وقائم يستره.

قال تعالى: {

} 3.

ومما تتم به المعاشرة الحسنة: الكلمة الطيبة، والفعل المحمود، واجتناب دواعي النزاع، والتسامح، والتعاون، والاحترام، والتشاور، وحفظ الأسرار، وسائر الخصال الحميدة.

1 سورة النساء: 19.

2 سورة الروم 21.

3 سورة البقرة: 187

ص: 133

الحقوق المشتركة الآلية

الحقوق الآلية هي التي تنتج عن الزوج دون تأثير من الزوجين أو أحدهما وهي:

1-

حقوق الأولاد في الانتساب إلى أبيهم، وحقهم في عطف الأمومة، وهذا من حقوق الأبناء على الوالدين، وهو أيضا حق لكل من الزوجين على الآخر لأنه لا يحق لأحدهما ولا لكيلهما الامتناع عن نسبة الولد إلى الآخر.

2-

التوارث: الزواج من أسباب التوارث، فللزوج نصف تركة زوحته إن لم يكن لها وارث، وله الربع إن كان لها فرع وارث، سواء كان الفرع منه أو من غيره. وللزوجة أو الزوجات الربع من تركة الزوج إذا لم يكن له فرع وارث، ولها أولهن الثمن إن كان له فرع وارث. قال تعالى {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} 1.

حقوق الزوج

إن ما سأسرده من حقوق الزوج يمكن إرجاعها جميعا إلى الحقوق المشتركة لأنها شاملة لحقوق الإثنين، وفائدة ذكرها وزيادة التنبيه إليها.

1 سورة النساء: 12.

ص: 134

ومنها:

1-

حق الزوج على زوجته في رعاية بيته، ومسؤوليتها عن رعيتها كما ورج في الحديث السابق "كلكم راع"، وهذه الرعاية تعم كل الواحبات المتعبة على الزوجة مما يتعلق بحقوق الأبناء، وحقوق الزوج.

2-

صيانتها البيت، فلا تدخل له أحدا دون إذن زوجها.

3-

حفظ مال زوجها، فلا تبذره، ولا تأخذ منه بغير علمه إلا أن يعطيها أقل من الكفاية فتأخذ منه ما يكفيها. عن عائشة: أن هنداً بنت عتبة قال يار رسول الله إن أبا سفيان رجل شيحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فقال:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"1.

4-

طاعته في حدود ما أمر الله تعالى به، وما تقتضيه الحياة الزوجية والمعاشرة الطيبة، ووجوب طاعتها له لا تعني تكيلفه إياها ما لا تتمله، أو ما ليس من مهمة الزوجة.

5-

من حقوقه عليها المتعلقة بالآداب، أن تصوم صوم التطوع عند حضوره إلا بإذنه. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه"2.

حقوق الزوجة:

- النفقة: 3

تشمل السكن، والطعام، واللباس، والعلاج، وما يتبع ذلك، فعلى الزوج توفيرها لزوجته بحكم تحمله رئاسة الأسرة، وقيامه بالعمل الموفر

1 صحيح البخاري 69، النفقات 9، باب إذا لم ينفق الرجل...... ج 3:289.

2 صحيح البخاري 67، والنكاح 84 باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا ج3:260.

3 انظر ابن قدامة المعني 7: 564-566.

ص: 135

للدخل في حين أن المهمة الاولى للزوجة هي تربية الأولاد، ورعاية البيت.

وما حصل في المجتمع في الوقت الحاضر من عمل الزوجات خارج بيوتهن، وضع اجتماعي جديد يرجع فيه إلى العرف في حدود ما شرعه الله من أحكام لتقنين الحياة الزوجية، ويراعي في مقدار النفقة حال الزوجة قبل زوجها ودخل الزوج.

قال تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} 1.

هذه أهم حقوق الزوحة، وبقية حقوقها تدخل ضمن الحقوق المشتركة.

1 سورة الطلاق: 7.

ص: 136

ب- حقوق الأبوين والأبناء والأقارب

التربية الأولى التي ينشأ عليها الطفل في الأسر تظهر مبادئها في تعامله مع الآخرين. لذلك كان من الواجب أن يتربي على الحب، والوفاء والاحترام لمن يعيش معهم.

وهؤلاء في الأسر هم: الوالدان، والأخوة، والأقارب، وقد أكد الشرع على بر الوالدين وصلة الرحم.

حقوق الأبوين

تتلخص هذه الحقوق في برهما لأن البر في هذا المقام كلمة جامعة تشمل جميع حقوق الأبوين على أبنائهم.

- برهما:

وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تأمر بالإحسان إلى الوالدين، وتذكر بفضلها على الأبناء، وتحثهم على مقابلة إحسانهما إليهم ببرهما منهم.

ومنها قوله تعالى: {يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} 1.

1 سورة الإسراء: 23-24.

ص: 137

ورد الأمر ببر الوالدين في هذه الآية معطوفا على عبادة الله تعالى وحده وبينت بوضوح كامل العناية اللطيقة التي ينبغي أن يحظى بها الأبوان من الأبناء، متمثلة في الإحسان إليهما بالرفق بهما في كبرهما، ومخاطبتهما بلطيف القول، والدعاء لهما، وتقديم ما يحتاجان إليه من الخدمات.

وتعددت الأحاديث المرغبة في برهما، وامرت بان يستمر هذا البر بعد موتهما ببر أصدقائهما.

عم عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن البر صلة الولد أهل ود أبيه"1.

والمناسبة التي تحدث فيها عبد الله بن عمر بهذا الحديث تبين عمله بمقتضاه فقد أخبر عنه عبج الله بن دينار أنه لقيه رجل من الأعراب بطريق عمامة فسلم عليه عبد الله بن عمر، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقال عبد الله بن دينار: أصلحك الله، إنهم الأعراب، وأنهم يرضون باليسير" فقال عبد الله بن عمر "إن أبا كان ودا لعمر بن الخطاب2. وسابق الحديق المذزمرو أولا.

فقد كرم عبد الله بن عمر الأعرابي لأن أباه كان من أصدقاء والده.

- وجوب برهما:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله من أحق بحسن صحابتي؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟

1 صحيح مسلم 45، البر والصلة والآدب4، باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم حديث 11-13ج 8:6.

سنن الترميذي 25، البر والصلة 5، باب ما جاء في إكرام صديق الوالد ج 4:276.

2 صحيح مسلم 45، والبر والصلة والآداب 4، باب فضل صلة أصدقاء الأبو الأم وحديث 11و12و13 ج 8: 6

سنن الترمذي 25، البر والصلة 5، باب ما جاء في إكرام صديق الوالد ج4:276.

ص: 138

قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "ثم أمك". قال: "ثم أبوك"1.

ظاهر هذا الحديث تقديم الام في البر على الأب، وفي المسألة خلاف بين العلماء والذي أراه هو ما ذهب إليه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور من أن النبي صلى الله عليه وسلم علم من السائل أنه يرمي إلى الأذن منه بصحبة غير أمه، فرأد أن يظهر له الاهتمام بها، وأنها جدير بالبر مثل الأب قلعا لآثار الجاهلية من نفوس المسلمين.

فالأبوان في البر سواء كما أشار قوله تعالى: {} 2، وقوله {} ، وقوله:{} 4، فسوى بينهما فيما أمر به5.

- عقوقهما:

حرم الشرع عقوق الوالدين، وورد ذلك في أكثر من حديث، وصصفت في بعضهما بكونه من أكبر الكبائر. عن عبد الله بن أبي بكرة، عن بلى رسول الله. قال: ثلاثا: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين"، وكان متكئا فجلس. فقال:"ألا وقول الزور، وشهادة الزور، ألا وقول الزور، وشهادة الزور"، فما زال يقولها حتى قلت لا يسكت6.

1 صحيح البخاري 78، الأدب2، باب من أحق الناس بحسن الصحبة ج4:47.

صحيح مسلم 45، البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين حديث1، ج: 2 واللفز له.

2 لقمان: 14.

3 العنكبوت: 8 لقمان: 14 والأحقاف: 15.

4 لقمان: 15.

5 ابن عاشور، النظر الفسيح 303-304 يتصرف قليل.

6 صحيح البخاري 78، الأدب 6، باب عقوق الوالدين من الكبائر 4:48.

ص: 139

وفي رواية حتى قلنا ليته يسكت أي تمنيناه يسكت لما رأوا من انزعاجه في ذلك1.

والعقوق قطيعة بيديها الابن نحو أحد والديه أو نحو الاثنين بنكرانه جمليها في تربيته وإساءته الأدب معهما، وعدم وتقديمه الخدمات لهما عند احتاجيتها بسبب المرض، أو الكبر، وأو مختلف الإصابات؟

وقرن العقوق في الحديث بالإشراك بالله، وشهادة الزور، والإشراك خروج عن الإسلام، وشهادة الزور أدعاء باطل على الغير يترتب عليه تضييع حقوقه.

وهذا دليل على فظاعة هذا الذنب الذي بأباه الدين والعقل.

والأحاديث في الأمر بين الوالدين، والنهي عن عقوقهما كثيرة، ولكن اكتفى بما أرودت اختصار فالموضوع من البدهيات.

النفقة عليها:

أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال واجبة في مال الولد2.

1 ابن حجر، فتح الباري 10:411.

2 ابن قدامة المغني 7: 853.

ص: 140

حقوق الأبناء 1

من حقوق الأبناء على الآباء ما يلي:

1-

تسميتهم بأحسن الأسماء.

2-

انتسابهم إلى آبائهم.

3-

الإنفاق عليهم، الذكور إلى البلوغ والإناث إلى الزواج.

4-

ختانهم.

5-

إراضاهم.

6-

حضتانهم.

7-

الحنو عليهم.

8-

تحفظيم القرآن.

9-

تعليمهم العلوم الشرعية والعلوم العامة.

10-

تنشئتهم على آداب الإسلام.

11-

إعدادهم للحياة.

12-

العدل بينهم.

1 انظر هذه المسألة ابن قيم الجوزية: تحفة المودرود بأحكام المولود.

ص: 141

النفقة على الأبناء:

أجمع مل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم.

لأن ولد الإنسان بعضه، وهو بعض والده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه، وأهله كذلك على بعضه وأصله1.

1 ابن قدامة، المغني 7:583.

ص: 142

صلة الرحم

- حد الرحم:

يطلق الرحم على الذين يرتبطون بقرابة سواء كانوا يتوارثون أو لا يتوراثون، ومن المحارم أو من غيرهم. وقيل أنهم من المحارم فقط.

ورد هذا القول لأنه يستلزم خروج أولاد الأعمام وأولاد الأخوال وهم من ذوي الأرحام1.

- مزايا صلة الرحم:

من مزاياها الزيادة في عمر الواصل لرحمه. عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه"2.

يبسط له في رزقه: يوسع عليه.

ينسأ له في أثره: يؤخر له في أجله

والزيادة في العمر كناية عن البركة فيه بتوفيق الواصل إلى طاعة الله وعمارة وقته بما ينفعه في الآخرة، وصيناته عن تضييعه، ووقايته من

1 ابن حجر فتح الباري: 10: 414.

2 صحيح البخاري 78، والأدب 12، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم وتحريم قطيعتها حديث 20ج8:8.

ص: 143

المعصية، أو المراد بقاء ذكره الجميل بعده، بالعلم الذي ينتفع به، والصدقة الجارية، والولد الصالح1.

جزاء الواصل

بشر الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن يصل رحمه بوصله من الله تعالى، والوصل من الله كناية عن عظيم إحسانه.

وتوعد من قطع رحمه بقطعه من الله، أي حرمانه من إحسانه ورحمته.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته"2.

الشجنة: عروق الشجر المشتبكة، ومن الرحمن: أي أخذ اسمها من الرحمن، والمعني أنها أثر من آثار رحمة مشتبكة بها، فالقاطع لها منقطع من رحمة الله تعالى.

- تعريف الواصل:

عرف الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الواصل لرحمه فبين أنه الذي إذا أساء إليه أقاربه وصلهم، وإذا منعوه أعطاهم لتجنب أسباب قطيعتهم. قال "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها"3.

والمراد بالواصل في هذا الحديث الكامل، فإن في المكافأة نوع صلة بخلاف من إذا وصله قريبه لم يكافئه فإن فيه قطعًا بإعراضه عن ذلك4.

القسطلاني، إرشاد الساري 9:11.

2 صحيح البخاري 78، الأدب 130، باب من وصل وصله الله ج 4:49.

3 صحيح البخاري 78، الأدب 15، باب ليس الواصل بالمكافئ 4:50.

4 ابن حجر، فتح الباري 10:224.

ص: 144

إثم القاطع:

توعد الرسول صلى الله عليه وسلم قاطع رحمه بحرمانه من الجنة. عن مطعم بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة قاطع"1. والقاطع عكس الواصل، وقد عرفناه قبل قليل.

وهذا العقاب علامة على فداحة القطع وخطره في انفصال الأقارب وتباعدها.

وقد شجع الرسول صلى الله عليه وسلم من يصل رحمه رغم إساءتهم له، ووعده بعون الله له.

عن أبي هريرة أن رجلًا، قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم، ويسيئون إليَّ، وأحلم عنهم، ويجهلون عليَّ، فقال:"لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك"2.

أفاد هذا الحديث أن الأقارب الذين يقطعون من يصلهم سوف يتألمون كألم من يطعم الرماد الحار مكافأة لهم على قطيعتهم.

وأن الله تعالى في عون الذي يصل رحمه رغم ما يلاقيه من قطيعة أقاربه3.

- كيفية الصلة، وحكمها:

تكون صلة الرحم بطلاقة الوجه، والتوادد، والتناصح، والدعاء، والتزاور، والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، والإنفاق على المحتاج من الأقارب.

وتتلخص في إيصال ما أمكن من الخير، ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة.

1 صحيح البخاري 78، الأدب 11، باب إثم القاطع ج4:49.

2 صحيح مسلم 45، البر والصلة والآداب 6، باب صلة الرحم حديث 22ج8:8.

3 النووي على مسلم على هامش إرشاد الساري للقسطلاني 9: 451.

ص: 145

قال القاضي عياض: لا خلاف في أن صلة الرحم واجبة في الجملة، وقطيعتها مصيبة كبيرة.

وللصلة درجات، فأدناها ترك المهاجرة، وصلتها بالكلام ولو السلام، ويختلف ذلك باختلاف القدرة والحاجة، فمنها واجب، ومنها مستحب، فلو وصل بعض الصلة، ولم يصل غايتها، لا يسمى قاطعًا1.

النفقة على الأقارب

يشترط لوجوب النفقة على الأقارب ثلاثة شروط:

1-

أن يكون مستحقو النفقة فقراء لا مال لهم، ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم عليهم.

2-

أن يكون لمن وجبت عليه النفقة مال فاضل على نفقته على نفسه، فأما من لا يفضل عنده شيء فليس عليه شيء.

3-

أن يكون المنفق وارثًا لقول الله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} 2.

اشترط التوارث لأن بين المتوارثين قرابة تقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم، فإن لم يكن وارثًا لعدم القرابةلم تجب عليه النفقة لذلك.

هذا ما يتعلق بالنفقة الواجبة، أما النفقة غير الواجبة فلا تتقيد بشروط، ويستحب لكل مستطيع أن ينفق على أقاربه المحتاجين الأقرب فالأقرب.

1 العيني، عمدة القارئ 22:9.

2 سورة البقرة: 233.

3 ابن قدامة، المغني 7: 584

ص: 146