الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصح. قال إسحاق بن راهوية: هو بدعة للخطيب وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إذا دعا (1) .
وأما القُصَّاص الذين يقومون على رءوس الناس ويشغلون الناس عما يشرع من الصلاة والقراءة والدعاء، لا سيما إن قصوا والإمام يخطب فإن هذا من المنكرات الشنيعة التي ينبغي أزالتها باتفاق الأئمة، وينبغي لولاة الأمور أن يمنعوا من هذا المنكرات كلها، فإنهم متصدون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2) .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة دخل إلى منزله فصلى ركعتين سنتها، وأمر من صلاها أن يصلي بعدها أربعا.
قال شيخنا أبو العباس: إن صلى في المسجد صلى أربعا، وإن صلى في بيته صلى ركعتين (3) .
ويحرم تخطي رقاب الناس.
قال أبو العباس في موضع آخر: ليس لأحد أن يتخطى رقاب الناس ليدخل في الصف إذا لم يكن بين يديه فرجة لا يوم الجمعة ولا غيره، لأن هذا من الظلم والتعدي لحدود الله تعالى (4) .
باب صلاة العيدين
ومن شرطها الاستيطان، وعدد الجمعة، ويفعلها المسافر والعبد والمرأة تبعا، ولا يستحب قضاؤها لمن فاتته منهم، وهو قول أبي حنيفة (5) .
(1) الاختيارات (80) ومختصر الفتاوى (161) ف (2/ 87) .
(2)
اختيارات (88)(2/ 87) .
(3)
زاد المعاد (1/ 121) ف (2/ 87)
(4)
اختيارات (81) ف (2/ 88)
(5)
اختيارات (82)
اليوم الثامن من شوال ليس لأحد أن يتخذه عيدا ولا هو عيد الأبرار، بل هو عيد الفجار، ولا يحل أن يحدث فيه المسلم شيئا من شعائر الأعياد، فإن المسلمين متفقون على أنه ليس بعيد.
وكره بعضهم صوم السبت من شوال، عقب العيد مباشرة لئلا يكون فطر يوم الثامن كأنه العيد فينشأ عن ذلك أن يعده عوام الناس عيدا آخر (1) .
وليس الخميس من أعياد المسلمين، بل هو من أعياد النصارى كعيد الميلاد، وعيد الغطاس، لكل أمة قبلة، وليس لأهل الذمة أن يعينوهم على أعيادهم في بلاد المسلمين، وليس للمسلمين أن يعينوهم على أعيادهم لا ببيع ما يستعينون به على عيدهم ولا بإجارة دوابهم ليركبوها في عيدهم، لأن أعيادهم مما حرمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لما فيها من الكفر والفسوق والعصيان.
وأما إذا فعل المسلمون معهم أعيادهم مثل صبغ البيض وتحمير دوابهم بمغرة وبخور وتوسيع النفقات وعمل طعام فهذا أظهر من أن يحتاج إلى سؤال بل قد نص طائفة من العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك على كفر من يفعل ذلك.
وقال بعضهم من ذبح بطيخة في عيدهم فكأنما ذبح خنزيرا.
ولو تشبه المسلم باليهود والنصارى في شيء من الأمور المختصة بهم لنهي عن ذلك باتفاق العلماء وإن كان أصل ذلك جائزا، وإذا لم يكن من شعارهم مثل لباس الأصفر، ونحوه فإن هذا جائز في الأصل، لكن لما صار شعار الكفر لم يجز لأحد من المسلمين، أن يخص مواسمهم
(1) مختصر الفتاوى (290) والاختيارات (111) ف (2/ 90) .
بشيء مما يخصونها به، فليس للمسلم أن يخص خميسهم الحقير بتجديد طعام الرز والعدس والبيض المصبوغ وغير ذلك، ومن فعل ذلك على وجه العبادة والتقرب به واعتقاد التبرر به فإنه يعرف دين الإسلام وأن هذا ليس منه بل هو ضده ويستتاب منه فإن تاب وإلا قتل.
وليس لأحد أن يجيب دعوة مسلم يعمل في أعيادهم مثل هذه الأطعمة ولا يحل له أن يأكل من ذلك، بل لو ذبحوا هم في أعيادهم شيئا لأنفسهم ففي جواز أكل المسلم من ذلك نزاع بين العلماء، والأصح عدم الجواز، لكونهم يذبحونها على وجه القربان، فصار من جنس ما ذبح على النصب وما أهل به لغير الله.
وأما ذبح المسلم لنفسه في أعيادهم على وجه القربة فكفر بين كالذبح للنصب، ولا يجوز الأكل من هذه الذبيحة بلا ريب، ولو لم يقصد التقرب بذلك بل فعله لأنه عادة أو لتفريح أهله فإنه يحرم عليه ذلك، واستحق العقوبة البليغة إن عاد إلى مثل ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم «ليس منا من تشبه بغيرنا» و «من تشبه بقوم فهو منهم» وقد بسطنا ذلك في كتابنا: اقتضاء الصراط المستقيم وذكرنا دلائل ذلك كلها.
وسأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أذبح ببوانة فهل أوف بنذري؟ فقال: «إن كان بها عيد من أعياد المشركين أو وثن فلا تذبح بها» .
فنهاه أن يذبح في مكان كانوا يتخذونه في الجاهلية عيدا، لئلا يكون ذبحه ذريعة إلى إحياء سنن الكفر، فكيف بمن يظهر شعائر كفرهم وإفكهم؟ وإن كان لا يعلم أنه من خصائص دينهم بل يفعله على وجه العادة فهي عادة جاهلية مأخوذة عنهم، ليس هذا من عادات المسلمين التي أخذوها عن المؤمنين.
والدين الفاسد هو عبادة غير الله أو عبادة الله فاسدة (1) ابتدعها بعض الضالين.
والدين الصحيح عبادة الله وحده، وعبادته بما شرعه الله ورسوله.
وقد كره السلف صيام أيام أعيادهم وإن لم يقصد تعظيمها فكيف بتخصيصها بمثل ما يفعلونه هم، بل قد نهى أئمة الدين عن أشياء ابتدعها بعض الناس من الأعياد وإن لم تكن من أعياد الكفار، كما يفعلونه في يوم عاشوراء، وفي رجب، وفي ليلة نصف شعبان، ونحو ذلك، فقد نهى العلماء عما أحدث في ذلك من الصلوات والاجتماعات والأطعمة والزينة وغير ذلك، فكيف بأعياد المشركين فالناهي عن هذه المنكرات من المطيعين لله ورسوله، كالمجاهدين، في سبيله.
وينبغي لولاة الأمور التشديد في نهي المسلمين عن كل ما فيه عز للنصارى كالسؤال على بابه، وخدمته له بعوض يعطيه إياه، ويكره إجارة نفسه للخدمة في المنصوص من الروايتين، وهو مذهب مالك (2) .
ويحرم بيعهم ما يعملونه كنيسة أو مثالا ونحوه، وكل ما فيه تخصيص لعيدهم أو ما هو بمنزلته قال أبو العباس: لا أعلم خلافا أنه من التشبه بهم، والتشبه بهم منهي عنه إجماعا، وتجب عقوبة فاعله، ولا ينبغي إجابة هذه الدعوى.
ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى، ونقله مهنا عن أحمد وبيعه لهم فيه ما يستعينون به عليه (3) .
(1) قلت: كذا بالأصل، ولعله أو عبادة فاسدة ابتدعها إلخ فإنه لا يعبد إلا بما شرع وما لم يشرعه فهو فاسد فلا يسمى عبادة الله والله أعلم.
(2)
مختصر الفتاوى (517-519) هذا مفرق في عدة فتاوى وفيه زيادات وتأتي فتوى مماثلة (254) وفيها بيان عبادة النصارى لمريم وللقسيسين (2/ 90) .
(3)
اختيارات (243) قلت: ويأتي هذا النقل في وليمة العرس ف (2/ 90) .
وقال الخلال في جامعه باب كراهية خروج المسلمين في أعياد المشركين، وذكر عن مهنا قال: سألت أحمد عن شهود هذه الأعياد التي تكون عندنا بالشام، مثل دير أيوب وأشباهه يشهده المسلمون يشهدون الأسواق ويجلبون فيه الغنم والبقر والرقيق والبر وغير ذلك، إلا أنه إنما يكون في الأسواق يشترون ولا يدخلون عليهم بيعهم؟ قال: إذا لم يدخلوا عليهم بيعهم وإنما يشهدون السوق فلا بأس، قال الشيخ تقي الدين: فإنما رخص أحمد رحمه الله في دخول السوق بشرط أن لا يدخلوا عليهم بيعهم، فعلم منعه من دخول بيعهم (1) .
والذي يدل عليه كلام أحمد في أكثر المواضع، وهو الذي تدل عليه السنة وآثار السلف أن الاجتماع على جنس القرب والعبادات كالاجتماع على الصلاة أو القراءة وسماعها، أو ذكر الله تعالى، أو دعائه أو تعليم العلم أو غير ذلك نوعان: نوع شرع الاجتماع له على وجه المداومة، وهو قسمان: قسم مؤقت يدور بدوران الأوقات، كالجمعة والعيدين، والحج، والصلوات الخمس، وقسم مسبب، ويتكرر بتكرر الأسباب، كصلاة الاستسقاء والكسوف والآيات، والقنوت في النوازل.
والمؤقت فرضه ونفله إما أن يعود بعود اليوم، وهو الذي يسمى عمل اليوم والليلة كالصلوات الخمس، وسننها الرواتب، والوتر، والأذكار والأدعية المشروعة طرفي النهار وزلفا من الليل.
وإما أن يعود بعود الأسبوع كالجمعة وصوم الاثنين والخميس وإما أن يعود بعود الشهر كصيام أيام البيض، وثلاثة أيام من كل شهر، والذكر المأثور عند رؤية الهلال.
(1) الآداب (3/ 432) ف (2/ 90) .