الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كسعد وخالد وأبي هريرة وعمرو بن العاص ولم يتهمهم بخيانة بينة بل بمحاباة اقتضت أن جعل أموالهم بينهم وبين المسلمين (1) .
وليس للسلطان إطلاق الفيء دائمًا (2) .
باب الأمان والهدنة
ولا يصح إلا حيث جاز تأخير الجهاد مدة معلومة لازمة، قال شيخنا: وجائزة (3) .
وإذا قال: هادناكم ما شئنا أو شاء فلان لم يصح في الأصح، كقوله: نقركم ما أقركم الله، واختار شيخنا صحته أيضًا (4) .
وفي «المبهج» رواية برد مهر من شرط ردها مسلمة، ونصر لا يلزم، كما لو لم يشترط ذكر ذلك آخر الجهاد في فصل أرض العنوة والصلح، وقال قبيل (كتاب الجزية)، نقل جعفر: المرأة منهم تجيء إلينا اليوم مسلمة يرد على زوجها المهر، فإن ذلك كان حينئذ ولا ترد المرأة، والظاهر أنه سقط لا قال شيخنا: رد المال الذي هو عوض عن رد المرأة المشروط ردها منسوخ، أما رده نفسه فلا ناسخ له، ولو لم تبق امرأة يشترط ردها فلا يرد مهرها لعدم سببه فإن وجد سببه هو إفساد النكاح فالآية دلت عليه ولم ينسخ، وفي لزوم مسلم تزوجها رد مهرها الذي كان دفعه إليها زوج كان إليه روايتان (5) .
(1) اختيارات ص (320) وفروع جـ (6/ 290، 291) ف (2/ 180) .
(2)
اختيارات ص (320) وفروع جـ (6/ 290) ف (2/ 180) .
(3)
فروع جـ (6/ 253) ف (2/ 2/ 182) .
(4)
فروع جـ (6/ 253) ف (2/ 182) .
(5)
فروع جـ (6/ 255) ف (2/ 182) .
أخذ الجزية
والجزية شرعت عقوبة وعوضًا، عن حقن الدم عند أكثر العلماء، وأجرة عن سكني الدار عند بعضهم، ومن قال بالثاني لا يسقطها بإسلام من وجبت عليه ولا بموته، لا جزية على عبد مسلم، وفي عبد الكافر نزاع لأحمد وغيره (1) .
قال ابن القيم رحمه الله: ولما كان في بعض الدول التي خفيت فيها السنة وأعلامها أظهر طائفة منهم كتابا قد عتقوه وزوروه وفيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم أسقط عن يهود خيبر الجزية، وفيه شهادة علي بن أبي طالب وسعد بن معاذ وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، فراج ذلك على من جهل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومغازيه وسيره، وتوهموا بل ظنوا صحته، فجروا على حكم هذا الكتاب المزور، حتى ألقي إلى شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه من طلب منه أن يعين على تنفيذه والعمل عليه، فبصق عليه، واستدل على كذبه بعشرة أوجه.
تزوير اليهود:
منها: أن فيه شهادة سعد بن معاذ، وسعد توفي قبل خيبر.
ومنها: أن في الكتاب أنه أسقط عنهم الجزية، والجزية لم تكن نزلت بعد، ولا يعرفها الصحابة حينئذ فإن نزولها عام تبوك بعد خيبر بثلاثة أعوام.
ومنها: أنه أسقط عنهم الكلف والسخر، وهذا محال فلم يكن في زمانه كلف ولا سخر تؤخذ منهم ولا من غيرهم، وقد أعاذه الله وأعاذ أصحابه من أخذ الكلف والسخر؛ وإنما هي من وضع الملوك الظلمة واستمر الأمر عليها.
(1) مختصر الفتاوى ص (512) ف (2/ 183) .
ومنها: أن هذا الكتاب لم يذكره أحد من أهل العلم على اختلاف أصنافهم، فلم يذكره أحد من أهل المغازي والسير، ولا أحد من أهل الحديث والسنة، ولا أحد من أهل الفقه والإفتاء، ولا أحد من أهل التفسير، ولا أظهروه في زمان السلف لعلمهم أنهم إن زوروا مثل ذلك عرفوا كذبه وبطلانه، فلما استرقوا بعض الدول في وقت فتنة وخفاء بعض السنة زوروا ذلك وعتقوه وأظهروه، وساعدهم على ذلك طمع بعض الخائنين لله ولرسوله، ولم يستمر لهم ذلك حتى كشف الله أمره وبين خلفاء الرسل بطلانه وكذبه (1) .
قال شيخنا: ولما كان عام إحدى وسبعمائة أحضر جماعة من يهود دمشق عهودًا ادعوا أنها قديمة، وكلها بخط علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد غشونا (2) بما يقتضي تعظيمها وكانت قد نفقت على ولاة الأمور من مدة طويلة فأسقطت (3) عنهم الجزية بسببها، وبأيديهم توقيع ولاة فلما وقفت عليها تبين في نفسها (4) ، ما يدل على كذبها من وجوه كثيرة جدًا.
منها: اختلاف الخطوط اختلافًا متفاقمًا في تأليف الحروف الذي يعلم معه أن ذلك لا يصدر عن كاتب واحد، وكلها نافية أنه خط علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومنها: أن فيها من اللحن الذي يخالف لغة العرب ما لا يجوز نسبة مثله إلى علي رضي الله عنه ولا غيره.
(1) زاد المعاد ج (2/ 79، 80) ف (2/ 183) .
(2)
في الاختيارات (وقد لبسوها) .
(3)
في الاختيارات فأسقطوا.
(4)
وبيدهم تواقيع ولاة الأمور بذلك فلما وقفت عليها تبين لي في نقشها ما يدل على كذبها من وجوه عديدة جدًا، الاختيارات ص (317) .
ومنها: الكلام الذي لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حق اليهود مثل: (إنهم يعاملون بالإجلال والإكرام) وقوله: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وقوله (أحسن الله بكم الجزاء) وقوله: (عليه أن يكرم محسنكم ويعفو عن مسيئكم) وغير ذلك.
ومنها: أن في الكتاب إسقاط الخراج عنهم مع أنهم في أرض الحجاز، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يضع خراجا قط، وأرض الحجاز لا خراج فيها بحال، والخراج أمر يجب على المسلمين فكيف يسقط عن أهل الذمة؟
ومنها: أن في بعضها إسقاط الكلف والسخر عنهم، وهذا مما فعله الملوك المتأخرون لم يشرعه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه.
وفي بعضها: أنه شهد عنده عبد الله بن سلام وكعب بن مالك وغيرهما من أحبار اليهود، وكعب بن مالك لم يكن من أحبار اليهود فاعتقدوا أنه كعب الأحبار وذلك لم يكن من الصحابة وإنما أسلم على عهد عمر رضي الله عنه.
ومنها: أن لفظ الكلام ونظمه ليس من جنس كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن فيه من الإطالة والحشو ما لا يشبه عهود النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيها وجوه أخر متعددة مثل أن هذه العهود لم يذكرها أحد من العلماء المتقدمين قبل ابن شريح ولا ذكروا أنها رفعت إلى أحد من ولاة الأمور فعملوا بها ومثل ذلك مما يتعين شهرته ونقله (1) .
ومن كان من أهل الذمة زنديق يبطن جحود الصائغ أو جحود الرسل أو الكتب المنزلة أو الشرائع أو المعاد ويظهر التدين بموافقة
أهل الكتاب فهذا يجب قتله بلا ريب كما يجب قتل من ارتد من أهل
(1) أحكام أهل الذمة لابن القيم (51-54) .
الكتاب إلى التعطيل، فإن أراد الدخول في الإسلام فهل يقال: إنه يقتل أيضا كما يقتل منافق المسلمين لأنه ما زال يظهر الإقرار بالكتب والرسل؟ أو يقال: بل دين الإسلام فيه من الهدى والنور ما يزيل شبهته؟ بخلاف دين أهل الكتابين؟ هذا فيه نظر (1) .
واختار أبو العباس في رده على الرافضي أخذ الجزية من جميع الكفار، وأنه لم يبق أحد من مشركي العرب بعد بل كانوا قد أسلموا.
وقال في الاعتصام بالكتاب والسنة، من أخذها من الجميع أو سوى بين المجوس وأهل الكتاب فقد خالف الكتاب والسنة.
ولا يبقى في يد راهب مال إلا ما يتبلغ به فقط.
ويجب أن يؤخذ منه مال كالورق التي في الديورة والمزارع إجماعا.
ومن له تجارة منهم أو زراعة وهو مخالطهم أو معاونهم على دينهم كمن يدعو إليه من راهب وغيره تلزمه الجزية، وحكمه حكمهم بلا نزاع (2) .
وقال شيخنا: اتفقوا على التسوية، بين اليهود والنصارى لتقابلهما وتعارضهما (3) والعشور التي تؤخذ من تجار أهل الحرب تدخل في أحكام الجزية وتقديرها على الخلاف (4) .
لعن الكفار:
ولعن الكفار مطلقا حسن لما فيهم من الكفر، وأما لعن المعين
(1) الاختيارات (317) ف (2/ 170، 183) .
(2)
اختيارات ص (319) ف (2/ 183) .
(3)
فروع جـ (6/ 260) ف (2/ 183) .
(4)
اختيارات ص (319) ف (2/ 185) .
فينهى عنه وفيه نزاع، وتركه أولى (1) .
تشميت العاطس وإذا كان كافرا أو ذميا أو ما شابة:
قال أحمد في رواية أبي طالب: التشميت يهديكم الله ويصلح بالكم، وهذا معنى ما نقل غيره، وقال في رواية حرب، هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه، وقال ابن تميم: يرد عليه العاطس وإن كان المشمت كافرا، فيقول: آمين يهديكم الله ويصلح بالكم وإن كان المشمت المسلم، يغفر الله لنا ولكم، فحسن والأول أفضل، وكذا ذكر ابن عقيل إلا قوله، وإن كان المشمت كافرا، وقال القاضي: إنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظان: أحدهما: (يهديكم الله) الثاني: (يرحمكم الله) كذا قال: وصوابه: (يغفر الله لكم) قاله الشيخ تقي الدين (2) .
قال ابن تيمي: لا يشمت الرجل الشابة ولا تشمته، وقال حرب: قلت لأحمد: الرجل يشمت المرأة إذا عطست فقال: إن أراد أن يستنطقها يسمع كلامها فلا؛ لأن الكلام فتنة، وإن لم يرد ذلك فلا بأس أن يشمتها قال الشيخ تقي الدين فيه عموم في الشابة (3) .
فإن عطس رابعة لم يشمته ذكره السامري وقدمه في الرعاية، وهو الذي ذكره الشيخ عبد القادر ومذهب مالك وغيره، وقال الشيخ تقي الدين، وهو المنصوص عن أحمد وذكر رواية صالح ومهنا (4) .
وكره الإمام أحمد الدعاء لكل أحد بالبقاء ونحوه لأنه شيء فرغ منه، واختاره شيخنا (5) .
(1) مختصر الفتاوى (512) ف (2/ 183) .
(2)
الآداب (2/ 335) ف (2/ 183) .
(3)
الآداب (2/ 341) ف (2/ 183) .
(4)
الآداب (2/ 342) ف (2/ 183) .
(5)
فروع (6/ 270) ف (2/ 184) .
قال الشيخ تقي الدين: وقد نص أحمد على أنه لا يستحب تشميت الذمي، ذكره أبو حفص في كتاب الأدب عن الفضل بن زياد، قال: قلت: يا أبا عبد الله لو عطس يهدي قلت له يهديكم الله ويصلح بالكم قال: أي شيء يقال لليهودي؟ كأنه لم يره، قال القاضي: ظاهر كلام أحمد أنه لم يستحب تشميته لأن التمشيت تحية له فهو كالسلام ولا يستحب أن يبدأ بالسلام كذلك التشميت ويدل عليه ما رواه أبو حفص بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن للمسلم على المسلم ست خصال إن ترك شيئا منهن ترك حقا واجبا عليه: إذا دعاه أن يجيبه وإذا مرض أن يعوده، وإذا مات أن يحضره وإذا لقيه إن يسلم عليه، وإذا استنصحه أن ينصحه، وإذا عطس أن يشمته، أو يسمته) فلما خص المسلم بذلك دل على أن الكافر بخلافه وهو في السنن إلا قوله: حقا واجبا عليه، ولأحمد ومسلم من حديث أبي هريرة: حق المسلم على المسلم ست، وذكره.
قال الشيخ تقي الدين: التخصيص بالوجوب أو الاستحباب إنما ينفى ذلك في حق الذمي كما ذكره أحمد في النصيحة، وإجابة الدعوة لا تنفي جواز ذلك في حق الذمي من غير استحباب ولا كراهة كإجابة دعوته والذي ذكره القاضي وهو ظاهر كلام أحمد أنه يكره، وكلام ابن عقيل إنما نفى الاستحباب، وفي المسألة تعاطس اليهود عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان يجيبهم بالهداية، وإذا كان في التهنئة والتعزية روايتان فالتشميت كذلك (1) .
فإذا سلم أحدهم وجب الرد عليه عند أصحابنا وعند عامة العلماء لصحة الأحاديث عنه عليه السلام بالرد.
(1) الآداب ج (2/ 346، 347) ف (2/ 183) .
السلام عليهم وتهنئتهم وتعزيتهم وعيادة مرضاهم:
وقال الشيخ تقي الدين: إذا سلم الذمي على المسلم فإنه يرد عليه مثل تحيته، وإن قال: أهلا وسهلا فلا بأس. كذا قال: وجزم في مواضع أخر بمثل قول الأصحاب (1) .
وتحرم البداءة بالسلام، وفي الحاجة احتمال، نقل أبو داود فيمن له حاجة إليه، لا يعجبني، ومثله: كيف أنت؟ أو أصبحت؟ أو حالك؟ نص عليه وجوزه شيخنا (2) .
وقال الشيخ تقي الدين: إن خاطبه بكلام غير السلام مما يؤنسه له فلا بأس بذلك (3) .
واختلف كلام أبي العباس في تحية الذمي، هل ترد بمثلها، أو وعليكم فقط؟ ويجوز أن يقول: أهلا وسهلا.
وتجوز عيادة أهل الذمة، وتهنئتهم وتعزيتهم، ودخولهم المسجد للمصلحة الراجحة كرجاء الإسلام.
وقال العلماء: يعاد الذمي ويعرض عليه الإسلام (4) .
من الشروط عليهم:
ويمنع أهل الذمة من إظهار الأكل في نهار رمضان؛ فإن هذا من المنكر في دين الإسلام (5) .
وليس لهم إظهار شيء من شعائر دينهم في دار الإسلام لا وقت
(1) الآداب (3/ 414) ف (2/ 183) .
(2)
يعني قوله كيف أنت إلخ فروع ج (6/ 271) ف (2/ 184) .
(3)
الآداب ج (2/ 416) ف (2/ 183) .
(4)
اختيارات (319، 320) ف (2/ 185) .
(5)
اختيارات (318) ف (2/ 183) .
الاستسقاء ولا عند لقاء الملوك. ويمنعون من المقام في الحجاز، وهو مكة، والمدينة واليمامة، والينبع، وفدك، وتبوك، ونحوها وما دون المنحنى وهو عقبة الصوان من الشام كمعان (1) .
وإن أبى الذمي بذل الجزية أو الصغار أو التزام حكمنا ينقض عهده، وساب الرسول صلى الله عليه وسلم يقتل ولو أسلم وهو مذهب أحمد.
ومن قطع الطريق على المسلمين أو تجسس عليهم أو أعان أهل الحرب على سبي المسلمين أو أسرهم وذهب بهم إلى دار الحرب ونحو ذلك مما فيه مضرة على المسلمين فهذا يقتل ولو أسلم.
ولو قال الذمي: هؤلاء المسلمون الكلاب أبناء الكلاب ينغصون علينا، إن أراد طائفة معينين عوقب عقوبة تزجره وأمثاله، وإن ظهر منه قصد العموم ينقض عهده وجب قتله (2) .
وإذا شرط ولي الأمر على التجار الداخلين إلى بلاد الإسلام، وهم من أهل الحرب أن يضمنوا ما أخذه أهل الحرب منهم لتجار المسلمين جاز ذلك وكان شرطا صحيحان لأن غايته أنه ضمان مجهول أو ضمان ما لم يجب، فهو كضمان السوق، وهو أن يضمن الضامن ما يجب على التاجر للناس من الديون، وهذا جائز عند أكثر العلماء مالك وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم، كما في قوله {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [72/12] ولأن هؤلاء الطائفة الممتنعة ينصر بعضهم بعضا فهم كالشخص الواحد؛ فإذا اشترطوا أن تجارهم يدخلون بلاد الإسلام بشرط ألا يأخذوا للمسلمين شيئا وما أخذوه كانوا ضامنين له والمضمون يؤخذ من أموال التجار جاز ذلك؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للأسير العقيلي
(1) اختيارات (319) فروع ج (6/ 276) ف (2/ 184) .
(2)
اختيارات (319، 320) ف (2/ 185) .
حين قال: يا محمد علام أوخذ؟ فقال: (بجريرة حلفائك من ثقيف) وأسره النبي صلى الله عليه وسلم وحبسه لينال بذلك من حلفائه مقصوده.
ولو أسرنا حربيًا لأجل تخليص من أسروه منا جاز باتفاق المسلمين.
ولنا أن نحبسه حتى يردوا أسيرنا، ولو أخذنا مال حربي حتى يردوا علينا ما أخذوه لمسلم جاز، فإذا اشترط عليهم ذلك في عقد الأمان جاز (1) .
وليس لأهل الذمة إظهار شيء من شعائر دينهم في ديار المسلمين، لا في أوقات الاستسقاء ولا في وقت مجيء النوائب، ويمنعون من إظهار التوراة، ولا يرفعون أصواتهم بالقراءة وصلاتهم، وعلى ولي الأمر منعهم من ذلك (2) .
وكان شيخي رحمه الله يقول: لا يمنع أهل الذمة، من ركوب جنس الخيل، فلو ركبوا البراذين التي لا زينة فيها والبغال على هذه الصفة فلا منع.
والحمار الذي تبلغ قيمته مبلغا إذا ركبه واحد منهم لم أر للأصحاب فيه منعا، ولعلهم نظروا إلى الجنس، ومن الكلام الشائع: ركوب الحمار ذل، وركوب الخيل عز انتهى (3) .
ويمنعون من تعلية البنيان على جيرانهم المسلمين، وقال العلماء: ولو في ملك مشترك بين مسلم وذمي، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب (4) .
(1) مختصر الفتاوى (516) ف (2/ 184) .
(2)
مختصر الفتاوى (517) ف (2/ 814) .
(3)
أحكام أهل الذمة (759) ف (2/ 184) .
(4)
اختيارات (318) ف (2/ 184) .
الكنائس والبيع والديورة هل تبقى؟
وورد على شيخنا استفتاء في أمر الكنائس صورته:
ما يقول السادة العلماء وفقهم الله: في إقليم توافق أهل الفتوى في هذا الزمان على أن المسلمين فتحوه عنوة من غير صلح ولا أمان فهل ملك المسلمون ذلك الإقليم المذكور بذلك؟ وهل يكون الملك شاملا لما فيه من أموال الكفار من الأثاث والمزارع والحيوان والرقيق والأرض والدور والبيع والكنائس والقلايات والديورة ونحو ذلك، أو يختص الملك بما عدا متعبدات أهل الشرك؟ فإن ملك جميع ما فيه فهل يجوز للإمام أن يعقد لأهل الشرك من النصارى واليهود بذلك الإقليم أو غير الذمة على أن يبقى ما بالإقليم المذكور من البيع والكنائس والديورة ونحوها متعبدا لهم وتكون الجزية المأخوذة منهم في كل سنة في مقابلة ذلك بمفرده، أو مع غيره، أم لا؟ فإن لم يجز لأجل ما فيه من تأخير ملك المسلمين عنه فهل يكون حكم الكنائس ونحوها حكم الغنيمة يتصرف فيه الإمام تصرفه في الغنائم أم لا؟
وإن جاز للإمام أن يعقد الذمة بشرط بقاء الكنائس ونحوها فهل يملك من عقدت له الذمة بهذا العقد رقاب البيع والكنائس والديورة ونحوها ويزول ملك المسلمين عن ذلك بهذا العقد، أم لا لأجل أن الجزية لا تكون عن ثمن مبيع؟ وإذا لم يملكوا ذلك وبقوا على الانتفاع بذلك وانتقض عهدهم بسبب يقتضي انتقاضه إما بموت من وقع عقد الذمة معه ولم يعقبوا أو أعقبوا فإن قلنا إن أولادهم يستأنف معهم عقد الذمة كما نص عليه الشافعي فيما حكاه ابن الصباغ وصححه العراقيون واختاره ابن أبي عصرون في المرشد، فهل لإمام الوقت أن يقول: لا أعقد لكم الذمة إلا بشرط أن لا تدخلوا الكنائس والبيع والديورة في العقد، فتكون كالأموال التي جهل مستحقوها
وأيس من معرفتها، أم يجوز له الامتناع من إدخالها في عقد الذمة، بل يجب عليه إدخالها في عقد الذمة؟ فهل ذلك يختص بالبيع والكنائس
والديورة التي تحقق أنها كانت موجودة عند فتح المسلمين، ولا يجب عليه ذلك عند التردد، في أن ذلك كان موجودا عند الفتح أو حدث بعد الفتح، أو يجب عليه مطلقا فيما تحقق أنه كان موجودا قبل الفتح أو شك فيه؟
وإذا لم يجب في حالة الشك فهل يكون ما وقع الشك في أنه كان قبل الفتح وجهل الحال فيمن أحدثه لمن هو؟ لبيت المال، أم لا؟ وإذا قلنا: إن من بلغ من الأولاد من عقدت معهم الذمة وإن سفلوا ومن غيرهم لا يحتاجون أن تعقد لهم الذمة بل يجري عليهم حكم من سلف، إذا تحقق أنه من أولادهم، يكون حكم كنائسهم وبيعهم حكم أنفسهم، أم يحتاج إلى تجديد عقد وذمة؟ وإذا قلنا إنهم يحتاجون إلى تجديد عقد عند البلوغ فهل تحتاج كنائسهم وبيعهم إليه أم لا؟
فأجاب: الحمد لله ما فتحه المسلمون كأرض خيبر التي فتحت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكعامة أرض الشام وبعض مدنها وكسواد العراق إلا مواضع قليلة فتحت صلحا وكأرض مصر فإن هذه الأقاليم فتحت عنوة على خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد ري في أرض مصر أنها فتحت صلحا، وروي أنها فتحت عنوة، وكلا الأمرين صحيح، على ما ذكره العلماء المتأملون للروايات الصحيحة في هذا الباب؛ فإنها فتحت أولا صلحا، ثم نقض أهلها العهد فبعث عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يستمده فأمده بجيش كثير فيه الزبير بن العوام ففتحها المسلمون الفتح الثاني عنوة.
ولهذا روي من وجوه كثيرة أن الزبير سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن يقسمها بين الجيش كما سأله بلال قسم الشام فشاور الصحابة في ذلك فأشار عليه كبراؤهم كعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أن يحبسها فيئا للمسلمين ينتفع بفائدها أول المسلمين وآخرهم، ثم
وافق عمر على ذلك بعض من كان خالفه ومات بعضهم، فاستقر الأمر على ذلك.
فما فتحه المسلمون عنوة فقد ملكهم الله إياه، كما ملكهم ما استولوا عليه من النفوس والأموال والمنقول والعقار.
ويدخل في العقار معابد الكفار ومساكنهم وأسواقهم ومزارعهم وسائر منافع الأرض، كما يدخل في المنقول سائر أنواعه من الحيوان والمتاع والنقد.
ما يقال في الكنائس والديرة وما يفعل فيها من العبادات إما مبدل أو محدث لم يشرعه الله أو نهى عنه بعد ما شرعه.
وليس لمعابد الكفار خاصة تقتضي خروجها عن ملك المسلمين؛ فإن ما يقال فيها من الأقوال ويفعل فيها من العبادات إما أن يكون مبدلا أو محدثا لم يشرعه الله قط، أو يكون الله نهى عنه بعد ما شرعه.
وقد أوجب الله على أهل دينه جهاد أهل الكفر حتى يكون الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا، ويرجعوا عن دينهم الباطل إلى الهدى ودين الحق الذي بعث الله به خاتم المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، ويعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون.
ولهذا لما استولى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أرض من حاربه من أهل الكتاب وغيرهم كبني قينقاع والنضير وقريظة كانت معابدهم مما استولى عليه المسلمون ودخلت في قوله سبحانه {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [27/ 33]، وفي قوله:{وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ} [6/59]{مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [7/59] .
لكن وإن ملك المسلمون ذلك فحكم الملك متنوع، كما يختلف حكم الملك في المكاتب والمدبر، وأم الولد والعبد، وكما يختلف حكمه
في المقاتلين الذين يؤسرون، وفي النساء والصبيان الذين يسبون، كذلك يختلف حكمه في المملوك، نفسه والعقار والأرض والمنقول، وقد أجمع المسلمون على أن الغنائم لها أحكام مختصة بها لا تقاس بسائر الأموال المشتركة.
ولهذا لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر أقر أهلها ذمة للمسلمين في مساكنهم وكانت المزارع ملكا للمسلمين عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط ما يخرج منها من ثمر أو زرع، ثم أجلاهم عمر رضي الله عنه في خلافته، واسترجع المسلمون ما كانوا أقروهم فيه من المساكن والمعابد.
فصل
وأما أنه هل يجوز للإمام عقد الذمة مع بقاء المعابد بأيديهم؟
فهذا فيه خلاف معروف في مذاهب الأئمة الأربعة. منهم من يقول: لا يجوز تركها لهم، لأنه إخراج ملك المسلمين عنها وإقرار الكفر بلا عهد قديم، ومنهم من يقول: بجواز إقرارهم فيها إذا اقتضت المصلحة ذلك، كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر فيها، وكما أقر الخلفاء الراشدون الكفار على المساكن والمعابد.
فمن قال بالأول قال: حكم الكنائس حكم غيرها من العقار، منهم من يوجب إبقاءه كمالك في المشهور عنه وأحمد في رواية، ومنهم من يخير الإمام فيه بين الأمرين بحسب المصلحة، وهذا قول الأكثرين وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه، وعليه دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قسم نصف خيبر وترك نصفها لمصالح المسلمين.
ومن قال بجواز إقرارها بأيديهم فقوله أوجه وأظهر، فإنهم لا يملكون بهذا الإقرار رقاب المعابد كما يملك الرجل ماله، كما أنهم لا
يملكون ما ترك لمنافعهم المشتركة كالأسواق والمراعي، كما لم يملك أهل خيبر ما أقرهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المساكن والمعابد، ومجرد إقرارهم ينتفعون بها ليس تمليكا، كما لو أقطع المسلم بعض عقار بيت المال ينتفع بغلته أو سلم إليه مسجد أو رباط ينتفع به لم يكن ذلك تمليكا له؛ بل ما أقروا فيه من كنائس العنوة يجوز للمسلمين انتزاعها منها إذا اقتضت المصلحة ذلك، كما انتزعها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل خيبر بأمره بعد إقرارهم فيها، وقد طلب المسلمون في خلافة الوليد بن عبد الملك أن يأخذوا من النصارى بعض كنائس العنوة التي خارج دمشق، فصالحوهم على إعطائهم الكنيسة التي داخل البلد وأقر ذلك عمر بن عبد العزيز أحد الخلفاء الراشدين ومن معه في عصره من أهل العلم؛ فإن المسلمين لما أرادوا أن يزيدوا جامع دمشق بالكنيسة التي إلى جانبه وكانت من كنائس الصلح لم يكن لهم أخذها قهرا، فاصطلحوا على المعاوضة بإقرار كنائس العنوة التي أرادوا انتزاعها، وكان ذلك الإقرار عوضا عن كنيسة الصلح التي لم يكن لهم أخذها عنوة.
فصل
ومتى انتقض عهدهم:
ومتى انتقض عهدهم جاز أخذ كنائس الصلح منهم فضلا عن كنائس العنوة كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ما كان لقريظة والنضير لما نقضوا العهد؛ فإن ناقض العهد أسوأ حالا من الكافر الأصلي ولذلك لو انقرض أهل مصر من الأمصار ولم يبق من دخل في عهدهم فإنه يصير للمسلمين جميع عقارهم ومنقولهم من المعابد وغيرها فيئا، فإذا عقدت الذمة لغيرهم كان كالعهد المبتدأ وكان لمن يعقد لهم الذمة
أن يقرهم في المعابد، وله أن لا يقرهم بمنزلة ما فتح ابتداء، فإنه لو أراد الإمام عند فتحه هدم ذلك جاز بإجماع المسلمين، ولم يختلفوا في جواز
هدمه، وإنما اختلفوا في جواز بقائه، وإذا لم تدخل في العهد كانت فيئا للمسلمين.
أما على قول الجمهور الذين لا يوجبون قسم العقار فظاهر.
وأما على قول من يوجب قسمه فلأن عين المستحق غير معروف كسائر الأموال التي لا يعرف لها مالك معين.
وأما تقدير وجوب إبقائها فهذا تقدير لا حقيقة له، فإن إيجاب إعطائهم معابد العنوة لا وجه له ولا أعلم به قائلا، فلا يفرع عليه؛ وإنما الخلاف في الجواز.
نعم قد يقال في الأبناء إذا لم نقل بدخولهم في عهد آبائهم لأن لهم شبهة الأمان والعهد؛ بخلاف الناقضين فلو وجب لم يجب إلا ما تحقق أنه كان له؛ فإن صاحب الحق لا يجب أن يعطى إلا ما عرف أنه حقه، وما وقع الشك فيه -على هذا التقدير- فهو لبيت المال. وأما الموجودون الآن إذا لم يصدر منهم نقض عهد فهم على الذمة؛ فإن الصبي يتبع أباه في الذمة وأهل داره من أهل الذمة، كما يتبع في الإسلام أباه وأهل داره من المسلمين؛ لأن الصبي لما لم يكن مستقلا بنفسه جعل تابعا لغيره في الإيمان والأمان.
وعلى هذا جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه والمسلمين في إقرارهم صبيان أهل الكتاب بالعهد القديم من غير تجديد عقد آخر.
وهذا الجواب حكمه فيما كان من معابدهم قديما قبل فتح المسلمين.
أما ما حدث بعد ذلك فإنه يجب إزالته، ولا يمكنون من إحداث البيع والكنائس كما شرط عليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في
الشروط المشهورة عنه: «ألا يجددوا في مدائن الإسلام ولا فيما حولها كنيسة ولا صومعة ولا ديرا ولا قلاية» امتثالا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تكون قبلتان ببلد واحد) رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد، ولما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا كنيسة في الإسلام.
وهذا مذهب الأئمة الأربعة في الأمصار، ومذهب جمهورهم في القرى، وما زال من يوفقه الله من ولاة أمور المسلمين ينفذ ذلك ويعمل به مثل عمر بن عبد العزيز الذي اتفق المسلمون على أنه إمام هدى؛ فروى الإمام أحمد عنه أنه كتب إلى نائبه عن اليمن أن يهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين؛ فهدمها بصنعاء وغيرها.
وروى الإمام أحمد عن الحسن البصري أنه قال: من السنة أن تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة. وكذلك هارون الرشيد في خلافته أمر بهدم ما كان في سواد بغداد، وكذلك المتوكل لما ألزم أهل الكتاب بشروط عمر استفتى أهل وقته في هدم الكنائس والبيع فأجابوه فبعث بأجوبتهم إلى الإمام أحمد فأجابه بهدم كنائس سواد العراق وذكر الآثار عن الصحابة والتابعين، فمما ذكره ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أيما مصر مصرته العرب يعني المسلمين فليس للعجم يعني أهل الذمة، أن يبنوا فيه كنيسة، ولا يضربوا فيه ناقوسا، ولا يشربوا فيه خمرا، وأيما مصر مصرته العجم ففتحه الله على العرب فإن للعجم ما في عهدهم، وعلى العرب أن يوفوا بعهدهم، ولا يكلفوهم فوق طاقتهم (1) .
وكل مصر مصره العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة.. ولهم رم
(1) أحكام أهل الذمة (677-686) ف (2/ 184) .
ما تشعث منها، وعنه وبناؤها إذا انهدمت وعنه منعهما، اختاره الأكثر، قاله ابن هبيرة، كمنع الزيادة، قال شيخنا: ولو في الكيفية، وقال: لا أعلى ولا أوسع اتفاقا (1) .
والكنائس ليست ملكا لأحد، وأهل الذمة ليس لهم منع من يعبد الله فيها لأنا صالحناهم عليه، والعابد بينهم وبين الغافلين أعظم أجرا (2) .
لا يقال لزائر كنائسهم يا حاج ولا لمن يزور القبور والمشاهد:
وإذا زار أهل الذمة كنيسة بيت المقدس فهل يقال لهم: يا حاج، مثلا؟
لا ينبغي أن يقال لهم ذلك تشبيها بحاج البيت الحرام، ومن اعتقد أن زيارتها قربة فقد كفر، فإن كان مسلما فهو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل، فإن جهل أن ذلك محرم عرف ذلك، فإن أصر فقد كفر وصار مرتدًا، ومن قال لأحدهم: يا حاج فإنه يعاقب عقوبة بليغة تردعه عن مثل هذا الكلام الذي فيه تشبيه القاصدين للكنائس بالقاصدين لبيت الله الحرام، وفيه تعظيم لذلك النصراني وللكنيسة، وهو بمنزلة من يشبه أعياد النصارى بأعياد المسلمين ويعظمها، وأمثال ذلك مما فيه تشبيه الذين كفروا من أهل الكتاب بأهل الإيمان وقد قال تعالى:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [35/68] وقال: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [28/38] .
وأي نصراني قال لنصراني: يا حاج بين المسلمين، فإنه يعاقب على ذلك بما يردعه عقوبة بليغة.
(1) فروع (6/ 274) ف (2/ 184) .
(2)
اختيارات (243) ف (2/ 184) .
وكل من يسافر إلى زيارة القبور والمشاهد كما يفعله طوائف من الرافضة ونحوهم في تسميتهم ذلك حجا، وقد صنف بعضهم كتابا سماه مناسك حج المشاهد فمن شبه ذلك الشرك والوثنية بالحج المشروع وجعله مثله فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ومن سماه حجا أو جعله مناسك فإنه أيضا يعاقب عقوبة بليغة بما يردعه وأمثاله (1) .
ومما شرط عليهم أيضًا:
ويلزم تمييز قبورهم عن قبورنا تمييزا ظاهرا كالحياة وأولى، ذكره شيخنا وألا يتكنوا بكنية المسلمين، كأبي القاسم، وأبي عبد الله، وكذا اللقب، كعز الدين، ونحوه قاله شيخنا.
وقال شيخنا: ومن حمل سلاح والمقاتلة بثقاف ورمي وغيره، لأنه مشروط عليهم (2) .
ومن حمل سلاح والعمل به وتعلم المقاتلة والطعان والرمي وركوب الخيل (3) .
قال ابن القيم رحمه الله:
ولما أحرقت النصارى أموال المسلمين بالشام ودورهم وراموا إحراق جامعهم الأعظم حتى أحرقوا منارته، وكادوا لولا دفاع الله أن يحترق كله، وعلم من علم بذلك من النصارى وواطئوا
عليه وأقروه ورضوا به ولم يعلموا به ولي الأمر فاستفتى فيهم ولي
الأمر من حضره من الفقهاء وأفتيناه بانتقاض عهد من فعل ذلك وأعان عليه بوجه من الوجوه، أو رضي به وأقر عليه، وأن حده القتل
حتما لا تخيير للإمام فيه كالأسير، بل صار القتل له حدا، والإسلام لا
(1) مختصر الفتاوى (514، 515) ف (2/ 184) .
(2)
فروع (6/ 269) .
(3)
اختيارات (318) .
يسقط القتل إذا كان حدا ممن هو تحت الذمة ملتزما لأحكام الله؛ بخلاف الحربي إذا أسلم فإن الإسلام يعصم دمه وماله ولا يقتل بما فعله قبل الإسلام، فهذا له حكم، والذمي الناقض للعهد إذا أسلم له حكم آخر، وهذا الذي ذكرناه هو الذي تقتضيه نصوص الإمام أحمد وأصوله، ونص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وأفتى به في غير موضع (1) .
وقال شيخنا: من تولى منهم ديوانا للمسلمين انتقض عهده لأنه من الصغار (2) .
(1) زاد المعاد (2/ 75) ف (2/ 185) .
(2)
فروع (6/ 205) ف (2/ 185) .
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة: ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين فيمن يسمى الخميس المعروف بعيد النصارى عيدا وفيمن يعتقد أن مريم ابنة عمران عليها السلام تجر ذيلها ذلك اليوم على الزرع فينمو ويلحق اللقيس بالبكير، ويخرجون في ذلك اليوم ثيابهم وحلي النساء يرجون البركة من ذلك اليوم وكثرة الخير، ويكحلون الصبيان، ويمغرون الدواب والشجر لأجل البركة، ويصبغون البيض، ويقامرون به، ويعتقدون حله، ويدقون البخور، ويتبخرون به قصد البركة، أفتونا مأجورين؟
الجواب: قال الشيخ الإمام، العالم العامل، مفتي الفرق، أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم، بن عبد السلام ابن تيمية الحراني الحنبلي رحمه الله ورضي عنه.
الحمد لله وحده، كل ما يفعل في أعياد الكفار من الخصائص التي يعظم بها فليس للمسلم أن يفعل شيئا منها، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من تشبه بقوم فهو منهم) وقال صلى الله عليه وسلم (ليس منا من تشبه بغيرنا) وقد شارط عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهل الكتاب ألا يظهروا شيئا من شعائر الكفار لا الأعياد ولا غيرها، واتفق المسلمون على نهيهم عن ذلك كما شرطه عليهم أمير المؤمنين، وسواء قصد المسلم التشبه بهم أو لم يقصد ذلك بحكم العادة التي تعودها فليس له أن يفعل ما هو من خصائصهم، وكل ما فيه تخصيص عيدهم بلباس وطعام ونحو ذلك فهو من خصائص أعيادهم، وليس ذلك من دين المسلمين.
ومن قال: إن مريم تجر ذيلها على الزرع فينمو، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ فإن هذا اعتقاد الكفار النصارى وهو من أفسد الاعتقادات فإن من هو أفضل من مريم من الأنبياء والمرسلين عليهم
السلام لا سعى لهم في إنبات النبات، وإنزال القطر من السموات فكيف يكون ذلك من مريم عليها السلام؟ وإنما هذا اعتقاد النصارى فيها وفي شيوخهم القسيسين أنهم ينفعونهم أو يضرونهم، وهذا من شركهم الذي ذمهم الله تعالى به كما قال تعالى:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [31/9]، وقال تعالى:{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللهِ} [79/3] الآيتين.
فإذا كان من اتخذ الملائكة والنبيين أربابا هو كافر فكيف بمن اتخذ مريم أو غيرها من الشيوخ؟
وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [56/17] قال طائفة من السلف: كان قوم يدعون العُزير والمسيح والملائكة فقال الله تعالى: هؤلاء الأنبياء والملائكة الذين تدعونهم يرجون رحمتي ويخافون عذابي كما ترجون رحمتي وتخافون عذابي ويتقربون إلي كما تتقربون إلي، وأخبر أنهم لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويلا، فإذا كان هذا في الملائكة والنبيين فكيف بمن دونهم كمريم وغيرها من الصالحين الرجال والنساء؟
فمن دعا غير الله تعالى أو عبده فهو مشرك بالله العظيم، وإن كان ذلك رجل صالح أو امرأة صالحة.
وكذلك التزين يوم عيد النصارى من المنكرات وصنعة الطعام الزائد عن العادة وتكحيل الصبيان وتحمير الدواب والشجر بالمغرة وغيرها وعمل الولائم وجمع الناس على الطعام في عيدهم، ومن فعل هذه الأمور يتقرب بها إلى الله تعالى راجيا بركتها فإنه يستتاب فإن تاب وإلا
قتل فإن هذا من إخوان النصارى، كما لو عظم رجل الصليب وصلى إلى المشرق، وتعمد بالعمودية فإن من فعل هذا فهو كافر مرتد يجب قتله شرعا وإن أظهر مع ذلك الإسلام.
وكذلك صبغ البيض فيه.
وأما القمار فيه فإنه حرام في كل وقت فيه وفي غيره.
وكذلك البخور فيه ونحو ذلك.
وبالجملة فليس ليوم عيدهم مزية على غيره، ولا يفعل فيه شيء مما يميزونه هم به.
ولكن لو صامه الرجل قصدا لمخالفتهم فقد كرهه كثير من العلماء، كما روي عن أنس بن مالك، والحسن البصري، وأحمد بن حنبل، وغيرهم رضي الله عنهم، لأن من تخصيص أعياد الكفار بالصوم نوع تعظيم لها، وإن كانوا هم لا يصومونه فكيف إذا كان التعظيم من جنس ما يفعلونه؟ ألا ترى أن اليهود كانوا يتخذون يوم عاشوراء عيدا فيصومونه ويظهرون السرور فيه، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيامه مرة واحدة قبل أن يفرض رمضان، فلما فرض رمضان سقط وجوبه وبقي صومه مستحبا ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن اليهود والنصارى ويتخذونه عيدا قال:(لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) فقال أكثر أهل العلم مراده صوم التاسع والعاشر لئلا يخص يوم عاشوراء بالصوم، كما نهى عن إفراد يوم الجمعة بالصوم، وكان يقول:(صوموا يوما قبله أو يوما بعدها) وهو صلى الله عليه وسلم فعل هذا في عاشوراء بعد أن كان أمر بصيامه ليخالف اليهود ولا يشاركهم في إفراد تعظيمه هذا مع أن عاشوراء لم يشرع فيه غير الصوم باتفاق علماء المسلمين فكل ما يفعل فيه غير ذلك من الاختضاب والكحل والتزين والاغتسال والتوسع على العيال غير العادة فيه من حبوب وغيرها هو من البدع المحدثة في الدين لم يستحبها أحد
من العلماء ولا السلف، بل كل ما روي فيها من الأحاديث المرفوعة فهي أحاديث موضوعة.
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كره نوعًا من التشبه بهم في عاشوراء فكيف بأعياد الشعانين والخميس وغير ذلك من أعياد الكافرين؟ وقد ذهب طائفة من العلماء إلى كفر من يفعل خصائص عيدهم، وقال بعضهم، من ذبح فيه بطيخة فكأنما ذبح خنزيرا.
فالواجب على ولاة الأمور نهي الناس عن هذه المنكرات المحرمة وأمرهم بملازمة شعائر الإسلام الذي لا يقبل الله غيره {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ} [19/3]{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [85/3] .
مصورة عن مكتبة اسطنبول
فقه
نقلها من مكتبة الجامعة الإسلامية بخطة محمد بن عبد الرحمن بن قاسم 3/ 3/ 1412 هـ.