الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الزكاة
وتجب الزكاة في جميع أجناس الأجرة المقبوضة، ولا يعتبر لها مضي حول، وهو رواية عن أحمد، ومنقول عن ابن عباس.
وعنه لا حول لأجرة اختاره شيخنا (1) .
ولا يصح أن يشترط رب المال زكاة رأس المال أو بعضه من الربح، لأنه قد يحيط بالربح، فهو كشرط فضل دراهم، سأله المروذي: يشترط المضارب على رب المال أن الزكاة من الربح؟ قال: لا، الزكاة على رب المال، وصححه شيخنا، كما يختص بنفعه في المساقاة إذا لم يثمر الشجر (2) وركوب الفرس في الجهاد إذا لم يغنموا (3) .
ويصح أن يشترط رب المال زكاة رأس المال أو بعضه من الربح، ولا يقال بعدم الصحة ونقله المروذي عن أحمد لأن الزكاة قد تحيط بالربح فيختص رب المال بعمله، لأنا نقول لا يمتنع ذلك، كما يختص بنفعه في المساقاة إذا لم يثمر الشجر وبركوب الفرس في الجهاد إذا لم يغنموا (4) .
(1) اختيارات (98) الفروع (2/ 327) ف (2/ 98) .
(2)
نسخة إذا لم يثمر عن ربح الشجر.
(3)
الفروع (2/ 338) ف (2/ 98) .
(4)
الاختيارات (98) ف (2/ 98) قلت: هذا خلاف ما في الفروع ولعل ما فيه أصح.
لا تجب في دين مؤجل أو على معسر أو مماطل أو جاحد ومغصوب ومسروق وضال وما دفنه ونسيه أو جهل عند من هو ولو حصل في يده، وهو رواية عن أحمد واختارها وصححها طائفة من أصحابه وهو قول أبي حنيفة.
ودين الابن الذي له على أبيه، قال أبو العباس: الأشبه عندي أن يكون بمنزلة المال الضال فيخرج على الروايتين ووجهه ظاهر فإن الابن غير ممكن من المطالبة به فقد حيل بينه وبينه، ولو قيل: لا تلزمه زكاته بمنزلة دين الكتابة لكان متوجها، ودين الولد هل يمنع الزكاة عن الأب لثبوته في الذمة أم لا؟ لتمكنه من إسقاطه؟ أخرجه أبو العباس على وجهين: وجعل أصلها الخلاف على أن قدرة المريض على استرجاع ملكه المنتقل عنه أو عن غيره هل ينزل منزلة تبرعه في المرض أم لا؟ (1) .
وإذا فرط الإنسان ولم يخرج الزكاة حتى مات فعلى الورثة الإخراج عند أحمد والشافعي وكذلك كل حق لله.
وعند غيرهما لا يجب على الورثة مع أنه يعذب بتركه الزكاة.
وأما إذا مات الميت وله غرماء مديونون لم يستوف مما عليهم شيئا فهل مطالبتهم للميت أو للورثة، اضطرب فيها الناس.
والصواب: إن كان الحق مظالم لم يتمكن هو ولا ورثته من استيفائها من قول أو قذف أو غصب فهو المطالب.
وإن كان دينا ثبت باختياره وتمكن من استيفائه فلم يستوفه حتى مات فورثته تطالب به إلى يوم القيامة.
(1) اختيارات (98) ف (2/ 99) .
وإن كان دينا عجز عن استيفائه هو وورثته فالأشبه أنه هو الذي يطالب به، فإن العجز إذا كان ثابتا فيه وفي الوارث ولم يتمكن أحدهما من الانتفاع بذلك في الدنيا لم يدخل في الميراث فيكون المستحق أحق بحقه في الآخرة، كما في المظالم، والإرث مشروط بالتمكن من الاستيفاء كما أنه مشروط بالعلم بالوارث.
فلو مات وله عصبة بعيدة لا يعرف نسبهم لم يرثوه في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا عام في جميع الحقوق التي لله ولعباده هي مشروطة بالتمكن من العلم والقدرة، والمجهول والمعجوز عنه كالمعدوم.
ولهذا قال العلماء: إن ما يجهل مالكه من الأموال التي قبضت بغير حق كالمكوس أو قبضت بحق كالوديعة والعارية وجهل صاحبها بحيث تعذر ردها عليه فإنها تصرف في مصالح المسلمين، وتكون حلالا لمن أخذها بحق، كأهل الحاجة والاستعانة بها على مصالح المسلمين، دون من أخذها بباطل، كمن يأخذ فوق حقه.
ثم المظلوم إذا طالب بها يوم القيامة وعليه زكاة فلا تقوم هذه بالزكاة بل عقوبة الزكاة أعظم من حسنة المظالم، والوعيد بترك الزكاة عظيم، ولكن الذي ورد أن الفرائض تجبر بالنوافل، فهذا إذا تصدق باختياره صدقة تطوع، ولا يكون شيئا خرج بغير اختياره فإنه يرجى له أن يحاسب بما تركه من الزكاة إذا كان من أهلها العازمين على فعلها.
و «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن أكملها وإلا قيل انظروا إن كان لعبدي تطوع فيكمل بها فريضته ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حساب ذلك» ، روي ذلك أحمد في المسند.
هذا لأن التطوع من جنس الفريضة فأمكن الجبران به عند التعذر، كما قال الصديق رضي الله عنه: إن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى فريضة.
فيكون من رحمة الله به أن يجعل النفل مثل الفرض، بمنزلة من أحرم بالحج تطوعا وعليه فرضه فإنه يقع عن فرضه عند طائفة كالشافعي وأحمد في المشهور.
وكذلك في رمضان عند أبي حنيفة وهو قول في مذهب أحمد.
وكذلك من شك: هل وجب عليه غسل أو وضوء بحدث أم لا؟ فإنه لا يجب عليه غسل.
وكذلك الوضوء عند جمهور العلماء، لكن يستحب له التطهر احتياطا.
وإذا فعل ذلك وكان واجبا عليه في نفس الأمر أجزأ عنه {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} .
وكذلك الشارع جعل عمل الغير عنه يقوم مقام فعله فيما عجز عنه، مثل من وجب عليه الحج وهو معضوب أو مات ولم يحج، أو نذر صوما أو غير ذلك، ومات قبل فعله، فعله عنه وليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«دين الله أحق بالقضاء» أي أحق أن يستوفى من وارث الغريم؛ لأنه أرحم من العباد، فهذا تشهد له الأصول.
أما أن يعتد له بالدين الذي على الناس مع كونه لم يخرج الزكاة فلا يصح.
نعم لو كان للناس عليه مظالم أو ديون بقدر ما له عند الناس كان يسوغ أن يقال يحاسب بذلك فيؤخذ حقه من هذا ويصرف إلى هذا، كما يفعل في الدنيا بالمدين الذي له وعليه، وكل هذا من حكم العدل بين العباد {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (1) .
(1) مختصر الفتاوى (277) ف (2/ 99) .