المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجهاد   وسمعت شيخنا يقول: جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار - المستدرك على مجموع الفتاوى - جـ ٣

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطهارة

- ‌باب المياه

- ‌باب الآنية

- ‌باب الاستنجاء

- ‌باب السواك وسنن الوضوء

- ‌باب فروض الوضوء وصفته

- ‌باب المسح على الخفين

- ‌باب نواقض الوضوء

- ‌باب الغسل

- ‌باب التيمم

- ‌باب إزالة النجاسة

- ‌باب الحيض

- ‌كتاب الصلاة

- ‌باب الأذان

- ‌باب شروط الصلاة

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌باب سجود السهو

- ‌باب صلاة التطوع

- ‌باب صلاة الجماعة

- ‌باب صلاة أهل الأعذار

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌باب في الاستسقاء

- ‌كتاب الجنائز

- ‌كتاب الزكاة

- ‌باب زكاة بهيمة الأنعام

- ‌باب زكاة الحبوب والثمار

- ‌باب زكاة النقدين

- ‌باب زكاة العروض

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌باب إخراج الزكاة

- ‌باب أهل الزكاة

- ‌كتاب الصيام

- ‌باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة

- ‌باب ما يكره ويستحب وحكم القضاء

- ‌باب صوم التطوع

- ‌باب الاعتكاف وأحكام المساجد

- ‌كتاب الحج

- ‌باب المواقيت

- ‌باب الإحرام

- ‌باب محظورات الإحرام

- ‌باب الفدية

- ‌باب دخول مكة

- ‌باب صفة الحج والعمرة

- ‌الصلاة في المسجد النبوي والسلام على الرسول والوقوف للدعاء

- ‌باب الفوات والإحصار

- ‌باب الأضحية

- ‌العقيقة

- ‌الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌كتاب الجهاد

- ‌باب الأمان والهدنة

الفصل: ‌ ‌كتاب الجهاد   وسمعت شيخنا يقول: جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار

‌كتاب الجهاد

وسمعت شيخنا يقول: جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين، فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولاً حتى يخرج إليهم (1) .

أنواع الجهاد ومتى يجب كفاية أو عينا؟

والجهاد منه: ما هو باليد، ومنه ما هو بالقلب، والدعوة، والحجة، واللسان، والرأي والتدبير، والصناعة، فيجب بغاية ما يمكنه (2) .

والحرب خدعة.

الرأي قبل شجاعة الشجعان

... هو أول وهو المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لعبد مرة

... بلغا من العلياء كل مكان

قال: وعلى الأمير أن يحرضهم على الجهاد ويقاتل بهم عدوه بدعائهم ورأيهم وفعلهم وغير ذلك مما يمكن الاستعانة به على الجهاد، ويفعل مع بر وفاجر يحفظان المسلمين، لا مخذل ونحوه (3) .

(1) روضة المحبين (478) ف (2/ 161) .

(2)

اختيارات (310) وفروع (6/ 189) ف (2/ 161) .

(3)

فروع (6/ 198، 199) ف (2/ 161) .

ص: 213

ويستحب أن يدعو سرا، قال أبو داود باب ما يدعى عند اللقاء ثم روي بإسناد جيد عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول وبك أصول وبك أقاتل.. وكان غير واحد منهم شيخنا يقول هذا عند قصد مجلس علم (1) .

ومن عجز عن الجهاد ببدنه وقدر على الجهاد بماله وجب عليه الجهاد بماله وهو نص أحمد في رواية ابن الحكم، وهو الذي قطع به القاضي في أحكام القرآن في سورة براءة عند قوله:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا} فيجب على الموسرين النفقة في سبيل الله.

وعلى هذا فيجب على النساء الجهاد في أموالهن إن كان فيها فضل، وكذلك في أموال الصغار إذا احتيج إليها، كما تجب النفقات والزكاة وينبغي أن يكون محل الروايتين في واجب الكفاية، فأما إذا هجم العدو فلا يبقى للخلاف وجه، فإن دفع ضررهم عن الدين والنفس والحرمة واجب إجماعًا.

قال أبو العباس: سئلت عمن عليه دين وله ما يوفيه وقد تعين الجهاد فقلت: من الواجبات ما يقدم على وفاء الدين، كنفقة النفس والزوجة والولد الفقير، ومنها ما يقدم وفاء الدين عليه كالعبادات من الحج والكفارات، ومنها ما لا يقدم عليه إلا إذا خوطب به كصدقة الفطر، فإن كان الجهاد المتعين لدفع الضرر كما إذا حضره العدو أو حضر هو الصف قدم على وفاء الدين كالنفقة، وأولى، وإن كان حال استنفار الإمام فقضاء الدين أولى؛ إذ الإمام لا ينبغي له استنفار المدين مع الاستغناء عنه ولذلك قلت: لو ضاق المال عن إطعام جياع والجهاد الذي يتضرر بتركه قدمنا الجهاد وإن مات الجياع، كما في مسألة التترس وأولى، فإن هناك نقتلهم بفعلنا وهنا يموتون بفعل الله، وقلت أيضًا: إذا

(1) فروع (6/ 204) ف (2/ 162) .

ص: 214

كان الغرماء يجاهدون بالمال الذي يستوفونه فالواجب وفاؤهم لتحصيل المصلحتين الوفاء والجهاد.

ونصوص أحمد توافق ما كتبته وقد ذكرها الخلال.

قال القاضي: إذا تعين فرض الجهاد على أهل بلد وكان على مسافة تقصر فيها الصلاة فمن شرط وجوبه الزاد والراحلة كالحج، وما قاله القاضي من القياس على الحج لم ينقل عن أحمد، وهو ضعيف، فإن وجوب الجهاد قد يكون لدفع ضرر العدو فيكون أوجب من الهجرة لا تعتبر فيها الراحلة فبعض الجهاد أولى.

وثبت في الصحيح من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (على المرء المسلم السمع والطاعة في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه وأثرة عليه) فأوجب الطاعة التي عمادها الاستنفار في العسر واليسر، وهذا نص في وجوبه مع الإعسار، بخلاف الحج، هذا كله في قتال الطلب.

وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعًا.

فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط، بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده.

والجهاد منه ما هو باليد، ومنه ما هو بالقلب، والدعوة والحجة، واللسان، والرأي، والتدبير، والصناعة، فيجب بغاية ما يمكنه (1) .

(1) هذان السطران من قوله: والجهاد منه إلى قوله ما يمكنه تقدما في أول الكتاب نقلا عن الاختيارات أيضا ولها مناسبة هناك وهنا.

ص: 215

ويجب على القعدة لعذر أن يخلفوا الغزاة في أهليهم وأموالهم، قال المروذي: سئل أبو عبد الله عن الغزو في شدة البرد في مثل الكانونين فيتخوف الرجل إن خرج في ذلك الوقت أن يفرط في الصلاة فيرى له أن يغزو أو يقعد، قال: لا يقعد، الغزو خير له وأفضل، فقد قال الإمام أحمد بالخروج مع خشيته تضييع الفرض، لأن هذا مشكوك فيه، أو لأنه إذا أخر الصلاة بعض الأوقات عن وقتها كان ما يحصل له من فضل الغزو مربيا على ما فاته.

وكثيرا ما يكون ثواب بعض المستحبات أو واجبات الكفاية أعظم من ثواب واجب، كما لو تصدق بألف درهم وزكى بدرهم.

قال ابن بختان: سألت أبا عبد الله عن الرجل يغزو قبل الحج قال: نعم، إلا أنه بعد الحج أجود.

فضل الجهاد:

وسئل أيضا عن رجل قدم يريد الغزو ولم يحج فنزل على قوم ثبطوه عن الغزو وقالوا: إنك لم تحج تريد الغزو، قال أبو عبد الله: يغزو ولا عليه، فإن أعانه الله حج، ولا نرى بالغزو قبل الحج بأسا.

قال أبو العباس: هذا مع أن الحج واجب على الفور عنده؛ لكن تأخيره لمصلحة الجهاد كتأخير الزكاة الواجبة على الفور لانتظار قوم أصلح من غيرهم، أو لضرر أهل الزكاة، وكتأخير الفوائت للانتقال عن مكان الشيطان ونحو ذلك، وهذا أجود ما ذكره بعض أصحابنا في تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الحج إن كان وجب عليه مقدمًا.

وكلام أحمد يقتضي الغزو وإن لم يبق معه مال للحج، لأنه قال: فإن أعانه الله حج مع أن عنده تقديم الحج أولى، كما أنه يتعين الجهاد

ص: 216

بالشروع وعند استنفار الإمام، لكن لو أذن الإمام لبعضهم لنوع مصلحة فلا بأس (1) .

وهل يطيع والديه في تركه أو ترك غيره؟

وقال أبو بكر في زاد المسافر: من أغضب والديه وأبكاهما يرجع فيضحكهما وقال في رواية أبي عبد الله: روى عبد الله بن عمر وقال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه، فقال: جئت أبايعك على الجهاد، وتركت أبوي يبكيان، قال:(ارجع فأضحكهما كما أبكيتهما) .

وقال الشيخ تقي الدين بعد قول أبي بكر هذا مقتضى قوله أن يبرا في جميع المباحات، فما أمراه ائتمر، وما نهياه انتهى، ثم ذكر الشيخ تقي الدين: نصوص أحمد تدل على أنه لا طاعة لهما في ترك الفرض، وهي صريحة في عدم ترك الجماعة وعدم تأخير الحج (2) .

وروى المروذي عن علي بن عاصم: أنه سئل عن الشبهة فقال: اطع والديك وسئل عنها بشر بن الحارث، فقال: لا تدخلني بينك وبين والديك، وذكر الشيخ تقي الدين رواية المروذي ثم قال: وقال في رواية ابن إبراهيم فيما هو شبهة فتعرض عليه أمه أن يأكل، فقال: إذا علم أنه حرام بعينه فلا يأكل، قال الشيخ تقي الدين، مفهوم هذه الرواية أنهما قد يطاعان إذا لم يعلم أنه حرام ورواية المروذي فيها أنهما لا يطاعان في الشبهة وكلامه يدل على أنه لولا الشبهة لوجب الأكل لأنه لا ضرر عليه فيه وهو يطيب نفسهما، انتهى كلامه (3) .

(1) اختيارات (308-310) فيها زيادات كثيرة خصوصا بالنسبة إلى الجهاد بالمال وتقديم الغزو على الحج الواجب ف (2/ 163) .

(2)

الآداب (1/ 491) ف (2/ 163) .

(3)

الآداب (1/ 500) ف (2/ 163) .

ص: 217

فضل تعلم الرمي:

قال شيخ الإسلام: وقد روي أن قوما يتناضلون فقيل: يا رسول الله قد حضرت الصلاة، قال:«إنهم في الصلاة» فشبه رمي النشاب بالصلاة وكفى بذلك فضلا (1) .

قال شيخنا: وهذه الأمور الثلاثة التي فضل كل واحد من الأئمة بعضها، وهي: الصلاة والعلم والجهاد، هي التي قال فيها عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لولا ثلاث في الدنيا لما أحببت البقاء فيها لولا أن أحمل أو أجهز جيشا في سبيل الله، ولولا مكابدة هذا الليل، ولولا مجالسة أقوام ينتقمون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر لما أحببت البقاء (2) قال ابن القيم رحمه الله: فالأول الجهاد، الثاني قيام الليل، والثالث مذاكرة العلم.

جهاد الدفع:

وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم، ونصوص أحمد صريحة بهذا وهو خير مما في المختصرات، لكن هل يجب على جميع أهل المكان النفير إذا نفر إليه الكفاية؟ كلام أحمد فيه مختلف.

وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به؛ لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين، فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا.

(1) الفروسية ص (6) ف (2/ 163) .

(2)

مفتاح دار السعادة ص (130) ف (2/ 165) .

ص: 218

ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم، فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الانصراف عنه بحال، ووقعة أحد من هذا الباب (1) .

وتجوز النيابة في الجهاد إذا كان النائب ممن لا يتعين عليه (2) .

وقال شيخنا: جهاد الدافع للكفار يتعين على كل أحد، ويحرم فيه الفرار في مثليهم لأنه جهاد ضرورة لا اختيار، وثبتوا يوم أحد والأحزاب وجوبله وكذا لما قدم التتار دمشق (3) .

ويجوز أن يغمس المسلم نفسه في صف الكفار لمصلحة ولو غلب على ظنه أنهم يقتلونه (4) .

يستعان باليهود والنصارى ولا يستعان بأهل الأهواء كالرافضة والقدرية والجهمية وفروعهم والخوارج:

قال صاحب المحرر في أحكامه: (باب وجوب نصب ولاية القضاء والإمارة وغيرهما) : وذكر هذه الأخبار (5) وقال حفيده: فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع انتهى كلامه (6) .

قال أبو علي بن الحسين بن أحمد بن المفضل البلخي: دخلت

على أحمد بن حنبل فجاءه رسول الخليفة يسأله عن الاستعانة بأهل الأهواء فقال أحمد: لا يستعان بهم، قال: يستعان باليهود والنصارى

(1) اختيارات (311) فيه زيادات فوائد منها التمثيل لقتال الدفع ف (2/ 165) .

(2)

اختيارات (315) ف (2/ 165) .

(3)

فروع ج (6/ 202) ف (2/ 165) .

(4)

مختصر الفتاوى (508) ف (2/ 165) .

(5)

التي فيها وجوب نصب هذه الولايات.

(6)

الآداب ج (1/ 479) ف (2/ 166) .

ص: 219

ولا يستعان بهم؟ قال: إن النصارى واليهود لا يدعون إلى أديانهم وأصحاب الأهواء داعية، عزاه الشيخ تقي الدين إلى مناقب البيهقي وابن الجوزي يعني للإمام أحمد.

وقال: فالنهي عن الاستعانة بالداعية لما فيه من الضرر على الأمة، انتهى كلامه (1) .

من يعتبر برأيه في أمور الجهاد:

والواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين فلا يؤخذ برأيهم، ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدنيا (2) .

لا يستعان بأهل الذمة:

ولا يستعان بأهل الذمة في عمالة ولا كتابة، لأنه يلزم منه مفاسد أو يفضي إليها.

وسئل أحمد في رواية أبي طالب عن الاستعانة بهم في مثل الخراج فقال: لا يستعان بهم في شيء، ومن تولى منهم ديوان للمسلمين ينقض عهده، ومن ظهر منه أذى للمسلمين أو سعى في فساد لم يجز استعماله، لكن إن تاب ومضت مدة ظهر معها صدق توبته جاز استعماله، وغيره أولى منه بكل حال، فإن أبا بكر رضي الله عنه عهد: ألا يستعمل من أهل الردة أحد وإن عاد إلى الإسلام: لما يخاف من فساد نياتهم (3) .

(1) الآداب (1/ 290) ف (2/ 167) .

(2)

التي فيها وجوب نصب هذه الولايات.

(3)

اختيارات (311) ف (2/ 168) .

ص: 220

أصناف من يقاتل والغرض من قتالهم:

وإذا قدر على كافر حربي فنطق بالشهادتين وجب الكف عنه؛ بخلاف الخارجين عن الشريعة، كالمرتدين الذين قاتلهم أبو بكر رضي الله عنه، أو الخوارج الذين قاتلهم علي: كالخرمية، والتتار، وأمثال هذه الطوائف ممن نطق بالشهادتين ولا يلتزم شرائع الإسلام.

وأما الحربي إذا نطق بها كف عنه، ثم إن لم يصل فإنه يستتاب، فإن صلى وإلا قتله الإمام، وليس لأحد من الرعية قتله، إنما يقتله ولي الأمر عند مالك والشافعي وأحمد؛ وعند أبي حنيفة يعاقبه بدون القتل.

وأما إذا كان في طائفة ممتنعين عن الصلاة ونحوها، فهؤلاء يقاتلون كقتال المرتدين والخوارج، ومن قدر عليه قتله، فيجب الفرق بين المقدور عليه وبين قتال الطائفة الممتنعة التي تحتاج إلى قتال (1) .

وقال أبو العباس في رده على الرافضي [كل طائفة] يقع منها التأويل في الدم والمال والعرض، ثم ذكر قتل أسامة للرجل الذي أسلم بعد أن علاه السيف، وخبر المقداد، فقال: قد ثبت أنهم مسلمون يحرم قتلهم ومع هذا فلم يضمن المقتول بقود ولادية؛ لأن القاتل كان متأولاً، وهذا قول أكثرهم كالشافعي وأحمد وغيرهم (2) .

ويجب جهاد الكفار واستنقاذ ما بأيديهم من بلاد المسلمين وأسراهم، ويجب على المسلمين أن يكونوا يدًا واحدة على الكفار، وأن يجتمعوا ويقاتلوا على طاعة الله ورسوله والجهاد في سبيله، ويدعوا المسلمين إلى ما كان عليه السلف من الصدق وحسن الأخلاق، فإن هذا من أعظم أصول الإسلام وقواعد الإيمان التي بعث الله بها رسله وأنزل.

(1) مختصر الفتاوى (510، 511) ف (2/ 170) .

(2)

اختيارات ص (312) وانظر الفروع جـ (6/ 216، 217) ف (2/ 170) .

ص: 221

كتبه، أمر عباده عمومًا بالاجتماع ونهاهم عن التفرق والاختلاف، كما قال تعالى:{أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [13/42] وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [105/ 3] وأخبر سبحانه أنه أرسل جميع المرسلين بدين الإسلام كما قال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [78/22] .

وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال: (إنا معاشر الأنبياء إخوة لعلاة ديننا واحد، وأنا أولى بابن مريم، لأنه ليس بيني وبينه نبي) فتبين أن دين الأنبياء واحد، وأنهم إخوة لعلاة، وهم الذين أبوهم واحد وأمهاتهم شتى، فإن كان بالعكس، قيل: أولاد أخياف، وإن اشتركوا في الأمرين قيل: أولاد أعيان.

وهذا لأن الدين هو الأصل، فشبه بالأب، والشرعة، والمنهاج تبع، فشبه بالأم فقال تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [48/5] والشرعة والمنهاج السبيل.

وقال تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [148/2] والقرآن له شريعة، والتوراة لها شريعة قبل النسخ، واتباع كل شريعة قبل النسخ والتبديل هو الواجب، وهو من تمام الدين الذي هو الإسلام.

فلما بدلت اليهود التوراة ونسخت لم يبقوا مسلمين حيث كفروا ببعض الكتاب وآمنوا ببعض (1) .

والزنديق وهو المنافق كمرتد.. وكذا قال ابن الجوزي بعد أن ذكر هل جهادهم بالكلام أم بالسيف وأورد على الثاني أنه لم يقع؟ فأجاب أنه إذا أظهروه.. وكذا قال شيخنا: هذا كان أولا ثم نزل: {مَلْعُونِينَ

(1) مختصر الفتاوى (509، 510) ف (2/ 171) .

ص: 222

أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} [61/ 33] فعلم أنهم إن أظهروه كما كانوا قتلوا (1) .

وقتال التتار ولو كانوا مسلمين هو مثل قتال الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة، ويأخذ مالهم وذريتهم: وكذا المتحيز إليهم (2) ولو ادعى إكراهًا. ومن أجهز على جريح لم يأثم، ولو تشهد ومن أخذ منهم شيئًا خمس وبقيته له، ومن ابتاع منهم مال مسلم أخذه ربه، وإن جهله أعطى ما اشتراه به، وهو للمصالح (3) .

ومن قفز إلى بلد العدو ولم يندفع ضرره إلا بقتله جاز قتله كالصائل. ذكره شيخنا (4) .

والرافضة الجبلية يجوز أخذ أموالهم وسبي حريمهم يخرج على تكفيرهم (5) .

ويجب أن يحال بين الرافضي وبين أولاده في حال حياتهم، لأنه لا بد أن يفسد دينهم (6) .

التمثيل:

وإن مثل الكفار بالمسلمين فالمثلة حق لهم، فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر، ولهم تركها، الصبر أفضل، وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد ولا نكال لهم عن نظيرها، فأما إن كان في

التمثيل السائغ لهم دعاء إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا

(1) فروع جـ (5/ 52) هذا عام ليس خاصًا بالنصيرية ف (2/ 172) .

(2)

عبارة الفروع المقفر إليهم.

(3)

اختيارات ص (298) فيه زيادة ف (2/ 173) .

(4)

فروع جـ (6/ 150) ف (2/، 173) .

(5)

اختيارات ص (298) فيه زيادة ف (2/ 174) .

(6)

مختصر الفتاوى ص (510) ف (2/ 175) .

ص: 223

من إقامة الحدود والجهاد المشروع، ولم تكن القصة في أحد كذلك؛ فلهذا كان الصبر أفضل، فأما إن كانت المثلة حقًا لله تعالى (1) فالصبر هناك واجب، كما يجب حيث لا يمكن الانتصار، ويحرم الجزع، انتهى (2) .

الاسترقاق

والرق الشرعي سببه الكفر لما لم يسلم ويعبد الله أباح الله للمسلم أن يستعبده (3) .

وسئل أبو العباس عن سبي ملطية مسلميها ونصاراها، فحرم مال المسلمين وأباح سبي النصارى وذريتهم ومالهم كسائر الكفار، إذ لا ذمة لهم ولا عهد، لأنهم نقضوا عهدهم السابق من الأئمة بالمحاربة وقطع الطريق وبما فيه الغضاضة علينا والإعانة على ذلك، ولا يعقد لهم الأمن عن قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

وهؤلاء التتر لا يقاتلونهم على ذلك؛ بل بعد إظهار إسلامهم لا يقاتلون الناس على الإسلام؛ ولهذا وجب قتال التتر حتى يلتزموا شعائر الإسلام، ومنها الجهاد وإلزام أهل الذمة بالجزية والصغار، ونواب التتر، الذين يسمون الملوك لا يجاهدون على الإسلام، وهم تحت حكم التتر.

ونصارى أهل ملطية وأهل المشرق ويهودهم لو كان لهم ذمة وعهد من ملك مسلم يجاهدهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية كأهل المغرب واليمن لما لم يعاملوا (4) أهل مصر والشام معاملة أهل العهد جاز لأهل

(1) في الفروع: المغلب حق الله تعالى.

(2)

اختيارات ص (312) والفروع جـ (6/ 218) فيه زيادة ف (2/ 176) .

(3)

مختصر الفتاوى ص (511) ف (2/، 176) .

(4)

وفي الفروع ثم لم يعاملوا.

ص: 224

مصر والشام غزوهم واستباحة دمهم ومالهم، لأن أبا جندل وأبا بصير حاربا أهل مكة مع أن بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهدًا، وهذا باتفاق الأئمة، لأن العهد والذمة إنما يكون من الجانبين، والسبي المشتبه يحرم استرقاقه، ومن كسب شيئًا فادعاه رجل وأخذه فعلى الآخذ للمأخوذ منه ما غرمه عليه من نفقة وغيرها إن لم يعرف أنه ملكه أو ملك الغير أو عرف وأنفق غير متبرع. والله أعلم (1) .

ويحكم بإسلام الطفل إذا مات أبواه أو كان نسبه منقطعًا: مثل كونه ولد زنا، أو منفيًا بلعان. وقاله غير واحد من العلماء (2) .

الغنائم وقسمتها

وتحريق رحل الغال من باب التعزير، لا الحد الواجب، فيجتهد فيه الإمام بحسب المصلحة. ومن العقوبة المالية حرمانه صلى الله عليه وسلم السلب للمددي لما كان في أخذه عدوانًا على ولي الأمر.

وإذا قال الإمام: من أخذ شيئًا فهو له أو فضل بعض الغانمين على بعض، وقلنا ليس له ذلك على رواية: هل تباح لمن لا يعتقد جواز أخذه؟ قد يقال: هذا مبني على الروايتين فيما إذا حكم بإباحة شيء يعتقده المحكوم له حرامًا، وقد يقال: يجوز هنا قولاً واحدًا، لأنا لا نفرق دائمًا في تصرفات السلطان بين الجواز وبين النفوذ؛ لأنا لو قلنا: تبطل ولايته وقسمه وحكمه لما أمكن إزالة هذا الفساد إلا بأشد منه فسادًا، فينفذ دفعًا لاحتماله ولما هو شر منه في الوفاء.

والواجب أن يقال: يباح الأخذ مطلقًا، لكن يشترط أن لا يظلم غيره، وإذا لم يغلب على ظنه واحد من الأمرين فالحل أقرب.

(1) اختيارات ص (317) فروع جـ (6/ 156، 157) ف (2/، 176) .

(2)

اختيارات ص (315) ف (2/ 177) .

ص: 225

ولو ترك قسمة الغنيمة وترك هذا القول وسكت سكوت الإذن في الانتهاب وأقر على ذلك فهو إذن، فإن الإذن تارة يكون بالقول، وتارة يكون بالفعل، وتارة يكون بالإقرار على ذلك، فالثلاث في هذا الباب سواء، كما في إباحة المالك في أكل طعامه ونحو ذلك؛ بل لو عرف أنه راض بذلك فيما يرون أن يصدر منه قول ظاهر أو فعل ظاهر أو إقرار فالرضا منه بتغيير إذنه بمنزلة الدال على ذلك، إذ الأصل رضاه حتى لو أقام الحد وعقد الأنكحة من رضي الإمام بفعله ذلك كان بمنزلة إذنه على أكثر أصولنا، فإن الإذن العرفي عندنا كاللفظي والرضا الخاص كالإذن العام فيجوز للإنسان أن يأكل طعام من يعلم رضاه بذلك لما بينهما من المودة، وهذا أصل في الإباحة والوكالات والولايات، لكن لو ترك القسمة ولم يرض بالانتهاب إما لعجزه أو لأخذه المال ونحو ذلك أو أجاز القسمة فهنا من قدر على أخذ مبلغ حقه من هذا المال المشترك فله ذلك؛ لأن مالكية متعينون، وهو قريب من الورثة؛ لكن يشترط انتفاء المفسدة من فتنة أو نحوها (1) .

وفي رد شيخنا على الرافضي عن بعض أصحابنا (وش) أن الله أضاف هذه الأموال إضافة ملك كسائر أملاك الناس، ثم اختار قول بعض العلماء أنها ليست ملكًا لأحد؛ بل أمرها إلى الله والرسول، بخلاف ما ملكه الله تعالى لعباده فإن له صرفه في المباح (2) .

ويرضخ للبغال والحمير وهو قياس المذهب والأصول، كمن يرضخ لمن لا سهم له من النساء والعبيد والصبيان (3) .

(1) الاختيارات ص (314، 315) فيه زيادات وتفصيل وانظر الفروع جـ (6/ 236) ف (2/ 177) .

(2)

فروع جـ (6/ 228) فيه زيادة إيضاح ف (2/ 177) .

(3)

اختيارات ص (315) ف (2/ 178) .

ص: 226

فصل

الإقطاع اليوم إقطاع استغلال ليس له بيعه ولا هبته باتفاق الأئمة، ولا ينتقل إلى ورثته، بخلاف ما كان في العصور الأولى.

وما يأخذه الجندي ليس أجرة للجهاد، لأنه لو كان أجرة كان لفعل الجهاد، وإنما عليهم أن يقاتلوا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، وأجرهم على الله، فإن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.

والإقطاع الذي يأخذونه معاونة لهم، ورزقًا لنفقة عيالهم ولإقامة الخيل والسلاح، وفي الحديث (مثل الذي يغزو من أمتي في سبيل الله مثل أم موسى ترضع ابنها وتأخذ أجرها) فهي ترضعه لما في قلبها عليه من الشفقة والرحمة، لا لأجل أجرها، كذلك المجاهد يغزو لما في قلبه من الإيمان بالله والدار الآخرة، لا لأجل المال.

وإذا كان الله قد أمر المسلمين من الصحابة وغيرهم أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأوجب عليهم عشر أموالهم من الخارج من الأرض فكيف لا يجب على من يعطي مالاً ليجاهد؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من جهز غازيًا فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقد غزا) فالذي يعطي المجاهد يكون مجاهدًا بماله، والمجاهد يجاهد بنفسه، وأجر كل واحد منهما على الله لا ينقص أحدها من الآخر شيئًا، ولم يكن هذا أجيرًا لهذا.

ولو أعطى رجل من المسلمين أرضًا يستغلها ويكون هو يجاهد في سبيل الله لوجب عليه فيها العشر ولم يسقط لأجل الجهاد، فإن الإقطاع أولى.

وولي الأمر لا يعطيهم من ماله وإنما يقسم بينهم حقهم كما يقسم

ص: 227

التركة بين الورثة، ولهذا يجوز لهم إجارته كما يجوز لأهل الوقف، كما قال تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [41/22] .

فمن قام بهذه الأمور نصره الله على عدوه.

فعلى كل من أنبت الله له زرعًا العشر، سواء كان بأرض مصر أو غيرها، من مالك، ومستأجر، ومقطع، ومستعير.

وكذلك التمر والزبيب ونحوه مما تجب فيه الزكاة، فلا تخلى الأرض من عشر، أو خراج باتفاق المسلمين.

ولكن اختلفوا هل يجتمع العشر والخراج الذي هو خراج الإسلام؟

فقال أبو حنيفة: لا وقال الباقون: نعم.

والأرض الخراجية عند أبي حنيفة هي التي يملكها صاحبها وعليه فيها الخراج وله بيعها وهبتها وتورث عنه.

فمن قال: إن أرض مصر اليوم لا عشر عليها عند أبي حنيفة فقد أخطأ لأن الجند لا يملكونها ولا الفلاحون، ولم يضرب على المقطع خراج في خدمته.

وإذا تركت الأرض المملوكة بلا عشر ولا خراج كان هذا مخالفًا لإجماع المسلمين، ومن أفتى بخلو هذه الأرض عن العشر والخراج يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.

ومن زعم أن الجهاد هو عوض الخراج فقد أخطأ من وجهين:

ص: 228

أحدهما: أنهم لا يملكون الخراج، بل تنازع الناس في إجارة الإقطاع حتى ظن طائفة من الحنفية وغيرهم أنه لا يؤجر، لأن المقطع لم يملك المنفعة بنفسه، والأرض الخراجية يؤجرها من عليهم الخراج بالإجماع.

والثاني: أن ما يعطاه الجندي من الرزق ليس خراجًا عليهم ولا أجرة للجهاد؛ بل هم أعظم المستحقين، للخراج وغيره من أصول الفيء والفيء. إما أن يختصموا به في أحد القولين: وإما أن يكونوا من أحق المسلمين به، فكيف يكون الخراج مأخوذًا منهم.

وقول القائل: الإمام أسقط عنهم الخراج لكونهم من المقاتلة فصاروا كأنهم يؤدونه.

يقال له: هذا لا يسقط الزكاة؛ لأن إقطاعهم إياها لأجل أن يستغلوها بلا خراج ولو كان جعلها لهم كالخراجية لجاز لهم بيعها والذي تنتقل إليه إما أن يؤدى خراجها أو يسقط عنه الخراج إن كان من المقاتلة، فأما ما لم يكن لهم ذلك علم أنه لا خراج عليهم.

ولو استأجر المجاهد أرضًا كان عليه العشر عند الجمهور عليه الأجرة لرب الأرض وهو قول صاحبي أبي حنيفة.

وأبو حنيفة يقول: العشر على المؤجر: فلا يجتمع عنده الأجرة.

وأبو حنيفة أسقط العشر على من عليه الخراج قال: لأن كلاهما حق وجب بسبب الأرض والمقطع لم يعط شيئًا غير ما أعد نفسه له من القتال، ألا ترى أنه لو أخذ بعض المسلمين أرضًا خراجية كان عليه العشر مع الجهاد.

يوضح ذلك أن الأرض لو كانت عشرية وصارت لبيت المال

ص: 229

بطريق الإرث فأقطعهما السلطان لمن يستغلها من المقاتلة، فهل يكون ذلك مسقطًا للعشر؟

فمن جعل الإقطاع استئجارًا يجعل المجاهدين بمنزلة من يستأجره الإمام للعمارة والفلاحة. يقول: إذا كان الخراج على شخص فاعتاض عنه الإمام ببعض هذه الأعمال كانت الأرض خراجية.

وهذا غلط عظيم، فإنه يخرج الجهاد عن أن يكون قربة وطاعة، ويجعل المجاهد في سبيل الله بمنزلة اليهود والنصارى استؤجروا لعمارة دار وصنعة سلاح.

والفقهاء متفقهون على الفرق بين الاستئجار على القرب وبين رزق أهلها.

فرزق المقاتلة والقضاة والمؤذنين والأئمة جائز بلا نزاع.

وأما الاستئجار فلا يجوز عند أكثرهم لا سيما أبو حنيفة والشافعي، وإن جوزوه على الإمامة فإنه لا يجوز على الجهاد لأنه يصير متعينًا.

فهؤلاء غلطوا على الأئمة عمومًا وعلى أبي حنيفة خصوصًا (1) .

قال شيخنا: ولو يبست الكروم بجراد أو غيره سقط من الخراج حسبما تعطل من النفع قال: وإذا لم يمكن النفع به ببيع أنو إجارة أو عمارة أو غيره لم تجز المطالبة بالخراج (2) .

ويحرم تعشير الأموال والكلف التي ضربها الملوك على الناس (ع) ذكره ابن حزم وشيخنا (3) .

(1) مختصر الفتاوى ص (272، 275) ف (2/ 178، 201) .

(2)

الفروع جـ (6/ 242) ف (2/ 178) .

(3)

الفروع جـ (6/ 280) ف (2/ 179) .

ص: 230

لم ينص الإمام أحمد على أن الكفار يملكون أموال المسلمين بالقهر ولا على عدمه؛ وإنما نص على أحكام أخذ منها ذلك.

فالصواب أنهم يملكونها ملكًا مقيدًا لا يساوي ملك المسلمين من كل وجه.

وإذا أسلموا وفي أيديهم أموال المسلمين فهي لهم، نص عليه الإمام أحمد، وقال في رواية أبي طالب، ليس بين المسلمين اختلاف في ذلك.

قال أبو العباس: وهذا يرجع إلى أن كل ما قبضه الكفار من الأموال قبضا يعتقدون جوازه فإنه يستقر لهم بالإسلام، كالعقود الفاسدة والأنكحة والمواريث وغيرها؛ ولهذا لا يضمنون ما أتلفوه على المسلمين بالإجماع.

وما باعه الإمام من الغنيمة أو قسمه وقلنا لم يملكوه ثم عرف ربه فالأشبه أن المالك لا يملك انتزاعه من المشتري مجانًا؛ لأن قبض الإمام بحق ظاهرًا وباطنًا.

ويشبه هذا ما يبيعه الوكيل والوصي ثم يتبين مودعًا أو مغصوبًا أو مرهونًا، وكذا القبض، والقبض منه واجب، ومنه مباح، وكذلك صرفه منه واجب، ومنه مباح، قال في المحرر: وكل ما قلنا قد ملكوه ما عدا أم الولد فإذا اغتنمناه وعرف ربه قبل قسمته رد إليه إن شاء وإلا بقي غنيمة.

قال أبو العباس: يظهر الفرق إذا قلنا قد ملكوه يكون الرد ابتداء ملك، وإلا كان كالمغصوب، وإذا كان ابتداء ملك فلا يملكه ربه إلا بالأخذ، فيكون له حق تملكه؛ ولهذا قال: وإلا بقي غنيمة.

ص: 231

ومثله لو ترك العامل حقه في المضاربة أو ترك أحد الورثة حقه أو أحد أهل الوقف المعين حقه ونحو ذلك.

وعلى ذلك إجازة الورثة. ومثله عفو المرأة أو الزوج عن نصف الصداق قال في المحرر: وإن لم يعرفه ربه بعينه قسم ثمنه وجاز التصرف فيه.

قال أبو العباس: أما إذا لم يعلم أنه ملك المسلم فظاهر أنه لا يرده، وأما إذا علم فهل يكون كاللقطة أو كالخمس والفيء واحدًا أو يصير مصروفًا في المصالح وهذا قول أكثر السلف ومذهب أهل المدينة، ورواية عن أحمد ووجه في مذهبه، وليس للغانمين إعطاء أهل الخمس قدره من غير الغنيمة (1) .

والمكوس إذا قطعها الإمام الجند فهي حلال لهم إذا جهل مستحقها، وكذلك إذا رتبها للفقراء والفقهاء وأهل العلم (2) .

وأما إعارة السلاح والخيل لمن يقرض عليها، فإن كان ممن يرتزق من بيت المال ويصرفه في غير مصارفه الشرعية أو يقصر فيما يجب عليه من الجهاد لم يجز إعانته على المعصية والتدليس والتزوير، وكذلك الجندي الذي يسرق النفقة وينفقها في المعاصي والفواحش حتى يبقى لا يمكنه أن يقوم بما يجب عليه.

وكذلك الذين يكنزون الذهب والفضة، ولا ينفقونها في سبيل الله أو يتخذون مالاً ينفع للجهاد من عرض وعقار حتى لا يقوموا بما يجب عليهم.

وأما إذا كان الغازي معذورًا أو معدومًا أو مظلومًا مثل أن يكون قد

(1) اختيارات ص (312-314) فيه زيادات ف (2/ 179) .

(2)

اختيارات ص (177) ف (2/ 179) .

ص: 232

ماتت خيله بغير تفريط منه ولم يعوض عنهما (1) وأن الأرض التي له لم تغل ما يقوم بذلك أو حدث له من العيال ما يمنعونه عن تمام العمل، أو كان قد ظلم فلم يعط من بيت المال الرزق الذي عليه أن يقيم به ما ينبغي لمثله فهذا إذا خيف في عَرضِهِ نقصًا أن يزداد ظلمه أو يقطع خبزه مع استحقاقه أو يعطي خبزه لمن هو دونه في نفع المسلمين فأعير ما يتجمل به فلا بأس بذلك، بل يستحب ذلك ويؤمر به إذا كانت الإعارة لأجل أن ترى عيون الكفار جند المسلمين وقصد بذلك عز المسلمين كان حسنًا محمودًا (2) .

الفيء ومصرفه

ولا حق للرافضة في الفيء.

وليس لولاة الأمور أن يستأثروا منه بما فوق الحاجة، كالإقطاع يصرفونه فيما لا حاجة إليه، أو إلى من يهوونه قاله شيخنا وغيره (3) .

ويقدم المحتاج على غيره في الأصح عن أحمد.

وعمال الفيء إذا خانوا فيه وقبلوا هدية أو رشوة فمن فرض له دون أجرته أو دون كفايته وكفاية عياله بالمعروف لم يستخرج منه ذلك القدر.

قال: وإن قلنا: لا يجوز لهم الأخذ خيانة، فإنه يلزم الإمام الإعطاء، فهو كأخذ المضارب حصته أو الغريم دينه بلا إذن فلا فائدة في استخراجه ورده إليهم، بل إن لم يصرفه الإمام في مصارفه الشرعية، لم يعن على ذلك، قال: وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه شاطر عماله.

(1) في الأصل ولم يعرض عنهما ولعله: ولم يعوض عنها.

(2)

مختصر الفتاوى ص (520، 521) ف (2/ 180) .

(3)

فروع جـ (6/ 291) ف (2/ 180) .

ص: 233