الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الاستسقاء
من الناس من قال: إن اليد لا ترفع إلا في الاستسقاء، وتركوا رفع اليدين في سائر الأدعية.
ومنهم من فرق بين دعاء الرغبة ودعاء الرهبة، فقال في دعاء الرغبة، يجعل ظاهر كفيه إلى السماء وباطنهما إلى الأرض، وفي الرهبة بالعكس يجعل باطنهما إلى السماء وظاهرهما إلى الأرض، وقالوا: الراغب كالمستطعم والراهب كالمستجير.
والصحيح الرفع مطلقا فقد تواتر عنه صلى الله عليه وسلم كما في الصحاح أن الطفيل قال: يا رسول الله إن دوسا قد عصت وأبت فادع الله عليهم فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال: «اللهم اهد دوسا وأت بهم» .
وفي الصحيحين: «لما دعا لأبي عامر رفع يديه» .
وفي حديث عائشة رضي الله عنها: «لما دعا لأهل البقيع رفع يديه ثلاث مرات» ، رواه مسلم.
وفيه أيضا: أنه رفع يديه فقال: «اللهم أمتي أمتي» ، وفي آخره أن الله تعالى قال:«إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك» .
وفي حديث قيس بن سعد رضي الله عنه، فرفع يديه وهو يقول:«اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على أبي سعد بن عبادة» .
وبعث جيشا فيهم علي رضي الله عنه فرفع يديه وقال: «اللهم لا تمتني حتى تريني عليا» .
وفي حديث القنوت: «رفع يديه يدعو عليهم» رواه البيهقي والأول رواه أبو داود وغيره.
وروى عنه أنس رضي الله عنه، قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء» أخرجاه في الصحيحين وفيهما: «أنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه وينحي فيه يديه» .
وهذا هو الذي سماه ابن عباس رضي الله عنه الابتهال، وجعل المراتب ثلاثا، الإشارة بأصبع واحدة كما كان يفعل يوم الجمع على المنبر.
والثانية: المسألة: وهو أن تجعل يديك حذو منكبيك كما في أكثر الأحاديث:
والثالثة: الابتهال وهو الذين ذكره أنس رضي الله عنه، ولهذا قال:«كان يرفع يديه حتى يرى بيان إبطيه» ، وهو الرفع إذا اشتد وكان بطون يديه مما يلي وجهه والأرض وظهورهما مما يلي السماء.
وقد يكون أنس بن مالك رضي الله عنه أراد بالرفع على المنبر يوم الجمعة كما في مسلم وغيره: «أنه كان لا يزيد على أن يرفع أصبعه المسبحة» .
وفي هذه المسألة قولان هما وجهان في مذهب أحمد في رفع الخطيب يديه.
قيل: يستحب قاله ابن عقيل، وقيل: لا يستحب بل هو مكروه وهو أصح: قال إسحاق بن راهويه هو بدعة للخطيب، وإنما كان
النبي صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إذا دعا.
وأما في الاستسقاء فإنه لما استسقى على المنبر رفع يديه كما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه فقد روى أنس في هذا الحديث: «أنه استسقى بهم يوم الجمعة على المنبر فرفع يديه» .
وقد ثبت أنه لم يكن يرفع يديه على المنبر في غير الاستسقاء فيكون أنس أراد هذا المعنى لا سيما وقد كان عبد الملك بن مروان أحدث رفع الأيدي على المنبر وأنس رضي الله عنه أدرك هذا العصر، وقد أنكر ذلك على عبد الملك عاصم بن الحارث، فيكون هو أخبر بالسنة التي أخبر بها غيره من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه - يعني على المنبر - إلا في الاستسقاء» .
وهذا يبين أن الاستسقاء مخصوص بمزيد الرفع وهو الابتهال الذي ذكره ابن عباس رضي الله عنهما.
فالأحاديث تأتلف ولا تختلف.
ومن ظن أن النبي صلى الله عليه وسلم في الرفع المعتدل جعل ظهر كفيه إلى السماء فقد أخطأ.
وكذلك من ظن أنه قصد بوجهه وظهر يديه إلى السماء فقد أخطأ فإنه نهى عن ذلك فقال: «إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها» أخرجه أبو داود عن ابن عباس، قال: وهو من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية، وروى أحاديث أخر في أبي داود وغيره.
وبالجملة فهذا الرفع الذي استفاضت به الأحاديث وعليه الأئمة والمسلمون من زمن نبيهم إلى هذا التأريخ.
وحديث أنس الذي تقدم يدل على أنه لشدة الرفع انحنت يداه فصار كفه مما يلي السماء لشدة الرفع لا قصدا لذلك، كما جاء «أنه رفعهما حذاء وجهه» .
وتقدم حديث أنس رضي الله عنه ففيه: أنه رآه يدعو بباطن كفيه وظاهرهما فهذه ثلاثة أنواع في هذا الرفع الشديد.
رفع الابتهال يذكر فيها أن بطونهما مما يلي وجهه، وهذا أشد وتارة يذكر هذا وهذا.
فتبين بذلك أنه لم يقصد في هذا الرفع الشديد لا ظهر اليد ولا بطنها، وهذا لأن الرفع إذا قوي تبقى أصابعهما نحو السماء مع نوع من الانحناء الذي يكون فيه هذا تارة وهذا تارة.
وأما إذا قصد توجيه بطن اليد أو ظهرها فإنما كان توجيه بطنها، وهذا في الرفع المتوسط الذي هو رفع المسألة التي يمكن فيها القصد ورفع ما يختار من البطن والظهر، بخلاف الرفع الشديد الذي يرى به بياض إبطيه فلا يمكن فيه توجيه باطنهما بل ينحني قليلا بحسب الرفع.
فبهذا تأتلف الأحاديث وتظهر السنة (1) .
(1) مختصر الفتاوى (159-162) ف (2/ 91) .