المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وكان "الربيع بن زياد العبسي" المعروف بالكامل، ممن ينادم الملك - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٨

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثامن

- ‌الفصل السادس والأربعون: أنساب القبائل

- ‌الفصل السابع والأربعون: القبائل العدنانية

- ‌مدخل

- ‌تغلب:

- ‌الفصل الثامن والأربعون: الناس منازل ودرجات

- ‌مدخل

- ‌رجال الدين:

- ‌السادة والأشراف:

- ‌الوجوه:

- ‌المحاربون:

- ‌التجار وتوابعهم:

- ‌الطبقات الدنيا:

- ‌الأدم:

- ‌رؤوس وأذناب

- ‌أبناء الحبش والأبناء:

- ‌السادات:

- ‌المستضعفون من الناس:

- ‌أهل الوبر:

- ‌بيوت العرب:

- ‌الشرف:

- ‌العرض:

- ‌المروءة:

- ‌الكَمَلة:

- ‌من الخصال الحميدة:

- ‌الكرم:

- ‌من شيم السادة:

- ‌فك الأسر:

- ‌المدح والهجاء:

- ‌التفاخر:

- ‌الخيلاء:

- ‌الهجاء:

- ‌الخسة والدناءة:

- ‌الشرف والخمول في قبائل العرب:

- ‌الإسلام والجاهلية:

- ‌الفصل التاسع والأربعون: الحياة اليومية

- ‌مدخل

- ‌الرجل:

- ‌اللحية:

- ‌المرأة:

- ‌حال المرأة في الجاهلية:

- ‌المرأة القبيحة:

- ‌زينة المرأة:

- ‌نساء شهيرات:

- ‌أهل الحضر:

- ‌الزواج:

- ‌عدد الزوجات:

- ‌تخفيف غلمة النساء:

- ‌حق التقدم في الزواج:

- ‌المناكح الكريمة:

- ‌لبن الأم:

- ‌الخطبة:

- ‌المال والبنون:

- ‌العقيقة:

- ‌الختان:

- ‌الرجولة:

- ‌ما كان العرب يسمون به أولادهم:

- ‌المعمرون:

- ‌أصحاب العاهات:

- ‌حياة الشبان:

- ‌الفتيان:

- ‌الأحامرة:

- ‌الخمور:

- ‌المخدرات:

- ‌الانتحار بشرب الخمر:

- ‌الاغتيال:

- ‌الصيد:

- ‌سباق الخيل:

- ‌ولائم العرب:

- ‌فهرس: الجُزْءُ الثَّامِن

الفصل: وكان "الربيع بن زياد العبسي" المعروف بالكامل، ممن ينادم الملك

وكان "الربيع بن زياد العبسي" المعروف بالكامل، ممن ينادم الملك النعمان، ويكثر عنده، ويتقدم على من سواه. وينزل في قبة يضربها له. حتى أفسد "لبيد" الشاعر، وكان إذ ذاك غلامًا ما كان بينهما من ودّ في خبر ترويه كتب الأدب والأخبار1.

وعرف قوم ب "الأكابر"، قيل هم: شبيان، وعامر، وجليحة، والحارث بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل2.

والإنسان الكامل عند الجاهليين وفي أول الإسلام، هو الذي يكتب بالعربية، ويحسن العوم والرمي. وقد لقب رجال عديدون بهذا اللقب، منهم:"أوس بن خولي"، وهو من المخضرمين3. قال "ابن سعد" عنه:"وكان أوس بن خَوَلي من الكَمَلة، وكان الكامل عندهم في الجاهلية وأول الإسلام الذي يكتب بالعربية ويحسن العوم والرمي"4.

1 المرتضى، أمالي "1/ 189 وما بعدها"، المعارف "82".

2 العمدة "2/ 196".

3 ابن سعد، الطبقات "3/ 542"، الإصابة "1/ 95 وما بعدها"، "رقم 334".

4 ابن سعد، الطبقات "3/ 542".

ص: 166

‌من الخصال الحميدة:

ومن الخصال الحميدة عند العرب: النخوة. والنخوة في اللغة الافتخار والتعظم، والنخوة الكبر والعظمة. ومن صفات العرب أنها كانت تتنحى من الدنايا أي تستنكف5.

5 تاج العروس "10/ 362"، "نخا".

ص: 166

‌الكرم:

ومن الأعراف عرف إكرام الضيف، وتقديم حق الضيافة له مهما كانت درجة تلك الضيافة ومنزلة المضيف. يقدم له ما يقدر عليه وما يتسع حاله له. والضيافة درس من الدروس التي لقنتها الطبيعة للإنسان أيضًا. لقنته أن الإنسان مهما كان

ص: 166

فقيرًا، عليه أن يقدم ما عنده لمن يأتيه من ضيف قريب أو غريب ليضيفه، إنقاذًا لحياته من قحط البادية ومن شحها. فليس في البادية ملجأ يلجأ الفرد إليه غير الخيام المضروبة هنا وهناك، ملاجئ مهما قيل فيها، لكنها قوارب النجاة أو جزر صغيرة في محيط واسع شاسع. لا يطمع الإنسان منها إلا في الاستراحة وإمضاء أمور سفره إلى الموضع الذي يريده، وإذا امتنع صاحب الخيمة عن أداء حق الضيافة، وعرض حياة ضيفه للخطر، وعرض حياه نفسه إلى ذلك الخطر، فلا بد أن تنزل به في يوم ما حاجة ما، ولا بد أن يقطع البادية مرارا في حياته بحثا عن رزق، فإذا بخل ولم يضيّف غيره، لم يستضفه الآخرون فيقع في ضنك قد يكون به هلاكه وهلاك من معه.

والعرف أن الضيافة ثلاثة أيام وثلاث ليال، فإذا انتهت المدة، سقط حق الضيافة من رقبة "المضيف" إلا إذا جددها، وزاد عليها. ويعبر عن منزلة الضيف عند المضيف يحمل وتعابير تعبر عن ترحيب المضيف بضيفه، مثل جملة:"بيتي بيتك"، وعلى الضيف بالطبع أن يتأدب بأدب الضيافة، فيصون حرمة بيت مضيفه، فلا يسرق منه، ولا ينظر إلى العائلة بسوء وألا يقوم بأي عمل يخل بعرف الضيافة1.

ونظرًا إلى ما للمعابد من حرمات، اعتبر الوافدون عليها لزيارتها والتقرب لأصنامها ضيوفًا لها، وعدوا الذي يعتدون عليهم خارجين عن العرف مارقين بالنسبة لمجتمعهم. فمن كان يفد إلى مكة يقال له "ضيف الله"، وقيل للحُجَّاج "ضيوف الكعبة"، فلا يجوز الاعتداء عليهم، ومن وقع اعتداء عليه، يجد حتمًا من بين أهل مكة من يدافع عنه2.

والجود، وهو السخاء صفحة أخرى من صفحات الكرم. وهو أن يمطر الرجل غيره بمعروفه، وأن يجود على غيره بما عنده3. وقد بالغ بعضهم بجوده حتى ضرب به المثل. ومن هؤلاء حاتم الطائي. وهو "حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عديّ بن أحزم" من قبيلة طيء.

1 Smith، Kinship، P. 70.

2 Smith، Kinship، P. 41، Hastings، P. 427.

3 اللسان، العقد الفريد "1/ 337"، نهاية الأرب "3/ 208".

ص: 167

وقد ضرب به المثل في الجود والسخاء، فقيل "أجود من حاتم"، ورووا عنه قصصًا كثيرًا في الجود والسخاء، يرينا أن الجود فيه سجية، نبت فيه مُذْ كان صغيرًا، فقد روي أنه اختلف مع والده، وهو صغير، لأنه فرق إبله وغنمه وكان يرعى بها على قوم مرّوا به، فيهم: عَبِيد بن الأبرص، وبشر بن أبي خازم، والنابغة الذبياني، فطرده أبوه، وقال له: إذن لا أساكنك بعدها أبدًا ولا آويك، فقال حاتم: إذا لا أبالي1.

ويذكر: أنه كان إذا أهل شهر رجب نحر في كل يوم عشرة من الإبل، وأطعم الناس، وأنه كان يقول لغلامه يسار، إذا اشتد البرد وكلب الشتاء: أوقد نارًا في يفاع من الأرض: لينظر إليها من أضل الطريق ليلًا فيقصد نحوه2. وكان يوقد نار القرى، ليقصدها من يريد الضيافة من الناس. وذكروا أنه كانت لحاتم قدور عظام بفنائه لا تنزل عن الأثافي، إلى غير ذلك من أخبار في كرمه وسخائه3.

وذكر عنه أنه قسم ماله بضع عشرة مرّة؛ وأنه مرّ في سفر له على بني عنزة ولهم أسير في القدّ، فاستغاث به، ولم يحضره فكاكه، ففاداه وخلّاه، وأقام مقامه في القدّ حتى أُدي فداؤه. ورووا أنه ذبح فرسه، ووزع لحمها على جيرانه، لأن امرأة كانت جارة له جاءت إليه مستغيثة به، تقول له: أتيتك من صبية يتعاوون من الجوع ولم يكن لديه ما يعطيها، فذبح فرسه، مع أنه وعائلته كانوا جياعًا مثل صبيتها، فلما مانعت زوجته في ذبح فرسه، قال لها: إن هذا للُؤم أن تأكلوا وأهل الحي جياع4.

وينسب أهل الأخبار إليه شعرًا، في جملته قصيدة تتعلق بالكرم وبمكارم الأخلاق وبالحكم5، وقد جمعوا من شعره ديوانًا، وذكروا أنه من الشعر

1 بلوغ الأرب: "1/ 72 وما بعدها".

2 بلوغ الأرب "1/ 73، 77 وما بعدها"، العقد الفريد "1/ 332".

3 ثمرات الأوراق للحموي "حاشية على المستطرف"، "1/ 127"، الشعر والشعراء "123 وما بعدها".

4 الثعالبي، ثمار القلوب "97 وما بعدها".

5 بلوغ الأرب "1/ 79".

ص: 168

البليغ الجيد1.

وضرب المثل بجود "كعب بن مامة الإيادي". ويذكر أهل الأخبار أنه هلك بسبب جوده، فقد مات عطشًا، لأنه أعطى الماء غيره، فمات هو من العطش2. وقد فضله "الجاحظ" ورَجَّحه على "حاتم الطائي" في الجود. ذلك لأن حاتمًا كان يجود على غيره بماله، أما "كعب"، فقد بذل النفس حتى أعطبه الكرم، وبذل المجهود في المال، فساوى حاتمًا من هذا الوجه وباينه ببذل المهجة. فهو على رأيه فوقه في الكرم بمنازل ودرجات3. وذكر أن من عادة "كعب بن مامة" أنه إذا جاوره رجل قام له بكل ما يصلحه وعياله، وحماه ممن يريد. وإن هلك له بعير أو شاة أو عبد أخلف عليه، وإن مات وداه، فجاوره "أبو دواد الإيادي" الشاعر، فكان يفعل به ذلك ويزيد في بره، فصارت العرب إذا حمدت جارًا بحسن جواره، قالوا: كجار أبي دواد4. وقد افتخرت به إياد. وعدّ من مفاخرها5. وذكر "عبد الملك بن مروان" إيادًا، فقال: هم أخطب الناس لمكان قس، وأسخى الناس لمكان كعب، وأشعر الناس لمكان أبي دواد، وأنكح الناس لمكان ابن الغز6.

و"أوس بن حارثة بن لأم الطائي". يذكرون أن "النعمان بن المنذر" حباه حلة نفيسة بحضور وفود العرب من كل حيّ، وكانوا قد اجتمعوا عنده، فقال لهم:"إني ملبسٌ هذه الحلة أكرمكم" فألبسه النعمان الحلة7. ويذكرون أنه تمكن من الشاعر "بشر بن أبي خازم"، وكان "أوس" قد نذر لئن

1 بلوغ الأرب "1/ 75"، تأريخ الأدب العربي، ل "كارل بروكلمان"، "1/ 111، 112، 113".

2 بلوغ الأرب "1/ 81"، العقد الفريد "1/ 337"، نهاية الأرب "3/ 208"، ثمرات الأوراق "1/ 127"، "حاشية على المستطرف".

3 الثعالبي، ثمار "126".

4 قال قيس بن زهير:

أطوف ما أطوف ثم آوي

إلى جار كجار أبي دواد

الثعالبي، ثمار "127 وما بعدها".

5 الثعالبي، ثمار "122".

6 الثعالبي، ثمار "142".

7 الثعالبي، ثمار "118".

ص: 169

ظفر به ليحْرِقنه، لأنه أسرف في هجائه، حتى تجاسر فهجا أمه "سُعدى". فلما ظفر به، أشارت "سُعدى" على "أوس" بأن يمنّ على بشر، فخلى سبيله وأكرمه وأحسن كسوته وحمله على نجيبة وحباه، فصار "بشر" يمدحه1 ويذكر أهل الأخبار، أن أوسًا وحاتمًا وفدا على "عمرو بن هند"، فأراد امتحانهما، والوقوف على رأي أحدهما في الآخر، فما انتقص واحد منهما الآخر. فقال عمرو: والله ما أدري أيكما أفضل! وما منكما إلا سيد كريم2.

و"هرم بن سنان المُريّ"، من أجواد الجاهلية أيضا. وهو سيد غطفان. وكان والده سيّد غطفان كذلك. وقد مدحه الشاعر زهير بن أبي سلمى في أبيات لا يزال الناس يحفظونها ويذكرونها عن هرم وقد كان هرم أعطاه مالًا كثيرًا من خيل وإبل وثياب وغير ذلك مما أغناه، وفيه ورد المثل:"أجود من هرم". وقد أدركت بنت له أيام عمر فسألها عن أبيها وعن صلته بزهير3.

قال "أبو عبيدة": "أجود العرب ثلاث: كعب بن مامة، وحاتم الطائي، وكلاهما ضُرب به المثل، وهرم بن سنان صاحب زهير"4.

وقد ضرب المثل بجود "عبد الله بن حبيب العنبري" فقيل: "أقرى من آكل الخبز". ذكر أنه سمي آكل الخبز، لأنه كان لا يأكل التمر ولا يرغب في اللبن. وأكل الخبز ممدوح عند العرب. وهو عندهم من علامات الغنى والمال. وعرف "ثور بن شحمة العنبريّ" بالجود كذلك، وقد كان قومه "بنو العنبر" إذا افتخروا، قالوا:"منا آكل الخبز، ومنا مجير الطير"5. وقد عرف "ثور بن شحمة" ب "مجير الطير" لأنه كان يشفق على الطيور فيطعمها ويشبعها لجوده وكرمه.

واشتهر "عبد الله بن جُدعان" بجوده كذلك، وقد كان يسمى ب "حاسي الذهب"، لأنه كان يشرب في إناء من الذهب، وقيل: "أقرى من حاسي

1 بلوغ الأرب "1/ 83 وما بعدها".

2 الثعالبي، ثمار "118".

3 بلوغ الارب "1/ 84 وما بعدها"، ثمرات الأوراق "1/ 127" حاشية على المستطرف. العقد الفريد "1/ 337" نهاية الأرب "3/ 208"، الشعر والشعراء "123".

4 الشعر والشعراء "123".

5 بلوغ الأرب "1/ 87".

ص: 170

الذهب". وكان يجود على "أمية بن أبي الصلت"، ويقري أهل مكة ومن يأتي إليها، وله جفنة كبيرة يأكل منها الناس، ويصنع لهم "الفالوذج"، ولم يكن معروفًا قبله بمكة، فلما كان بالعراق. أكله واستذوقه، وجاء منه بطبّاخ ليطبخ له "الفالوذج". وهو من "بني تيم". وكان ممن حرم الخمر على نفسه بعد أن كان بها مغرى، لما رأى فيها من ضرر وإسفاف يلحق بشاربها. وذكر أنه لما كَبُرَ وهرِم، أراد قومه أن يمنعوه من تبذير ماله، ولاموه في العطاء، فكان يدعو الرجل، فإذا دنا منه، لطمه لطمة خفيفة، ثم يقول له: قم فانشد لطمتك واطلب ديتها، فإذا فعل، أعطته بنو تيم من مال ابن جُدعان1. وقد ضرب المثل بفالوذج ابن جُدعان في أطايب الأطعمة2.

وقد عدّ في "مطعمي قريش"، وهم سادات قريش وأشرافها ممن كان يطعم الناس ويفتح بيته للضيوف، ولا يمنع جائعًا من دخول داره. كهاشم بن عبد مناف. وكانت له جفان يأكل منها القائم والراكب، إذا وقع في إحداها صبي غرق. فجرى بها المثل في العظم3.

وللتعبير عن إسراف الأجواد في جودهم، وفي قراهم الضيوف، نعت أحدهم ب "مطعم الطير"، كناية عن كرمهم، وعن كثرة طعامهم المهيأ، حتى كانت الطيور تشارك الضيوف في أكل الزاد، وهو كثير. وقد نعت "حسان بن ثابت" عمه "خالد بن زيد" المعروف ب "ابن هند"، وهو من "بني النجّار"، ب "مطعم الطير"، كناية عن أنه كان ينحر الإبل للأضياف، فيأكل منها الناس والطير4. ونعتت "ليلى بنت الخَطِيم بن عدي بن عمرو"، وهي أخت الشاعر "قيس بن الخطيم" أباها بأنه "مطعم الطير ومباري الريح"، وذلك أمام الرسول5.

1 بلوغ الأرب "1/ 87 وما بعدها"، نهاية الأرب "3/ 217"، مجمع الأمثال "2/ 72"، الثعالبي، ثمار "672"، البيان والتبيين "3/ 124"، الأغاني "8/ 334"، نسب قريش "291".

2 الثعالبي، ثمار "123"، الحيوان، للجاحظ "3/ 403"، عيون الأخبار "3/ 268".

3 الثعالبي، ثمار "609"، البخلاء "210"، سمط النجوم، للعصامي "1/ 200".

4 البرقوقي "117".

5 المحبر "ص96".

ص: 171

ومن الأجواد من كان يجود في أوقات الشدة والحاجة بصورة خاصة، في مثل حلول الجدب. وقد عرف نفر من العرب ب "مطاعيم الريح"، وذلك لأنهم كانوا يطعمون إذا هبت ريح الصبا، لأنها لا تهب إلا في جدب، فمدحوا. ومن هؤلاء:"كنانة بن عبد يا ليل الثقفي" عم أبي محجن1. وزعم "ابن الأعرابي" أن "مطاعيم الريح"، هم أربعة منهم: كنانة بن عبد يا ليل الثقفي المذكور و "لبيد بن ربيعة"2.

ويقال للرجل الذي يهتز للمعروف والعطية "الأريحي"، وهو السخي، و "الأريحية" السخاء3.

وقد ضرب المثل بجماعة من الجاهليين عرفوا بجودهم وكرمهم، حفظ العرب ذكرهم لجودهم، وما زالوا يحتفظونه حتى اليوم، يتذاكرونه ويروونه في كتاباتهم وفي أنديتهم وفي كلامهم. من هؤلاء ثلاثة سُمّوا "زاد الراكب" و "أزواد الركب"، لأنهم كانوا إذا سافروا مع قوم لم يتزودوا معهم. كانوا من أهل مكة هم: أبو عمرو بن أمية "مسافر بن أبي عمرو بن أمية"، وأبو أمية بن المغيرة المخزومي، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العُزّي "زمعة بن الأسود بن المطلب". وقد ضرب بهم المثل، فقيل: أقرى من زاد الراكب4.

وقد كان "عبد الله بن أبي أمية"، المعروف ب "زاد الركب" شديد الخلاف على المسلمين، ثم خرج مهاجرًا من مكة يريد النبي، فلقيه ب "الصلوب" فوق العرج، فأعرض عنه رسول الله، ثم عفى عنه5.

وفي معنى "زاد الركب" معنى "جفنة الركب"، والجفنة: الرجل

1 بلوغ الأرب "1/ 91 وما بعدها".

2 بلوغ الأرب "1/ 91 وما بعدها".

3 اللسان "2/ 460 وما بعدها"، "صادر"، "روخ".

4 مجمع الأمثال "2/ 72"، اللسان "3/ 198"، "صادر"، "زود"، المحبر "177، 457"، تاج العروس "2/ 366"، "زاد"، نسب قريش "300، 315"، الثعالبي، ثمار القلوب "103".

5 نسب قريش "ص315 وما بعدها".

ص: 172

الكريم. قيل له: "جفنة الركب"، لأنه كان مطعامًا يضع جفنته ويطعم الناس فيها، ومن يكون معه في ترحاله فسمي باسمها1.

وكانت العرب تقول: السفر ميزان القوم، كأنه يزنهم بأوزانهم ويفصح عن مقاديرهم في الكرم واللؤم2. إذ يتبين الكريم من اللئيم في سفره. فاللئام إذا ما سافروا ضجروا، لخوفهم من تقديم ما عندهم إلى من هم دونهم من فقير ومحتاج، أما الكريم، فإنه لا يبالي في سفره فيعطي وينفق ويساعد من يسافر معه بما يجود به عليهم. فهو على عكس اللئيم فرح بسفره هذا مستبشر.

وزعم الأخباريون أن "سويد بن هرمي بن عامر الجمحي"، كان أول من وضع الأرائك وسقى اللبن والعسل بمكة3. ومعنى هذا أنه أول من وضع الأرائك لراحة الناس في الجاهلية، ولعلّهم قصدوا أرائك وضعت في الحرم لجلوس الناس عليها. كما ذكروا أن "أبا أمية بن المغيرة المخزومي" و "أبا وادعة بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم" وكانا يسقيان العسل بمكة، بعد سويد بن هرمي4. وقد كان "عدي بن نوفل" يسقي الحجيج اللبن والعسل على ما ذكره أهل الأخبار5. وقد عدت السقاية من مفاخر قريش.

وقد كان من عادة الأجواد إيقاد النار في الظلام ليراها الغريب والمحتاج والجائع من مسافة بعيدة فيفد إليها، فيجد له من يقريه ويقدم له ما يحتاج إليه من طعام. ويقال لها "نار القرى" و "نار الضيافة". وهي نار توقد لاستدلال الأضياف بها على المنزل، وكانوا يوقدونها على الأماكن المرتفعة، لتكون أشهر. حتى زُعم أن منهم من كان يوقدها بالمندلي الرطب، ليهتدي إليها العميان، بشم رائحة الطيب التي تفوح منها عند الاحتراق. وهي من أجل الأعمال عند العرب. وقد ذكرت في الشعر الجاهلي6.

1 اللسان "13/ 90 وما بعدها"، "صادر"، "جفن".

2 الثعالبي، ثمار القلوب "688".

3 المحبر "ص176 وما بعدها".

4 المحبر "177".

5 نسب قريش "197".

6 بلوغ الأرب "2/ 161".

ص: 173

ويعدّ الشتاء محكًّا للأجواد ولكرام الأنفس فالشتاء عدو الفقير، يؤلمه ببرده ويوجعه بفقره ويضيف آلامًا على آلامه. فخيمته الممزقة البالية، لا تقيه من رياح ولا من مطر ولا من برد. والصيد يختفي ويقل، والأعشاب تزول، فلا يجد الفقير أمامه سوى ما ادخره من قوت ليعيش عليه. فإذا أكله أو كان قليلًا، فليس أمامه من ملجأ سوى الاستجارة بأهل الجود والسخاء. ممن كانوا إذا جاء الشتاء أدنوا إليهم الناس وأطعموهم، فيقتلون بذلك جوع الشتاء. ولهذا عرف الواحد منهم ب "قاتل الشتاء"1.

وغاية الجود أن يجود الإنسان بأعز ماله لغيره، يقال:"إنه لمنحار بوائكها، أي ينحر سمان الإبل"، وهو للمبالغة، يوصف للجود2. فهو ليس من أولئك الذين يبخلون بمالهم العزيز، فينحرون الهزيل من الإبل، حرصًا على العزيز، بل يقدم أقصى ما عنده لضيوفه.

ويعد العرب "إقراء الضيف" و "الرفادة": "رفادة الحج" في جملة "إرث إبراهيم وإسماعيل". ويدخل أهل الأخبار في جملة هذا الإرث تعظيم الحرم ومنعه من البغي فيه وقمع الظلام ومنع المظلوم3. فالكرم إذن من السنن القديمة الموروثة عن سنة إبراهيم على أهل الأخبار.

ولا يعد الكريم كريمًا إذا وهب ماله في سبيل غرض. فمن وهب المال لجلب نفع أو دفع ضرر أو خلاص من ذم فليس بكريم4.

ويقال للعطية الجزيلة "الدسيعة". ويقال للجواد، هو ضخم الدسيعة، أي كثير العطيّة. وقيل هي المائدة الكريمة والجفنة على سبيل المجاز5، لما عرف به الأجواد من تقديم الطعام للأضياف. ويقال للجواد المعطاء السيد الحمول:"الخضرم"، تشبيها بالبحر الخضرم وهو الكثير الماء6.

1 تاج العروس "8/ 76"، "قتل".

2 تاج العروس "3/ 558"، "نحر".

3 الكلاعي، الاكتفاء "1/ 150".

4 تاج العروس "9/ 41"، "كرم".

5 تاج العروس "5/ 327"، "دسع".

6 تاج العروس "8/ 280 وما بعدها"، "الخضرم" بكسر الخاء.

ص: 174