الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سائرًا بين الناس في الحمق1.
وضرب المثل ب "أم خارجة" في السرعة، فقال أسرع من نكاح أم خارجة. وهي "عمرة بنت سعد بن عبد الله بن بجيلة". كان يأتيها الخاطب فيقول: خطب، فتقول: نكح. ولدت أم خارجة في نيف وعشرين حيا من آباء متفرقين، وكانت إذا تزوج منها الرجل فأصبحت عنده كان أمرها إليها، إن شاءت أقامت، وإن شاءت ذهبت، وكانت علامة ارتضائها للزوج أن تصنع له طعامًا كلما تصبح2.
وضربوا المثل ب "عز أم قرفة"، فمن أمثالهم إذا أرادوا العز والمنعة قالوا: إنه لأمنع من أمر قرفة. وهي بنت "مالك بن حذيفة بن بدر": وكان يحرس بيتها خمسون سيفًا بخمسين فارسًا، كلهم لها محرم3.
كما ضربوا المثل ب "برد العجوز". ولهم قصص في سبب ضربه وهم متفقون على أن المثل جاهلي، وليس بإسلامي. ذكر بعضهم أن عجوزًا دهرية كاهنة من العرب كانت تخبر قومها ببرد يقع في أواخر الشتاء وأوائل الربيع، فيسوء أثره على المواشي، فقالوا: هذا برد العجوز، يعني العجوز الذي أنذرت به. وذكر بعض آخر؛ أن عجوزًا كانت بالجاهلية ولها ثمانية بنين فسألتهم أن يزوّجوها، وألحت عليهم، فتآمروا بينهم، وقالوا لها: إن كنت تزعمين أنك شابة فابرزي للهواء ثمان ليال، فإننا نزوجك بعدها، فوعدت بذلك، وتعرضت تلك الليلة والزمان شتاء كلب، وبرزت للهواء، وبقيت تفعل ذلك سبع ليال، ثم ماتت في الليلة السابعة. فضرب بها المثل: وقيل برد العجوز4.
1 الثعالبي، ثمار القلوب "309".
2 الثعالبي، ثمار "311 وما بعدها".
3 الثعالبي، ثمار "310 وما بعدها".
4 الثعالبي، ثمار "313 وما بعدها".
أهل الحضر:
وما ذكرته يتناول حياة الأعراب، وحياتهم الاجتماعية هي حياة أخرى تختلف
عن حياة أهل الحاضرة. ففي حياة الحضر تجمع وتكتل وإذا تجمع الإنسان وتكتل في موضع وكوّن جماعة، ظهرت عنده خلال، لا يمكن ظهورها عند الأعراب. تتسع وتكبر كلما بعدت الشقة بين البداوة والحضارة. لذا فإن بين حياة أهل الحيرة أو يثرب أو مكة أو المستوطنات الحضرية الأخرى المنتشرة في جزيرة العرب وبين حياة أهل البادية فروقًا كبيرة، تختلف في الدرجة والشدة، بدرجة تكاثف السكان في المستوطنة الحضرية، وبدرجة قربها أو بعدها من الأعاجم، وبدرجة اتصالها بالعالم الخارجي. فالمستوطنات التي تقع على سواحل البحر يكون لها اتصال خاص بالعالم الخارجي، لا يمكن أن يتوفر لأهل البواطن، ويؤدي هذا الاتصال إلى التلاحم في الأفكار وإلى الاختلاط والامتزاج وإلى توسع أفق أهل الساحل بالنسبة إلى من وراءهم في الباطن، بسبب هذا الاختلاط في الموقع.
لقد تأثر أهل الحواضر من عرب العراق بأخلاق أهل النبط وغيرهم من أهل العراق، حتى بان ذلك على لسانهم وعلى طراز معاشهم كما بان ذلك على عرب بلاد الشام لاختلاطهم بالروم وبأهل بلاد الشام. فعرفوا عنهم أكل الأعاجم وأحبوا غناء الفرس وغناء الروم. ودخل من دخل منهم في النصرانية. وقلّد ملوك الفرس في بعض شئون حياتهم، وتشبه ملوك عرب الشام بملوك الروم، حتى في أمور دينهم حيث اعتنقوا النصرانية، وجاءوا إلى قصورهم بقيان يغنين بغناء الروم وبقيان يغنين بغناء الفرس. وزار سادات عرب العراق "المدائن"، ووقفوا على حياتها؛ وعاش سادات عرب الشام بدمشق وبمدن بلاد الشام الأخرى، وجلبوا إلى قصورهم وبيوتهم شيئًا مما أعجبهم ونال حبهم. فصارت حياتهم من ثم حياة تختلف عن حياة الأعراب من هذه النواحي.
وكان لأهل قرى العربية الشرقية اتصال دائم بالعراق وبسواحل الهند الغربية، وبإيران وبالتجار الروم، فأخذوا منهم وتأثروا بهم، كالذي يظهر من الآثار التي عثر عليها ويعثر عليها المنقبون في مواضع العاديات. وتأثر أهل العربية الغربية بأهل بلاد الشام والعراق لما كان لهم من اتصال تجاري دائم بهم. ولما كانوا يجلبونه من هذه البلاد من رقيق. كما كان لهم ولأهل العربية الجنوبية اتصال بأهل إفريقية، سكان السواحل المقابلة لبلاد العرب فأثروا فيهم وتأثروا بهم. ومن آيات هذا التأثير الملامح الإفريقية التي ظهرت في العربية الجنوبية بصورة خاصة، لا سيما باستيلاء الأحباش مرارًا على السواحل العربية المقابلة لإفريقية، وظهور جيل أخذ