المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل السابع والأربعون: القبائل العدنانية ‌ ‌مدخل … الفَصْلُ السَّابِعُ والأربَعُون: القبائل العدنانية أوجزت الكلام - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٨

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثامن

- ‌الفصل السادس والأربعون: أنساب القبائل

- ‌الفصل السابع والأربعون: القبائل العدنانية

- ‌مدخل

- ‌تغلب:

- ‌الفصل الثامن والأربعون: الناس منازل ودرجات

- ‌مدخل

- ‌رجال الدين:

- ‌السادة والأشراف:

- ‌الوجوه:

- ‌المحاربون:

- ‌التجار وتوابعهم:

- ‌الطبقات الدنيا:

- ‌الأدم:

- ‌رؤوس وأذناب

- ‌أبناء الحبش والأبناء:

- ‌السادات:

- ‌المستضعفون من الناس:

- ‌أهل الوبر:

- ‌بيوت العرب:

- ‌الشرف:

- ‌العرض:

- ‌المروءة:

- ‌الكَمَلة:

- ‌من الخصال الحميدة:

- ‌الكرم:

- ‌من شيم السادة:

- ‌فك الأسر:

- ‌المدح والهجاء:

- ‌التفاخر:

- ‌الخيلاء:

- ‌الهجاء:

- ‌الخسة والدناءة:

- ‌الشرف والخمول في قبائل العرب:

- ‌الإسلام والجاهلية:

- ‌الفصل التاسع والأربعون: الحياة اليومية

- ‌مدخل

- ‌الرجل:

- ‌اللحية:

- ‌المرأة:

- ‌حال المرأة في الجاهلية:

- ‌المرأة القبيحة:

- ‌زينة المرأة:

- ‌نساء شهيرات:

- ‌أهل الحضر:

- ‌الزواج:

- ‌عدد الزوجات:

- ‌تخفيف غلمة النساء:

- ‌حق التقدم في الزواج:

- ‌المناكح الكريمة:

- ‌لبن الأم:

- ‌الخطبة:

- ‌المال والبنون:

- ‌العقيقة:

- ‌الختان:

- ‌الرجولة:

- ‌ما كان العرب يسمون به أولادهم:

- ‌المعمرون:

- ‌أصحاب العاهات:

- ‌حياة الشبان:

- ‌الفتيان:

- ‌الأحامرة:

- ‌الخمور:

- ‌المخدرات:

- ‌الانتحار بشرب الخمر:

- ‌الاغتيال:

- ‌الصيد:

- ‌سباق الخيل:

- ‌ولائم العرب:

- ‌فهرس: الجُزْءُ الثَّامِن

الفصل: ‌ ‌الفصل السابع والأربعون: القبائل العدنانية ‌ ‌مدخل … الفَصْلُ السَّابِعُ والأربَعُون: القبائل العدنانية أوجزت الكلام

‌الفصل السابع والأربعون: القبائل العدنانية

‌مدخل

الفَصْلُ السَّابِعُ والأربَعُون: القبائل العدنانية

أوجزت الكلام في الفصل المتقدم على القبائل القحطانية، أي القبائل التي يرجع نسبها إلى اليمن، وفي هذا الفصل سأحاول الكلام على قبائل القسم الثاني من العرب، أي قبائل العدنانيين، مقتصرًا في الغالب على ذكر القبائل الكبرى، سالكًا ما سكلته في الفصل المتقدم من طريقة أهل الأنساب في ترتيب القبائل.

وجدّ قبائل هذا الفصل عدنان من سلسلة تنتهي بإسماعيل بن إبراهيم الخليل، جد الإسماعيليين. وهو مثل قحطان شخصية لا نعرف من أمرها شيئًا، ولا من خبرها غير هذا الذي يقصّه علينا الأخباريون. وهو على حد قولهم من معاصري الملك بختنصر ملك بابل "604 - 561 ق. م" الذي أوحى الله إليه على لسان "برخيا بن أحنيا بن زربابل بن سلتيل" أن يغزو العرب في أيام ابنه معدّ بن عدنان على حد قول الأخباريين1.

ويزعم الأخباريون أنهم وجدوا في كتب "برخيا" هذا نسب عدنان، وأنه كان معروفًا عند أهل الكتاب وعلمائهم، مثبتًا في أسفارهم. واستشهدوا على نسبه بشعر لأمية بن أبي الصّلت2. فمن ذرية عدنان إذن، تفرعت هذه القبائل التي سأتحدث عنها في هذا الفصل.

1 الطبري "1/ 291".

2 الإنباه "ص47".

ص: 58

وقد بخل الأخباريون على عدنان، فلم يمنحوه من الولد غير ولدين، هما: معد، والحارث وهو عكّ1. وأمهما: منهاد بنت لهم بن جليد بن طسم2. وقد بخلوا عليه بأسماء نسائه أيضًا على ما يظهر، إذ لم يذكروا لنا اسم زوجة أخرى له. ولا ندري نحن، وقد عشنا بعدهم بقرون، سر هذا البخل الشنيع.

ومن نسل هذين الولدين تفرعت قبائل عدنان، فأولد معد نزارًا3، وأضاف بعض النسابين قضاعة إليه. وأمهما معانة بنت جوشم بن جهلمة بن عامر بن عوف بن عديّ بن دُب بن جرهم4. وقد أشرت إلى اختلاف النسابين في نسب قضاعة وإرجاع بعضهم إياه إلى معدّ وبعضهم إلى قحطان، وإلى محاولة كل فريق جرهم إليه، لعوامل سياسية بحتة وإن اكتسبت صبغة نسب وأصل وحسب، فالموضوع هو تكتل وتحزب وتنافس. وقضاعة كتلة من القبائل كبيرة، لذلك كان لاجتذابها إلى أحد المعسكرين السياسيين المتطاحنين أهمية عظيمة في سياسة ذلك العهد، لذلك نجد نَسّابي كل فريق يحاولون جهدهم إثبات نسب قضاعة في فريقهم، حريصين على نفي نسبتها إلى الفريق المعارض، وإخراجها منها، وتفنيد حجج الخصوم. هذا أبو عبد الله الزبيري "156 - 236هـ" وهو قرشي، ومعدود من مشاهير النسابين، يذكر نسب قضاعة فيقول: "وقد انتسبت قضاعة إلى حمير، فقالوا: قضاعة بن مالك بن حمير بن سبأ، وأمه عُكبرة، امرأة من سبأ، خلف عليها معد، فولدت قضاعة على فراش معدّ، وزَوّروا في ذلك شعرًا فقالوا:

يا أيها الداعي ادعنه وأبشر

ولكن قضاعيًّا ولا تَنَزّرْ

قضاعة بن مالك بن حمير

النسب المعروف غير المنكرْ

1 وقد منحه ابن الكلبي خسمة أولاد. هم: "معد، والديث، وأبي، والعي، وعديد. فولد الديث: الحارث، وهو عك. فولد عك بن الديث: الشاهد وصحارا. وهو غالب." جمهرة النسب "ورقة 3".

2 أبو عبد الله المصعب بن عبد الله بن المصعب الزبيري: كتاب نسب قريش تحقيق "ليفي بروفنسال""ص5". "وقد قيل: عك بن الديث بن عدنان"، جمهرة "ص8"، وأمهم مهدد بنت اللهم بن جلحب من جديس"، جمهرة النسب "ورقة 3".

3 طرفة الأصحاب "ص57"، سبائك الذهب "ص20"، ابن خلدون "2/ 300".

4 نسب قريش "ص5".

ص: 59

قال: وأشعار قضاعة في الجاهلية، وبعد الجاهلية، تدل على أن نسبهم في معدّ"1.

وجعل ابن حزم لمعدّ خمسة أولاد، هم: نزار بن معدّ، وإياد بن معدّ، وقنص بن معدّ، وعبيد الرماح بن معدّ، والضحاك بن معدّ. وذكر أن من الأخباريين من يزعم أن ملوك الحيرة من المناذرة هم من ولد قنص، وأن عبيد الرماح دخلوا في بني مالك بن كنانة، وأن الضحاك بن معد هو الذي أغار على بني إسرائيل في أربعين من تهامة2. ونسب ابن الكلبي لمعد جملة أولاد آخرين3.

ويذكر بعض الأخباريين أن الإمارة بعد معدّ على العرب كانت إلى قنص بعد أبيه، فأراد إخراج أخيه نزار من الحرم، فأخرجه أهل مكة، وقَدّموا عليه نزارًا4.

وقد ولد لنزار مضر وإياد، وأمهما، خبيّة بنت عك بن عدنان، وربيعة وأنمار، وأمهما حُدالة بنت وعلان بن جوشم بن جهلمة بن عامر بن عوف بن عديّ بن دُبّ بن جرهم، فهما ليسا صريحين في نظر النسابين كمضر وإياد، لأنهما ليسا مثلهما من أب عدناني وأم عدنانية. ومن النسابين من قال: إن "ربيعة ومضر الصريحان من ولد إسماعيل"5، فلم يجعل إيادًا بذلك من العدنانيين الصريحين.

وفي رواية الأخباريين أن نزارًا حينما شعر بدنو أجله قسم ما عنده على أولاده، فجعل لربيعة الفرس، ولمضر القبة الحمراء، ولأنمار الحمار، ولإياد الحلمة والعصا. ثم تخاصموا بعد ذلك، واتفقوا على التحكيم، فحكم بينهما أفعى نجران6.

1 نسب قريش "ص5".

2 جمهرة "ص8".

3 جمهرة النسب "ورقة 3 وما بعدها".

4 ابن خلدون "2/ 300".

5 نسب قريش "ص6"، "ولد نزار بن معد مضر وإيادا، وأمهما سودة بنت عك بن الديث بن عدنان، وربيعة، وأنمارًا، وأمهما الحدالة بنت وعلان بن حوثم بن جلهمة بن عمرو بن هلينية بن دوة"، جمهرة النسب "ورقة 4"، سبائك الذهب "ص20".

6 ابن خلدون "2/ 300"، نهاية الأرب "2/ 310".

ص: 60

ولم يجزم ابن حزم في نسبة أنمار نزار، فبعد أن ذكر مضر وربيعة وإيادًا، وهم ولد نزار، قال:"وقيل: أنمار"، ثم قال:"وذكروا أن خثعمًا وبجيلة من ولد أنمار"1. أما أبو عبد الله المصعب بن عبد الله مصعب الزبيري، فأثبت نسب أنمار في نزار، وذكر أن من أنمار بجيلة "انتسبوا إلى اليمن، إلا من كان منهم بالشام والمغرب، فإنهم على نسبهم إلى أنمار بن نزار"2.

ويظهر أن نسابي خثعم وبجيلة يأبون انتسابهم إلى أنمار، إذ ذكروا ذلك، ويرون أن أراش بن عمرو تزوّج ابنة أنمار، وهي سلامة، فولدت له ولدًا سمي أنمار بن أراش. ويذكر النسابون أنه لم يشتهر أحد من ولد أنمار3. ومعنى هذا أن هذه القبيلة، كان قد ضعف حالها وذابت في غيرها، لذلك لم يذكر لها النسابون شيئًا من البطون.

وقد نسب "الزبيري" خثعمًا إلى أقبل "أفتل" بن أنمار بن نزار، وذكر أن خثعمًا هو اسم جبل تحالفوا عليه، "فنسبوا إليه، وهم بالسراة على نسبهم إلى أنمار بن نزار. وإذا كانت بين اليمن فيما هنالك وبين مضر حرب، كانت خثعم مع اليمن على مضر". كذلك نسب خزيمة، وهو يشكر إلى أنمار4.

وكان إياد على رواية الأخباريين أكبر أولاد معد5، وإليه يرجع نسب كل إيادي. وأولد إياد زهرًا ودعميًّا ونمارة، ومن نسلهم تفرعت سائر إياد6.

وقد ارتحلت إياد عن منازلها الأصلية، بسبب الحروب، فذهب قسم كبير منها إلى العراق حيث نزلوا في الأنبار وفي عين أباغ وسنداد وتكريت وبطن إياد وباعجة وأماكن أخرى، وذهب قسم آخر منهم إلى البحرين حيث انضموا إلى قضاعة، كما سكن قسم منهم في بلاد الشام7.

1 جمهرة "ص9".

2 نسب قريش "ص7".

3 سبائك الذهب "ص20".

4 نسب قريش "ص7".

5 خلاصة "ص58".

6 جمهرة "ص208". نهاية الأرب "2/ 310""طبعة الكتب المصرية"، صبح الأعشى "1/ 336""طبعة دار الكتب المصرية".

7 الأغاني "15/ 93". Ency، ii، p. 565.

ص: 61

ويروي الأخباريون أن إيادًا الذين كانوا اختاروا الإقامة في البحرين وهجر بعد تركهم مواطنهم القديمة في تهامة اضطروا إلى ترك مواطنهم الثانية والهجرة منها إلى العراق على أثر قدوم بني عبد القيس وشن بن أفصى ومن معهم مهاجرين من منازلهم إلى هجر والبحرين، فإن هؤلاء القادمين الجدد لما بلغوا هجر والبحرين ضاموا من وجدوهم بها من إياد والأزد، ثم أجلت عبد القيس إيادًا عن تلك البلاد، فساروا نحو العراق، وتبعتهم شن بن أفصى، فعطفت عليهم إياد واقتتلوا معهم حتى كاد القوم يتفانون، وقد بادت بسبب ذلك قبائل من شن1.

أما منازل إياد القديمة، فكانت تهامة مع أبناء أنمار ما بين حد أرض مضر إلى حد نجران وما والاها وصاقبها من البلاد2. ثم فارقت أنمار إخوتها ربيعة ومضر وإيادًا، فكثرت إياد وزاد عددها وكثرت قبائلها، فأخذت تعتدي على أبناء ربيعة ومضر، فوقعت بينها وبينهم من جراء بغيها هذا حروب، واجتمعت مضر وربيعة عليها، ثم تحاربوا في موضع من ديارهم يسمى "خانقًا" وهو لكنانة، فغلبت إياد، وظعنت من منازلها، وافترقت عن إخوتها، وتفرقت على رأي بعض الأخباريين ثلاث فرق: "فرقة مع أسد بن خزيمة بذي طوى، وفرقة لحقت بعين أباغ. وأقبل الجمهور حتى نزلوا بناحية سنداد. ثم اتفقوا، فكانوا يعبدون ذا الكعبات: بيتا بسنداد -وعبدتها بكر بن وائل بعدهم- فانتشروا فيما بين سنداد وكاظمة، وإلى بارق والخورنق وما يليها، واستطالوا على الفرات، حتى خالطوا أرض الجزيرة، فكان لهم موضع دير الأغور ودير الجماجم ودير مرة، وكثر من بعين أباغ منهم، حتى صاروا كالليل كثرة، وبقيت هناك تغير على من يليها من أهل البوادي، وتغزوا مع ملوك آل نصر المغازي"3، وحالها حسن معهم ومع الأكاسرة، حتى حدث حادث أفسد ما بينهم وبين الفرس، يرجعه الأخباريون إلى اعتداء نفر من إياد على نسوة من أشراف الأعاجم، وذلك في أيام "أنو شروان بن قباذ" أو "كسرى بن هرمز"، فسار إليهم الفرس، فانحازت إياد إلى الفرات، وجعلوا يعبرون إبلهم بالقراقير، ويجوزون الفرات. فتبعتهم الأعاجم، وكان على إياد يومئذ "بياضة

1 البكري "1/ 80 وما بعدها".

2 البكري "1/ 18".

3 البكري "1/ 69 وما بعدها".

ص: 62

ابن رباح بن طارق الإيادي". فلما التقى الناس، ارتجزت "هند بنت بياضة" شعرًا مشهورًا معروفًا، أوله:

نحن بنات طارق

نمشي على المفارق1

ثم هجمت إياد على الفرس، وهزمتها آخر النهار، وقتلت الجيش الذي كان يتعقبها، فلم يفلت منه إلا الشريد، وجمعوا جماجمهم، فجعلوها كالكوم، فسمي ذلك الموضع دير الجماجم2.

هذه رواية من عدة رويات وردت عن الحرب التي وقعت بين الفرس وإياد، وهي الرواية الوحيدة التي يرد فيها خبر انتصار إياد على الفرس. أما الرويات الأخرى، فتقول بانتصار الفرس على إياد. فرواية أبي علي القالي مثلًا عن رجاله تنص على غزو أنو شروان لإياد على أثر اعتداء نفر من إياد على نسوة الأعاجم، وتعقيبه لهم، وقتله خلقًا منهم، حتى اضطر بعضهم إلى النزول بتكريت، وبعضهم أرض الموصل والجزيرة، عندئذ بعث أنو شروان ناسًا من بكر بن وائل مع الفرس، فنفوهم عن تكريت والموصل إلى قرية يقال لها الحَرَجيّة، ثم التقوا بهم ثانية في هذا الموضع، فهزمهم الفرس، وقتلت منهم كثيرًا، ودفنت أجسادهم بها في مقبرة ذكر صاحب الرواية أنها كانت معروفة بها إلى يومه. وسارت البقية حتى نزلت بقرى من أرض الروم، وسار بعضهم إلى حمص وأطراف الشام. وكان الحارث بن همام بن مرّة بن ذهل بن شيبان فيمن سار إليهم من بكر بن وائل مع الأعاجم، فأجار ناسًا من إياد، كان فيهم: أبو دواد الإيادي3.

وفي رواية أخرى أن إيادًا كانت مقربة عند الفرس، حتى إن كسرى بن هرمز كان قد اتخذ جماعة منهم امتازوا بحسن الرماية، فجعلهم رماة عنده، وجعلهم مراصد على الطريق فيما بينه وبين الفرات لئلّا يعبره أحد عليهم، إلى أن حدثت حادثة الاعتداء على النسوة، فغضب كسرى على إياد، وأرسل جيشًا

1 وهو من الرجز القديم، نسب إلى نساء أخريات غير هند بنت بياضة، البكري "1/ 70 حاشية 2"، شرح الحماسة للتبريزي "3/ 35".

2 البكري "1/ 70".

3 "جار كجار أبي داود"، البكري "1/ 71".

ص: 63

عليهم، لحقهم وقد عبروا دجلة، فجثا الإياديون على الركب، ورموا الفرس رشقًا واحدًا. عندئذ أمر كسرى بإرسال الخيل عليهم، وأمر "لقيط بن يعمر بن خارجة بن عَوْبَثان الإيادي"، وكان كاتبه بالعربية وترجمانه، وكان محبوسًا عنده أن يكتب إلى من كان من شداد قومه، فيما بينهم وبين الجزيرة، أن يقبلوا إلى قومهم، فيجتمعوا، ليغير على إياد كلهم، فيقتلهم. فكتب لقيط إلى قومه ينذرهم كسرى، ويحذرهم إياه في جملة قصائد رواها الأخباريون1. فهربت إياد وأمر كسرى الخيل، فأحدقت بهم وبالذين بقوا من خلف الفرات. ثم وضعوا فيهم السيوف، ومن غرق منهم بالماء أكثر ممن قتل بالسيف. ولما بلغ كسرى شعر لقيط قتله2.

أما من هرب من إياد إلى الشام، ومن كان قد هاجر إليها، فقد دان للغساسنة، وتنصر كأكثر عرب الروم، ولحق أكثرهم بلاد الروم فيمن دخلها مع جبلة بن الأيهم من غسان وقضاعة ولخم وجذام3.

ولدينا رواية أخرى في أسباب تسمية موضع دير الجماجم بهذا الاسم، تشير إلى حدوث معركة بين الفرس وإياد، وقتل إياد لقوم من الفرس، ولكنها حادثة أخرى غير الحادثة المتقدمة على ما يظهر، يرويها ابن الكلبي، خلاصتها: أن رجلًا من إياد اسمه بلاد الرماح أو بلال الرماح، وهو أنبت بن محرز الإيادي، قتل قومًا من الفرس، ونصب رءوسهم عند الدير، فسمي دير الجماجم. ولم تذكر هذه الرواية زمن حدوث هذا القتل، وهل كان قبل إجلاء إياد عن العراق أو بعده كما جاء في الروايات السابقة؟ وهل كان هذا انتقامًا من الفرس بعد ما فعلوه بإياد؟ غير أن هناك رواية أخرى يرويها ابن الكلبي أيضا تشير بوضوح إلى أن فتك إياد بالفرس في موضع دير الجماجم إنما كان بعد نفي كسرى إياهم إلى الشام وفتكه بهم، أي أن هذا الفتك كان عملا انتقاميًّا من الفرس، لما فعلوه بإياد. يقول ابن الكلبي: "كان كسرى قد قتل إيادًا، ونفاهم إلى الشام، فأقبلت ألف فارس منهم حتى نزلوا السواد. فجاء رجل منهم وأخبر كسرى

1 منها:

سلام في الصحيفة من لقيط

على من بالجزيرة من إياد

البكري "1/ 72 وما بعدها".

2 البكري "1/ 73".

3 البكري "1/ 75"، الأغاني "2/ 23 وما بعدها"، كحالة "1/ 53".

ص: 64

يخبرهم، فأنفذ إليهم مقدار ألف وأربعمائة فارس ليقتلوهم، فقال لهم ذلك الرجل الواشي: انزلوا قريبًا حتى أعلم لكم علمهم. فرجع إلى قومه وأخبرهم، فأقبلوا حتى وقعوا بالأساورة، فقتلوهم عن آخرهم، وجعلوا جماجمهم قبة. وبلغ كسرى خبرهم، فخرج في أهليهم يبكون. فلما رآهم، اغتم لهم، وأمر أن يبنى عليهم دير سمي دير الجماجم"1. وهذه الرواية عن فتك إياد بالفرس، وهي أقرب إلى المنطق من الرواية الأولى التي ذكرتها عن النزاع بين كسرى وإياد.

على أن هناك أخبارًا أخرى ذكرها الأخباريون في تعليل اسم موضع "دير الجماجم" لا تشير إشارة ما إلى هذا الاصطدام بين الفرس وإياد، إنما أشار بعضها إلى حرب وقعت بين إياد وبين بني نهد في هذا المكان، قتل فيها خلق من إياد وقضاعة، ودفنوا هناك، فسمي الموضع بهذا الاسم، كما نسبت الحرب إلى قبائل أخرى لم يرد بينها اسم إياد2.

وفي رواية الأخباريون عن فتك كسرى بإياد، ونفيه إياهم إلى الشام، مبالغة كبيرة ولا شك. فإننا نجدهم أنفسهم يذكرون إيادًا مع الفرس تحارب في معركة "ذي قار"، ثم يذكرون أنها اتفقت سرًا مع بكر على أن تخذل الفرس يوم اللقاء. وقد خذلتهم بالفعل، إذ ولت منهزمة ساعة اشتداد القتال فانهزمت الفرس3. ثم تراهم يذكرون إيادًا في أخبار الفتوح، فيروون أنها حاربت تحت إمرة "بهران بن بهران جوبين" المسلمين، أي أنها كانت تحارب مع الفرس في العراق4. وأن صلاتهم كانت حسنة بهم. وهذا يناقض ما زعموه عن نفي الفرس لهم عن العراق. ولم تكن إياد من القبائل العربية النصرانية التي مالت إلى تأييد المسلمين، ففي الفتوحات الإسلامية للعراق كانوا مع الفرس على المسلمين وإن ساعدهم قسم منهم بالاتفاق معهم سرًّا، كما حدث في فتح تكريت. وفي الشام انضم قسم منهم إلى "هرقل""heraclius" في محاولاته اليائسة التي قام بها للاحتفاظ ببلاد الشام ولاستخلاص ما استولى عليه المسلمون من تلك البقاع. ولما حلت الهزائم بالروم، فضل قسم منهم الهجرة إلى بلاد الروم والإقامة فيها. وقد كان ذلك عن عاطفة دينية ولا شك5. غير أن هذا لا يعني أن جمهرة إياد كانت كلها مع الروم.

1 البلدان "3/ 131".

2 البلدان "4/ 131".

3 الطبري "2/ 253 وما بعدها".

4 Ency.، II، p. 566.

5 Ency.، II، p. 566.

ص: 65

ذكرت أن من المواضع التي كانت لإياد في العراق، موضع سنداد. ويفهم من روايات الأخباريين عنه، أنه قصر ونهر ومنازل نزلت بها إياد حين مجيئها إلى العراق، وأنه كان في الأصل اسم حاكم فارسي كان قد عين على هذه المنطقة، فأقام بها مدة طويلة، وبنى أبنية كثيرة من جملتها القصر الذي ذكر في شعر ينسب إلى الأسود بن يعفر النهشلي، جاء فيه:

أهل الخورنق والسدير وبارق

والقصر ذي الشرفات من سنداد

وأنه أيضًا اسم قصر كان العرب تحج إليه1، وهو الذي قصده الهمداني بقوله:"وكانوا يعبدون بيتًا يسمى ذا الكعبات، والكعبات حروف الترابيع"2. ويظهر من روايات الأخباريين عن هذا القصر أنه كان من القصور الضخمة المعروفة. يظهر أنه كان مربع الشكل، أو ذا مربعات ولذلك عرف ب "الكعبات"، وب "ذي الكعبات". وذكر أيضًا أنه كان لربيعة، وأنها كانت تطوف حوله حيث قالوا:"الكعبات، بيت كان لربيعة، كانوا يطوفون به"3.

ويظهر من أقوال الأخباريين وجود عدة بيوت كانت على هيأة كعبات في جزيرة العرب لعبادة الأصنام، تحج القبائل إليها وتطوف حولها، سأتحدث عنها في الجزء الخاص بالحياة الدينية عند العرب قبل الإسلام، ومنها بيت كان ب "أحد" على رواية، أو على مقربة من شداد "سنداد" على رواية ابن دريد، أو على شاطئ الفرات على رواية تنسب إلى ابن الكلبي عرف ب "السعيدة" كانت ربيعة تحجه في الجاهلية4، وأظنهم يقصدون هذا البيت بيت سنداد.

أما مضر5، فولد إلياس والناس، ويعرف أيضا بعيلان، وأمهما الحنفاء

1 البلدان "5/ 149 وما بعدها". "والبيت ذي الكعبات من سنداد"، اللسان "2/ 213". تاج العروس "1/ 457"، الأصنام "ص45".

2 الصفة "ص171""طبعة القاهرة 1953"، بعناية محمد بن عبد الله بن بليهد النجدي".

3 تاج العروس "1/ 457"، "اللسان "2/ 213"، "وكان لربيعة بيت يطوفون به، يسمونه الكعبات وقيل ذا الكعبات".

4 تاج العروس "2/ 378"، لسان العرب "4/ 199".

5 تاج العروس "4/ 544"، جمهرة "9"، صبح الأعشى "1/ 339"، منتخبات "ص35، 55".

ص: 66

ابنة إياد بن معدّ1، وسماها ابن حزم "أسمى بنت سود بن أسلم بن الحارث بن قضاعة"2، فهي قضاعية على هذا الرأي. وجعل بعض النسابين أم إلياس امرأة دعوها الرباب بنت إياد المعدية3، فهي إذن على هذه النسبة من معد.

ومضر هو شعب في نظر أهل الأنساب، والشعب في عرفهم أعظم من القبيلة4، فهو أكبر وحدة اجتماعية سياسية في اصطلاح النسابين، وهو من أعظم شعوب مجموعة عدنان، ولم يعثر على هذا الاسم في الكتابات الجاهلية، ولا في مؤلفات الكلاسيكيين. أما اسم معدّ، فقد أشير إليه كما ذكرت سابقًا في بعض مؤلفات الكلاسيكيين. وأما اسم نزار فقد ورد في نص النمارة الذي يرجع عهده إلى سنة 328 للميلاد. وقد عرف مضر ب "مضر الحمراء" عند النسابين، ويقولون إنه عرف بذلك "لأن أباه أوصى له من ماله بالذهب". ويظهر أنها كانت قبيلة عظيمة عند ظهور الإسلام، ثم اندمجت في غيرها من قبائل هذه المجموعة: مجموعة عدنان، حتى تغلبت على مضر تسمية قيس، أي تسمية أبناء قيس عيلان "قيس بن عيلان""قيس عيلان" في الإسلام، فصارت "قيس" تؤدي معنى العدنانية، واستعملت في مقابل عرب اليمن قاطبة، فيقال: قيس ويمن5.

وولد لإلياس مدركة واسمه عامر، وعمرو وهو طابخة، وقمعة واسمه عمير، وأمهم خندف، واسمها ليلى بنت حُلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. وقد نسبوا إلى أمهم فقيل لهم خندف6. وقد حصر بعض النسابين نسل خندف في مدركة وطابخة، ولذلك حصروا قبائل مضر في أصلين خندف وقيس عيلان7.

1 نسب قريش "ص7"، سبائك الذهب "ص21".

2 جمهرة "ص9".

3 نهاية الأرب "2/ 325".

4 منتخبات "ص55".

5 صبح الأعشى "1/ 329". وهناك جملة تفاسير ل "مضر الحمراء"، نهاية الأرب "2/ 310".

6 "خندف: فعلل، بكسر الفاء واللام" منتخبات "ص55"، جمهرة النسب "ورقة 4". وتجد في هذه الورقة تفسير ابن الكلبي على طريقته المألوفة في وضع القصص عن معنى مدركة وطابخة وقمعة وخندف، نهاية الأرب "2/ 330"، اللسان "خندف".

7 نسب قريش "ص7"، جمهرة "ص9"، طرفة الأصحاب "ص57"، تاج العروس "3/ 544"، صبح الأعشى "1/ 339"، كحالة "3/ 1107"، منتخبات "ص55".=

ص: 67

أما مدركة1، فولد له خزيمة، وهذيل. وأمهما سلمى بنت أسد بن ربيعة بن نزار2، ونسب بعضهم له ولدًا هو غالب3. وولد خزيمة كنانة. وأمه عوانة بنت قيس بن عيلان4، وأسدًا، وأسدة، والههون، وأمهم برّة بنت مرّ بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن مضر بن نزار، وهي أخت تميم بن مرّ5. وهذيل قبيلة متسعة، لها بطون كثيرة6.

وليس النسابون على اتفاق بينهم في تعيين أولاد أسدة، فجعلهم بعضهم جذامًا ولخمًا وعاملة، ونسب هؤلاء في اليمن كما أشرت إلى ذلك في أنساب قبائل قحطان على رأي أكثر النسابين7.

وأما نسل الهون8 فهم: عضل9، وديش10، ويعرفون

= قال العجاج:

لا قدح إن لم تور نارا بهجر

ذات سنى يوقدها من افتخر

من شاهد الأمصار من حيي مضر

يعني قيسا وخندف. وقال جرير:

إذا أخذت قيس عليك وخندف

بأقطارها لم تدر من حيث تسرح

المبرد "ص1 وما بعدها".

1 صبح الأعشى "1/ 348"، ابن خلدون "2/ 319".

2 نسب قريش "ص8"، وهي "سلمى بنت أسلم بن الحاف بن قضاعة"، في جمهرة النسب "ورقة 4".

3 جمهرة "ص9"، وأضاف ابن الكلبي إليهم "غالبا" و "سعدا" و "قيسا"، وأمهم "ليلى بنت السيد؟ بن الحاف بن قضاعة"، جمهرة النسب "ورقة 4".

4 "ويقال: هند بنت عمرو بن قيس عيلان"، جمهرة النسب "ورقة 4".

5 نسب قريش "ص8"، جمهرة" ص9". "وعبد الله"، جمهرة النسب "ورقة 3".

6 صبح الأعشى "1/ 349".

7 نسب قريش "ص8 وما بعدها"، "وأسدة. فجذام، تنسب إلى أسدة"، جمهرة "ص9" جمهرة النسب "ورقة 4".

8 "الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر"، نهاية الأرب "2/ 394"، صبح الأعشى "1/ 349"، لسان العرب "17/ 231"، كحالة "3/ 1235"، أبو الفداء "1/ 107".

9 صبح الأعشى "1/ 349"، لسان العرب "13/ 480"، الصحاح للجوهري "2/ 215". كحالة "2/ 787".

10 "الديش بن مليح بن الهون"، صبح الأعشى "1/ 349"، تاج العروس "7/ 316"، "الديش بن الهون. وهو أخو عضل. ويقال لهاتين القبيلتين، وهما: عضل والديش القارة" أبو الفداء "1/ 107".

ص: 68

بالقارة1، وهم بنو بيشع بن مليح بن الهون2. على حدّ قول بعض النسابين وبطنان من خزاعة هما الحيا والمصطلق، حلفاء لبني الحارث بن عبد مناة بن كنانة. ويعرفون على حد قولهم بالأحابيش: أحابيش قريش. لأن قريشًا حالفت بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة على بكر بن عبد مناة، فهم حلفاء قريش3.

وأولاد كنانة، هم: النضر، وهو أكبر أولاده وبه يكنى، ومالك "مالكا"، وملكان، ومليك وغزوان، وعمرو، وعامر، وأمهم برّة بنت مرّ أخت تميم بن مرّ4، وهي نفسها زوج خزيمة والد كنانة، تزوجها كنانة بعد وفاة أبيه. وكانت العادة في الجاهلية أن يتزوج الولد البكر زوجة أبيه بعد وفاته إذا لم تكن أمه، وأن يرث خيار ماله، وهو زواج منعه الإسلام. ويعرف هذا الزواج بزواج المقت5.

وكانت لكنانة زوج أخرى، هي هالة بنت سويد بن الغطريف، ويقصدون بالغطريف حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن النبت، وقد ولدت له حُدال وسعدًا وعوفًا ومجربة. وقد ترك هؤلاء الأولاد ذرية، فكان من نسل حدّان جماعة أقامت بعدن أبين، وكان من نسل مجربة بنو ساعدة6.

أما زوج كنانة الثالثة، فكانت الذفراء: واسمها فكيهة. وهي بنت هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. وقد ولدت له: عبد مناة7.

1 جمهرة "ص179"، تاج العروس "3/ 510"، لسان العرب "6/ 436". الإنباه "ص73"، كحالة "3/ 935".

2 جمهرة "179".

3 "فأما الهون بن خزيمة، فهم عضل، وديش، والقارة، بنو ييثع بن الهون، وهم، وبطنان من خزاعة يقال لهما الحيا والمصطلق، حلفاء لبني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، وهم كلهم يقال لهم: الأحابيش أحابيش قريش"، نسب قريش "ص9".

4 نسب قريش "ص10"، "وبنو عبد مناة"، الجمهرة "ص434"، وأضاف ابن الكلبي إليهم أولادًا آخرين، جمهرة النسب "ورقة 5".

5 نسب قريش "ص10"، جمهرة النسب "ورقة 5"، بلوغ الأرب "2/ 52 وما بعدها".

6 نسب قريش "ص10".

7 نسب قريش "ص10".

ص: 69

وولد النضر، وهو قريش على بعض الآراء1 مالكًا على رأي أكثر النسابين وأضاف بعضهم إليه ولدين آخرين، هما: يخلد الصلت، وأمهم عكرشة بنت عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان2. ومن يخلد قريش بن بدر بن يخلد بن النضر، وكان دليل قريش في التجارة في الجاهلية، وبه سميت قريش على رأي بعض النسابين، وباسم بدر والده دعي بدر3، وإلى الصلت بن النضر ينسب بنو مليح4 "ملح"5، على رأي، بينما يعدون من خزاعة في رأي آخر6.

أما ولد مالك، فهو فهر، وهو قريش، وأمه جندلة بنت الحارث بن جندل بن عامر بن سعد بن الحارث بن عضاض بن جرهم7، فهي جرهمية على هذا النسب. وبه سميت قريش قريشًا على رأي أكثرية أهل الأخبار. ولهذا يقال لهم بنو فهر8. وللأخباريين روايات عديدة في معنى قريش9.

وولد فهر غالبًا والحارث ومحاربًا وجندلة، وأمهم ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة10، وولد غالب بن فهر لؤيًّا وتميمًا وهو الأدرم، وأمهما عاتكة بنت يخلد بن النضرة بن كنانة11، وقيس بن غالب وقد انقرض نسله12.

1 المبرد "ص2".

2 نسب قريش "ص11"، جمرة النسب "ورقة 5".

3 الجمهرة "ص10"، البلدان "2/ 88"، البكري "1/ 231"، "تحقيق السقا".

4 نسب قريش "ص11".

5 الجمهرة "ص11".

6 الجمهرة "ص11"، نسب قريش "ص11".

7 نسب قريش "ص22"، الجمهرة "ص11"، جمهرة النسب "ورقة 5".

8 قال الحطيئة:

وإن الذي أعطيتهم أو منعتهم

لكالتمر أو أحلى لحلف بني فهر

المبرد "ص2".

9 راجع كتب اللغة مادة "قريش"، نهاية الأرب "2/ 333"، القاموس "2/ 284"، الصحاح "1/ 495".

10 نسب قريش "ص12 وما بعدها"، وأضاف ابن الكلبي أولادا آخرين إليه، جمهرة النسب "ورقة5".

11 نسب قريش "ص12"، جمهرة النسب "ورقة 5".

12 جمهرة "ص11".

ص: 70

ومن ولد لؤي كعب وعامر، وهما البطاح، وسامة ومن نسله بنو ناجية، وخزيمة وهم عائذة، وقد نزلوا في بني أبي ربيعة من شيبان، والحارث وهو جثم، وهم في همدان، وأمهم ماربة بنت كعب بن القين بن جسر بن شيع الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وسعد بن لؤي وهم بنانة، وقد نزلوا في بني شيبان، وأمه يسرة بنت غالب بن الهون بن خزيمة1، وعوف بن لؤي وقد دخل نسله في بني ذببيان بن غطفان بن قيس عيلان، وهم بنو مرّة بن عوف بن ذببيان رهط الحارث بن ظالم المري. وقد دخل أكثر هؤلاء الأبناء في غيرهم، ولذلك أدخلهم النسّابون فيمن دخلوا فيهم، وعدوا نَسْلَ كعب وعامر الصرحاء من ولد لؤي وحده2.

وولد كعب مرَّة3، وهصيصًا4، وأمهما وحشية بنت شيبان بن محارب بن فهر، وعدي وأمه حبيبة بنت بجالة بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر5، وولد مرّة كلابًا، وأمه هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة، وسرير والد هند هو أول من نسأ الشهور، ثم نسأها القلمس ابن أخيه من بعده، واسمه عديّ بن ثعلبة بن الحارث بن كنانة. ثم صار النسيء في ولده، وكان آخرهم جنادة بن عوف. وولد أيضا تيم بن مرة ويقظة بن مرة، وأمهما بنت سعد، وهو بارق بن حارثة بن عمرو بن عامر، جد قبيلة بارق6. ومن عدي بن كعب عمر بن الخطاب وزيد7.

أما كلاب، فكان له من الولد قصيّ وزهرة. ومن نسل قصي: عبد مناف وعبد الدار وعبد العزى8. وقد تحدثت سابقًا عن قصيّ منظم قريش.

1 نسب قريش "ص13"، وتجد في هذا الكتاب بعض الاختلاف عما ورد في جمهرة النسب "ورقة 5 وما بعدها".

2 جمهرة "ص11".

3 ابن خلدون "2/ 326"، صبح الأعشى "1/ 354"، القاموس "2/ 133"، لسان العرب "2/ 326". تاج العروس "3/ 539".

4 نهاية الأرب "2/ 355"، كحالة "3/ 1219".

5 نسب قريش "ص13"، الجمهرة "ص12 وما بعدها"، جمهرة النسب "ورقة 6".

6 نسب قريش "ص13 وما بعدها".

7 المبرد "ص3".

8 نسب قريش "ص14"، الجمهرة "ص12"، جمهرة النسب "ورقة 6".

ص: 71

فولد عبد مناف بن قصيّ: عمرًا وهو هاشم، والمطلب وهو عبد شمس ونوفلًا. وأم هاشم وعبد شمس والمطلب عاتكة بنت مرّة بن هلال بن فالح بن ذكوان السلمية، وأم نوفل واقدة من بني مازن بن صعصعة السلمية، خلف عليها هاشم بن عبد مناف بعد أبيه، فولدت له ابنتين خالدة وضعينة1.

ومن بطون كلاب بنو زهرة2، ومن بطون تيم3 بن مرّة أبو بكر الصديق، وعبد الله بن جدعان سيد قريش في الجاهلية، ومن بطون يقظة بن مرّة بنو مخزوم، ومنهم خالد بن الوليد4.

ومن نسل هصيص بن كعب، بنو جمح، وهم ولد جمح بن عمرو بن هصيص5، وبنو سهم بن عمرو بن هصيص6. ومن بني سهم، عمرو بن العاص7.

وقد وقعت حرب بين بني جمح وبني محارب بن فهر في موضع عرف بردم بني جمح بمكة، قتلت فيه بنو محارب بني جمح أشد القتل، فعرف ذلك الموضع بالردم، بما ردم عليه من القتلى يومئذ8. وكان أمية بن خلف على بني جمح في حرب الفجار9.

1 الجمهرة "ص12".

2 "بنو زهرة بن كلاب"، تاج العروس "3/ 248"، أبو الفداء "1/ 114"، نهاية الأرب "2/ 357"، جمهرة "119 وما بعدها".

3 "تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر"، نهاية الأرب "2/ 357"، أبو الفداء "1/ 113"، صبح الأعشى "1/ 354"، كحالة "1/ 138".

4 المبرد "ص3"، الاشتقاق "ص61/ 88"، "بنو يقظة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر"، نهاية الأرب "2/ 356"، ابن خلدون "2/ 326"، أبو الفداء "1/ 113" صبح الأعشى "1/ 354، 355"، "بنو مخزوم بن يقظة" جمهرة "131 وما بعدها"، لسان العرب "15/ 68"، الاشتقاق "60"، تاج العروس"6/ 263"، "8/ 276". الإنباه "17"، كحالة "3/ 1058".

5 الجمهرة "ص150"، تاج العروس "2/ 133"، صبح الأعشى "1/ 353"، نهاية الأرب "2/ 356"، الإنباه "ص71". كحالة "1/ 202 وما بعدها".

6 الجمهرة "ص154 وما بعدها".

7 المبرد "ص3"، أبو الفداء "1/ 113"، القاموس "4/ 134"، الإنباه "71"، نهاية الأرب "2/ 356"، تاج العروس "8/ 352"، كحالة "2/ 560".

8 البكري "2/ 649""تحقيق السقا"، أبو الفداء "1/ 113".

9 الأغاني "19/ 77".

ص: 72

أما نسل ربيعة بن نزار، فهم أسد وضبيعة1، ويضاف إليهما أكلب2 على بعض الروايات، ومن نسل هؤلاء تفرعت قبائل ربيعة. فمن أسد كانت جديلة وعنزة وعمير3. ومن بني عنزة بنو هزّان بن صباح بن عتيك بن أسلم بن يذكر بن عنزة. وبنو جلّان بن عتيك بن أسلم بن يذكر بن عنزة. وبنو الحارث بن الدؤل بن صباح بن عتيك بن أسلم. كان إذا مصر ثوبيه مصرت عنزة معه. وعرف من بني هزان آل ضور بن رزاح وهو الذي يقال إنه الحارث بن لؤي بن غالب الذي يسمى جشمًا، وجشم كان عبدًا لأبيه، حضنه فسمي به4.

وتعد عنزة5 من القبائل العربية الكبيرة، وهي لا تزال من القبائل البارزة في الزمن الحاضر، ولها بطون عديدة في الحجاز ونجد وبادية الشأم والشأم. أما تأريخها قبل الإسلام، فهو مثل تواريخ القبائل الأخرى من حيث الغموض. وقد كانت تتعبد في الجاهلية لمحرق ولسعير6.

وأما ولد ضبيعة7، فهم أحمس8 والحارث. ومن بني أحمس الشاعر المسيب، وهو زهير بن علس، والحارث الأضجم بن عبد الله بن ربيعة بن دوفن سيد

1 ابن خلدون "2/ 300"، نسب ربيعة بن مضر بن عدنان. وهو ربيعة بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان". طرفة الأصحاب "ص62"، سبائك الذهب "ص53"، لسان العرب "9/ 469"، صبح الأعشى "1/ 337، 339"، نهاية الأرب "2/ 328"، لسان العرب "4/ 39"، الاشتقاق "194"، كحالة "1/ 224، 2/ 663"، تاج العروس "5/ 427".

2 جمهرة "ص275"، نهاية الأرب "2/ 310، 328".

3 نهاية الأرب "2/ 328"، الاشتقاق "194".

4 جمهرة "ص276 وما بعدها".

5 ابن خلدون "2/ 300"، نهاية الأرب "2/ 328"، الاشتقاق "ص194، 202". لسان العرب "7/ 251"، جمهرة "277". تاج العروس "3/ 62"، القاموس "2/ 184"، كحالة "2/ 846 وما بعدها".

6 ency.، I، p. 346.

7 الاشتقاق "ص190"، ابن خلدون "1/ 300"، نهاية الأرب "2/ 328" صبح الأعشى "1/ 339"، تاج العروس "5/ 427"، كحالة "2/ 663".

8 الاشتقاق "ص190"، كحالة "1/ 10".

ص: 73

ربيعة الذي نشبت بسبب مقتله حرب بين بني ربيعة، والمتلمس الشاعر. ومن بني أحمس أيضًا بنو الكلبة، وهم أولاد مرّة بن مازن بن أوس بن زيد بن أحمس بن ضبيعة، ومنهم الحُلَيْس وابن المسيب1.

أما جديلة2، وهو جدّ جديلة، فولد دُعميًّا3 وجدْيًا4. وقد دخل بنوه في بني شيبان، وجدار "جدانا"5، وقد دخل نسله في بني زهير بن جشم من بني النمر بن قاسط. وولد غير ذلك في بعض الروايات6. وولد دعمي أفصى7، وولد أفصى هنبسًا وعبد القيس وجشمًا ودخل بنوه في عبد القيس، وناشمًا، ودخل بنوه في بني تغلب8.

ومن نسل عبد القيس بن أفصى، شن9 ولكيز10. ومن ولد لكيز وديعة وهو جدّ بطن، وصباح، وهم بطن كذلك ونكرة، ومن بطون وديعة عمرو، وغنم، ودهن، ومن عمرو بن وديعة مالك وثعلبة وعائدة وسعد وعوف والحارث، ومن الحارث، ابن أنمار بن عمرو بن وديعة البراجم، وهم عبد شمس وعمرو وحيّ بني معاوية بن ثعلبة بن عوف بن أنمار بن عمرو بن ربيعة، وهؤلاء

1 جمهرة "ص275 وما بعدها".

2 الاشتقاق "196"، ابن خلدون "2/ 300"، نهاية الأرب "2/ 311"، كحالة "1/ 173"، "جديلة بفتح الجيم وكسر الدال المهملة وسكون الياء المثناة تحت وفتح اللام، وهاء في الآخر، والنسبة إليهم جدلي"، صبح الأعشى "1/ 327".

3 "دعمى"، لسان العرب "15/ 92"، القاموس "4/ 112"، تاج العروس "8/ 291". نهاية الأرب "2/ 311".

4 جمهرة "278".

5 "جدار" جمهرة "278"، "جدان بن جديلة بن أسد بن ربيعة"، تاج العروس "2/ 316، 9/ 160"، كحالة "1/ 170"، جمهرة "ص278"، سبائك الذهب "ص53"، المبرد "18".

6 سبائك الذهب "ص53".

7 نهاية الأرب "2/ 329".

8 جمهرة "ص278"، سبائك الذهب "53".

9 "شن بن أفصى بن عبد القيس بن أفصى بن دعمى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار"، الاشتقاق "ص196"، تاج العروس "9/ 256"، لسان العرب "17/ 109"، الصحاح للجوهري "2/ 387"، جمهرة "282"، سبائك الذهب "ص54".

10 سبائك الذهب "ص54"، الاشتقاق "196"، لسان العرب "7/ 272".

ص: 74

البراجم هم غير براجم تميم1، والجارود وقد كانت له صحبة بالرسول وولي أولاده منازل رفيعة في الإسلام2.

ومن نسل عجل بن عمرو بن وديعة بن لكيز، ذهل وذاهل، ومن بني ذهل ليث وثعلبة، وهما ابنا حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل بن عمرو. ومن ليث بن حداد، بنو ذهل بن ليث، ومنهم جيفر بن عبد عمرو بن خوليّ بن همام بن الفاتك3، ومن نسل عمرو بن وديعة بنو محارب4، ومنهم الحطم بن محارب، وإليه تنسب الدروع الحطمية، وبنو الدّيل بن عمرو بن وديعة5، ومن نسل وديعة بن لكيز بنو دهن وبنو غنم، ومنهم الدّيل ومازن6.

واشتهر من ولد نكرة بن لكيز، الشاعر المثقب، والشاعر الآخر الممزق، وهو شأس، والمفضل بن معشر بن أسجم وهو شاعر كذلك7.

أما شن بن أفصى، فكان من نسله يزيد بن شن، يذكر أهل الأخبار أنه أول من ثقف القنا بالخط، وعديّ، والدّيل. ومنهم عمرو بن الجعيد بن صبرة بن الدّيل بن شن بن أفصى بن عبد القيس، وهو الذي ساق عبد القيس من تهامة إلى البحرين، وعرف بالأفكل8، وكان سيد ربيعة في الجاهلية، وكان ذا بغي، فسارت إليه بنو عصر، فقتلوه. ومن بني عمرو رثاب بن البرّاء، وكان على دين المسيح9.

ومواطن بني عبد القيس بتهامة في الأصل، ثم ارتحلت عنها بسبب الحروب التي وقعت بين أبناء ربيعة، فذهبت إلى البحرين، فتغلبت على من كان قد

1 الأغاني "1/ 209".

2 الجمهرة "ص278 وما بعدها"، المبرد "18"، الإصابة "1042". الاشتقاق "197"، المعارف "115".

3 جمهرة "ص280".

4 الصفة "132"، كحالة "3/ 1043".

5 الصحاح "2/ 186"، لسان العرب "13/ 249".

6 جمهرة "ص180 وما بعدها"، سبائك الذهب "ص54".

7 جمهرة "282"، شيخو: شعراء النصرانية "القسم الثالث: في شعراء بكر بن وائل من بني عدنان، ص400 وما بعدها".

8 جمهرة""ص282"، الاشتقاق "ص197".

9 الاشتقاق "ص197".

ص: 75

سكن قبلهم بها من إياد ومن بكر بن وائل وتميم. واقتسمتها بينهم، فنزلت جذيمة بن عوف بن بكر بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن لكيز الخط وأفناءها، ونزلت شن أفصى طرفها وأدناها إلى العراق، ونزلت نكرة بن لكيز القطيف وما حوله والشفار والظهران إلى الرمل وما بين هجر إلى قطر وبينونة، ونزلت عامر بن الحارث بن أنمار بن عمرو بن وديعة والعمور، وهم بنو الدّيل بن عمرو، ومحارب بن عمرو، وعجل بن عمرو الجوف والعيون والأحساء، ودخلت قبائل منهم جوف عُمان فصاروا شركاء للأزد في بلادهم1. وقد بقيت بنو عبد القيس في هذه المواضع محتفظة بها عند ظهور الإسلام.

ويظن أن "aboukaiun"، وهو اسم قبيلة وموضع ذكر في جغرافية "بطلميوس" هو "عبد القيس"2. ولم يتحدث "الكلاسيكيون" شأنهم في أكثر ما كتبوه عن بلاد العرب بشيء عن هذه القبيلة. ولكن الأخباريين يروون أن عرب بلاد عبد القيس والبحرين وكاظمة غزوا السواحل المقابلة لهم من أرض إيران، وذلك لضيق معاشهم، وللضنك الذي حل بهم في عهد سابور ذي الأكتاف "سابور الثاني" منتهزين فرصة اضطراب الأمن في تلك البلاد وضعف الحكومة بسب صغر سن الملك. فلما كبر الملك واشتد، جمع جموعه وسار بها على الغازين، ففتك بهم، وأسر منهم خلقًا كثيرًا، ثم عبر البحر "فورد الخط واستقرى بلاد البحرين، يقتل أهلها ولا يقبل فداء. ولا يعرج عن غنيمة، ثم مضى على وجهه، فورد هجر، وبها ناس من أعراب تميم وبكر بن وائل وعبد القيس، فأفشى فيهم القتل""ثم عطف على بلاد عبد القيس، فأباد أهلها" ثم سار إلى اليمامة، فقتل بها مقتلة كبيرة، ولم يمر في طريقه بماء إلا غوره، ولا جب من جبابهم إلا طمّه، حتى وصل قرب المدينة، فقتل من وجد هناك من العرب، وأسر. ثم عطف نحو بلاد بكر وتغلب فيما بين مملكة فارس ومناظر الروم بأرض الشام، فقتل من وجد بها من العرب، وسبى وطَمَّ مياههم، ثم أسكن من

1 البكري "1/ 80 وما بعدها"، ابن خلدون "2/ 300"، نهاية الأرب "2/ 329". الاشتقاق "ص196"، صبح الأعشى "1/ 337"، القاموس "2/ 244، 387"، لسان العرب "8/ 72، 398"، الأغاني "13/ 56، 14/ 44، 103 وما بعدها". كحالة "2/ 726 وما بعدها".

2 ency.، I، p. 45.

ص: 76

بني تغلب من البحرين دارين واسمهما هيبح والخط، ومن كان من عبد القيس وطوائف من بني تميم هجر، ومن كان من بكر بن وائل كرمان، ومن كان منهم من بني حنظلة بالرملية من بلاد الأهواز1.

وهم يذكرون أيضًا أن عرب الشام قد تأثروا بما فعله سابور بهم، فاتفقوا مع الروم، وانتقموا منه. ولكن سابور بعد انتصاره على الروم، عاد فاتبع سياسة استرضاء العرب، فاستصلحهم، وأسكن بعض قبائل تغلب وعبد القيس وبكر بن وائل كرمان وتوج والأهواز2. وهذه الرواية الثانية هي، ولا شك الجزء الأخير من حديثهم عن حملة سابور على بلاد العرب، أخذها الطبري أو المورد الذي اعتمد عليه من مورد كان قد جزأ الكلام، فصار الحديث الواحد حديثين اثنين. ونجد ذلك واضحًا وضوحًا تامًّا في اتفاق العبارات بين الروايتين، ثم إن الإسكان الإجباري في أرض ما ليس نوعًا من الاستصلاح والاسترضاء. وفي حديث الأخباريين عن حملة سابور على بلاد العرب ووصوله إلى مقربة من المدينة وعن تنكيله بالعرب وحرقه المدن وطمّه المياه، مبالغات كبيرة ولا شك، أخذت من موارد فارسية بولغ فيها، وليس في روايات المؤرخين الروم عن هذا الحادث ما يؤيد هذا الزعم.

وكان والي البحرين عند ظهور الإسلام، المنذر بن ساوى، وهو من بني تميم، يحكمها باسم الفرس على حد رواية الأخباريين، وقد أرسل إليه الرسول رسولا عنه يدعوه وقومه من بني عبد القيس إلى الإسلام. وكان رسول رسول الله هو العلاء بن الحضرمي. فلما أتاه العلاء يدعوه ومن معه بالبحرين إلى الإسلام أو الجزية، أسلم المنذر، وأسلم جميع العرب بالبحرين3. وقد أوفدوا وفدًا عنهم إلى الرسول برئاسة المنذر بن الحارث بن النعمان بن زياد بن نصر بن عمرو بن عوف بن جزيمة بن عوف بن أنمار بن عمرو بن وديعة بن بكر، فاتصل بالرسول، وصارت له صحبة ومكانة منه. ووفد منهم إلى الرسول أيضًا الجارود وهو "بشر

1 الطبري "2/ 66 وما بعدها".

2 الطبري "2/ 70".

3 ابن الأثير "2/ 86 وما بعدها"، ابن خلدون "2 بقية الجزء الثاني ص 26"، المحبر "ص265".

ص: 77

ابن عمرو بن خناش"، وثعلبة أخو عوف بن جذيمة، وفدا في بني عبد القيس سنة تسع مع المنذر بن ساوى. وكان نصرانيًّا فأسلم.

وكان بين بني عبد القيس وسكان البحرين والعربية الشرقية بصورة عامة جماعة على دين يهود، وجماعة أخرى على دين المجوس، وجماعة على دين النصارى. وقد صالح من قرر البقاء في دينه العلاء بن الحضرمي والمنذر بن ساوى على الجزية1.

وينسب إلى أبي عبيدة معمر بن المثنى كتاب أخبار بني عبد القيس، اسمه "كتاب خبر عبد القيس" وإلى عَلّان الشعوبي كتاب اسمه "مثالب عبد القيس"، كذلك ينسب إلى المدائني كتاب اسمه "كتاب أشراف عبد القيس"2.

ومن ولد هنب بن أفصى3 قاسط بن هنب4، وهو والد وائل بن قاسط5، والنمر6 ومن بني النمر تيم الله وأوس مناة وعبد مناة وقاسط، ومن بني تيم الله بن عامر سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط. وأبو حوط الحظائر بن جابر، والد جابر الخير، أخو المنذر بن ماء السماء لأمه7.

ومن رجال بني النمر بن قاسط سنان بن مالك، وكان على الأبلة، استعمله كسرى عليها. وهو والد صهيب من أصحاب الرسول. وقد عرف "صهيب" بصهيب الرومي. وذكر ابن خلدون أنه ينسب إلى الروم8، فهل عنى بذلك

1 ابن الأثير "2/ 89".

2 ency. I، p.46.

3 تاج العروس "1/ 518". لسان العرب "2/ 287"، نهاية الأرب "2/ 329"، ابن خلدون "12/ 301"، كحالة "3/ 1229".

4 لسان العرب "9/ 255"، الاشتقاق "202".

5 نهاية الأرب "2/ 330"، الاشتقاق "202"، لسان العرب "14/ 245"، القاموس "4/ 63"، كحالة "3/ 1244"، ابن خلدون "2/ 301".

6 جمهرة "283"، القاموس "2/ 149"، لسان العرب "7/ 95"، تاج العروس "3/ 586"، صبح الأعشى "1/ 338"، كحالة "3/ 1193".

7 جمهرة "ص283 وما بعدها".

8 جمهرة "ص283 وما بعدها".

ص: 78

أن أمه من الروم، أو أن أجداده من أصل رومي، عُدّوا من النمر بن قاسط؟ ومن أشهر ديار النمر بن قاسط رأس العين "رأس"1.

وقد كانت النمر بن قاسط في جملة القبائل العدنانية الأخرى التي خضعت لحكم كندة، ويذكر الأخباريون في تعليل ذلك أن الحارث بن أبي شمر الغساني لما قتل عمرو بن حجر "ملك بعده ابنه الحارث بن عمرو، وأمه بنت عوف بن محلم بن ذهل بن شيبان. ونزل الحيرة. فلما تفاسدت القبائل من نزار، أتاه أشرافهم، فقالوا: إنا في دينك، ونحن نخاف أن نتفانى فيما يحدث بيننا، فوجه معنا بنيك، ينزلون فينا، فيكفون بعضنا عن بعض. ففرق ولده في قبائل العرب، فملك ابنه حجرًا على بني أسد وغطفان، وملك ابنه شرحبيل قتيل يوم الكلاب على بكر بن وائل بأسرها وبني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم والرباب، وملك ابنه معد يكرب، وهو غلفاء، على بني تغلب والنمر بن قاسط وسعد بن زيد مناة وطوائف من بني دارم بن مالك بن حنظلة والصنائع، وهم بنو رُقَيّة قوم كانوا يكونون مع الملوك من شذاذ العرب، وملك ابنه عبد الله على عبد القيس، وملك ابنه سلمى على قيس"2. فكانت هذه القبيلة إذن في جملة القبائل العدنانية التي جمع شتاتها تاج كندة. وليس في رواية الأخباريين هذه غرابة، فقد رأينا امرأ القيس يحكم قبله قبائل عديدة، ويفرض تاجه عليها، ثم يوزّع أبناءه على تلك القبائل. ولكن هذا التوحيد لا يدوم في العادة أمدًا طويلًا، إنما يتوقف على حكمة الحكام، وعلى حسن تصرفهم، وعلى قوتهم وقدرتهم، وسلطة ذات يدهم. فإذا ظهر ضعف على الحاكم أو الحكام، أو حدث حادث، يتبين منه للقبائل الخاضعة أن من خضعت له لم يعد قويًّا متمكنًا، ثارت عليه ثم لا يلبث ذلك البناء أن ينهار.

أما نسل وائل بن قاسط، فهم بكر ودثار، وهو تغلب، وعبد الله، وهو عنز، والشُّخيص3، وقد دخل نسله في بني تغلب، والحارث وقد دخل في بني عائش بن مالك بن تيم الله بن ثعلبة بن بكر بن وائل. أمهم كلهم هند

1 ابن خلدون "2/ 301".

2 الأغاني "9/ 81 وما بعدها".

3 الجمهرة "285".

ص: 79