الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المناكح الكريمة:
وقد روي عن "أكثم بن صيفي" قوله: "المناكح الكريمة مدراج الشرف"1. ولهذا حرصوا على تطبيق قاعدة التكافؤ في الزواج، واختيار كرائم البنات لكرائم الرجال. وروي أن جملة ما أوصى به "الحارث بن كعب" سيد مذحج قومه أن "تزوجوا الأكفاء، وليستعملن في طيبهن الماء، وتجنبوا الحمقاء. فإن ولدها إلى أفنٍ ما يكون، إلا أنه لا راحة لقاطع القرابة"2.
وقد عرفت هذه القاعدة ب "الكفاءة في النكاح". وهي أن يكون الزوج مساويًا للمرأة في حسبها ودينها ونسبها وبيتها وغير ذلك3.
والمرأة في نظر العرب وعاء للولد. هذه نظرتهم إليها في الجاهلية وفي الإسلام. قال "عروة بن الزبير": "لعن الله فلانة، ألفتُ بني فلان بيضًا طوالاً، فقلبتهم سودًا قصارًا". وفي هذا المعنى جاء في الشعر:
وأول خبث الماء خبث ترابه
…
وأول خبث القوم خبث المناكح4
وللأم أثر خطير في الولد. وقد ذكر "الجاحظ" أن العرب تقول: "عرق الخال لا ينام". وإن كثيرًا من العلماء يزعمون أن عرق الخال أنزع من عرق العم. ومن دلائل ذلك تباهي الناس بأخوالهم، واعتبار الخال بمنزلة الوالد. وقول العرب:"لئيم الخال"، واحتماء الأولاد بأخوالهم ولجوؤهم إليهم أكثر من لجوئهم إلى أعمامهم5. ودعوتهم لهم عند العصبية. وقول العرب "العرق دساس" و "عرق الخال".
ولكننا لا نستطيع القطع برأي العرب في موضوع "دس العرق". وفي أن أيًّا هو أكثر أثرًا ووضوحًا في الولد: عرق الخال، أم عرق العم؟ فهناك أمثلة في التأريخ الجاهلي تظهر أن من الجاهليين من كان يقدم العم على الخال،
1 ثمار القلوب "691".
2 أمالي المرتضى "1/ 233".
3 تاج العروس "1/ 108"، "كفأ".
4 عيون الأخبار "4/ 2 وما بعدها".
5 الثعالبي، ثمار "343 وما بعدها".
ويرى أن العم مقام الوالد. ولما كان الوالد هو الأصل في النسب عند الجاهليين، وهو الولي وصاحب الحق الشرعي الأول في ولده، يكون هذا الحق في إخواته بعد وفاته. كما أننا نجد أن بعض الأولاد كانوا ينزعون إلى أعمامهم أكثر من نزوعهم إلى أخوالهم. وموضوع نزع العرق عند العرب، اعتباري اصطلاحي بالطبع، يمثل وجهة نظرهم في النسب، ولا يقوم على أسس "بيولوجية" أي من ناحية أثر الدم وانتقال الخصائص الدموية من الوالد، أو من الأم إلى الولد. وهو موضوع علمي، يختلف عن هذه النظرة الاعتبارية، حيث إنه يقوم على الدراسات العلمية، ولا يأخذ بالاعتبارات والآراء المبنية على اعتبارات أهل النسب في خصائص الولد.
والظاهر أن الوئام لم يكن واقعًا دائما بين أبناء العم، إذ نجد أن الخصومات طالما كانت تحدث بينهم. ولعل ذلك بسبب ما ألقاه المجتمع على عاتق العم من تبعات أولاد إخوته حين وفاة الأخ، فإنه يكون بحسب العرف القبلي الوصي الشرعي على أولاد المتوفى، وله حق في إرثه بحسب قانون "العصبة" عند وفاة الأخ عن بنات ومن غير أبناء، أو لطمع الأعمام في أموال اليتامى، إلى غير ذلك من أمور سببت حدوث خصومات أحيانًا بين الأعمام وبين أبناء الإخوة، أو بين أبناء الأعمام. ولعل هذه الخصومات هي التي جعلت "الجاحظ" يتصور أن أبناء العم محسودون1.
ونجد العرب يقولون: "عرق فيه أعمامه وأخواله"2، فقدموا الأعمام على الأخوال، واعترفوا بأثر عرق الاثنين في الولد، من كرم أو لؤم، إذ يكون دس العرق في اللؤم والكرم3.
ولاحظ العرب أن الأبوين قد يلدان ولدًا يكون لونه مغايرًا للونهما، فيحدث نزاعًا بين الرجل وزوجته في هذه الولادة الغريبة، وتتهم المرأة أحيانًَا باتصالها برجل غريب جاء منه هذا المولود، إلا أن منهم من أدرك "دس العرق" في هذه الولادة، واحتمال انتقال هذا اللون من آباء أحد الوالدين. وقد اختصم رجل
1 كتاب فصل ما بين العداوة والحسد، من رسائل الجاحظ "1/ 344".
2 تاج العروس "7/ 10"، "عرق".
3 المصدر نفسه.