الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وافتخروا ب "الأصم عمرو بن قيس"، ولقب عند المتفاخرين به ب "صاحب رءوس بني تميم"، وافتخروا ب "مفروق بن عمرو""حاضن الأيتام" والظاهر أنه كان يحن على الأيتام ويعطف عليهم، لذلك لقب بهذا اللقب، وافتخروا ب "سنان بن مفروق"، الذي عرف ب "ضامن الدمن". كما افتخر ب "عمران بن مرة" لأنه أسر "يزيد بن الصعق" مرتين1.
1 العمدة "2/ 221".
الخيلاء:
وقد عرف بعض الجاهليين بالخيلاء والزهو والتغطرس. وقد اعتبرها الإسلام من سمات أهل الجاهلية. وقد اشتهر "سماك بن خرشة الأنصاري" بمشية خاصة به، فيها تبختر وخيلاء؛ حتى عرفت ب "مشية أبي دجانة"1. والتبختر هي مشية العجب والخيلاء. وكانت من مشية بعض المغرورين المترفين من أصحاب الجاه والمال.
1 الثعالبي، ثمار "87 وما بعدها"، تاج العروس "9/ 196"، "دجن".
الهجاء:
والهجاء عكس المدح، وهو ذم الشخص والانتقاص منه وشتمه. وقد نبغ فيه بعض الشعراء، وتخصص به، ويجب أن نقف منه موقف الحذر الشديد، لما للعواطف والهوى من أثر فيه. وقد يهجو شخص شخصًا أو قومًا لسبب تافه، أو بسبب حادث وقع له لا يستوجب صدور ذلك الهجاء منه. وهناك أشخاص جبلوا على ازدراء الناس وشتمهم والانتقاص منهم، فهجوا أكثرهم، بل بلغ بهم الهجاء حدًّا حملهم على هجر أقاربهم وأهلهم، بل أنفسهم في بعض الأحيان.
ويستحق الهجاء من اتصف بسوء الخصال، واتسم بأخلاق الأرذال، والأنذال، وجعل اللؤم جلبابه وشعاره، والبخل وطاءه ودثاره. وقد حفظ الرواة بعض الأشعار التي قيل إنها كانت من أهجى أشعار العرب في الجاهلية
وفي الإسلام. وذكر أن من شعر الهجاء المرّ القاسي قول الأعشى:
تبيتون في المشتى ملاءً بطونكم
وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا1
وقوله في "الزبرقان بن بدر":
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
…
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي2
وقول الطرماح:
تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا
…
ولو سلكت طرق المكارم ضلّت3
إلى غير ذلك من شعر، يجب أن نأخذه بحذر. وأن نعالجه دائما على أنه يمثل العواطف الشخصية والانفعالات النفسية، والتهيج الآني. وأن شعرًا من هذا القبيل لا يمكن أن يحمل محمل الصدق، وأن نقول عنه إنه يعبر عن الواقع. بل نأخذه كما سبق أن ذكرت عن شعر المديح على أنه تعبير عن نوع من أنواع الأدب في ذلك الوقت. وعلى أنه باب يجب أن يدرس من الوجهة النفسية لأنه يفيد في الوقوف على النفسية العربية والعقلية الجاهلية في ذلك الوقت.
ولم يكن الهجّاءون يراعون الصدق في كلامهم، وكيف يراعونه وهم يريدون هجو خصومهم والإساءة إليهم وإلى سمعتهم بأية طريقة ووسيلة كانت، حتى وإن علموا أن سامعي الهجاء لا يصدقونه. ومن هذا القبيل رمي بعض القبائل أو الأُسر بأنها من أصل أعجمي، وفي كتب الأخبار أمثلة عديدة على ذلك، وقد يكون ذلك بسبب وجود دم أعجمي من أم أو من أب بعيد أو قريب، وقد لا يكون أي أثر من ذلك. شتم "عمرو بن الأهتم""قيس بن عاصم"، فقال له ولقومه:
إن تبغضونا فإن الروم أصلكم
…
والروم لا تملك البغضاء للعرب4
وقد عير "حسان بن ثابت""بني المغيرة" وسبهم بأنهم عبيد قيون، أبوهم
1 نهاية الأرب "3/ 272".
2 نهاية الأرب "3/ 275".
3 نهاية الأرب "3/ 276".
4 ديوان حسان "ص44""هرشفلد".
قين لدى "كيره" جاثم. يأخذون "الإهالة" وهو الدهن الذي يستخرج من اللحم، ويبيعونه من الدبّاغين1. فما ذكره فيهم هو من أعمال العجم والصعاليك، لا العرب الأصلاء والأقحاح.
وذكر أن "الوليد" المعروف ب "الوليد بن المغيرة" لم يك عربيًّا، وإنما كان عبدًا روميًّا، وكان اسمه "ديم"، واسم أبيه "صقعب"، فرغب فيه "المغيرة"، فادعاه، وألحق صقعبًا بالشام، فاشتاق إليه، فصوره في الحائط. وقد هجاه "حسان بن ثابت"، فقال له إن والدك "صقعبًا" كان قينًا، وأما أمك فهي "حباشة"، وهي عبدة سوداء. وقد تباهيتَ إذ صرت غنيًّا، وإنما صرت ثريًّا بكلبتك هذه، وهي آلة من آلات الحدادين يشير بذلك إلى أنه كان حدادًا، يعرف ضرب النصال، وحسن الرقع للبرم. وهي القدور2. ويظهر من شعر حسان ومن شرح الشراح أن "الوليد" كان مصورًا ماهرًا متمكنًا من فنه، حتى صور أباه، إن صح هذا الادعاء من "حسان".
ولحسان بن ثابت هجاء شديد لثقيف، قال في بعضه خلّوا "معدًّ" ولا تنتسبوا إليها، واتركوا "خندفا"، فما لكم من ولادة فيها، وذلك على عاداته وعادة الشعراء والناس عند هجاء قوم، حيث يرمونهم بكل قبيح، ويجردونهم من كل مكرمة، إلا أنه لم يصرح في شعره بأنهم من ثمود، إذ كانوا وقت هجاء "حسان" إياهم من "قيس". وقد نسبهم بعضهم إلى "الفهود بن بني جائر بن إرم، إخوة ثمود"، ونسبهم آخرون إلى "وحاظة" بن حمير، وقال آخرون إن "ثقيفًا"، هو عبد3. كل ذلك نكاية بثقيف.
وذكر أهل الأخبار أن "الأزرق"، وهو غلام رومي في الأصل كان للحارث بن كلدة الثَّقفي، وقد ادعى نسله أن "الأزرق" هو ابن "عمرو بن الحارث بن أبي شمر الغساني"، فهم من غسان. وذكر أنهم ادعوا في أول أمرهم أنهم من تغلب، ثم من بني عكب، ثم أفسدتهم خزاعة، ودعوهم إلى اليمن، وزينوا لهم ذلك، وقالوا: أنتم لا يغسل عنكم ذكر الروم إلا أن تدعوا أنكم
1 البرقوقي "ص403".
2 البرقوقي "ص400 وما بعدها".
3 البرقوقي "ص346".
من غسان. فانتموا إلى غسان بعد1.
وقد عَيَّرت العرب وسبت من كان ذا أصل خامل، كأن يكون قينا، والقين العبد والحداد. ولعلها جمعت هذا المعنى من الترابط بين الحرفة والمنزلة، فقد كان القيون من العبيد. وقد عَيّر "حسان بن ثابت""بني عوف بن عوف" بأنهم منتسبون إلى قريش، ولكن نسبهم ليس منهم، بل من جذع قين لئيم العروق عرقوب والده أصهب2. فرماهم بأنهم ليسوا من قريش، ولا من العرب، بل من الروم، ووالدهم أصهب به حمرة، وليست الصهبة من لون العرب. وقال لهم: وإذا أردتم الانتساب إلى العرب، فانتسبوا إلى "تغلب"، إنهم شرّ جيل، وليس لكم غيرهم مذهب3. ويبعث قول "حسان" هذا "تغلب" على الظن أن أقواما من الغرباء دخلوا في تغلب، وصاروا منهم. ولعله قصد أن من تنصر، دخل في تغلب، حتى دخل فيهم من ليس من العرب بسبب نصرانيته، حتى دخل فيهم قوم أصلهم من الروم.
وعير ب "أولاد درزة"، ويراد بهم الغوغاء. وبنو درز: الخياطون والحاكة، والعرب تقول للدعي: هو ابن درزة وأولاد فرتني. وذلك إذا كان ابن أمة تُساعي، فجاءت به من المساعاة، ولا يعرف له أب، وقال: هؤلاء أولاد درزة وأولاد فرتني للسفلة والسقاط4.
والسب: الشتم، والسباب: الشتائم والمشاتمة. وأما "السبّة" فالعار5. وكانوا يتشاتمون جماعات وفرادى، ويعير بعضهم بعضًا وقد يقذعون في السب، ولا سيما في الأمور التي تتغلب فيها العواطف على العقل.
ومن شتائم الجاهليين وسبابهم "عضضت بأير أبيك"6، ويا ابن الزانية،
1 طبقات ابن سعد "3/ 247"، "دار صادر".
2
إلى جذم قين لئيم العرو
…
ق عرقوب والده أصهب
البرقوقي "ص63".
3
على تغلب أنهم شر جيل
…
فليس لكم غيرهم مذهب
البرقوقي "ص63".
4 اللسان "5/ 348"، "صادر""درز".
5 تاج العروس "3/ 34 وما بعدها".
6 البرقوقي "121 وما بعدها".
ويا ابن الفاعلة، و "يا عاض أير أبيه"، و "يا مصفر استه"1، و "يا ابن ملقى أرحل الركبان"2.
وعيرت العرب بالبخل. والبخل هو على نقيض الكرم. وقد ذُمّ بعض الجاهليين لبخلهم ولحرصهم الشديد على مالهم وعدم مساعدتهم للفقراء والمحتاجين، وقد انتخبوا من بينهم رجلًا زعم أنه أبخل الناس في الجاهلية اسمه "مادر"، "بخل مادر" و "أبخل من مادر". وهو رجل من "بني هلال بن عامر". ذكر أنه كان إذا أتى ماءً روي وأروى، ملأه مدرًا ضنا على غيره بوروده. وأنه بلغ من بخله أنه سقى إبله، فبقي في الحوض ماء قليل، فسلح فيه ومدر الحوض بالسلح، أي لطخه3. وورد في الأمثال:"ألأم من مادر"4.
وعيّرت بالغدر. قال بشر:
رَضِيعَةُ صَفْحٍ بالجباه ملمة
…
لها بَلَقٌ فوقَ الرءوس مشهَّرُ
وصفح رجل من "بني كلب بن وبرة"، جاور قومًا من "بني عامر"، فقتلوه غدرًا. يقول غدرْتكم ب "زيد بن ضباء الأسدي"، أخت غدرتكم بصفح الكلبي5.
وعيرت من ينكر الصنيع الجميل والفعل الحميد، فينسى إحسان من أحسن له، وعيرت من لا يفي، ولا سيما من أكل الخبز والملح، وهما من موجبات الوفاء، فقالوا:"ملحه على ركبته"، في عدم الوفاء6.
وإذا سبت العرب أحد الموالي، قالت: يا ابن حمراء العجان، أي يا ابن الأَمة. كلمة تقولها في السبّ والذمّ. والعرب تسمّي الموالي: الحمراء7. وكانوا يعيرون "الأتاوي"، وهو الغريب في غير موطنه، ولا يعدلون أحدًا من
1 التعالبي، ثمار "21".
2 تاج العروس "7/ 342"، "رحل".
3 الثعالبي، ثمار "127".
4 تاج العروس "3/ 536"، "مدر".
5 تاج العروس "2/ 180"، "صفح"، اللسان "2/ 516"، "صفح".
6 تاج العروس "2/ 230"، "ملح".
7 تاج العروس "3/ 158"، "حمر".
الأتاويين بأصحاب المحلات. قال الشاعر:
لا تعدلن أتاويين قد نزلوا
…
وسط الفلاة بأصحاب المحلات
وقالت امرأة من الكفار، وهي تحرض الأوس والخزرج، حين نزل فيهم النبي:
أطعتم أتاويّ من غيركم
…
فلا من مُراد ولا مذحج
أرادت أن تؤلب وتذكي العصبية1.
وكانوا إذا أرادوا الاستهزاء برجل جاهل سفيه، قالوا له: هذا من أشد سباب العرب، أي أن يقول الرجل لصاحبه إذا استجهله يا حليم! أي أنت عند نفسك حليم وعند الناس سفيه2.
ويعير الإنسان بأبويه، أو بأحدهما، إذا كان بهما أو بأحدهما مثلبة ومنقصة يؤاخذ عليها، كأن يكون ابن أمة أو ابن سبي بيع في السوق. وقد رأينا أنهم كانوا يزدرون الهجين، ولا ينظرون إليه نظرتهم إلى إنسان صريح، كما كانوا يزدرون مَنْ أُمه أو أبوه من أصحاب الحرف. وقد عير "النعمان بن المنذر" لأن أمه "سلمى" كانت ابنة قَيْن، على زعم بعض الرواة. وكانوا إذا شتموا ابن أمة، قالوا له: يا ابن استها3.
وقد كان للجاهليين أعراف في إهانات الناس، من مثل سب الشخص على ما ذكرت، وتحريض الأطفال على العبث بمن يريدون إهانته، ورميه بالحجارة والركض خلفه، وبأمثال ذلك أو بتحريض السفهاء على التحرش بالشخص، أو تحريض النسوة بسبِّه، وبالإقذاع في كلامهم معه، وبما شاكل ذلك من وسائل دنيئة لا تنم على قدرة المحرض ولا على جرأة عنده، فيعمد إلى أمثال هذه الأمور.
وأما المقتدرون المتمكنون، فكانوا إذا أرادوا إهانة إنسان أهانوه بأسلوب يدلّ على قدرة المهين وتمكنه من مُهانه وازدرائه، فكان أحدهم إذا تمكن من عدوه،
1 الحيوان "5/ 97"، "هارون".
2 اللسان "12/ 146"، "صادر"، "حلم".
3 قال الأعشى:
أسفها أوعدت يا ابن استها
…
لست على الأعداء بالقادر
وقال حسان بن ثابت:
فما منك أعجب يا ابن استها
…
ولكنني من أولى أعجب
البرقوقي "ص61".
عمد إلى إهانته بنتف لحيته. ونتف اللحية من الإهانات الشديدة عند العرب، لأن اللحية من سيماء الرجولة، فإذا نتفت عد نتفها انتقاصًا من شأن ذلك الرجل وازدراءً شديدًا به.
وما يقال عن الإهانة التي توجه إلى الرجل بنتف لحيته، ينطبق كذلك على "جز الناصية". فجز الناصية من وسائل التحقير والازدراء، وفيه دلالة على ازدراء مَنْ جَزَّ الناصية بمن جُزّت ناصيته، بعد أن تمكن منه. وقد كان في إمكانه استرقاقه، أو المن عليه بفك أسره، أو بفك رقبته بفدية، ولكنه لم يفعل كل ذلك، ولم يطمح في الفدية إمعانا في ازدراء خصمه بإفهام الناس أن ذلك الشخص لا يساوي شيئًا، وأن المتمكن أرفع من أن يقبل فدية عن رجل وضيع خامل.
وكانوا إذا ذكروا خصومهم، تمنوا لهم الشر والأذى، واستعملوا جملًا فيها هذه المعاني. مثل: أخس الله حظه1، وأبعده الله وقبحه، أو رضيع اللؤم أو أبعد الله دار فلان، وأوقد نارًا في أثره2، وقد يذكرونهم بهزء وسخرية. ويكثر ذلك عند أهل القرار.
ومن معاني الشتم لفظة "لحى"، التي تعني "شتم". يقال "لحى الله فلانا"، أي قبحه ولعنه. و "الملاحاة" المنازعة. وفي المثل من لاحاك، فقد عاداك3.
وكان من دعاء بعضهم على بعض قولهم: "حبنًا وقدادًا". والحبن الاستسقاء، والقداد، وجع في البطن4.
وكان إذا دعا الرجل على صاحبه، يقول: قطع الله مطاك. فيقول الآخر: بسلا بسلًا، أي آمين آمين. وكان يحلف الرجل ثم يقول بسل، أي: آمين. وكان "عمر" يقول في دعائه: آمين وبسلًا، أي إيجابا وتحقيقًا. وهي في معنى الويل، يقال: بسلًا له أي ويلًا له5.
1 تاج العروس "4/ 138"، "خسس".
2 اللسان "3/ 466"، "وقد".
3 تاج العروس "10/ 323 وما بعدها"، "لحا".
4 تاج العروس "2/ 461"، "قد".
5 تاج العروس "7/ 227"، "بسل".