الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"حجل بن نضلة" بين يدي النعمان، إذ قال فيه:"إنه مقبل النعلين، منتفخ الساقين، قعو الإليتين مشاء بأقراء، قتال ظباء، بياع إماء". فقال له النعمان: "أردت أن تذمه، فمدحته"، وصفه بأنه صاحب صيد لا صاحب إبل1. ولعله قصد بذلك أنه كان صيادًا محترفًا، اتخذ الصيد حرفة له. فقد كان بين الصيادين قوم اتخذوا الصيد لهم حرفة. فإذا اصطادوا باعوا صيدهم، ولم يستفد منه، فهو مثل الجزار، الذي يبيع اللحم ولا يطعم أهله منه، ولذلك نظروا إليه نظرة استصغار.
1 اللسان "15/ 179"، "قرا"، تاج العروس "10/ 290"، "قرى"، "وقد وجدنا العرب يستذلون الصيد ويحقرون الصياد"، الحيوان "3/ 309""هارون".
سباق الخيل:
والتسابق على ظهور الخيل رياضة الأثرياء والفرسان القديمة. وهي لا تزال معروفة، وإن كانت قد أخذت تلفظ أنفاسها بسب إقبال الأثرياء على ركوب السيارات الفخمة التي لفتت أنظارهم وجرتهم إليها، فلم يبق من يمارس تلك الرياضة إلا أولئك الذي لم تصل السيارات إليهم بكثرة، لوعورة الطرق وإمعانهم في البوادي وابتعادهم عن المواطن التي أخذت تغزوها منتجات الغرب.
ويذكر أهل الأخبار أن أول من ركب الخيل "إسماعيل"، ولذلك سميت ب "العراب"، وكانت قبل ذلك وحشية كسائر الوحوش. خرج إلى موضع "أجياد"، فنادى بالخيل، فلم يبق على وجه الأرض فرس بأرض العرب إلا أجابته فأمكنته من نواصيها وتذللت له. ولذلك قال النبي:"اركبوا الخيل فإنها ميراث أبيكم إسماعيل"1.
وراهن أهل الجاهلية على الخيل، فكانوا يخرجون إلى السباق ويقال: مجتمع الناس للرهان، ثم يتراهنون هنالك على الخيل المتجمعة و "السابق" من الخيل، وهو الأول، هو الذي يأخذ الجائزة الأولى، ويتلوه "المصلَّي" وهو الفائز الثاني2. و "الحلبة" الدفعة من الخيل في الرهان خاصة، وقيل: خيل تتجمع
1 الدميري، حياة الحيوان "1/ 311".
2 العقد الفريد "1/ 206 وما بعدها".
للسياق من كل أوب1. ومجمع الخيل.
ويقال للحبل الذي يمد في صدر الخيل عند الإرسال الحلب. والمنصبة الخيل حين تنصب للإرسال. ويقال للسابق من الخيل: الأول، والمصلي الثاني الذي يتلوه. وما سوى ذينك يقال له الثالث والرابع وكذلك إلى التاسع ثم السكيت. فما جاء بهد ذلك لا يعتد به. والغسكل الذي يجيء آخر الخيل. وذكر: أن: أسماء خيل الحلبة عشرة لأنهم كانوا يرسلونها عشرة عشرة، وسمي كل واحد منا باسم. فالأول منها السابق. وهو المجلي لأنه كان يجلي عن صاحبه، والثاني المصلي لأنه يضع جحفلته على صلا السابق، والثالث المسلي، والرابع والخامس المرتاح، والسادس العاطف، والسابع المؤمل، والثامن الحظي، والتاسع اللطيم، والعاشر السكيت، والغسكل الذي يجيء آخر الخيل في الحلبة. ويقال للحبل الذي يجعل في صدور الخيل يوم الرهان المقبض والمقوس. وقيل في أسماء خيل الحلبة أن أولها المجلي ثم المصلي ثم المسلي ثم العاطف ثم المرتاح ثم الحظي ثم المؤمل. هذه السبعة لها حظوظ، ثم التي لا حظوظ لها. اللطيم، ثم الوغد، ثم السكيت2.
وكانوا يضعون عند نهاية الحد الذي يقررونه للسباق قصبة فمن يصل إليها قبل غيره من المتسابقين، يعد السابق لقصبة السبق، ويكون قد أحرز القصب لأن الغاية التي يسبق إليها تذرع بالقصب. وتركز تلك القصبة عند منتهى الغاية، فمن سبق إليها حازها واستحق الخطر3.
و"الخطر" الذي يوضع بين أهل السباق، وقيل الذي يوضع في النضال والرهان في الخيل فمن سبق أخذه. والسابق إذا تناول القصبة، علم أنه قد أحرز الخطر4. وكانوا يقلدون السابق من الخيل؛ ولا يقلد من الخيل إلا سابق كريم. ويقولون للسابق من الخيل: المقلد5.
1 تاج العروس "2/ 311"، "الكويت".
2 نهاية الأرب "2/ 102 وما بعدها"، تاج العروس "2/ 151"، "روح".
3 اللسان "1/ 677"، "قصب".
4 اللسان "4/ 251"، "خطر"، "10/ 151".
5 تاج العروس "2/ 475"، "قلد".
وقد سابق الرسول بين الخيل التي قد ضمرت من موضع "الخفياء" إلى "ثنية الوداع" والمسافة بين الموضعين خمسة أميال أو ستة، وقيل ستة أميال أو سبعة. وسابق بين الخيل التي لم تضمر من "الثنية" إلى مسجد "بني زريق" والمسافة ميل أو نحوه. وسابق بين الخيل على حلل أتته من اليمن، فأعطى السابق ثلاث حلل والمصلي حلتين، والثالث حلة، والرابع دينارًا، والخامس درهمًا، والسادس قصبة. وقد ساهمت خيله في السباق.
وراهن رسول الله على الخيل، وذكر أن أول مسابقة كانت في الإسلام سنة ست من الهجرة. سابق رسول الله بين الخيل، فسبق فرس أبي بكر فأخذ السبق. والمسابقة مما كان في الجاهلية، فأقرها الإسلام1.
وفي الحديث: أحاديث عن الرسول في السبق، منها:" لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر "، فالخف للإبل، والحافر للخيل، والنصال للرمي2 وبقية الأحاديث في كتب الحديث والفقه.
ولم يقتصر السباق عند الجاهليين على السباق بين الخيل، بل سابقوا بين الإبل، وجعلوا للسباق خطرًا، كما سابقوا بين الكلاب والحمير والحيوانات الأخرى.
ومن سباق أهل الجاهلية والإسلام، السبق بالنصل، أي المراماة بالسهم. وذلك بأن يوضع خطر، ويذكر عدد الرمي والهدف، فمن أصاب الهدف أكثر من غيره نال السبق. وقد عرف نفر من الجاهليين بإصابتهم الهدف، وبقوة رميهم، وجعلوا لقوة الرمي وشدته أو لرخاوته ولمكان من إصابته الهدف درجات هي: الخاضل، والخازق والخاسق، والحابي، والمارق، والخارم، والمزدلف. والخاضل الذي يقرع الشن ولا يخدشه، والخازق الذي يخدشه ولا يثقبه، والخاسق الذي يثقبه ويثبت فيه، والحابي أن يدني الرامي يده من الأرض فيرميه فيمر على وجه الأرض فيصيب الهدف، والمارق الذي يمرق الشن
1 نهاية الأرب "9/ 368 وما بعدها"، القسطلاني، إرشاد "5/ 78 وما بعدها".
2 اللسان "10/ 151"، "سبق".
أي يثقبه وينفذ فيه، والخارم الذي خرم طرف الشن أي يقطعه، والمزدلف الذي يسقط بقرب الغرض ثم يشتن فيصيب الهدف1.
وفي السباق: المناضلة، وهي المباراة في الرمي: والنضيل هو الذي يرامي ويسابق. والمناضلة المفاخرة والتسابق الأشعار2. وتكون المباراة في الرمي بثلاثة أنواع: مبادرة، ومحاطة، ومناضلة. فالمبادرة أن يشترطا إصابة عشرة من عشرين، فيبتدر أحدهما إلى العشرة فينضل صاحبه، والمحاطة أن يقولا نرمي عشرين رشقًا على أن من فضل صاحبه بخمس إصابات فقد نضله، فإذا اشترطا ذلك، ورمى كل واحد مهما عشرين رشقًا وأصابا إصابات نظر إن استويا في الإصابة لم يحصل النصل، وأن تفاوتا في الإصابة حط الأقل أو الأكثر، فإن بقي لصاحب الأكثر الخمس المشروطة فقد نضل صاحبه، وإن بقي له أقل من الخمس المشروطة لم يحصل النضل. والناضلة أن يشترطا عشرة من عشرين على أن يستوفيا جميعًا، فيرميان معًا جميع ذلك، فإن أصاب كل واحد منهما عشرة أوفوقها أو دونها لم يحصل النضل، وإن أصاب واحد منهما دون العشرة والآخر عشرة فما فوقها، فقد نضل صاحبه3.
وللعرب عناية خاصة بالخيل، وما زالوا يعتنون بها إلى اليوم، حتى لقد حفظوا أنسابها حفظهم لأنساب الناس، وألفوا الكتب فيها. ونجد في كتب الأدب واللغة أسماء خيل اشتهرت في الجاهلية. وذكر "ابن النديم" في كتابه "الفهرست" أسماء كتب ألفت في الخيل، ذهب أكثرها، وبقي بعض منها. ونجد في "تاج العروس" أسماء خيل اشتهر أمرها في الجاهلية ذكرت في مواضع متناثرة من أجزاء الكتاب4. وذكر معها أسماء أصحابها، كما أشار إلى مؤلفات رجع إليها في هذا الموضوع مثل كتاب الخيل لابن الكلبي5، وقد طبع،
1 بلوغ الأرب "3/ 254".
2 تاج العروس "8/ 138"، "نضل".
3 بلوغ الأرب "3/ 355".
4 تاج العروس "9/ 60"، "لطم".
5 وقد طبع ببولاق بمصر، "أنساب الخيل"، "ليدن".