الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما قلته يمثل الفكرة العامة عن المرأة بين سواد الناس. غير أن هناك نسوة اشتهرن بالعقل والحكمة عند الجاهليين. وكن مرجعًا للرجال في أخذ الرأي. حتى إن منهن من تولين أمر الحكومات، وقد سبق أن ذكرت فيما مضى أن قبائل بادية الشام كانت تحت حكم ملكات في أيام الآشوريين. ومنهن الملكات "شمس" و "زبيبة". كما أشرت إلى الملكة "الزباء". فلم يجد العرب قبل الميلاد ولا بعده غضاضة من تعيين النساء ملكات عليهم. وقد كن يصاحبن الرجال إلى القتال لإثارة هممهم عند اشتداد المعارك ولمداواة الجرحى، وحمل الماء إلى العطشى من المقاتلين. وقد كانت "رفيدة" تداوي جرحى المسلمين في مسجد الرسول بيثرب1. وكانت "زينب" طبيبة "بني أود" تعالج المرضى وحازت على شهرة بين العرب2.
حتى الشعر، برزت به شاعرات. مثل الخنساء، وخرانق، وجليلة، وكبشة أخت عمرو بن معد يكرب، وغيرهن. ومنهن من حكمن بين الشعراء المتنافسين في تفضيل شعر شاعر على شعر شاعر آخر. وكان من بينهن كاتبات ومتاجرات إلى غير ذلك من حقول الأعمال التي تحتاج إلى عقل وذكاء.
1 نهاية الأرب "17/ 191".
2 جرجي زيدان، تأريخ آداب اللغة العربية "1/ 40"، "1957م".
زينة المرأة:
والمرأة الحضرية أكثر تفننا واعتناءً بنفسها من الأعرابية، بسبب اختلاف المحيط والوضع الاقتصادي. ولها من أمور الزينة ما لا تعرفه الأعرابيات، من وسائل تجميل وتحلية جسم وملبس. ولا سيما النساء الغنيات القريبات من مواطن الأعاجم. فقد تأثرن بالأعجميات وأخذن منهن ما راق لهن من ملبس وزينة وطيب وحلية.
والعادة أن المرأة تضفر شعر رأسها ضفائر وغدائر، أما الرجال فيتخذون لهم ضفيرتين، تتدليان على طرفي الوجه إلى المنكبين1. ويقال للضفيرة:
1 تاج العروس "3/ 352"، "ضفر".
العقيصة. وذكر أن "العقيصة" الذؤابة. وذكر بعض علماء اللغة أن كل عقيصة غديرة، والغديرتان الذؤابتان تسقطان على الصدر. وقيل الغدائر للنساء، وهي المضفورة. والضفائر الرجال1. وقيل العقص الفتل، أي فتل الشعر، وهو أن يلوي الشعر حتى يبقى ليُّه ثم يرسل. وذكر بعض علماء اللغة أن العقص أن تأخذ المرأة كل خصلة من شعر فتلويها ثم تعقدها حتى يبقى فيها التواء ثم ترسلها، فكل خصلة عقيصة. وقد عرف "ضمام بن ثعلبة" أحد بني سعد بن بكر ب "ذي العقيصتين"، وكان أشعر ذا غديرتين. وكان خصل شعره عقيصتين وأرخاهما من جانبيه. وهو من الصحابة2.
ويعد شعر المرأة من أثمن الأشياء عندها لذلك تستعز به وتحافظ عليه، وتسعى لإثارته وتنشيطه، وهي لا تحلقه إلا إذا نزلت بها نازلة، مثل موت زوجها أو عزيز آخر عليها، ويعد ذلك غاية في التضحية وفي إظهار حزنها على رجلها الراحل العزيز3. فإذا مات عزيز حلقت المرأة شعرها وذَرَّت التراب أو الرماد على رأسها، إظهارًا لشدة ألمها وحزنها على ميتها. ويقال لها "الحالقة". وقد لعن الرسول من النساء الحالقة والصالقة والخارقة. والحالقة التي تحلق شعرها في المصيبة4. وقد ضرب بها المثل في الشؤم. لأن من عادة الناس في الجاهلية أنهم إذا أصيبوا بمصيبة حلقت النساء شعورهن. وإلى ذاك أشير في شعر الخنساء:
ولكني رأيت الصبر خيرا
…
من النعلين والرأس الحليق
وأصل ذلك أن المرأة كانت إذا أصيب لها كريم حلقت رأسها وأخذت نعلين تضرب بهما رأسها وتعفره. وفي هذا المعنى جاء في الشعر:
ألا قومي أولو عقرى وحلقى
…
لما لاقت سلامان بن غنم
ولهذا السبب اعتبرت الحالقة علامة من علامات الشؤم ونذيرًا من نذر الفرقة
1 قال امرؤ القيس:
غدائره مستشرزرات إلى العلى
…
نضل العقاص في مثنى ومرسل
تاج العروس "3/ 441"، "غدر".
2 تاج العروس "4/ 408"، "عقص".
3 Hastings، A Dictionary of the Bible، II، P. 283.
4 تاج العروس "6/ 320"، "حلق".
يضرب بها المثل. وفي الحديث: "دبّ إليكم داء الأمم: البغضاء والحالقة". "هو قطيعة الرحم والتظالم والقول السيء"1.
ويسرح الشعر ب "المشط". وقد عرفه الجاهليون، وهو من آلات التجميل القديمة.. وقد أشير إليه في الحديث. كما أشير إليه في الشعر. ورد قول عبد الرحمن بن حسان:
قد كنت أغنى ذي غنى عنكم كما
…
أغنى الرجال عن المشاط الأقرع2
وتمشط شعر العرائس "الماشطة"، فتقوم بترجيله وتجميله لخبرتها فيه3. ويكون المشط من خشب في الغالب، وقد يعمل من ذهب أو فضة أو من معدن آخر، وقد يتخذ من "العاج".
وتغسل المرأة رأسها بطين وأشنان وخطمى ونحوه لتنظيفه. وقد تغتسل بالطيب، وذلك بالنسبة للغنيات. وإذا انتهت من غسله استعملت "الغسلة"4، وهو ما تجعله المرأة في شعرها عند الامتشاط من طيب وورق الآس يطرى بأفاويه من الطيب ويمتشط به5. والطين أنواع، يختلف باختلاف طبقات الأرض. وأجوده الحر النقي الخالص بعد رسوب الماء، ويستعمل في تنظيف الشعر.
وقد كانت القبائل إذا أرادت الصبر في القتال، والوقوف في الحرب إلى النهاية وحتى النصر، حلقت نساؤها شعورهن، لبثّ الشجاعة في نفوس المقاتلين وإذكاء نار الشجاعة فيهم. وذكر أن "يوم تحلاق اللمم"، إنما سمي بذلك، لأن شعارهم كان الحلق. وكان لتغلب على بكر بن وائل6.
وتجملت المرأة الجاهلية وتزينت على قدر حالها وإمكانها، لتظهر بذلك جمالها وأنوثتها على سنة الطبيعة، وعلى عادة المرأة بل والإنسان: رجلا كان أو امرأة
1 تاج العروس "6/ 320"، "حلق".
2
قد كنت أحسبني غنيًا عنكم
…
إن الغني عن المشاط الأقرع
تاج العروس "5/ 223"، "مشط"، اللسان "7/ 403".
3 تاج العروس "5/ 224"، "غسل".
4 كسر.
5 تاج العروس "8/ 45"، "غسل".
6 تاج العروس "6/ 320"، "حلق".
في كل وقت وزمان، من حبه في إظهار الزينة وحسن المظهر. جملت نفسها بالاعتناء بالنظافة وبالثياب وبالحلية، كالخلخال والسوارين والخاتم والقُلبين والقلب والفتخة والمسكة والقرطين والقلائد الأخرى، وبالتجميل بالكحل وبالمساحيق التي توضع على الوجه والدهن الذي يدهن به الشعر وخضاب الكف والقدم، وبالوشم وما شاكل ذلك من أمور تجميل وتحلية كانت معروفة في ذلك العهد.
ومن وسائل الزينة: الوشم. غرز إبرة ونحوها في عضو حتى يسيل الدم ثم يحشى بنؤور أو بالكحل أو بالنيلج أو نحوها فيزرق أثره أو يخضر1. وكانوا يقصدون بذلك التزين فينقشون به غالب أبدانهم، أنواعًا من النقوش من صور حيوانات أو نبات أو صور إنسان وكذلك الشفاه، فترى غالب شفاه نسائهم زرقًا. والأطفال منهم يوشمون في بعض المحال من وجوههم لقصد الزينة. وكذلك الرجال. وذكر أن الرسول قد نهى عن ذلك في حديث: "لعن الله الواشمة". أو "لعن الله الواشمة والمستوشمة"2.
وكانوا يعتنون بتجميل حواجبهم وإزالة الشعر من وجوههم ب "النماص" وهو "المنقاش". وعرفت مزينة النساء ب"النامصة". وهي مزينة بالنمص. وذكر أن النمص نتف الشعر. وأن المشط ينمص الشعر وكذلك المحسّة لأن لها أسنانا كأسنان المشط. ويقال إن النماص مختص بإزالة الشعر من الحاجبين ليرققهما أو ليسويهما. وفي الحديث: لعنت النامصة والمتنمصة3.
وعنوا بالأسنان فاستعملوا المبرد لبرد ما بين الثنايا والرباعيات، لتجميلها. وقد لعنت المتفلجات في الحديث. والمتفلجات جمع متفلجة التي تفلج بين الأسنان4. وعنوا بتبييض الأسنان باستخدام "المسواك"، وهو ما يدلك به الفم. ويكون من عيدان بعض الأشجار ذات الرائحة الطيبة. وقد أشير إليه في الحديث5.
1 تاج العروس "9/ 94"، "وشم".
2 تاج العروس "9/ 94"، "وشم"، بلوغ الأرب "3/ 10 وما بعدها".
3 تاج العروس "4/ 443"، "نمص"، بلوغ الأرب "3/ 11".
4 بلوغ الأرب "3/ 11".
5 تاج العروس "7/ 146"، "سوك".
ويقص الشعر والظفر بالمقص، أي المقراض وهما مقصان1. يقص به الرجل شعره، كما تقص به المرأة. وتتخذ المرأة "القُصة" في مقدم رأسها تقص ناصيتها ما عدا جبينها2.
وذكر أن من نساء الجاهلية من كن يقمحن لثنهن ب "النوور"، حصاة كإثمد تدق فتسفها اللثة. وكن يتّسمن ب "النؤر". وهو دخان الشحم أو دخان الفتيلة، يتخذ كحلًا أو وشمًا، وخصصه بعضهم بالوشم3.
ولم تنس المرأة الجاهلية زينتها، فزينت نفسها ب "الحلي" من ذهب وفضة ومعادن أخرى ومن أحجار كريمة وأحجار تلفت النظر وبالعظام أيضا وبالخرز. ومن الحلي "الأساور" المصنوعة من الذهب. بالنسبة إلى المرأة الموسرة، والحلي المطعمة باللؤلؤ. ومن الحليّ؛ ما يزين به الرأس والعنق، ومنه ما يزين به الأيدي أو الأرجل4. وسأتحدث عنها في القسم الخاص بالحرف، بشيء من التفصيل.
و"الكرم": القلادة. وقيل هي القلادة من الذهب والفضة، وقيل تكون من لؤلؤ أيضًا5.
ويضفر شعر رأس الأطفال ذوائب، أي ضفائر تتدلى على رأسه وعلى ناصيته. ومتى كبر الطفل وبلغ سن الرشد، أو شعر برجولته، ضفرت له ذؤابتان، وهي علامة الشباب والرجولة عندهم. وقد كان الساميون يحتفلون بحلق الذوائب، لأن هذا الحلق معناه انتهاء مرحلة من الحياة ودخول الطفل مرحلة الرجولة، وهي مرحلة الحياة الصحيحة. وكانوا يرمون الذوائب أمام الأصنام. والعادة أنهم يضفرون للأطفال سبع ضفائر. وهي عادة معروفة عند الجاهليين أيضًا. ولا تزال متبعة عند الأعراب وأشباه الحضر. وقد يعلقون حليًّا على
1 تاج العروس "4/ 422"، "قصص".
2 تاج العروس "4/ 423"، "قصص".
3 تاج العروس "3/ 589"، "نور".
4 تاج العروس "10/ 97"، "حلى".
5 تاج العروس "9/ 42"، "كرم".