المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وتتسابق، وتقتل وقتها في اللذة والاستمتاع وفي الإنفاق على الجسد، - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٨

[جواد علي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثامن

- ‌الفصل السادس والأربعون: أنساب القبائل

- ‌الفصل السابع والأربعون: القبائل العدنانية

- ‌مدخل

- ‌تغلب:

- ‌الفصل الثامن والأربعون: الناس منازل ودرجات

- ‌مدخل

- ‌رجال الدين:

- ‌السادة والأشراف:

- ‌الوجوه:

- ‌المحاربون:

- ‌التجار وتوابعهم:

- ‌الطبقات الدنيا:

- ‌الأدم:

- ‌رؤوس وأذناب

- ‌أبناء الحبش والأبناء:

- ‌السادات:

- ‌المستضعفون من الناس:

- ‌أهل الوبر:

- ‌بيوت العرب:

- ‌الشرف:

- ‌العرض:

- ‌المروءة:

- ‌الكَمَلة:

- ‌من الخصال الحميدة:

- ‌الكرم:

- ‌من شيم السادة:

- ‌فك الأسر:

- ‌المدح والهجاء:

- ‌التفاخر:

- ‌الخيلاء:

- ‌الهجاء:

- ‌الخسة والدناءة:

- ‌الشرف والخمول في قبائل العرب:

- ‌الإسلام والجاهلية:

- ‌الفصل التاسع والأربعون: الحياة اليومية

- ‌مدخل

- ‌الرجل:

- ‌اللحية:

- ‌المرأة:

- ‌حال المرأة في الجاهلية:

- ‌المرأة القبيحة:

- ‌زينة المرأة:

- ‌نساء شهيرات:

- ‌أهل الحضر:

- ‌الزواج:

- ‌عدد الزوجات:

- ‌تخفيف غلمة النساء:

- ‌حق التقدم في الزواج:

- ‌المناكح الكريمة:

- ‌لبن الأم:

- ‌الخطبة:

- ‌المال والبنون:

- ‌العقيقة:

- ‌الختان:

- ‌الرجولة:

- ‌ما كان العرب يسمون به أولادهم:

- ‌المعمرون:

- ‌أصحاب العاهات:

- ‌حياة الشبان:

- ‌الفتيان:

- ‌الأحامرة:

- ‌الخمور:

- ‌المخدرات:

- ‌الانتحار بشرب الخمر:

- ‌الاغتيال:

- ‌الصيد:

- ‌سباق الخيل:

- ‌ولائم العرب:

- ‌فهرس: الجُزْءُ الثَّامِن

الفصل: وتتسابق، وتقتل وقتها في اللذة والاستمتاع وفي الإنفاق على الجسد،

وتتسابق، وتقتل وقتها في اللذة والاستمتاع وفي الإنفاق على الجسد، على نحو ما يفعله أبناء الطبقة المترفة في كل وقت. وقد كانت لها نجدة وشهامة، إذا استنجد بأحدها هبّ لنجدة المستنجد ودافع عنه.

ص: 255

‌الأحامرة:

والحياة عند بعض الناس: خمر ولحم وخُلوق. فهي متع الحياة عندهم. قال الأعشى:

إن الأحامرة الثلاثة أهلكت

مالي وكنت بها قديمًا مولعا

الخمر واللحم السمين وأطَّلي

بالزعفران فلن أزال مبقعا1

والحياة عند البعض خمر ونساء. واتهمت المرأة بحبها الحليّ والطيب. ورد: "أهلك النساء الأحمران. يعنون الذهب والزعفران، أي أهلكهن حب الحلي والطيب". وورد "الأحمران: اللحم والخمر". ويقال للذهب والزعفران: الأصفران، وللماء واللبن الأبيضان، وللتمر والماء الأسودان. وفي الحديث: أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض. والأحمر الذهب والأبيض الفضة. والذهب كنوز الروم، لأنها الغالب على نقودهم. وقيل أراد العرب والعجم. وقيل: الأحامرة: اللحم والخمر والخلوق. وورد الأحمران: الخمور والبرود2.

1 تاج العروس "3/ 154"، "حمر".

2 تاج العروس "3/ 154"، "حمر"، الحيوان "3/ 249"، "هارون".

ص: 255

‌الخمور:

وفي مجتمع الحياة فيه على وتيرة واحدة، والفراغ فيه أكثر من العمل، ومرافق اللهو والتسلية فيه قليلة أو ومعدومة، والفقر فيه أكثر من الغنى، وتشغيل الفكر فيه محدود ضيق، في مجتمع كهذا المجتمع لا بد وأن يقبل الناس فيه على قتل فراغهم بالبحث عن شيء ينسيهم فراغهم وفقرهم وشدة حاجتهم، ويلهيهم عن قساوة الطبيعة عليهم، ويبعث فيهم الأمل والطرب والنشوة، والشعور بأنهم

ص: 255

سادة ملكوا الدنيا، وأن كل واحد منهم هو "رب الخورنق والسدير"1، فكان إقبالهم على الخمر شديدًا، حتى أفرطوا في شربه وآذى بعضهم نفسه من شدة إقباله عليه، فصار آفة من الآفات، حتى ضحى شاربه بمركزه وماله في سبيله، فكان ذلك من عوامل تحريمه في الإسلام.

وقد كان الخمر من متع الحياة الثلاث بالنسبة للشباب. والمتع الثلاث: الخمر والقمار والنساء2. فإذا أضيف الشجاعة إليها صار الفتى من خيرة الفتيان، لذلك كان الشباب يفتخرون إذا جمعوا بين هذه المتع ويتباهون على غيرهم بها. وربما ارتكبوا المعاصي والمخالفات في سبيل الحصول على المال للإنفاق على متعهم هذه وعلى ملذاتهم وملاهيهم في هذه الحياة.

ومن أسماء الخمر: العقار، سُميت لمعاقرتها أي لملازمتها الدنّ. والمعاقرة الإدمان ومعاقرة الخمر إدمان شربها. وقيل سميت عقارًا لأن أصحابها يعاقرونها أي يلازمونها أو لعقرها شاربها عن المشي، وقيل هي التي لا تلبث أن تسكر3.

والسكران نقيض الصاحي. والسكر حالة تعترض بين المرء وعقله. وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب المسكر. و "السكّير" الكثير السكر4. و "المدمن" هو الملازم للشراب وغيره، لم يقلع عنه، فهو يلازمه ولا يقلع عن شربه أو شرب الخمر5.

وقد أدمن كثير من أهل الجاهلية على شرب الخمر، وهلك قسم منهم بسببها. وقد حذر من ذلك الإسلام فورد:"مدمن الخمر كعابد الوثن"6، و "لا يدخل الجهة مدمن خمر"7.

1 وإذا سكرت فإنني رب الخورنق والسدير

وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير

وقال حسان بن ثابت:

ونشربها فتتركنا ملوكًا

وأسدا ما ينهنهنا اللقاء

2 التبريزي، شرح القصائد العشر "43".

3 تاج العروس "3/ 417"، "عقر".

4 تاج العروس "273 وما بعدها"، "سكر".

5 اللسان "13/ 159"، "دمن".

6 اللسان"13/ 159، "دمن".

7 المستطرف "2/ 229".

ص: 256

وعرف علماء اللغة "الخمر" بما أسكر من عصير العنب ومن عصير كل شيء يُسكر. ولما نزل الأمر بتحريم الخمر، كان شرابهم بالمدينة يومئذ الفضيخ، البُسْر والتمر في الغالب1. غير أن الجاهليين كانوا يصنعون الخمر من أي شيء يقع في أيديهم مما يمكن تخميره للحصول على مادة مسكرة منه مثل الحبوب والأعشاب وغير ذلك، بل كان منهم من يخمر اللبن، ولا سيما ألبان الإبل، للانتشاء بها. و "النشوة" السكر2.

وكان أهل المدينة يسقون ضيوفهم شرابًا من الفضيح. فإذا جاءهم ضيف سقوه منه. كانوا يضعونه في قلال وجرار وهو خليط من بسر وتمر، ومن تمر وزَهْو. والزهو3 هو البسر الملون الذي ظهرت فيه الحمرة والصفرة4، كما كانوا يصنعونها من خلط الزبيب والتمر5 أيضًا وكانوا يجلسون مجلسهم، ويسقيهم أحد أبناء صاحب الدار أو خادم من خدمه، من قلال أو كئوس يدور بها عليهم قليلا قليلا6.

واستخرج أهل اليمن من الشعير شرابًا عرف عندهم باسم "المزر"7. وذكر أن "المزر" نبيذ الذرة والشعير والحنطة والحبوب، وقيل: نبيذ الذرة خاصة. وذكر أبو عبيد أن ابن عمر فسر الأنبذة، فقال: البتع نبيذ العسل، والجعة نبيذ الشعير، والمزرة من الذرة، والسكر من التمر، والخمر من العنب8.

وورد أن أهل اليمن كانوا يتخذون شرابًا مسكرًا من القمح يستعينون به على برد بلادهم ويتقوون به على عملهم. وقد منعوا عن ذلك في الإسلام حين نزل الأمر بتحريم الخمر9.

1 تاج العروس "3/ 186 وما بعدها"، "خمر"، صحيح مسلم "6/ 85"، "باب تحريم الخمر".

2 تاج العروس "10/ 368"، "نشي".

3 بفتح الزاي وسكون الهاء وبالواو، وقد يضم الزاي.

4 صحيح مسلم "6/ 87 وما بعدها".

5 صحيح مسلم "6/ 89".

6 تاج العروس "3/ 541".

7 صحيح مسلم "6/ 99".

8 تاج العروس "3/ 541"، "مزر"، الإصابة "1/ 466".

9 الإصابة "1/ 466"، "رقم 2409".

ص: 257

ومن الخمور نوع اشتهر في العراق باسم "الخمور الصريفية" نُسبت إلى قرية "صريفون" عند "عكبراء" في العراق، وإياها عنى الأعشى بقوله:

وتجبى إليه السيلحون ودونها

صريفون في أنهارا والخورنق

ووصف الأعشى في شعر آخر الخمر الصريفية فقال:

تعاطي الضجيع إذا أقبلت

بُعَيْد الرقاد وعند الوسن

صريفية طيب طعمها

لها زبد بين كوب ودن

وذكر بعض العلماء أنها إنما عرفت بصريفية، لأنها أخذت من الدن ساعتئذ كاللبن الصريف1.

وكانوا يضعون خمرهم في زق يحملونه معهم، فأينما يكون الإنسان يكون خمره معه. وقد كانوا يكثرون من استعماله كما يظهر ذلك من روايات أهل الأخبار مع فقر شاربها وعدم وجود طعام عنده. أما في المدن والقرى والحواضر، فهناك خمارات، جمعت إلى الخمر وسائل المتع الأخرى، يقصدها أهل المكان والغرباء للاستمتاع بها، والترفيه عن خاطرهم. وقد هيأت بعض الخمارات المغنين فيها وجلبوا إلى حاناتهم أنواع الخمور.

وكانت الخمارات منتشرة في كل مكان، ولا سيما على الطرق. حيث ينزل بها المسافرون للاستراحة واستعادة النشاط بعد تعب ونصب. وكان بمكة وبسائر القرى خمارات كذلك. أصحابها نصارى ويهود في الغالب. ومعظمهم من غير العرب، وفودا من الخارج للتكسب والعيش فامتهنوا مهنة بيع الخمر وإسقائها للناس. وقد عرفت "الخمارة" بالحانوت. يذكر علماء اللغة أن "الحانوت دكان الخمير". وقد أشير إلى الحانوت في الشعر الجاهلي. وكانت العرب تسمي بيوت الخمارين الحوانيت. وأهل العراق يسمونها المواخير. وورد أن الخليفة "عمر" أحرق بيت "رويشد الثقفي"، وكان حانوتًا يعاقر فيه الخور ويباع2. وعرفت "الخمارة" بالدكة أيضًا3.

1 تاج العروس "6/ 164"، "صرف".

2 تاج العروس "1/ 539"، "حانوت".

3 تاج العروس "9/ 301"، "دكن".

ص: 258

وقد يجتمع فتيان من مواضع شتى للشرب، فيقال لهم "الأندرون" يتنادرون فيما بينهم شذ وخرج من الجمهور. وذكر أن قول عمرو بن كلثوم:

ألا هبي بصحنك فاصبحينا

ولا تبقي خمور الأندرينا

هو في هذا المعنى1.

وقد تاجر اليهود بالخمر، وفتحوا لهم الخمارات في الأماكن التي أقاموا بها من جزيرة العرب، فقصدها الناس للشرب. ومن جملتهم الشاعر الأعشى الذي كان كلفًا بشرب الخمر حريصًا على تعاطيها، قيل إنه عزم على الدخول في الإسلام وأراد الذهاب إلى الرسول لينشده ويعلن أمامه دخوله في الإسلام، ونظم شعرًا في مدحه، فأدرك "أبو سفيان" ما في شعر "الأعشى" في مدح الرسول والإسلام من أثر في تصرفه وفي إضعاف قريش، فلقيه وحادثه وكلمه وجاءه من ناحية نقطة الضعف التي كانت فيه. وهي حبه للخمرة. فهيج أشجانه فيها، وأظهر له كيف أن الإسلام حرمها على المسلمين، وجعل في شربها الحد، فهو سيُحرم من متعته الوحيدة التي بقيت له في حياته أن دخل في الإسلام. وأثار فيه الحنين إليها، ورغبه في الذهاب إلى قومه والمكوث هناك سنة يشربها، ثم رأى رأيه بعد ذلك، فإما أن يستمر على شربها، وإما أن يعافها ويدخل في الإسلام، على أن يأخذ مقابل ذلك مائة من الإبل. فأثر كلام "أبو سفيان" فيه، وأخذ الإبل وذهب بها إلى قومه8 وأقام ب "منفوحة" حتى مات بها قبل الحول2.

وذكر "بلينيوس" أن العرب كانوا يصنعون الخمر من النخيل، وذلك كما يفعل سكان الهند3. ويقصد بذلك التمور بالطبع. وقد ذكر ذلك من باب التنويه بالأمور الغريبة. فليس استخراج الخمر من التمور مألوفًا عند اليونان والرومان.

1 تاج العروس "3/ 560"، "ندر".

2 جمهرة أشعار العرب "56"، الشعر والشعراء "135"، الأغاني "8/ 77"، "10/ 143"، "15/ 52"، "16/ 160"، المحبر "321".

3 مجلة المجمع العلمي العراقي، المجلد الثالث، الجزء الأول، "ص139"، "1954م"، "بلاد العرب: من تأريخ بلينيوس".

ص: 259

ولهذا السبب أشار إليه، ليقف عليه قومه. غير أن العرب كانوا يستخرجون النبيذ من الكروم أيضًا، وذلك في الأماكن التي توفرت فهيا الكروم، مثل الطائف واليمن. وقد أشار "سترابون" إلى صنع الخمر من التمر1.

أما خمور العرب فمن البتع، وهو نبيذ العسل، وهو خمر أهل اليمن. ومن التمر ومن البُرّ والشعير والزبيب. ولأهل اليمن شراب من الشعير، يقال له المزر، أشرت قبل قليل إليه2.

وشرب الجاهليون أشربة استخرجوها من الذرة ومن مواد أخرى. فقد صنع أهل اليمن "المرز" من الذرة أيضًا. فلما أسلم قوم منهم سألوا الرسول عنه. فقال لهم: أله نشوة؟ فلما قالوا له: نعم، قال: فلا تشربوه3.

وانتبذوا في "النقير": أصل النخلة ينقر فينبذ فيه، فيشتد نبيذه. وذكر أن أهل اليمامة كانوا ينقرون أصل النخلة ثم يشدخون فيها الرطب والبسر ثم يدعونه حتى يهدر ثم يموت4 وانتبذوا في "الحنتم": الجرار الخضر، وفي "الدبّاء"، اليقطين، وفي "المزفت" أي ما طلي بالزفت5.

ومن الخمور "المقدى". يتخذ من العسل على بعض الروايات. يقال إنه من قرية تسمى "المقدة" بالأردن، وقيل هي في طرف حوران قرب أذرعات6.

وللخمر أسماء عديدة، ذكرها علماء اللغة. منها ما هي معربة. عربت عن اليونانية، أو الفارسية، أو السريانية، لأنها استوردت من بلاد الشام، أو العراق7.

ومن الخمور خمر يقال له: "الإسفنط". وهو المطيب من عصير العنب.

1 مجلة المجتمع العلمي العراقي، المجلد الثاني، "1952م"، "ص267".

2 العقد الفريد "6/ 356".

3 الإصابة "1/ 133".

4 تاج العروس "3/ 581"، "نقر".

5 القسطلاني، إرشاد الساري "6/ 11".

6 تاج العروس "2/ 460 وما بعدها"، "قد".

7 راجع كتب اللغة والأدب.

ص: 260

وقيل هي خمر فيها أفاويه، أو أعلى الخمر وصفوتها. وذكر أن اللفظة "رومية". قال الأعشى:

وكان الخمر العتيق من الإ

سفنط ممزوجة بماء زلال

باكرتها الأغراب في سنة النو

م فتجري خلال شوك السيال1

واستعمل الجاهليون أواني الشرب المصنوعة من الزجاج والبلور ومن الذهب والفضة، واستعملوا أواني أخرى تتناسب مع منزلة الشارب ومكانته. وقد كان ملوك الحيرة وملوك الغساسنة يشربون بالآنية الغالية، وبعضها منقوش. وكذلك تفنن أغنياء مكة في الشرب، فاستعمل عبد الله بن جدعان الأواني المصنوعة من الذهب في شربه، حتى ضرب به المثل، فقيل:"أقرى من حاسي الذهب"، وعرف ب "حاسي الذهب". وشرب غيره من أصحاب الثراء بأواني غالية استوردوها من الخارج، على حين كان أكثر سكان مكة فقراء لا يملكون شيئًا. ولهذا ورد في الحديث النهي عن الشرب بآنية الذهب والفضة2. وقد ذكر أن النابغة الذبياني، وهو من شعراء الجاهلية الكبار، كان لا يأكل ويشرب إلا في آنية الذهب والفضة، من عطايا النعمان وأبيه وجده، ولا يستعمل غير ذلك3.

وحرم قوم من الجاهليين الخمر على أنفسهم، وأكثرهم ممن يسمون الأحناف، ومنهم من كان يشربها ويقبل عليها، ولكنه وجد نفسه وقد قم بأعمال لم يرتضها، جعلته يشعر بالخجل منها، فتركها وحرمها على نفسه. ويذكر أهل الأخبار أن أول من حرمها على نفسه وامتنع منها في الجاهلية، هو "الوليد بن المغيرة". وهو رجل ينسب إليه أهل الأخبار جملة أمور، منها أنه أول من خلع نعيه لدخول الكعبة في الجاهلية، فخلع الناس نعالهم في الإسلام، وأول من قضى بالقسامة في الجاهلية فأقرها الإسلام وأول من قطع في السرقة في الجاهلية، فأقرها

1 تاج العروس "5/ 154"، "الإسفنط".

2 شمس العلوم، الجزء الأول، القسم الثاني "ص293"، بلوغ الأرب "1/ 87".

3 بلوغ الأرب "3/ 22".

ص: 261

الإسلام. ويذكرون أن الجاهليين كانوا يقولون: "لا وثَوْبي الوليد، الخلق منهما والجديد"1.

وممن ترك الخمر في الجاهلية "عبد الله بن جدعان"، وسبب تركه لها أنه شرب مع أمية بن أبي الصلت الثقفي، فلطم وجه "أمية" بعد أن ثمل، فأصبحت عينه مخضرَّة فخاف عليها الذهاب، فسأله عبد الله: ما بال عينك؟ فقال: أنت أصبتها البارحة. قال: وبلغ مني الشراب ما أبلغ معه من جليسي هذا المبلغ، فأعطاه عشرة آلاف درهم، وقال: الخمر علي حرام، لا أذوقها أبدًا2. وذكر أيضًا أنه سكر فجعل يساور القمر. فلما أصبح أخبر بذلك، فحرمها3. إلى غير ذلك من قصص.

وممن حرمها في الجاهلية، قيس بن عاصم المنقري، وعامر بن الظرب العدواني، وصفوان بن أمية بن محرث الكناني، وعفيف بن معد يكرب الكندي، والأسلوم بن اليامي من همدان، ومقيس بن عدي السهمي، والعباس بن مرداس السلمي، وسعيد بن ربيعة بن عبد شمس، وورقة بن نوفل، والوليد بن المغيرة، وأبوه أمية بن المغيرة، والحارث بن عبيد المخزومي، وزيد بن عمر بن نفيل، وعامر بن جذيم الجمحي، وأبو ذر الغفاري، ويزيد بن جعونة الليثي، وأبو واقد الحارث بن عوف الكناني، وعمرو بن عَبَسَة، وقس بن ساعدة الإيادي، وعبيد بن الأبرص، وزهير بن أبي سُلمى المزني، والنابغتان الذبياني والجعدي، وحنظلة الراهب بن أبي عامر، وقبيصة بن إياس الطائي، وإياس بن قبيصة بن أبي غفر، وحاتم الطائي، و "سويد بن عدي بن عمرو بن سلسلة الطائي"4.

وذكر أن ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية: "بشير الثقفي". وكان نذر في الجاهلية ألا يأكل الجزور ولايشرب الخمر5.

1 المعارف "ص240".

2 نهاية الأرب "4/ 88".

3 المحبر "237".

4 المحبر "ص237 وما بعدها"، نهاية الأرب "4/ 88 وما بعدها"، بلوغ الأرب "2/ 294 وما بعدها"، الأمالي، للقالي "1/ 204 وما بعدها"، الأغاني "5/ 9"، "بيروت".

5 الإصابة "1/ 160".

ص: 262