الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
: اقْضِ دَيْنِي إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَضَاؤُهُ بَعْدَهَا وَمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ أَجَابَ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ لَا يَقْضِي الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ إلَّا بِإِذْنٍ، فَإِذَا أَقْدَرَ (الثَّلَاثَ) عَادَ الْأَمْرُ بَعْدَ (الثَّلَاثِ) ، إلَى مَا قَبْلُ وَهَا هُنَا الْخِيَارُ ثَابِتٌ لِلْمُكَاتَبِ ابْتِدَاءً، فَشَرْطُهُمَا خِيَارُ (الثَّلَاثِ) يَقْتَضِي إثْبَاتَهُ، فَإِذَا مَضَتْ بَقِيَ (لَهُ) الْخِيَارُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَلَا يَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ (مُفِيدًا) زِيَادَةَ فَائِدَةٍ.
[فُصُولُ التَّعَارُضِ]
[تَعَارُضُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ]
ِ فِيهِ قَوْلَانِ، وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِ الْقَاعِدَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ أَوْ الِاسْتِصْحَابُ (اعْلَمْ) : أَنَّ الْأَصْحَابَ تَارَةً يُعَبِّرُونَ (عَنْهُمَا) بِالْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ وَتَارَةً بِالْأَصْلِ وَالْغَالِبِ، وَكَأَنَّهُمَا بِمَعْنًى (وَاحِدٍ) ، وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ التَّغَايُرَ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَالِبِ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ مُشَاهَدَةٍ وَهَذَا يُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ مَا يَحْصُلُ بِمُشَاهَدَةٍ
كَبَوْلِ الظَّبْيَةِ وَإِنْزَالِ (الْمَرْأَةِ) الْمَاءَ بَعْدَ مَا اغْتَسَلَتْ وَقَضَتْ شَهْوَتَهَا، وَهَذَا لَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَتَرَجَّحُ وُقُوعُهُ فَهُوَ مُسَاوٍ لِلْغَالِبِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ شُرُوطٌ:(أَحَدُهَا) : أَنْ لَا (تَطَّرِدَ) الْعَادَةُ (بِمُخَالَفَةِ) الْأَصْلِ، فَإِنْ (اطَّرَدَتْ)(عَادَةٌ) بِذَلِكَ كَاسْتِعْمَالِ (السِّرْجِينِ) فِي أَوَانِي الْفَخَّارِ قُدِّمَتْ عَلَى الْأَصْلِ قَطْعًا فَيُحْكَمُ بِالنَّجَاسَةِ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَمِثْلُهُ (الْمَاءُ) الْهَارِبُ فِي الْحَمَّامِ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِالْبَوْلِ فِيهِ. (الثَّانِي) : أَنْ تَكْثُرَ أَسْبَابُ الظَّاهِرِ، فَإِنْ نَدَرَتْ لَمْ يُنْظَرْ إلَيْهِ قَطْعًا؛ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ (عَلَى) أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْحَدَثُ (كَانَ) لَهُ الْأَخْذُ بِالْوُضُوءِ وَلَمْ يُجْرُوا فِيهِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ هَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ؟ قَالَ الْإِمَامُ:(وَفَرَّقَ شَيْخِي بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَتَطَرَّقُ إلَى تَمْيِيزِ الطَّاهِرِ) مِنْ النَّجِسِ؛ لِأَنَّ لِلنَّجَاسَاتِ أَمَارَاتٍ بِخِلَافِ الْحَدَثِ، وَرَدَّهُ الْإِمَامُ (بِأَنَّ أَصْلَ) الشَّافِعِيِّ فِي تَمْيِيزِ دَمِ الْحَيْضِ عَنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ بِالصِّفَاتِ مَعْلُومٌ، وَهَذَا اجْتِهَادٌ وَقَدْ أَثْبَتَ الشَّرْعُ لِلْمَنِيِّ صِفَاتٍ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِهَا التَّمَسُّكُ بِهَا، فَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ
لَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْأَحْدَاثِ غَيْرُ (سَدِيدٍ) ثُمَّ حَاوَلَ الْفَرْقَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي تَظْهَرُ بِهَا النَّجَاسَةُ كَثِيرَةٌ (جِدًّا) ، وَهِيَ قَلِيلَةٌ فِي الْأَحْدَاثِ وَلَا أَثَرَ لِلنَّادِرِ، وَالتَّمَسُّكُ بِاسْتِصْحَابِ الْيَقِينِ أَوْلَى. (الثَّالِثُ) : أَنْ لَا يَكُونَ مَعَ (أَحَدِهِمَا) مَا يَعْتَضِدُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ فَالْعَمَلُ (بِالتَّرْجِيحِ) مُتَعَيِّنٌ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَوْلُ (الْأَصْحَابِ) مَنْ قَالَ: إنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ تَعَارَضَ فِيهَا أَصْلَانِ أَوْ أَصْلٌ وَظَاهِرٌ، فَفِيهَا قَوْلَانِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يُرِيدُوا حَقِيقَةَ الْإِطْلَاقِ، فَإِنَّ لَنَا مَسَائِلَ يُعْمَلُ فِيهَا بِالظَّاهِرِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا (يُنْظَرُ) فِيهَا إلَى أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ كَمَسْأَلَةِ بَوْلِ الْحَيَوَانِ، وَمَسَائِلَ يُعْمَلُ فِيهَا بِالْأَصْلِ (قَطْعًا) كَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْدَثَ، أَوْ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ صَلَّى (ثَلَاثًا) أَوْ أَرْبَعًا، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ فِيهَا كُلِّهَا (بِالْأَصْلِ) وَهُوَ الْبِنَاءُ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَعَدَمُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقُ وَالرَّكْعَةُ الرَّابِعَةُ، فَالصَّوَابُ فِي الضَّابِطِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ:(إنَّهُ) عِنْدَ تَعَارُضِهِمَا يَجِبُ النَّظَرُ فِي التَّرْجِيحِ كَمَا فِي تَعَارُضِ الدَّلِيلَيْنِ، فَإِنْ تَرَدَّدَ فِي الرَّاجِحِ فَهِيَ مَسَائِلُ الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ تَرَجَّحَ دَلِيلُ (الظَّاهِرِ) عُمِلَ بِهِ أَوْ دَلِيلُ [الْأَصْلِ] عُمِلَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي (تَقَابُلِ) الْأَصْلَيْنِ أَوْ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ مَا
إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا مَا يَعْتَضِدُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ فَالْعَمَلُ بِالْمُرَجَّحِ مُتَعَيِّنٌ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ أَمْرَانِ:(أَحَدُهُمَا) : قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَقَدْ مَاتَ فَادَّعَى الْمُعْتِقُ (نَقْصَ) الْقِيمَةٍ بِسَبَبِ (نَقِيصَةٍ) طَارِئَةٍ، فَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْصِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ (فَيَخْرُجُ) عَلَى تَقَابُلِ الْأَصْلَيْنِ وَلَيْسَ مَعْنَى تَقَابُلِ الْأَصْلَيْنِ اسْتِحَالَةَ التَّرْجِيحِ بَلْ يَطْلُبُ التَّرْجِيحَ مِنْ مُدْرَكٍ آخَرَ سِوَى اسْتِصْحَابِ الْأُصُولِ، فَإِنْ (تَعَذَّرَ)، فَلَيْسَ إلَّا التَّوَقُّفُ أَمَّا تَخْيِيرُ (الْمَعْنَى) بَيْنَ مُتَنَاقِضَيْنِ فَلَا وَجْهَ لَهُ. قُلْت قَدْ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ (وَجْهًا) . (الثَّانِي) : قَوْلُهُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ: إذَا أَذِنَ الْمُرْتَهِنُ لِلرَّاهِنِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ (فَبَاعَ) الرَّاهِنُ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ فَادَّعَى أَنَّهُ رَجَعَ قَبْلَ بَيْعِهِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَصْلَ عَدَمِ الرُّجُوعِ يُعَارِضُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْبَيْعِ (فَيَبْقَى) ، أَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الرَّهْنِ، وَبَسْطُ ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَ الْأَصْلَيْنِ عَارَضَهُ الْأَصْلُ الْآخَرُ (فَتَعَطَّلَ) ، وَبَقِيَ أَصْلٌ آخَرُ خَالِيًا (مِنْ) الْمُعَارَضَةِ (فَيُعْمَلُ) بِهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إذَا اجْتَمَعَ فِي جَانِبٍ أَصْلَانِ أَوْ أَصْلٌ وَظَاهِرٌ، وَفِي جَانِبٍ (آخَرَ أَصْلٌ) أَوْ ظَاهِرٌ (فَقَطْ، لَا) تَعَارُضَ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ التَّسَاوِي، وَلَا تَسَاوِيَ (وَلَكِنْ) يُعْمَلُ بِالرَّاجِحِ إذْ الْعَمَلُ بِهِ مُتَيَقِّنٌ شَرْعًا وَعَقْلًا، وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلٌّ مِنْ
الْأَمْرَيْنِ قَوْلُ (الشَّافِعِيِّ) فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيمَا إذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، (وَالدَّاخِلِ)(تَسَاقَطَتَا)(وَبَقِيَتْ) الْيَدُ خَالِيَةً عَنْ الْمُعَارَضَةِ فَعُمِلَ بِهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ أَصْلًا، فِيهِ قَوْلَانِ يَظْهَرُ أَثَرُهُمَا فِي احْتِيَاجِ الدَّاخِلِ إلَى الْيَمِينِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْتَاجُ وَعَلَى الثَّانِي يَحْتَاجُ.
(وَاعْلَمْ) : أَنَّ الضَّابِطَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الظَّاهِرُ حُجَّةً يَجِبُ قَبُولُهَا شَرْعًا كَالشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ وَالْإِخْبَارِ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَصْلِ قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ سَنَدُهُ الْعُرْفَ أَوْ الْقَرَائِنَ أَوْ غَلَبَةَ الظَّنِّ، فَهَذِهِ يَتَفَاوَتُ (أَمْرُهَا) فَتَارَةً يُعْمَلُ بِالْأَصْلِ وَتَارَةً يُعْمَلُ بِالظَّاهِرِ وَتَارَةً يَخْرُجُ خِلَافٌ فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ:(الْأَوَّلُ) : مَا قَطَعُوا فِيهِ بِالظَّاهِرِ كَالْبَيِّنَةِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْمَالُ الْمَشْهُودُ بِهِ قَطْعًا، (وَمِنْهُ) : الْيَدُ فِي الدَّعْوَى فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمِلْكِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ الْيَدِ الْمِلْكُ، وَهُوَ ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ (وَمِنْهَا إخْبَارُ الثِّقَةِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ) .
(وَمِنْهَا) : إخْبَارُ الثِّقَةِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ إذَا كَانَ فَقِيهًا مُوَافِقًا يُقَدَّمُ عَلَى أَصْلِ طَهَارَةِ الْمَاءِ قَطْعًا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا مُوَافِقًا وَلَكِنْ عَيَّنَ تِلْكَ النَّجَاسَةَ.
وَمِنْهُ) : قَبُولُ قَوْلِ الْمَرْأَةِ فِي حَيْضِهَا وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالْأَقْرَاءِ وَلَوْ فِي مُدَّةٍ أَقَلَّ مَا يُمْكِنُ، (وَمِنْهُ) : لَوْ أَخَذَ الْمُحْرِمُ بَيْضَ دَجَاجَةٍ وَأَحْضَنَهَا صَيْدًا فَفَسَدَ بِيضُهُ ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْفَسَادَ نَشَأَ مِنْ ضَمِّ بَيْضِ الدَّجَاجَةِ إلَى بَيْضِهِ، وَلَمْ يَحْكِ الرَّافِعِيُّ فِيهِ خِلَافًا.
(مِنْهُ) : لَوْ اغْتَسَلَتْ مِنْ الْجِمَاعِ بَعْدَ مَا قَضَتْ شَهْوَتَهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيٌّ بَعْدَ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا إعَادَةُ الْغُسْلِ
؛ لِأَنَّ الْخَارِجَ مَنِيُّهَا، أَوْ مَنِيُّهَا وَمَنِيُّ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اخْتِلَاطُهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْوَسِيطِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلظَّنِّ أَثَرًا يَعْنِي فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ
، وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَسْأَلَةً نُسِبَ فِيهَا إلَى الْوَهْمِ وَالتَّفَرُّدِ، فِيمَنْ تَحَقَّقَ الْحَدَثُ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ تَوَضَّأَ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِالْوُضُوءِ (لَعَلَّهُ) أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْوَسِيطِ هَذَا،
فَإِنَّ الظَّنَّ كَمَا أَثَّرَ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ بَعْدَ الْغُسْلِ، وَقَضَاءِ الْوِتْرِ كَذَلِكَ يُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ.
(وَمِنْهُ) لَوْ وَضَعَ عَصِيرًا فِي دَنٍّ وَسَدَّ فَمَه ثُمَّ فَتَحَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ (فَوَجَدَهُ) خَلًّا فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ كَانَ الَّذِي فِي الدَّنِّ قَدْ انْقَلَبَ خَمْرًا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ خَلًّا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ انْقِلَابُهُ خَمْرًا قَبْلَ انْقِلَابِهِ خَلًّا.
(وَمِنْهُ) : مُدَّةُ الْخُفِّ إذَا شَكَّ فِي انْقِضَائِهَا يَأْخُذُ بِالشَّكِّ وَيَتْرُكُ الْأَصْلَ
، (وَمِنْهُ) : قَالَ الشَّافِعِيُّ (رحمه الله) فِي الْأُمِّ (فِيمَنْ) مَرَّ (فِي
الصَّحْرَاءِ) بِمَيِّتٍ (وَعَلَيْهِ) أَثَرُ الْغُسْلِ وَالْكَفَنِ وَالْحَنُوطِ
(فَإِنَّهُمْ) يَدْفِنُونَهُ، فَإِنْ اخْتَارُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ صَلُّوا عَلَى قَبْرِهِ بَعْدَ دَفْنِهِ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ قَدْ صَلَّى عَلَيْهِ انْتَهَى، وَفِي هَذَا تَوَقُّفٌ (بَلْ الْأَظْهَرُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ الِاقْتِصَارِ عَلَى غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ وَلَا مُرْشِدَ لِلصَّلَاةِ)(عَلَيْهِ) حَتَّى يَحْكُمَ بِهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.
(الثَّانِي) : مَا فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الظَّاهِرِ، (فَمِنْهُ) : لَوْ شَكَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ مِنْهَا لَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ جَرَيَانُهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ إتْيَانِهِ (بِهِ) ، وَكَذَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ.
(وَمِنْهُ) اخْتِلَافُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ (الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي) الصِّحَّةَ عَلَى الْأَظْهَرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَهَا.
(وَمِنْهُ) : لَوْ جَاءَ مِنْ قُدَّامِ الْإِمَامِ وَاقْتَدَى بِهِ، وَشَكَّ هَلْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ الْقُدْوَةُ، كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ: لَا يَصِحُّ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَاءَ مِنْ وَرَائِهِ وَقَوَّاهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.
(وَمِنْهُ) : لَوْ امْتَشَطَ (مُحْرِمٌ) فَانْتُتِفَ مِنْهُ شَعْرٌ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ، فَلَوْ شَكَّ هَلْ حَصَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْمَشْطِ، أَمْ لَا فَقِيلَ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ ثَابِتًا إلَى وَقْتِ الِامْتِشَاطِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ فِي حُصُولِ الْإِبَانَةِ فَيُضَافُ إلَيْهِ، وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ؛
لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْفِدْيَةِ.
وَمِنْهُ: حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ (ضَرْبَةٍ) فَضَرَبَهُ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَإِنْ عَلِمَ إصَابَةَ الْجَمِيعِ لَهُ بَرِئَ، وَإِنْ شَكَّ فِي إصَابَتِهَا بَرَّ عَلَى النَّصِّ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ: لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ، عَدَمُ الْإِصَابَةِ.
وَمِنْهُ: رَأَى حَيَوَانًا يَبُولُ فِي مَاءٍ، (ثُمَّ جَاءَ) ، فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِنَجَاسَتِهِ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ تَغَيُّرُهُ بِطُولِ (مُكْثٍ) ، أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ نَصَّ عَلَيْهِ. (فَأَسْنَدَ) التَّغَيُّرَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ، لَكِنَّهُ بَعْدَ التَّغَيُّرِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ (بِالْمُكْثِ) وَأَنْ يَكُونَ بِذَلِكَ الْبَوْلِ، وَإِحَالَتُهُ عَلَى الْبَوْلِ الْمُتَيَقَّنِ أَوْلَى مِنْ إحَالَتِهِ عَلَى طُولِ الْمُكْثِ، فَإِنَّهُ مَظْنُونٌ فَقَدَّمَ الظَّاهِرَ عَلَى الْأَصْلِ، وَتَابَعَهُ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: إنْ كَانَ عَهِدَهُ عَنْ قُرْبٍ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَنَجِسٌ، وَإِلَّا فَطَاهِرٌ، وَلَوْ ذَهَبَ عَقِبَ الْبَوْلِ، فَلَمْ يَجِدْهُ مُتَغَيِّرًا، ثُمَّ عَادَ فِي زَمَنٍ آخَرَ فَوَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا، قَالَ الْأَصْحَابُ: لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ، وَقَالَ الدَّارِمِيُّ يُحْكَمُ.
وَمِنْهُ، لَوْ قَطَعَ لِسَانَ صَبِيٍّ حِينَ وُلِدَ وَلَمْ (تَظْهَرْ أَمَارَاتٌ) لِصِحَّةِ لِسَانِهِ، قَالَ الرَّافِعِيُّ: قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ وَعَكَسَ الْإِمَامُ فَقَالَ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَجِبُ.
وَمِنْهُ: لَوْ وَكَّلَ بِتَزْوِيجِ ابْنَتِهِ، (ثُمَّ مَاتَ)(الْمُوَكِّلُ) وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ
مَاتَ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، فَالْأَصْلُ عَدَمُ النِّكَاحِ، (وَالْأَظْهَرُ) بَقَاءُ الْحَيَاةِ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ، وَخَالَفَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ، فَقَالَ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِالشَّكِّ.
وَمِنْهُ: إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ لِوَقْتٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا أَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ، وَقِيلَ: لَا يَجِبُ الْإِمْسَاكُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، بَلْ تُصَلِّي مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَجْزَأَهَا مَا صَلَّتْ وَإِنْ دَامَ تَرَكَتْ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَمَ حَيْضٍ، وَأَنْ يَكُونَ دَمَ فَسَادٍ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ، وَاقْتَضَى كَلَامُ الْمَاوَرْدِيِّ أَنَّ الْخِلَافَ مَخْصُوصٌ بِالْمُبْتَدَأَةِ، وَأَنَّ الْمُعْتَادَةَ تَتْرُكُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الدَّمِ قَطْعًا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَجْهٌ مُفَصَّلٌ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ (بَعْدُ) ، وَمِثْلُهُ الْخِلَافُ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ هَلْ يَحْصُلُ بِالطَّعْنِ فِي الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، هَلْ تَطْلُقُ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ أَوْ بِمُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ.
وَمِنْهَا، لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ (دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ) صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَيَقُّنُ دُخُولِهِ، وَلَا الصَّبْرُ إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ دُخُولَهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَلِكَ فِي الِاجْتِهَادِ فِي الْأَوَانِي وَالْفِطْرِ وَالصِّيَامِ.
وَمِنْهُ: النَّوْمُ غَيْرَ (مُمَكِّنٍ) مَقْعَدَتَهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ خُرُوجِ الْحَدَثِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ عَدَمَ خُرُوجِهِ وَبَقَاءَ الطَّهَارَةِ.
وَمِنْهَا: إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَقْصِدْ تَأْكِيدًا وَلَا اسْتِئْنَافًا بَلْ أَطْلَقَ، فَالْأَظْهَرُ يَقَعُ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْإِيقَاعِ كَاللَّفْظِ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ: إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ التَّأْسِيسِ وَالتَّأْكِيدِ، فَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْحَمْلِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَوَجْهُ مُقَابِلِهِ أَنَّ الْأَصْلَ الْمُتَيَقَّنَ عَدَمُ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا: قَالَ لَهَا فِي رَمَضَانَ (قَبْلَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ: أَنْتِ طَالِقٌ)(لَيْلَةَ الْقَدْرِ) طَلُقَتْ بِانْقِضَاءِ لَيَالِي الْعَشْرِ
، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَمْضِيَ سَنَةٌ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِالشَّكِّ وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ، وَاعْتَنَى بِهِ (الْحَمَوِيُّ) وَخَرَّجَهَا عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ
، فَإِنَّا إنْ رَاعَيْنَا ظَوَاهِرَ الْأَخْبَارِ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ، وَإِنْ رَاعَيْنَا أَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَمْ نُوقِعْ الطَّلَاقَ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْوُقُوعُ بِإِمْضَاءِ سَنَةٍ، فَإِنَّ دَلَالَةَ الْأَخْبَارِ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ النِّكَاحِ.
الثَّالِثُ: مَا قَطَعُوا فِيهِ بِالْأَصْلِ، وَإِلْغَاءِ الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ فَمِنْهُ: لَوْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ أَوْ ظَنَّهُ، فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَكَذَا عَكْسُهُ وَخَالَفَ الرَّافِعِيُّ هُنَا وَأَعْمَلَ ظَنَّ الطَّهَارَةِ وَسَبَقَ مَا فِيهِ.
وَمِنْهُ: لَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْأَكْلُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ طُلُوعَهُ
وَلَوْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ مَعَ طُولِ بَقَائِهَا مَعَ الزَّوْجِ أَنَّهُ لَمْ يُوصِلْهَا النَّفَقَةَ
وَالْكِسْوَةَ الْوَاجِبَةَ فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهَا مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ تُبْعِدُ ذَلِكَ جِدًّا
، وَمِنْهُ: لَوْ اخْتَلَطَ الْحَلَالُ بِالْحَرَامِ، وَكَانَ الْحَرَامُ مَغْمُورًا، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ مُحْرِمٌ بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ، فَإِنَّ لَهُ نِكَاحَ، مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، فَإِنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ.
وَمِنْهُ: لَوْ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةِ بَلَدٍ، أَوْ إنَاءُ بَوْلٍ بِأَوَانِي بَلَدٍ فَلَهُ أَخْذُ بَعْضِهَا بِلَا اجْتِهَادٍ قَطْعًا (وَإِلَى أَيِّ حَدٍّ) يَنْتَهِي؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا إلَى أَنْ يَبْقَى وَاحِدٌ.
وَمِنْهُ لَوْ زَوَّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ مُعْتَقِدًا بَكَارَتَهَا فَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِثُبُوتِهَا عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَبْطُلُ لِجَوَازِ إزَالَتِهَا بِأُصْبُعٍ أَوْ ظُفْرٍ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ الْبَكَارَةُ.
وَمِنْهُ " الْمُتَبَايِعَانِ تَمْضِي عَلَيْهِمَا مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُ تَلَازُمِهِمَا ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا التَّفَرُّقَ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ، فَالْمُصَدَّقُ الْمُنْكِرُ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ فِي تَلَازُمِهَا وَلِلرَّافِعِيِّ فِيهِ بَحْثٌ.
وَمِنْهُ: الْمَدْيُونُ، إذَا عُرِفَ لَهُ مَالٌ قَطَعُوا بِحَبْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: وَكَانَ يَنْبَغِي، إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ، وَكَانَ ضَعِيفًا عَنْ الْكَسْبِ وَمَضَتْ مُدَّةٌ تَسْتَوْعِبُ نَفَقَتُهَا مَا عِنْدَهُ، (أَنَّهُ) لَا يُحْبَسُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ (يُنْفِقُ مَا) عَهِدْنَاهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، قَالَ: وَهَذَا السُّؤَالُ مُشْكِلٌ جِدًّا (وَلَعَلَّ) اللَّهَ يُيَسِّرُ حَلَّهُ. قُلْت: وَهَذَا نَظِيرُ بَحْثِ الرَّافِعِيِّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا.
(وَمِنْهُ) : إذَا ادَّعَتْ الرَّجْعِيَّةُ امْتِدَادَ الطُّهْرِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَعَدَمَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَتُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِدَّةِ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ (الْقَوِيِّ) .
وَمِنْهُ: لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ أَحْدَثَ يُعْمَلُ بِالْأَصْلِ الْمُسْتَصْحَبِ (وَيُلْغَى) ظَنُّهُ، وَإِنْ أُسْنِدَ (لِظَاهِرٍ قَطَعُوا بِهِ)، إلَّا أَنَّ الرَّافِعِيَّ اخْتَارَ فِي ظَنِّ الطَّهَارَةِ خِلَافَهُ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ وَمِنْهُ: لَوْ أَسْلَمَ فِي لَحْمٍ فَأَتَاهُ بِهِ عَلَى صِفَاتٍ السَّلَمِ فَقَالَ الْمُسْلِمُ: هَذَا (لَحْمُ) مَيْتَةٍ لَا يَلْزَمُنِي قَبُولُهُ، وَقَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ، بَلْ مُذَكًّى فَعَلَيْك قَبُولُهُ، فَالْمُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ قَطَعَ بِهِ (الزُّبَيْرِيُّ) فِي الْمُسْكِتِ، وَالْعَبَّادِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَالْهَرَوِيُّ فِي (الْإِشْرَافِ) قَالَ الْعَبَّادِيُّ: لِأَنَّ اللَّحْمَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ (وَالْأَصْلُ) بَقَاءُ تَحْرِيمِهِ حَتَّى تَتَحَقَّقَ الذَّكَاةُ الشَّرْعِيَّةُ.
قُلْت: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ (لَحْمَ) مَيْتَةٍ، وَيَدَّعِي طَهَارَتَهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ الْمُلْقَى فِي (الْمِكْتَلِ) أَوْ خِرْقَةٌ بِبَلَدِ الْمُسْلِمِينَ، بَلْ أَوْلَى وَقَدْ قَالُوا فِي الْمُكَاتَبِ إذَا أَتَى سَيِّدَهُ بِمَالٍ، فَقَالَ السَّيِّدُ:(هَذَا) حَرَامٌ، فَالْمُصَدَّقُ الْمُكَاتَبُ بِيَمِينِهِ، أَنَّهُ حَلَالٌ،
وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ: إمَّا أَنْ تَأْخُذَهُ أَوْ تُبْرِيَهُ وَمِنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْإِحْيَاءِ، وَلَوْ وَكَّلَ شَخْصًا فِي شِرَاءِ جَارِيَةٍ وَوَصَفَهَا فَاشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمَاتَ الْوَكِيلُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهَا لِلْمُوَكِّلِ، لَمْ يَحِلَّ لِلْمُوَكِّلِ (وَطْؤُهَا) ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ، وَتَوْجِيهُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ (شِرَاءَ) الْوَكِيلِ الْجَارِيَةَ بِالصِّفَاتِ الْمُوَكَّلِ بِهَا ظَاهِرٌ فِي الْحِلِّ، وَلَكِنَّ الْأَصْلَ التَّحْرِيمُ فَغَلَّبْنَاهُ.
وَمِنْهُ: لَوْ أَسْلَمَ (الْكَافِرُ) وَصَلَّى خَلْفَهُ رَجُلٌ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ الْإِمَامُ: كُنْتُ جَحَدْت الْإِسْلَامَ وَارْتَدَدْت قَالَ الطَّبَرِيُّ: فَإِنَّ (صَلَاةَ) الْمُؤْتَمِّ بِهِ لَا (تَبْطُلُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَرَفَ مِنْهُ الْإِسْلَامَ لَمْ (يَنْزِلْ) عَنْ حُكْمِهِ، إلَّا (أَنْ) يَسْمَعَ مِنْهُ الْجُحُودَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ (حَالُ رَدَّةٍ وَحَالُ إسْلَامٍ)(وَصَلَّى) خَلْفَهُ وَلَمْ يَعْرِفْ فِي أَيِّ (حَالَتَيْهِ) صَلَّى، قَالَ (الْإِمَامُ) الشَّافِعِيُّ: أَحْبَبْتُ لَهُ أَنْ يُعِيدَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْإِسْلَامُ.
وَمِنْهُ: لَوْ (تُنْجِبُ) شَاةٌ (سَخْلَةً) رَأْسُهَا (يُشْبِهُ) رَأْسَ (شَاةٍ) ، وَذَنَبُهَا يُشْبِهُ ذَنَبَ الْكَلْبِ،
فَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي (حُسَيْنٍ) أَنَّهَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّ فَحْلَهَا كَانَ كَلْبًا.
الرَّابِعُ: مَا فِيهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ الْأَصْلِ فَمِنْهَا: لَوْ أَدْخَلَ الْكَلْبُ رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ، وَشَكَّ هَلْ وَلَغَ فِيهِ أَمْ لَا، وَأَخْرَجَهُ وَفَمُهُ رَطْبٌ، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِتَنْجِيسِ الْمَاءِ فِي الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُلُوغِ وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ الَّتِي عَلَى فَمِهِ يَكَادُ يَقْطَعُ بِأَنَّهَا مِنْ الْمَاءِ، وَلَعَلَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا شَكَّ فِي أَنَّ الرُّطُوبَةَ الَّتِي عَلَى فَمِ الْكَلْبِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ حَصَلَتْ، كَمَا إذَا شَاهَدْنَا رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ، وَأَخْرَجَهُ وَعَلَى فَمِهِ رُطُوبَةٌ، وَأَمَّا لَوْ شَاهَدْنَا فَمَهُ يَابِسًا وَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ رَطْبًا، أَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ (وَسَمِعْنَاهُ) يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ، فَلَا وَجْهَ إلَّا الْقَطْعُ بِالنَّجَاسَةِ.
وَمِنْهَا: لَوْ شَكَّ الْمُصَلِّي فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ الْيَقِينُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا، وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهِ بِقَوْلِ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: إنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِمْ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَهُوَ قَوِيٌّ.
(وَمِنْهَا) : لَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ الطَّوَافِ: نَعَمْ، لَوْ طَافَ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ أَتَمَّ الْعَدَدَ فَأَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِبَقَاءِ شَيْءٍ، فَالْأَقْرَبُ الرُّجُوعُ لِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَا تُبْطِلُهُ، ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْحَجِّ.
وَمِنْهَا: لَوْ اخْتَلَطَتْ تَمْرَةٌ حَلَالٌ بِتَمْرٍ (كَثِيرٍ) حَرَامٍ، أَوْ صَيْدٌ مُبَاحٌ بِصَيْدٍ
كَثِيرٍ مَمْلُوكٍ، فَإِنَّهُ يُحَرَّمُ الْأَكْلُ مِنْ التَّمْرِ وَالصَّيْدِ؛ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ لِغَلَبَةِ الْحَرَامِ، وَنُدُورِ الْحَلَالِ، فَإِنْ كَثُرَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ عِنْدَ إنْسَانٍ، فَالْبَيْعُ مِنْهُ وَأَكْلُ مَالِهِ جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ أَكْثَرُ مَالِهِ (حَرَامًا) جَازَتْ مُعَامَلَتُهُ أَيْضًا مَعَ الْكَرَاهَةِ، كَذَا قَطَعُوا (بِهِ) مَعَ حِكَايَتِهِمْ قَوْلَيْنِ: فِي غَلَبَةِ ظَنِّ النَّجَاسَةِ وَجَزَمُوا عِنْدَ ظَنِّ الْحَرَامِ الْكَثِيرِ بِجَوَازِ الْمُعَامَلَةِ، وَالْقِيَاسُ: إمَّا التَّسْوِيَةُ وَإِمَّا الْمَنْعُ مِنْهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ (تَعَالَى)(بِهَا) وَحَقِّ الْآدَمِيِّ، وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّمَا لَمْ يُجْرُوا هُنَا الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّا صَادَفْنَا أَصْلًا مَرْجُوعًا إلَيْهِ فِي الْأَمْلَاكِ، وَهُوَ الْيَدُ فَاعْتَمَدْنَاهُ، بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ، فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ أَصْلًا يُعَارِضُ غَلَبَةَ الظَّنِّ، إلَّا اسْتِصْحَابَ الطَّهَارَةِ. قُلْت: وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ فِي الْمُعَامَلَةِ يُعَارِضُهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ؛ وَلِهَذَا قَالَ (الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ الْبَالِسِيُّ) : يَنْبَغِي تَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ حَتَّى (لَوْ) بَاعَ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْهُ الثَّمَنَ حَتَّى يَذْكُرَ جِهَتَهُ، وَكَذَلِكَ فِي طَعَامِهِ، لَوْ قَدَّمَهُ لَهُ ضِيَافَةً. قُلْت: قَدْ قَالَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الضِّيَافَةِ، فَقَالَ فِي الْوَلِيمَةِ: إذَا كَانَ الدَّاعِي إلَيْهَا فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ، لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ، وَلَوْلَا اعْتِبَارُ ذَلِكَ لَمَا سَقَطَ عَنْهُ الْوَاجِبُ.
وَمِنْهَا: لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ فِيهَا دُونَ قُلَّتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَ فِي الْبِئْرِ
فَأْرَةً، فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا (بَعْدَ الْوُضُوءِ)
وَمِنْهَا: لَوْ صَلَّى (وَرَأَى) بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً، احْتَمَلَ وُقُوعُهَا بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، لَمْ يُعِدْ، وَلَوْ وَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَنِيًّا وَلَمْ يَدْرِ مَتَى حَصَلَ لَهُ، قَالَ الْأَصْحَابُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ.
وَمِنْهَا: لَوْ شَكَّ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ، هَلْ صَلَّاهَا أَمْ لَا: قَالَ الرُّويَانِيُّ: إنْ كَانَ مَعَ بُعْدِ الزَّمَانِ، لَمْ يُعِدْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ، لَا يَقْدِرُ عَلَى ضَبْطِ مَا (وَقَعَ) مِنْهُ فِي الْمَاضِي (وَيَعْسَرُ) عَلَيْهِ تَذَكُّرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ قُرْبِ الزَّمَانِ كَمَنْ شَكَّ فِي آخِرِ الْأُسْبُوعِ فِي صَلَاةِ يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ عَلَى مَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ مُوَاظَبَةَ الصَّلَاةِ، أَمَّا مَنْ اعْتَادَ تَرْكَهَا أَوْ بَعْضَهَا، فَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا (مُتَعَيَّنٌ) ، لَا بُدَّ مِنْهُ.
وَمِنْهَا ثِيَابُ مُدْمِنِي النَّجَاسَاتِ وَطِينِ الشَّارِعِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ اخْتِلَاطُهُ بِالنَّجَاسَةِ، وَالْمَقَابِرُ الَّتِي يَغْلِبُ (نَبْشُهَا) ، وَالْأَصَحُّ الطَّهَارَةُ.
وَلِطِينِ الشَّارِعِ أُصُولٌ يُبْنَى عَلَيْهَا: (أَحَدُهَا) مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. (ثَانِيهَا) : طَهَارَةُ الْأَرْضِ بِالْجَفَافِ وَالرِّيحِ وَالشَّمْسِ عَلَى الْقَدِيمِ.
ثَالِثُهَا) : طَهَارَةُ النَّجَاسَةِ بِالِاسْتِحَالَةِ إذَا اُسْتُهْلِكَتْ فِيهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَصَارَتْ طِينًا، وَأَمَّا الَّذِي يُظَنُّ نَجَاسَتُهُ وَلَا يُتَيَقَّنُ طَهَارَتُهُ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ: إنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَخَالَفَهُمَا النَّوَوِيُّ (فَقَالَ) الْمُخْتَارُ الْجَزْمُ بِطَهَارَتِهِ.
(وَمِنْهَا) : لَوْ جَرَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا وَغَابَ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ بَرِئَ مِنْ جِرَاحَتِهِ أَوْ مَاتَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَ مَا نَقَصَ لِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّوَائِدِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ كَامِلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ وَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ.
(وَمِنْهَا) : لَوْ جَرَحَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا (فَغَابَ) ثُمَّ (وَجَدَهُ) مَيِّتًا وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ مَاتَ بِجِرَاحَتِهِ أَوْ بِسَبَبٍ حَادِثٍ، فَالْوَاجِبُ جَزَاءٌ (كَامِلٌ) أَوْ ضَمَانُ الْجُرْحِ فَقَطْ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ آخَرَ (فَفِيهِ) قَوْلَانِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: قُلْت: أَصَحُّهُمَا الثَّانِي وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ (لِأَنَّهُ) وُجِدَ سَبَبٌ يُمْكِنُ إحَالَةُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْجُرْحُ كَمَا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا وَمَاتَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ آخَرَ سِوَاهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَ صَيْدًا وَغَابَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا يَحِلُّ أَكْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ (وَلْنَنْظُرْ) فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ (الصُّوَرِ) وَمَسْأَلَةِ بَوْلِ الظَّبْيِ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَجِدُهُ مُتَغَيِّرًا حَيْثُ أَحَالُوهُ عَلَى الْبَوْلِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ (لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ) وَقَدْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ إذَا غَابَ عَنْ الصَّيْدِ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ ثُمَّ قَالَ: وَنَظِيرُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَاءِ أَنْ
يَبُولَ الظَّبْيُ فِيهِ وَلَا يَعْقُبُهُ التَّغَيُّرُ حَتَّى يَمْضِيَ زَمَانٌ ثُمَّ يُوجَدُ مُتَغَيِّرًا (فَلَا) يُحْكَمُ بِأَنَّ التَّغَيُّرَ عَنْ الْبَوْلِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ (رحمه الله) قَالَ: وَلَا يُحْكَمُ (بِمَوْتِ) الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْهَا حَتَّى تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَرِيضًا مِنْهَا إلَى أَنْ مَاتَ فَالْمَسَائِلُ (الثَّلَاثُ) كُلُّهَا سَوَاءٌ (تَجْمَعُهَا نُكْتَةٌ) وَاحِدَةٌ انْتَهَى.
(وَمِنْهَا) : قَالَ: بِعْتُك الشَّجَرَةَ بَعْدَ التَّأْبِيرِ، فَالثَّمَرَةُ لِي وَعَاكَسَهُ الْمُشْتَرِي صُدِّقَ الْبَائِعُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنَّ الدَّارِمِيَّ قَالَ: إنَّهُمَا (يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ) .
(وَمِنْهَا) : لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ، فَقَالَ الْبَائِعُ: وَضَعَتْهُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ بَعْدَهُ قَالَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ النِّهَايَةِ: كَتَبَ (الْحَلِيمِيُّ) إلَى الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ يَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ، قُلْت: وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا وَجْهَيْنِ
، (وَمِنْهَا) : لَوْ اخْتَلَفَ مَعَ مُكَاتَبَتِهِ فَقَالَتْ: (وَلَدْتُهُ) بَعْدَ الْكِتَابَةِ
فَمُكَاتَبٌ) مِثْلِي فَقَالَ السَّيِّدُ: بَلْ قَبْلَهَا صُدِّقَ السَّيِّدُ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَا: وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ ثُمَّ بَاعَهَا لَهُ وَوَلَدَتْ وَقَدْ كَاتَبَهُ، فَقَالَ السَّيِّدُ: وَلَدَتْ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَهُوَ (قِنٌّ) لِي، وَقَالَ الْمُكَاتَبُ: بَلْ بَعْدَ (الشِّرَاءِ) فَمُكَاتَبٌ صُدِّقَ الْمُكَاتَبُ بِيَمِينِهِ، وَفَرَّقَا بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ هُنَا يَدَّعِي مِلْكَ الْوَلَدِ كَمَا سَبَقَ؛ (لِأَنَّ) وَلَدَ أَمَتِهِ مِلْكُهُ وَيَدُهُ مُقِرَّةٌ عَلَى هَذَا الْوَلَدِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَالْمُكَاتَبَةُ لَا تَدَّعِي الْمِلْكَ، بَلْ ثُبُوتَ حُكْمِ الْكِتَابَةِ فِيهِ.
تَنْبِيهَانِ (الْأَوَّلُ) : الْقَوْلَانِ فِي تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ. الْمُرَادُ بِالْغَالِبِ (غَلَبَةُ) الظَّنِّ لَا مِنْ جِهَةِ عَلَامَةٍ تَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الشَّيْءِ، فَهَذَا مَوْضِعُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ أَصْلَ الْحِلِّ هَلْ يُزَالُ بِهِ كَالْخِلَافِ فِي (التَّطْهِيرِ) مِنْ أَوَانِي مُدْمِنِي الْخَمْرِ، وَالصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ الْمَنْبُوشَةِ وَفِي (طِينِ) الشَّوَارِعِ؟ أَعْنِي الْقَدْرَ الزَّائِدَ (عَلَى) مَا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَأَنَّ الْعَلَامَةَ إذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ بِغَيْرِ التَّنَاوُلِ لَمْ (يَجِبْ) دَفْعُ الْأَصْلِ، فَأَمَّا إذَا اسْتَنَدَ غَلَبَةُ الظَّنِّ إلَى عَلَامَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ (بِعَيْنِ) الشَّيْءِ، وَجَبَ تَرْجِيحُ الْغَالِبِ كَمَسْأَلَةِ بَوْلِ الظَّبْيَةِ، فَإِنَّ الْبَوْلَ الْمُشَاهَدَ دَلَالَةٌ (مُغَلِّبَةٌ) لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ، وَقَدْ بَانَ لَنَا أَنَّ اسْتِصْحَابَ الْأَصْلِ ضَعِيفٌ وَلَا يَبْقَى لَهُ حُكْمٌ مَعَ غَالِبِ الظَّنِّ ذَكَرَ هَذَا الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ.