الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَمَتِّعِ صَوْمُ الثَّلَاثِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (رحمه الله) وَقِيلَ: إنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ بِالْحَدَثِ أَوْ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا، لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَجِبْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، لَمَا جَازَ فِعْلُهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، فَإِنَّ عِبَادَاتِ الْأَبْدَانِ لَا يَتَقَدَّمُ وَقْتُهَا، لَكِنَّهَا جَائِزَةٌ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا بِالْحَدَثِ.
وَيُسْتَثْنَى صُوَرٌ: وَمِنْهَا يَجُوزُ الْأَذَانُ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْوَقْتِ، قَالَ الْقَفَّالُ، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعْجِيلِ بِالصُّبْحِ، وَمَبْنَى التَّعْجِيلِ عَلَى وُجُوبِهَا بِأَوَّلِ الْوَقْتِ.
وَمِنْهَا الْحَجُّ قَبْلَ الِاسْتِطَاعَةِ، ثُمَّ يَسْتَطِيعُ.
وَمِنْ ذَلِكَ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ: إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِهَا بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَالصَّبِيُّ إذَا تَوَضَّأَ، ثُمَّ بَلَغَ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ عَلَى الصَّحِيحِ، خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ فِي الْمَنْثُورِ.
وَلَوْ صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ، ثُمَّ بَلَغَ بِالسِّنِّ فِيهَا أَوْ بَعْدَهَا، فَلَا إعَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ الْإِحْرَامُ، وَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الْمِيقَاتِ.
[التَّقَاصُّ]
ُّ إذَا ثَبَتَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ مِثْلُهُ.
إمَّا مِنْ جِهَةٍ كَسَلَمٍ وَقَرْضٍ. أَوْ مِنْ جِهَتَيْنِ كَقَرْضٍ وَثَمَنٍ، وَكَانَ الدَّيْنَانِ مُتَّفِقَيْنِ فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ
وَالْحُلُولِ وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ سَبَبُ وُجُوبِهِمَا كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ اخْتَلَفَ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: أَصَحُّهُمَا: عِنْدَ النَّوَوِيِّ، وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ التَّقَاصَّ يَحْصُلُ بِنَفْسِ ثُبُوتِ الدَّيْنَيْنِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الرِّضَا، لِأَنَّ مُطَالَبَةَ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ بِمِثْلِ مَالِهِ عِنَادٌ، لَا فَائِدَةَ فِيهِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَلِأَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِوَارِثِهِ، فَإِنَّ ذِمَّتَهُ تَبْرَأُ بِانْتِقَالِ التَّرِكَةِ لِوَارِثِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهَا فِي (دَيْنِهِ) لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ، لِانْتِقَالِ الْعَيْنِ إلَيْهِ.
وَالثَّانِي: يَسْقُطُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ إنْ تَرَاضَيَا، وَإِلَّا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مُطَالَبَةُ الْآخَرِ.
وَالثَّالِثُ: يَسْقُطُ بِرِضَا أَحَدِهِمَا.
وَالرَّابِعُ: لَا يَسْقُطُ وَلَوْ تَرَاضَيَا.
إذَا عَلِمْت هَذَا " فَلِلتَّقَاصِّ شُرُوطٌ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ فِي الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَّةِ، فَأَمَّا الْأَعْيَانُ، فَلَا يَصِيرُ بَعْضُهَا
قِصَاصًا عَنْ بَعْضٍ، لِأَنَّهُ يَكُونُ كَالْمُعَاوَضَةِ فَيَفْتَقِرُ إلَى التَّرَاضِي، وَلِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ فِي الْأَعْيَانِ، فَأَمَّا فِي الذِّمَّةِ الدُّيُونُ سَوَاءٌ، فَلَا مَعْنَى لِقَبْضِ أَحَدِهِمَا، ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهِ، وَمِنْ أَجْلِ هَذَا الشَّرْطِ امْتَنَعَ أَخْذٌ مَالِ الْغَرِيمِ بِغَيْرِ إذْنِهِ إذَا كَانَ مُقِرًّا بَاذِلًا لِلْحَقِّ، لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الدَّفْعِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ، وَلَوْ أَخَذَهُ ضَمِنَهُ، وَلَا يُقَالُ يَصِيرُ قِصَاصًا عَنْ حَقِّهِ، لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الدُّيُونِ لَا فِي الْأَعْيَانِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي الْأَثْمَانِ، أَمَّا الْمِثْلِيَّاتُ كَالطَّعَامِ وَالْحُبُوبِ، فَلَا تَقَاصَّ فِيهَا، صَرَّحَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، بِأَنَّ مَا عَدَا الْأَثْمَانَ (يَطْلُبُ) فِيهِ الْمُعَايَنَةَ، وَحَكَى الْإِمَامُ فِي جَرَيَانِهِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَجْهَيْنِ: وَصَحَّحَ جَرَيَانُهُ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ الْمَنْصُوصُ كَمَا حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ، وَقَالَ إنَّ الْأَصْحَابَ خَالَفُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ (رحمه الله) لَا عَنْ قَصْدٍ، لِقِلَّةِ نَظَرِهِمْ فِي كِتَابِهِ، وَمِنْ (هَذَا، قَالُوا مَا لَوْ) أَكَلَتْ الرَّشِيدَةُ مَعَ زَوْجِهَا، تُسْقِطُ نَفَقَتَهَا فِي الْأَصَحِّ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الدَّيْنَانِ مُسْتَقَرَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَا سَلَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ قَطْعًا
وَإِنْ تَرَاضَيَا، قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يَقْتَضِي الْجَوَازَ، لَكِنْ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأُمِّ مَنْعُ التَّقَاصِّ فِي السَّلَمِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَتَّفِقَا فِي الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالْحُلُولِ وَالْأَجَلِ، فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ وَالْآخَرُ دَنَانِيرَ، لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ.
الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ بَعْدَ طَلَبِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَا مُؤَجَّلَيْنِ بِأَجَلٍ وَاحِدٍ، وَلَا طَلَبَهُ، فَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ لَا يُجْزِئُ، بِلَا خِلَافٍ، وَقَالَ الْإِمَامُ فِيهِ احْتِمَالٌ.
السَّادِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يُبْنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَفِرَ الْمُسْتَحِقُّ بِحَقِّهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ جَائِزٌ، إلَّا فِي حَقِّ الْمَجَانِينِ وَالْأَيْتَامِ وَالْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ.
السَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ فِي قِصَاصٍ، وَلَا حَدٍّ، فَلَوْ تَقَاذَفَ شَخْصَانِ لَمْ يَتَقَاصَّا، وَلَوْ تَجَارَحَ رَجُلَانِ، قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ قُبَيْلَ بَابِ الدِّيَاتِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةٌ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ بِقَتْلِ صَاحِبِهِ، قَالَ، فَإِنْ
ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ جُرْحٌ لِلدَّفْعِ، لَمْ يَقْبَلْ أَيْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ مَا يَدَّعِيه صَاحِبُهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّفْعِ الْمُسْقِطِ لِلضَّمَانِ، فَإِذَا حَلَفَا وَمَاتَا بِالسِّرَايَةِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الْآخَرِ، لِأَنَّ الْجُرْحَ السَّارِيَ مَوْجُودٌ وَمَا يَدَّعِيهِ مِنْ قَصْدِ الدَّفْعِ لَمْ يَثْبُتْ فَوَجَبَ الضَّمَانُ، قَالَ (الشَّيْخُ عَلَمُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ) فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ، إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا بِالسِّرَايَةِ عَلَى الَّذِي لَمْ يَمُتْ لِمَا تَقَدَّمَ. قُلْت: فِي فُرُوعِ (ابْنِ الْقَطَّانِ) إنَّ (التَّقَاصَّ) يَجْرِي فِي الْقِصَاصِ حَتَّى لَوْ قَتَلَ إنْسَانًا فَقَتَلَ وَارِثُهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ قَوَدَهُ الْقَاتِلُ سَقَطَ هَذَا بِهَذَا، وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ فِي (الْقَذْفِ) وَهُوَ غَرِيبٌ