الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، قَالَ الْإِمَامُ هَذَا إنَّ طَرْدَهُ فِي الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ، وَإِنْ لَمْ (يَطْرُدْهُ) لَزِمَهُ الْفَرْقُ وَلَمْ نَجِدْهُ قُلْت لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَدَانَ لِتَخْلِيصِ الرَّقَبَةِ، فَلَمَّا عَجَزَ انْعَكَسَ عَلَيْهِ الْمَقْصُودُ، وَلَا كَذَلِكَ (فِي الْمَأْذُونِ، كَذَلِكَ) الْمَهْرُ، حَيْثُ ثَبَتَ فِي الْعَيْبِ وَالْمَغْرُورِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ فِي الْأَصَحِّ. الثَّالِثُ: مَا سِوَى ذَلِكَ فَيَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ.
[التَّعْلِيقُ]
اعْلَمْ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
فَمِنْهَا مَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ وَالتَّعْلِيقَ، وَمِنْهَا مَا لَا يَقْبَلُهُمَا، وَمِنْهَا مَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ دُونَ التَّعْلِيقِ، وَمِنْهَا بِالْعَكْسِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ أَنَّ التَّعْلِيقَ مَا دَخَلَ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ بِأَدَاتِهِ، كَإِنْ وَإِذَا، وَالشَّرْطُ مَا جَزَمَ فِيهِ بِالْأَصْلِ، وَشُرِطَ فِيهِ أَمْرٌ آخَرُ.
الْأَوَّلُ: مَا يَقْبَلُهُمَا كَالْعِتْقِ، بِتَعْلِيقِهِ، إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، وَالشَّرْطُ: أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا: نَعَمْ بَيْعُ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ تَعْلِيقُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِإِعْتَاقِهِ نَظَرًا لِمَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ، وَالْكِتَابَةُ تَقْبَلُ الشَّرْطَ، كَإِذَا أَدَّيْت
إلَيَّ كَذَا فِي نَجْمَيْنِ فَأَنْتَ حُرٌّ.
وَمِنْهَا التَّدْبِيرُ وَالْوِصَايَةُ وَالْوِلَايَةُ، قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْوِصَايَةِ، لَوْ قَالَ إذَا مِتُّ أَوْصَيْت إلَيْك، أَوْ إذَا مِتُّ فَفُلَانٌ وَصِيِّي، أَوْ فَقَدْ أَوْصَيْت إلَيْهِ جَازَ.
(قَالَ وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ التَّأْمِيرِ وَمِنْ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم) قَالَ «إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيبَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» ، هَذَا
ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَتَحْتَمِلُ الْوَصِيَّةُ التَّعْلِيقَ، كَمَا تَحْتَمِلُ الْجَهَالَاتِ، وَحَكَى فِيهَا الْحَنَّاطِيُّ خِلَافَ تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ وَبِالْمَنْعِ أَجَابَ الرُّويَانِيُّ وَقَالَ، لَوْ قَالَ إذَا مِتُّ، فَقَدْ أَوْصَيْت إلَيْك لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ أَوْصَيْت إلَيْك إذَا مِتُّ، وَقَالَ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ، لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَوْدَعْتُك، قَالَ الرُّويَانِيُّ يَجُوزُ، وَالْقِيَاسُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعْلِيقِ الْوَكَالَةِ.
وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْوَصِيَّةِ، فَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ عَنْ الْقَفَّالِ، مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ، لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ صِيغَةٍ، لَكِنْ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ بِالْجَوَازِ، فَقَالَ لَوْ قَالَ: إنْ رُزِقْت كَذَا أَوْ سَلِمْت مِنْ سَفَرِي أَوْ صَارَ كَذَا، فَقَدْ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي، جَازَ ذَلِكَ وَيُحْمَلُ عَلَى الشَّرْطِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ ابْنُ الرِّفْعَةِ (فِي الْمَطْلَبِ) وَجَعَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ الصَّوْمَ، قَالَ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ الشَّرْطَ، بِأَنْ يَشْرَعَ، فِيهِ وَيَقُولُ إنْ أَبْطَلْته بَطَلَ، وَالتَّعْلِيقُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ صَوْمٌ.
قُلْت: وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّهُ يَبْطُلُ بِنِيَّةِ الْقَطْعِ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ، بِخِلَافِ (الصَّلَاةِ) وَقَوْلُهُ (إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ صَوْمٌ لَيْسَ تَعْلِيقًا لِلصَّوْمِ، بَلْ
تَعْلِيقًا لِلْإِلْزَامِ) وَلَيْسَ مِنْ قَضَايَا الصَّوْمِ فِي شَيْءٍ: نَعَمْ يُقْبَلُ التَّعْلِيقُ إذَا اسْتَنَدَ إلَى أَصْلٍ كَقَوْلِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ نَوَيْت صَوْمَ غَدٍ مِنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ.
وَالْحَجُّ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَإِنْ أَحْرَمَ فُلَانٌ فَقَدْ أَحْرَمْت، وَشَرْطُهُ أَحْرَمْت عَلَى أَنِّي إذَا مَرِضْت فَأَنَا حَلَالٌ.
الثَّانِي: مَا لَا يَقْبَلُهُمَا كَالْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالدُّخُولِ فِي الدِّينِ لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ فَإِذَا قَالَ أَسْلَمْت عَلَى أَنَّ لِي أَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَ أَوْ أَتْرُكَ الصَّلَاةَ سَقَطَ شَرْطُهُ، وَلَا يُقْبَلُ التَّعْلِيقُ، فَإِذَا قَالَ إنْ كُنْت فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ كَاذِبًا فَأَنَا مُسْلِمٌ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ لَهُ إسْلَامٌ، لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي الدِّينِ يُفِيدُ الْجَزْمَ بِصِحَّتِهِ وَالْمُعَلِّقُ لَيْسَ بِجَازِمٍ.
وَمِنْهُ النِّكَاحُ، لَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ زَوَّجْتُك أَوْ زَوَّجْتُك عَلَى أَنْ تَفْعَلَ كَذَا لَمْ يَصِحَّ.
وَمِثْلُهُ الرَّجْعَةُ بِالضَّمَانِ وَمِنْهُ الصَّلَاةُ وَالطَّهَارَةُ، إلَّا فِي الْمُسَافِرِ الْمُقْتَدِي بِمُسَافِرٍ لَا يَعْلَمُ نِيَّتَهُ فَقَالَ إنْ قَصَرَ قَصَرْت، وَإِلَّا أَتْمَمْت لَا يَضُرُّ فِي الْأَصَحِّ.
وَمِنْهُ الصَّوْمُ، لَا يَقْبَلُ شَرْطًا وَلَا تَعْلِيقًا، إلَّا فِيمَا إذَا أَسْنَدَ التَّعْلِيقَ لِأَصْلٍ.
وَمِنْهُ الْفُسُوخُ، لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا، وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ التَّعْلِيقُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخُلْعِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ فَسْخٌ وَكَذَا الِاخْتِيَارُ فِي نِكَاحِ الزَّائِدَاتِ.
الثَّالِثُ: مَا لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَيَقْبَلُ الشَّرْطَ وَهُوَ الْبَيْعُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ (أَوْ عَلَى أَنَّهُ) يَأْتِيهِ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ قِيلَ: إنْ جَاءَ فُلَانٌ أَوْ جَاءَ الشَّهْرُ فَقَدْ بِعْتُك لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ نَقْلَ الْمِلْكِ يَسْتَدْعِي الْجَزْمَ وَلَا جَزْمَ مَعَ التَّعْلِيقِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ مِلْكِي فَقَدْ بِعْتُكَهُ، لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ أَثْبَتَهُ اللَّهُ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ اشْتِرَاطُهُ كَتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُقْبَلُ الشَّرْطُ فِي الْجُمْلَةِ، لَا كُلُّ شَرْطٍ.
وَمِثْلُهُ الْإِجَارَةُ وَالْوَقْفُ وَالْوَكَالَةُ عَلَى الْأَصَحِّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَبَيْنَ الْعِتْقِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا إخْرَاجٌ عَنْ الْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ.
قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ الْوَقْفَ فِيهِ شَائِبَةُ الْمُعَاوَضَةِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ قَبُولِهِ مِنْ الْمُعَيَّنِ وَأَنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ عَلَى قَوْلٍ. وَمِنْهُ الْكِتَابَةُ، لِأَنَّهَا مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ. وَمِنْهُ الْإِذْنُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ نَحْوَ بِعْ هَذَا إنْ جَاءَ زَيْدٌ، وَلَيْسَ تَعْلِيقًا لِلْوَكَالَةِ، بَلْ لِلتَّصَرُّفِ، وَلَوْ قَالَ إنْ جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ أَذِنْت لَك لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ وَفِي الْبَيَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (رضي الله عنه) فِي الْأُمِّ: لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ كَانَ إقْرَارًا، وَلَوْ قَالَ، إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَلَهُ عَلَيَّ
أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا.
وَالْفَرْقُ أَنَّهُ، إذَا قَالَ عَلَيَّ أَلْفٌ قَدْ أَقَرَّ بِالْأَلْفِ، فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ كَمَحِلِّهَا، فَلَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ، وَإِذَا بَدَأَ بِالشَّرْطِ لَمْ يُقِرَّ بِالْحَقِّ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِالشَّرْطِ، فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارًا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي ذَلِكَ نَظَرٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَقْدِيمِ الشَّرْطِ وَتَأْخِيرِهِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا، لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ، فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشَّرْطِ، وَإِنْ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ شِئْت، لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا، لِأَنَّ مَا لَا يَلْزَمُ يَصِيرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِوُجُودِهِ الشَّرْطِ، وَإِنْ قَالَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ قَبِلْت إقْرَارِي، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ عِنْدِي لَا يَكُونُ إقْرَارًا، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ إنْ شِئْت أَوْ قَبِلْت، فَقَالَ قَبِلْت أَوْ شِئْت كَانَ بَيْعًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِيجَابَ فِي الْبَيْعِ يَقَعُ مُتَعَلِّقًا بِالْقَبُولِ، فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ لَمْ يَصِحَّ، فَجَازَ تَعْلِيقُهُ عَلَيْهِ وَالْإِقْرَارُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَبُولِ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ، فَلَمْ يَصِحَّ تَعْلِيقُهُ لِوُجُوبِهِ قَبْلَ الشَّرْطِ.
الرَّابِعُ: مَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ عَلَى الشَّرْطِ وَلَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَالْإِيلَاءُ وَالظِّهَارُ. وَكَذَا الْخُلْعُ إنْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا. فَتَعْلِيقُ الطَّلَاقِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُك بِشَرْطِ أَنْ تَخْدُمِينِي شَهْرًا، لَمْ يَلْزَمْ الشَّرْطُ.
وَمَثَّلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ عَلَيْك كَذَا،
فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَلَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ، وَهَذَا (رَأْيُ الْغَزَالِيِّ، لَكِنْ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ، أَنَّهَا إذَا قَبِلَتْ بَانَتْ وَوَجَبَ الْمَالُ وَوَجَّهَ الْغَزَالِيُّ رَأْيَهُ) ، بِأَنَّ الصِّيغَةَ صِيغَةُ شَرْطٍ وَالطَّلَاقُ لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ، وَقَدْ (أَشْكَلَ) هَذَا الْكَلَامُ عَلَى جَمَاعَةٍ، لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقِ وَبِقَاعِدَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقْبَلُ الْإِيقَاعَ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ قَبِلَ الْوُقُوعِ بِالشَّرْطِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْخُلْعِ فَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَمَعْنَاهُ لَا يَقْبَلُ الشَّرْطَ فِي الْإِيقَاعِ، وَإِنْ قَبِلَهُ فِي الْوُقُوعِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا يَتَّضِحُ بِالْمِثَالِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَدْخُلِي الدَّارَ أَوْ عَلَى أَنْ لَا تَدْخُلِي وَقَعَ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ (انْتَهَى) .
وَحَاصِلُ قَوْلِهِ الشَّرْطُ فِي الطَّلَاقِ يَلْغُو، لِأَنَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ، لَا يَقِفُ عَلَى شَرْطٍ، لِأَنَّ وُقُوفَهُ عَنْ الْوُقُوعِ مَعَ وُقُوعِهِ مُحَالٌ. وَقَدْ يُقَالُ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ جُمْلَتَا شَرْطٍ فِي حُكْمِ كَلَامٍ وَاحِدٍ لَا يَتِمُّ الْكَلَامُ إلَّا بِهِمَا فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَدْخُلِي الدَّارَ فَهَذَا شَرْطٌ (لُغَوِيٌّ لَا صِنَاعِيٌّ)
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بِعْت وَلِي الْخِيَارُ (ثَلَاثًا) صَحَّ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ الشَّرْطِ (فَإِنَّ)(لَفْظَ فَأَنْتِ طَالِقٌ) هُنَا كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ وَاقِعٌ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا بَعْدَهُ لَفْظًا، كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا مَعْنًى، لِأَنَّ شَرْطَ مَنْعِ الْوُقُوعِ، لَا يَدْخُلُ عَلَى الْوَاقِعِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّرْطَ قِسْمَانِ الْتِزَامِيٌّ وَتَعْلِيقِيٌّ: فَأَمَّا (الِالْتِزَامِيُّ) كَطَلَّقْتُكِ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكِ أَلْفًا، فَلَيْسَ الشَّرْطُ بِصَرِيحِ الْتِزَامٍ بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عِنْدَ الْغَزَالِيِّ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ صَرِيحٌ.
وَأَمَّا (التَّعْلِيقِيُّ) ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ (أَعْطَيْتِنِي) أَلْفًا، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الِالْتِزَامِ بِلَا خِلَافٍ.
ضَابِطٌ: مَا كَانَ تَمْلِيكًا مَحْضًا، (لَا يَدْخُلُ التَّعْلِيقُ) فِيهِ قَطْعًا كَالْبَيْعِ لِقَوْلِهِ (صلى الله عليه وسلم)«لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَلَا يَتَحَقَّقُ طِيبُ النَّفْسِ عِنْدَ الشَّرْطِ وَمَا كَانَ حِلًّا مَحْضًا يَدْخُلُهُ التَّعْلِيقُ قَطْعًا كَالْعِتْقِ.
وَبَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ مَرَاتِبُ يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ (كَالْفَسْخِ وَالْإِبْرَاءِ لِأَنَّهُمَا يُشْبِهَانِ التَّمْلِيكَ وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ وَفِيهِ شَبَهٌ يَسِيرٌ بِالْعِتْقِ فَجَرَى فِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا التَّعْلِيقُ فِي الْجَعَالَةِ وَالْخُلْعِ وَنَحْوِهِمَا فَلِأَنَّهُ الْتِزَامٌ يُشْبِهُ النَّذْرَ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِلْكٌ وَفِي الْخُلْعِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَمَعْنَى الطَّلَاقِ) .
(فَائِدَتَانِ) : الْأُولَى: لَنَا شَيْءٌ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لَا يُقْبَلُ إلَّا التَّعْلِيقُ دُونَ التَّنْجِيزِ وَهُوَ نَذْرُ التَّبَرُّرِ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي عَلَى كَذَا صَحَّ قَطْعًا، وَلَوْ الْتَزَمَهُ ابْتِدَاءً وَجْهَانِ.
الثَّانِيَةُ: الْأَصْلُ أَنَّ مَا قَبْلَ التَّعْلِيقِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت فَإِنَّهُ يَتْبَعُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَلَوْ عَلَّقَ بِمُسْتَقْبَلٍ فَقَالَ إذَا أَحْرَمَ أَحْرَمْت فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ كَمَا إذَا قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَنَا مُحْرِمٌ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمَجِيئِهِ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا تَعْلَقُ بِالْأَخْطَارِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ (صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ) فِي صِحَّةِ الْإِحْرَامِ الْمُعَلَّقِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ