المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حَوْلِهَا فَتَتْلَفُ فِي يَدِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْمَسَاكِينِ مِثْلَ مَا تَلِفَ، - المنثور في القواعد الفقهية - جـ ١

[بدر الدين الزركشي]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَعْنَى الْفِقْه وَأَنْوَاعه]

- ‌[فَائِدَةٌ فِيمَا نضج مِنْ الْعُلُوم وَمَا احترق أولم ينضج وَلَمْ يحترق]

- ‌[حَرْفُ الْأَلِفِ] [

- ‌الْإِبَاحَةُ]

- ‌[الْإِبْرَاءُ]

- ‌[الْأَبْنِيَةُ]

- ‌[الْأُبُوَّةُ وَالْبُنُوَّةُ مُتَضَايِفَانِ]

- ‌[اتِّحَادُ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ يَمْتَنِعُ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ]

- ‌[اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ يَمْتَنِعُ إلَّا فِي صُوَرٍ]

- ‌[الْإِثْبَاتُ]

- ‌[الْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ إلَّا فِي وُجُوبِ التَّأْقِيتِ وَالِانْفِسَاخِ]

- ‌[الْأَجَلُ لَا يَحِلُّ بِغَيْرِ وَقْتِهِ إلَّا فِي صُوَرٍ]

- ‌[الِاجْتِهَادُ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[اجْتِمَاعُ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ لِوَاحِدٍ]

- ‌[إدْرَاكُ بَعْضِ وَقْتِ الْعِبَادَةِ نَوْعَانِ]

- ‌[أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى أَضْرُبٍ]

- ‌[الْإِذْنُ فِي الشَّيْءِ إذْنٌ فِيمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ الشَّيْءُ إيجَابَهُ]

- ‌[الْإِذْنُ فِي تَصَرُّفٍ مُعَيَّنٍ هَلْ يَتَعَدَّى مَا وَجَبَ بِسَبَبِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مُخَالَفَةَ الْإِذْن]

- ‌[تَكْرَار الْأَذَان]

- ‌[إذَا بَطَلَ الْخُصُوصُ هَلْ يَبْقَى الْعُمُومُ]

- ‌[الْبَدَلِ الْمَأْخُوذِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ]

- ‌[إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ]

- ‌[إذَا اتَّسَعَ الْأَمْرُ ضَاقَ]

- ‌[إذَا اجْتَمَعَ فِي الْعِبَادَةِ جَانِبُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ غَلَّبْنَا جَانِبَ الْحَضَرِ]

- ‌[إذَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ أَوْ الْمُبِيحُ وَالْمُحَرِّمُ]

- ‌[إذَا اجْتَمَعَ السَّبَبُ وَالْمُبَاشَرَةُ أَوْ الْغُرُورُ وَالْمُبَاشَرَةُ قُدِّمَتْ الْمُبَاشَرَةُ]

- ‌[إذَا اجْتَمَعَ الْمُمْسِكُ وَالْقَاتِلُ]

- ‌[إذَا عُلِّقَ الْحُكْمُ بِعَدَدٍ أَوْ تَرَتَّبَ عَلَى مُتَعَدِّدٍ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ أَوْ بِالْآخَرِ]

- ‌[إذَا اخْتَلَفَ الْقَابِضُ وَالدَّافِعُ فِي الْجِهَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ]

- ‌[إذَا اخْتَلَفَ الْغَارِمُ وَالْمَغْرُومُ لَهُ فِي الْقِيمَةِ]

- ‌[إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا إلَى دَفْعِ الْعَقْدِ وَالْآخَرُ إلَى إمْسَاكِهِ]

- ‌[إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ]

- ‌[إذَا أَنْفَقَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ هَلْ يَرْجِعُ]

- ‌[إرَاقَةُ الدَّمِ الْوَاجِبَةُ بِسَبَبِ النُّسُكِ تَتَعَيَّنُ بِالْحَرَمِ إلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ]

- ‌[الْأَسْبَابُ الْمُطْلَقَةُ أَحْكَامُهَا تَتَعَقَّبُهَا]

- ‌[اسْتِدَامَةُ بَقِيَّةِ الْفِعْلِ]

- ‌[الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ]

- ‌[الِاسْتِثْنَاءُ الْحُكْمِيُّ هَلْ هُوَ كَالِاسْتِثْنَاءِ اللَّفْظِيِّ]

- ‌[إشَارَةُ الْأَخْرَسِ كَعِبَارَةِ النَّاطِقِ فِي الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَالدَّعَاوَى وَالْأَقَارِيرِ]

- ‌[إشَارَةُ النَّاطِقِ الْقَادِرِ عَلَى الْعِبَارَةِ لَغْوٌ إلَّا فِي صُوَرٍ]

- ‌[إذَا اجْتَمَعَتْ الْإِشَارَةُ وَالْعِبَارَةُ وَاخْتَلَفَ مُوجِبُهُمَا]

- ‌[الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ بِنَاؤُهَا عَلَى قَوْلِ أَرْبَابِهَا]

- ‌[الْأَصْلُ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُهُ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ]

- ‌[الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ أَوْ التَّحْرِيمُ أَوْ الْوَقْفُ]

- ‌[الْأَصْلُ فِي الْأَبْضَاعِ التَّحْرِيمُ]

- ‌[الْأَصْلِيُّ لَا يُعْتَدُّ مَعَهُ بِالْمُعَارِضِ]

- ‌[الْأَصْلُ فِي أَسْبَابِ الْأَحْكَامِ أَنْ تَتَقَدَّمَ عَلَى الْأَحْكَامِ]

- ‌[الْأَصْلُ فِي الْعِوَضِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ]

- ‌[الْأُصُولُ الَّتِي لَهَا أَبْدَالٌ تَنْتَقِلُ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ]

- ‌[الِاصْطِلَاحُ الْخَاصُّ هَلْ يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ]

- ‌[الْأَصَابِعُ فِي الصَّلَاةِ لَهَا سِتُّ حَالَاتٍ]

- ‌[إعْمَالُ الْكَلَامِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ]

- ‌[الْإِعْرَاضُ عَنْ الْمِلْكِ أَوْ حَقِّ الْمِلْكِ]

- ‌[الْإِقْرَارُ]

- ‌[إقْرَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ]

- ‌[الْإِكْرَاهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْإِمَامُ هَلْ يَلْحَقُ بِالْوَلِيِّ الْخَاصِّ]

- ‌[إمْكَانُ الْأَدَاءِ شَرْطٌ فِي اسْتِقْرَارِ الْوَاجِبَاتِ فِي الذِّمَّةِ]

- ‌[الِانْعِطَافُ عَلَى مَا قَبْلَهُ إنْ كَانَ فِي حُكْمِ الْخَصْلَةِ الْوَاحِدَةِ]

- ‌[الْإِنْشَاءُ]

- ‌[أَوَائِلُ الْعُقُودِ تُؤَكَّدُ بِمَا لَا يُؤَكَّدُ بِهِ أَوَاخِرُهَا]

- ‌[الِائْتِمَانُ عَلَى قِسْمَيْنِ]

- ‌[الْإِيثَارُ ضربان]

- ‌[حَرْفُ الْبَاءِ] [

- ‌الْبِدْعَةُ]

- ‌[الْبَدَلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[الْبَعْضُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ هَلْ يَجِبُ]

- ‌[حَرْفُ التَّاءِ] [

- ‌التَّابِعُ لَا يُفْرَدُ]

- ‌[التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ]

- ‌[التَّابِعُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْمَتْبُوعِ]

- ‌[التَّابِعُ هَلْ يَكُونُ لَهُ تَابِعٌ]

- ‌[التَّبَعِيَّةُ ضَرْبَانِ]

- ‌[التَّبْعِيضُ وَالتَّجْزِئَة إذَا لَمْ يُمْكِنْ كَالثَّلَاثَةِ]

- ‌[التَّأْقِيتُ]

- ‌[التَّتَابُعُ]

- ‌[تَحَمُّلُ الْمُؤْنَةِ بِمَالِ الْغَيْرِ]

- ‌[التَّحَمُّلُ مَرَاتِبُ]

- ‌[التَّحِيَّاتُ ثَمَانٍ]

- ‌[التَّحْرِيمُ الْمُتَوَقَّعُ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَالِ عَدَمُ الْحِلِّ]

- ‌[التَّحْرِيمُ يَتَعَدَّدُ وَتَتَعَدَّدُ أَسْبَابُهُ]

- ‌[التَّخْفِيفُ فِي الشَّرْعِ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ]

- ‌[التَّخْيِيرُ يَتَعَلَّقُ بِهِ مَبَاحِثُ]

- ‌[تَخْصِيصُ جِهَةِ الِانْتِفَاعِ هَلْ تَتَعَيَّنُ إذَا عَيَّنَهَا الدَّافِعُ]

- ‌[تَخَلُّلُ الْمَانِعِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ لَا أَثَرَ لَهُ غَالِبًا فِي صُوَرٍ]

- ‌[التَّدْلِيسُ حَرَامٌ]

- ‌[التَّدَاخُلُ يَدْخُلُ فِي ضُرُوبٍ]

- ‌[مَا يَجِب فِيهِ التَّرْتِيب]

- ‌[التَّرْتِيبُ الذِّهْنِيُّ]

- ‌[التَّرْجَمَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ أَقْسَامٌ]

- ‌[التَّرَادُفُ أَقْسَامٌ]

- ‌[التَّرْكُ فِعْلٌ إذَا قُصِدَ]

- ‌[التَّزَاحُمُ]

- ‌[التَّسْمِيَةُ]

- ‌[تَصَرُّفُ الْإِنْسَانِ عَنْ غَيْرِهِ سِتَّةُ أَقْسَامٍ]

- ‌[تَصَرُّفُ الْحَاكِمِ هَلْ هُوَ حُكْمٌ]

- ‌[تَصَرُّفُ الْإِمَامِ عَلَى الرَّعِيَّةِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ]

- ‌[التَّصْرِيحُ بِبَعْضِ مَا يَقْتَضِيه الْإِطْلَاقُ هَلْ يَكُونُ مُفْسِدًا]

- ‌[فُصُولُ التَّعَارُضِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْأَصْلَيْنِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَاجِبِ وَالْمَحْظُورِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَاجِبَيْنِ]

- ‌[تَعَارُضُ السُّنَّتَيْنِ]

- ‌[تَعَارُضُ فَضِيلَتَيْنِ يُقَدَّمُ أَفْضَلُهُمَا]

- ‌[تَعَارُضُ الْوَاجِبِ وَالْمَسْنُونِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْمَسْنُونِ وَالْمَمْنُوعِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْمَانِعِ وَالْمُقْتَضِي]

- ‌[تَعَارُضُ الْمَفْسَدَتَيْنِ]

- ‌[تَعَارُضُ الْمُوجِبِ وَالْمُسْقِطِ]

- ‌[تَعَارُضِ الْخِصَالِ]

- ‌[تَعَاطِي الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[تَعَدِّي مَحَلِّ الْحَقِّ إلَى غَيْرِهِ هَلْ يَبْطُلُ بِهِ الْمُسْتَحَقُّ أَوْ يَبْقَى]

- ‌[قَصْدُ النُّقْصَانِ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ هَلْ يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ]

- ‌[التَّعْدِيلُ فِي الْبَيِّنَةِ هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ]

- ‌[التَّعْرِيضُ]

- ‌[قَاعِدَةٌ مَنْ تَصَرَّفَ فِي عَيْنٍ فِيهَا عُلْقَةٌ لِغَيْرِهِ]

- ‌[قَاعِدَةٌ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالْعَبْدِ]

- ‌[التَّعْلِيقُ]

- ‌[تَعْلِيقُ النِّيَّةِ]

- ‌[تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ]

- ‌[التَّقْدِيمُ]

- ‌[التَّقَاصُّ]

- ‌[فُرُوعٌ مِنْ التَّقَاصِّ]

- ‌[التَّقْلِيدُ]

- ‌[التَّقْوِيمُ]

- ‌[التَّمَنِّي]

- ‌[التَّنْكِيرُ يَقْتَضِي التَّوْحِيدَ]

- ‌[التَّوَاطُؤُ قَبْلَ الْعَقْدِ]

- ‌[التَّوْبَةُ]

- ‌[التَّيَمُّنُ]

الفصل: حَوْلِهَا فَتَتْلَفُ فِي يَدِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْمَسَاكِينِ مِثْلَ مَا تَلِفَ،

حَوْلِهَا فَتَتْلَفُ فِي يَدِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْمَسَاكِينِ مِثْلَ مَا تَلِفَ، إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، أَوْ (قِيمَتَهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ (رحمه الله) نَصًّا.

[الْإِيثَارُ ضربان]

الْإِيثَارُ أَنْ يُؤْثِرَ غَيْرَهُ بِالشَّيْءِ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، وَعَكْسُهُ الْأَثَرَةُ: وَهِيَ اسْتِئْثَارُهُ عَنْ أَخِيهِ بِمَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً» وَالْإِيثَارُ ضَرْبَانِ: (الْأَوَّلُ) : أَنْ يَكُونَ فِيمَا لِلنَّفْسِ فِيهِ حَظٌّ، فَهُوَ مَطْلُوبٌ كَالْمُضْطَرِّ يُؤْثِرُ بِطَعَامِهِ غَيْرَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُسْلِمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] ، كَذَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ وَالْإِمَامِ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَغَيْرِهِمْ لَكِنَّ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي يَقْتَضِي الْمَنْعَ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ (الْبُغَاةِ) فِي كَلَامِهِ عَلَى دَفْعِ الصَّائِلِ: إنَّهُ لَوْ كَانَ مُضْطَرًّا، وَوَلَدُهُ مُضْطَرٌّ لَا يَجُوزُ لَهُ بَذْلُ الطَّعَامِ لَهُ انْتَهَى. وَغَيْرُ الْوَلَدِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ لَكِنَّهُ قَالَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ: وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ هُوَ وَأَهْلُهُ مُضْطَرِّينَ، وَمَعَهُ طَعَامٌ قَلِيلٌ كَانَ هُوَ أَوْلَى بِالطَّعَامِ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَالِكٍ

ص: 210

إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ، وَمَعَهُ مَاءٌ قَلِيلٌ يَكْفِي غُسْلَ أَحَدِهِمَا كَانَ هُوَ أَوْلَى (بِهِ) انْتَهَى. (وَقَالَ) الْإِمَامُ فِي بَابِ صَوْلِ الْفَحْلِ: لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْإِيثَارِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى هَلَاكِ الْمُؤْثِرِ، وَهُوَ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ، فَإِذَا اُضْطُرَّ، وَانْتَهَى إلَى الْمَخْمَصَةِ، وَمَعَهُ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ، وَفِي رُفْقَتِهِ مُضْطَرٌّ فَآثَرَهُ بِالطَّعَامِ، فَهُوَ حَسَنٌ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْإِيثَارَاتِ الَّتِي يُتَدَارَكُ بِهَا الْمُهَجُ، قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إيثَارُ الْبَهِيمَةِ، وَكَيْف يُظَنُّ هَذَا، وَيَجِبُ قَتْلُ الْبَهِيمَةِ؛ لِاسْتِبْقَاءِ الْمُهْجَةِ، وَقَالَ وَالِدُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ الْفُرُوقِ: الْمُضْطَرُّ إنْ أَرَادَ الْإِيثَارَ بِمَا مَعَهُ لِاسْتِحْيَاءِ مُهْجَةٍ أُخْرَى كَانَ لَهُ الْإِيثَارُ، وَإِنْ خَافَ فَوَاتَ مُهْجَتِهِ. وَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَمَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِطَهَارَتِهِ، وَهُنَاكَ مَنْ يَحْتَاجُهُ لِلطَّهَارَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِيثَارُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّهَارَةِ حَقٌّ لِلَّهِ، فَلَا يُسَوَّغُ فِيهِ الْإِيثَارُ، وَالْحَقُّ فِي حَالِ الْمَخْمَصَةِ حَقُّهُ فِي نَفْسِهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُهْجَتَيْنِ عَلَى شَرَفِ التَّلَفِ إلَّا وَاحِدَةً تُسْتَدْرَكُ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَحَسُنَ إيثَارُ غَيْرِهِ عَلَى نَفْسِهِ. قَالَ: وَيُقَوِّي هَذَا الْفَرْقَ مَسْأَلَةُ الْمُدَافَعَةِ وَهِيَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَصَدَ قَتْلَ غَيْرِهِ ظُلْمًا، وَالْمَقْصُودُ يَقْدِرُ عَلَى الدَّفْعِ غَيْرَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالدَّفْعِ رُبَّمَا يَقْتُلُ الْقَاصِدَ كَانَ لِلْمَقْصُودِ الِاسْتِسْلَامُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ (رحمه الله) فِي ذَلِكَ. انْتَهَى.

ص: 211

وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الصِّيَالِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ الْغَيْرِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ قَطْعًا (الثَّانِي) : فِي الْقُرُبَاتِ كَمَنْ يُؤْثِرُ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ لِغَيْرِهِ وَيَتَأَخَّرُ هُوَ أَوْ يُؤْثِرُ بِقُرْبِهِ مِنْ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ السَّابِقِ أَنَّهُ حَرَامٌ، وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: لَوْ دَخَلَ الْوَقْتُ وَمَعَهُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ فَوَهَبَهُ لِغَيْرِهِ لِيَتَوَضَّأَ بِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِيثَارَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّفُوسِ وَالْمُهَجِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرَبِ وَالْعِبَادَاتِ، وَقَالَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ: لَا أَعْرِفُ خِلَافًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِيثَارُ. وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي (الْقَوَاعِدِ) : لَا إيثَارَ فِي الْقُرُبَاتِ فَلَا إيثَارَ بِمَاءِ الْمُتَيَمِّمِ، وَلَا بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَلَا بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ بِالْعِبَادَاتِ التَّعْظِيمُ وَالْإِجْلَالُ، فَمَنْ آثَرَ بِهِ فَقَدْ تَرَكَ إجْلَالَ الْإِلَهِ وَتَعْظِيمَهُ فَيَصِيرُ بِمَثَابَةِ مَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِأَمْرٍ فَتَرَكَهُ وَقَالَ لِغَيْرِهِ قُمْ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا يُسْتَقْبَحُ عِنْدَ النَّاسِ بِتَبَاعُدِهِ مِنْ إجْلَالِ الْأَمْرِ وَقُرْبِهِ (انْتَهَى) . وَأَمَّا النَّوَوِيُّ فَجَزَمَ بِالْكَرَاهَةِ، فَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ (ابْنِ عُمَرَ) :(كَانَ إذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ عَنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ) ، هَذَا نُوزِعَ

ص: 212

فِيهِ) لِوَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَحْيَا مِنْهُ إنْسَانٌ فَقَامَ لَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ مِنْ غَيْرِ طِيبِ قَلْبِهِ فَسَدَّ ابْنُ عُمَرَ الْبَابَ لِيَسْلَمَ مِنْ هَذَا، (وَالثَّانِي) أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرَبِ مَكْرُوهٌ، أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى فَكَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِئَلَّا يَرْتَكِبَ أَحَدٌ بِسَبَبِهِ مَكْرُوهًا، أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى بِأَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ مَوْضِعِهِ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَيُؤْثِرَ بِهِ وَنَحْوُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِنَّمَا يُحْمَدُ الْإِيثَارُ بِحُظُوظِ النَّفْسِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا دُونَ الْقُرَبِ. انْتَهَى. وَذُكِرَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ (شَرْحِ الْمُهَذَّبِ) : إنَّهُ لَا يُقِيمُ مَنْ جَلَسَ لِيَجْلِسَ فِي مَوْضِعِهِ، فَإِنْ قَامَ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يُكْرَهْ، فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى أَبْعَدَ مِنْ الْإِمَامِ كُرِهَ، قَالَ (الْأَصْحَابُ) : لِأَنَّهُ آثَرَ بِالْقُرْبَةِ. انْتَهَى. وَهَذَا كُلُّهُ يُشْكَلُ عَلَيْهِ مَنْ يُصَلِّي فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ إذَا جَاءَ الْمُنْفَرِدُ لِيُصَلِّيَ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً فَلَهُ أَنْ يَجُرَّ شَخْصًا وَيُسَاعِدَهُ الْمَجْرُورُ، وَمَعَ هَذَا

ص: 213

فَقَدْ فَوَّتَ لِنَفْسِهِ قُرْبَةً، وَهُوَ أَجْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ: إنَّ الْإِيثَارَ لَا يَكُونُ فِي الْقُرَبِ بَلْ فِي مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ قَدْ أَعْطَى الْمَاءَ مَنْ يُؤَدِّي بِهِ عِبَادَةً، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الصَّفِّ فَقَدْ فَاتَهُ أَجْرُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَحْصُلْ الْمُصَلِّي الثَّانِي عَلَى أَجْرِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «ابْدَأْ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» ، وَهَذَا، وَإِنْ وَرَدَ فِي الْإِنْفَاقِ لَكِنْ اسْتَعْمَلَهُ بَعْضُهُمْ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ أَيْضًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرَبِ حَرَامٌ، أَوْ مَكْرُوهٌ، أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى خِلَافٌ، وَأَمَّا الْإِيثَارُ بِحُقُوقِ النَّفْسِ فَمُسْتَحَبٌّ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمِنْ هَذَا أَيْضًا الدُّعَاءُ فَيُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ فِيهِ بِنَفْسِهِ؛ لِقَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى» ، وَمِنْ ذَلِكَ إيثَارُ الطَّالِبِ غَيْرَهُ بِنَوْبَتِهِ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ، وَقَدْ حَكَى (الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ) فِي كِتَابِهِ (الْجَامِعِ) عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ؛ لِأَنَّ

ص: 214

قِرَاءَةَ الْعِلْمِ وَالْمُسَارَعَةَ إلَيْهِ قُرْبَةٌ، وَالْإِيثَارُ بِالْقُرَبِ مَكْرُوهٌ. وَقَدْ يُخْتَلَفُ فِي الْإِيثَارِ بِالشَّيْءِ كَمَا اُخْتُلِفَ فِي أَنَّهُ قُرْبَةٌ أَوْ لَا، كَمَا لَوْ وَجَدَ بَعْضَ صَاعٍ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى إخْرَاجِ فِطْرَةِ نَفْسِهِ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَأَقَارِبُ (، وَالْأَصَحُّ) أَنَّهُ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ وَقِيلَ: زَوْجَتَهُ، وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ. قَالَ الْإِمَامُ: وَلَعَلَّ قَائِلَهُ تَلَقَّى مَذْهَبَهُ مِنْ مَذْهَبِ الْإِيثَارِ فِي النَّفَقَةِ لَمَّا رَأَى الْفِطْرَةَ مُتَلَقَّاةً مِنْ النَّفَقَةِ وَهُوَ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَةَ قُرْبَةٌ، وَلَا إيثَارَ فِي الْقُرَبِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ الْأَئِمَّةُ فِي إيثَارِ عَائِشَةَ لِعُمَرَ (رضي الله عنهما) بِدَفْنِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُجْرَتِهَا، وَقَوْلِهَا: كُنْت أَعْدَدْتُهُ لِنَفْسِي

ص: 215

وَلَأُوثِرَنَّهُ بِهِ، وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ إيثَارٌ لِمَنْ رَأَى أَنَّهُ أَوْلَى بِهِ مِنْهُ؛ وَلِهَذَا طَلَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْإِيثَارَ بِشَرَابِهِ مِنْ الشَّابِّ الْجَالِسِ عَنْ يَمِينِهِ لِمَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ.

ص: 216