الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التَّعْدِيلُ فِي الْبَيِّنَةِ هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ]
ِ يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَا إذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ هَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ الْعَمَلُ بِشَهَادَتِهِ وَجْهَانِ مَأْخَذُهُمَا مَا ذَكَرْنَا.
وَلِهَذَا الْفَرْعِ أَصْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ التَّعْدِيلِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِالْعَدَالَةِ، فَإِنْ كَانَ تَعْدِيلًا لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ يُقْبَلُ قَطْعًا.
[التَّعْرِيضُ]
" التَّعْرِيضُ قَالَ (السَّكَّاكِيُّ) فِي الْمِفْتَاحِ نَوْعٌ مِنْ الْكِنَايَةِ يَكُونُ (مَسُوقًا لِمَوْصُوفٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ)(كَمَا)(يُقَالُ) فِي عَرْضِ مَنْ يُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ، الْمُؤْمِنُ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي وَيُزَكِّي، وَلَا يُؤْذِي أَخَاهُ (الْمُسْلِمَ) وَيُتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى (نَفْيِ) الْإِيمَانِ عَنْ الْمُؤْذِي. وَقَالَ فِي (الْكَشَّافِ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ، (أَنَّ) الْكِنَايَةَ أَنْ
يَذْكُرَ الشَّيْءَ بِغَيْرِ لَفْظِهِ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَالتَّعْرِيضَ أَنْ يَذْكُرَ شَيْئًا يَدُلُّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ، كَمَا يَقُولُ الْمُحْتَاجُ لِلْمُحْتَاجِ إلَيْهِ جِئْتُك لِأُسَلِّمَ عَلَيْك وَلِأَنْظُرَ إلَى وَجْهِك الْكَرِيمِ فَكَأَنَّهُ إمَالَةُ الْكَلَامِ إلَى غَرَضٍ يَدُلُّ عَلَى الْغَرَضِ وَيُسَمَّى التَّلْوِيحَ، لِأَنَّهُ يَلُوحُ مِنْهُ مَا يُرِيدُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ عِنْدَنَا فِي الْأَحْكَامِ، إلَّا فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ (كَقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْحَلَالِ وَأَمَّا أَنَا فَلَسْت بِزَانٍ، فَلَا يُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَنَا، وَإِنْ نَفَاهُ) خِلَافًا لِمَالِكٍ.
قَالَ (ابْنُ الْعَرَبِيِّ) خَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَلَا عُذْرَ لَهُ، لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ، لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ مَا فِي الْكِنَايَةِ مِنْ الْإِبْهَامِ.
قُلْت إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ بِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ لَا يُوجِبُهُ، وَلَمْ يُخَالَفْ فِيهِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي حَالَةِ التَّخَاصُمِ مَعَ الْغَيْرِ نِسْبَةُ صَاحِبِهِ إلَى شَيْءٍ وَتَزْكِيَةُ نَفْسِهِ لَا قَذْفُهُ، وَهُوَ وَإِنْ فُهِمَ مِنْهُ الْقَذْفُ فَهُوَ بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَلِأَنَّهُ لَا إشْعَارَ لِلَّفْظِ بِهِ وَإِنَّمَا يُظَنُّ مِنْ خَارِجٍ وَالْحُدُودُ يُحْتَاطُ فِيهَا، فَلَا يَثْبُتُ مُوجِبُهَا إلَّا بِاللَّفْظِ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ.
وَمِنْ فُرُوعِهِ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْهَجْوِ، قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ، لَا يَكُونُ هَجْوًا، قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَجْوًا، كَالصَّرِيحِ، وَقَدْ يَزِيدُ بَعْضُ التَّعْرِيضِ عَلَى التَّصْرِيحِ.
وَمِنْهَا تَعْرِيضُ أَهْلِ الْبَغْيِ بِسَبِّ الْإِمَامِ لَا يَقْتَضِي التَّعْزِيرَ فِي الْأَصَحِّ.
وَمِنْهَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ: كُلُّ مَا حَرُمَ التَّصْرِيحُ بِهِ لِعَيْنِهِ (فَالتَّعْرِيضُ بِهِ حَرَامٌ أَيْضًا كَالْقَذْفِ وَالْكُفْرِ وَمَا حَلَّ التَّصْرِيحُ بِهِ أَوْ حَرُمَ لَا لِعَيْنِهِ، بَلْ لِعَارِضٍ) فَالتَّعْرِيضُ بِهِ جَائِزٌ كَخِطْبَةِ الْمُعْتَدَّةِ.
وَمِنْهَا التَّعْرِيضُ بِالْقَتْلِ لِمَنْ رَدَدْنَاهُ إلَى الْكُفَّارِ، إذَا شُرِطَ فِي الْهُدْنَةِ، كَقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي جَنْدَلٍ حِينَ رُدَّ لِأَبِيهِ: إنَّ دَمَ أَحَدِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ كَدَمِ الْكَلْبِ.
وَلَيْسَ لَنَا التَّصْرِيحُ بِهِ بِعَيْنِهِ وَمِنْهَا تَعْرِيضُ الْقَاضِي لِمَنْ أَقَرَّ بِعُقُوبَةٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِالرُّجُوعِ «لِقَوْلِهِ عليه السلام لِمَاعِزٍ لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت» وَلَا يَقُولُ لَهُ ارْجِعْ
بِالتَّصْرِيحِ، لِأَنَّهُ يَكُونُ أَمْرًا بِالْكَذِبِ.
وَلِلتَّعْرِيضِ قُيُودٌ.
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ مِنْ أَهْلِ الْجَهْلِ بِالْحَدِّ مِثْلَ قُرْبِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَلَا تَعْرِيضَ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ، وَتَابِعُوهُ وَعَجِبَ مِنْ إسْقَاطِهِ مِنْ الرَّوْضَةِ مَعَ تَعَرُّضِ الرَّافِعِيِّ لَهُ.
الثَّانِي: أَنْ لَا يُقِرَّ صَرِيحًا، فَإِنْ صَرَّحَ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ، لِأَنَّهُ يَكُونُ تَكْذِيبًا لِنَفْسِهِ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَثْبُتَ بِإِقْرَارِهِ، فَلَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ، لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ أَيْضًا.
وَمِنْهَا، قَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَوْ شَهِدَ
الشَّاهِدُ بِمَجْهُولٍ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِمِثْلِهِ، فَالْقَاضِي لَا يُرْشِدُهُ إلَى الْإِعْلَامِ بِالْمَسْأَلَةِ وَالْبَحْثِ، فَإِنَّ هَذَا تَلْقِينُ الْحُجَّةِ، وَلَوْ نَسَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا، لَمْ يُنَبِّهْهُ الْقَاضِي، بَلْ يَتْرُكُهُ يَسْتَرْسِلُ، ثُمَّ يَقْضِي بِمُوجَبِ قَوْلِهِ.
وَالْمُدَّعِي إذَا ذَكَرَ دَعْوَى مَجْهُولَةً لَا تَصِحُّ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَفْصِلَهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا مَعْلُومَةً وَجْهَانِ: وَظَاهِرُ النَّصِّ: نَعَمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ أَنَّ الدَّعْوَى لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ، فَلَا يَضُرُّ الْإِرْشَادُ فِيهَا.
تَعَلُّقُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَهُ مَرَاتِبُ تَعَرَّضَ لَهَا الْإِمَامُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأُولَى: وَهِيَ أَعْلَاهَا تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ فَإِنَّ الْوَثَائِقَ تَتَأَكَّدُ فِي الْأَعْيَانِ، وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ رَهْنُ الدُّيُونِ وَانْضَمَّ إلَى ذَلِكَ قَصْدُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِي تَحْقِيقِ التَّوَثُّقِ مِنْ حَيْثُ إنْشَاءُ الرَّهْنِ فَلَمَّا تَأَكَّدَتْ الْوَثِيقَةُ امْتَنَعَ تَصَرُّفُ الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ.
الثَّانِيَةُ: تَلِي مَا قَبْلَهَا تَعَلُّقُ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي قَبْلَ فِدَائِهِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي امْتِنَاعِ بَيْعِ الْمَرْهُونِ بِغَيْرِ إذْنِ مُرْتَهِنِهِ.
وَلَوْ اجْتَمَعَ فِي الْعَبْدِ الْجَانِي حَقُّ الرَّهْنِ وَحَقُّ الْجِنَايَةِ قُدِّمَ حَقُّ الرَّهْنِ. قُلْت كَذَا قَالَ الْإِمَامُ فِي الْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا جَنَى يُقَدَّمُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا مُتَعَلِّقَ لَهُ سِوَى الرَّقَبَةِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، وَقَالُوا إذَا أَدَّى بَعْضَ الدَّيْنِ الْمُرْتَهَنِ عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ.
وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي دَوْرِيَّاتِ الْوَصَايَا أَنَّهُ لَوْ أَدَّى بَعْضَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ انْفَكَّ مِنْ الْعَبْدِ بِقِسْطِهَا فِي الْأَصَحِّ فَلْيُنْظَرْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
الثَّالِثَةُ: تَعَلُّقُ مُؤَنِ النِّكَاحِ بِكَسْبِ الْعَبْدِ إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ. وَسَبَبُ تَأْخِيرِهَا عَمَّا قَبْلَهَا أَنَّ الْأَكْسَابَ مُتَوَقَّعَةٌ وَلَيْسَتْ بِنَاجِزَةٍ حَاصِلَةٍ وَالْوَثَائِقُ يَكْتَفِي بِشَيْءٍ كَائِنٍ حَاصِلٍ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ.
وَيَلْتَحِقُ بِهِ أُخَرُ: (أَحَدُهَا) : الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ تَعَلُّقَ الْمَرْهُونِ نَظَرًا لِلْمَيِّتِ وَمُرَاعَاةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَفِي قَوْلٍ كَتَعَلُّقِ الْأَرْشِ بِالْجَانِي لِثُبُوتِهِ بِغَيْرِ رِضَاءِ الْمَالِكِ، وَقَالَ الْفُورَانِيُّ: (هُوَ كَتَعَلُّقِ