الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُكَفِّرُ الْمُبَعَّضَ بِالْمَالِ ذَكَرَهُ (الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ) . تَنْبِيهٌ:
كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ لَهَا بَدَلًا فَيُتَسَامَحُ فِيهَا بِالْمَسْكَنِ وَالْعَبْدِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْحَجِّ وَنَحْوِهِ قَالَ (ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ) ، وَهَذَا ضَعِيفٌ لَيْسَ بِالْمَتِينِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَبْدَالِ وَتَجْوِيزَ الْعُدُولِ إلَيْهَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأُصُولِ، وَالشَّأْنُ فِي تَعَذُّرِ الْأُصُولِ بِسَبَبِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ حَتَّى تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ إلَى الْبَدَلِ، وَمُجَرَّدُ كَوْنِ الشَّيْءِ لَهُ بَدَلٌ لَا يَقْتَضِي الْمُسَامَحَةَ بِأَصْلِهِ إلَّا عَلَى مُلَاحَظَةِ قَاعِدَةِ (الِاسْتِحْسَانِ) الضَّعِيفَةِ.
[الْبَعْضُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ هَلْ يَجِبُ]
ُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: (أَحَدُهَا) مَا يَجِبُ قَطْعًا كَمَا إذَا قَدَرَ الْمُصَلِّي عَلَى بَعْضِ الْفَاتِحَةِ لَزِمَهُ قَطْعًا وَهَلْ يُضِيفُ
إلَيْهَا مِنْ الذِّكْرِ مَا يُتِمُّ بِهِ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ، أَوْ يُكَرِّرُهَا سَبْعًا؟ قَوْلَانِ وَلَمْ يَحْكُوا قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَقْرَؤُهَا كَمَا فِي بَعْضِ الْمَاءِ وَنَظَائِرِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: كُلُّ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ تَجِبُ قِرَاءَتُهَا بِنَفْسِهَا، فَلَا يَأْتِي بِبَدَلِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَلَوْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ لَزِمَهُ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ غَسْلُ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِفَوَاتِهَا، وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ دُونَ الْقِيَامِ لِعِلَّةٍ بِظَهْرِهِ تَمْنَعُهُ مِنْ الِانْحِنَاءِ لَزِمَهُ الْقِيَامُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (رحمه الله) وَكَمَنْ انْتَهَى فِي التَّكْفِيرِ إلَى الْإِطْعَامِ فَقَدَرَ عَلَى إطْعَامِ ثَلَاثِينَ، فَيَتَعَيَّنُ إطْعَامُهُمْ قَطْعًا، وَكَمَا إذَا كَانَ مُحْدِثًا، وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ، وَلَمْ يَجِدْ مِنْ الْمَاءِ إلَّا مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ غَسْلُ النَّجَاسَةِ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا بَدَلٌ، وَلِلطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ بَدَلٌ وَخَصَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا قَالَ: وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَغَسْلُ النَّجَاسَةِ بِهِ أَوْلَى، وَلَا يَتَعَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَةِ الصَّلَاةِ، سَوَاءٌ غَسَلَ النَّجَاسَةَ أَوْ تَوَضَّأَ، لَكِنْ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ النَّجَاسَةِ أَشَدُّ مُنَافَاةً مِنْهَا بِالتَّيَمُّمِ.
وَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مِنْ الطَّعَامِ مَا يَسُدُّ بِهِ بَعْضَ رَمَقِهِ لَزِمَهُ تَنَاوُلُهُ وَلَمْ يَعْدِلْ إلَى الْمَيْتَةِ، وَالْمُحْرِمُ إذَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ طِيبٌ، وَهُوَ مُحْدِثٌ وَمَعَهُ مَا يَكْفِي لِغُسْلِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْوُضُوءُ بِهِ وَغَسْلُ
الطِّيبِ بِهِ فَعَلَ، وَإِلَّا وَجَبَ غَسْلُ الطِّيبِ بِهِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَدَثِ لَهَا بَدَلٌ، بِخِلَافِ الطِّيبِ، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَطِيبٌ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَلَمْ يَجِدْ، إلَّا مَا يَغْسِلُ بِهِ أَحَدَهُمَا غَسَلَ النَّجَاسَةَ لِغِلَظِهَا.
الثَّانِي: مَا يَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَتَطَهَّرُ بِهِ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ هَذَا، إذَا قَدَرَ عَلَى الْبَدَلِ وَهُوَ التُّرَابُ، فَإِنْ فَقَدَهُ اسْتَعْمَلَ الْمَيْسُورَ قَطْعًا لِعَدَمِ الْبَدَلِ، وَقِيلَ يَطَّرِدُ الْقَوْلَانِ، وَلَوْ كَانَ بِجَسَدِهِ جِرَاحَاتٌ تَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِيعَابِ الْمَاءِ فَالْمَذْهَبُ غَسْلُ الصَّحِيحِ، وَالتَّيَمُّمُ عَنْ الْجَرِيحِ.
(وَالثَّانِي) عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ غَسْلُ وَجْهِهِ، فَإِنَّ فِي وُجُوبِ غَسْلِ جُزْءٍ مِنْ رَأْسِهِ وَرَقَبَتِهِ وَهُوَ مَا كَانَ يَغْسِلُهُ مَعَ وَجْهِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى أَنَّ غَسْلَ ذَلِكَ مَعَ الْوَجْهِ وَاجِبٌ وُجُوبَ الْمَقَاصِدِ، أَوْ وُجُوبَ الْوَسَائِلِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ فِي (الِاسْتِذْكَارِ) ، (وَمِثْلُهُ) مَا لَوْ قُطِعَ مِنْ الْمِرْفَقِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِ الْعَظْمِ الْعَضُدِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَاتٌ، وَوَجَدَ مَا يَغْسِلُ بَعْضَهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ.
وَلَوْ وَجَدَ بَعْضَ الصَّاعِ مِنْ الْفِطْرَةِ لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ مَلَكَ مِائَةً نَقْدًا وَمِائَةً
مُؤَجَّلَةً عَلَى مَلِيءٍ، وَقُلْنَا: لَا يَجِبُ إخْرَاجُ الْجَمِيعِ فِي الْحَالِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ حِصَّةِ النَّقْدِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا لِنُقْصَانِ هَذَا الْقَدْرِ عَنْ النِّصَابِ، وَأَصَحُّهُمَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ.
وَلَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ مُوسِرٌ بِبَعْضِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْرِي إلَى الْقَدْرِ الَّذِي هُوَ مُوسِرٌ بِهِ، وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُهُ الِاسْتِقْلَالُ وَثُبُوتُ أَحْكَامِ الْأَحْرَارِ، وَلَوْ مَاتَ فِي بِئْرٍ أَوْ مَعْدِنٍ انْهَدَمَ عَلَيْهِ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَغُسْلُهُ صُلِّيَ عَلَيْهِ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ حَكَاهُ الشَّيْخُ (أَبُو مُحَمَّدٍ) فِي الْفُرُوقِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَمُسَاعِدَةُ النَّوَوِيِّ لَهُ وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ.
وَمَنْ لَمْ يَجِدْ السُّتْرَةَ صَلَّى قَائِمًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَإِنَّ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ بِالْمَعْجُوزِ عَنْهُ، وَلَا يَجِبُ الْقَضَاءُ: قَالَ الْإِمَامُ: وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْعُرْيَ، إذَا عَمَّ فِي قَوْمٍ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ، بِأَنَّهُمْ يُتِمُّونَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَإِنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِي أُمُورِهِمْ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ عُرَاةً، فَيُصَلُّونَ كَذَلِكَ، وَلَا يَقْضُونَ قَطْعًا.
الثَّالِثُ:
مَا لَا يَجِبُ قَطْعًا، كَمَا إذَا وَجَدَ فِي الْكَفَّارَةِ الْمُرَتَّبَةِ بَعْضَ الرَّقَبَةِ، لَا يَجِبُ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصْدُهُ تَكْمِيلَ الْعِتْقِ مَا أَمْكَنَ؛ وَلِهَذَا شُرِعَتْ السِّرَايَةُ،
وَيَنْتَقِلُ لِلْبَدَلِ؛ وَلِأَنَّ إيجَابَ بَعْضِ الرَّقَبَةِ مَعَ صِيَامِ الشَّهْرَيْنِ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ، وَصِيَامُ شَهْرٍ مَعَ عِتْقِ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فِيهِ تَبْعِيضُ الْكَفَّارَةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَوْ وَجَدَ بَعْضَ رَقَبَةٍ بَاقِيهَا حُرًّا، يَجِبُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ شِقْصًا؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَمِنْهُ: إذَا أَوْصَى أَنْ يَشْتَرُوا بِثُلُثِهِ رَقَبَةً وَيُعْتِقُونَهَا، فَلَمْ تُوجَدْ كَامِلَةً، فَإِنَّهُ لَا يَشْتَرِي شِقْصًا بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ قَطْعًا وَمِنْهَا: الشَّفِيعُ، إذَا وَجَدَ بَعْضَ ثَمَنِ الشِّقْصِ لَا يَأْخُذُ قِسْطَهُ مِنْ الْمُثَمَّنِ وَكَصَوْمِ بَعْضِ الْيَوْمِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَعَجَزَ عَنْ إتْمَامِهِ. الرَّابِعُ: مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُحْدِثُ الْفَاقِدُ لِلْمَاءِ ثَلْجًا، أَوْ بَرَدًا وَتَعَذَّرَتْ إذَابَتُهُ، فَلَا يَجِبُ مَسْحُ الرَّأْسِ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ هَذَا فِي الرَّأْسِ قَبْلَ التَّيْمِيمِ عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ، وَقِيلَ: فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الْمَاءِ، وَقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ، فَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ تَيَمَّمَ عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ تَيَمُّمًا وَاحِدًا، ثُمَّ مَسَحَ بِهِ الرَّأْسَ، ثُمَّ تَيَمَّمَ لِلرِّجْلَيْنِ، وَمِنْهَا الْوَاجِبُ فِي السُّجُودِ التَّنْكِيسُ، فَلَوْ تَعَذَّرَ لِمَرَضٍ وَغَيْرِهِ فَهَلْ يَجِبُ وَضْعُ وِسَادَةٍ لِيَضَعَ الْجَبْهَةَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَجِبُ؛
لِأَنَّ السَّاجِدَ يَلْزَمُهُ هَيْئَةُ التَّنْكِيسِ، وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَتَى بِالثَّانِي مُحَافَظَةً عَلَى الْوَاجِبِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ هَيْئَةَ السُّجُودِ فَاتَتْ، وَمِنْهَا لَوْ كَانَ عُرْيَانًا وَقَدَرَ عَلَى أَنْ يَسْتَتِرَ فِي الْمَاءِ وَيَسْجُدَ عَلَى الشَّطِّ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ: لَكِنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى (التَّطْيِينِ) لَزِمَهُ.
(وَمِنْهَا) الْأَخْرَسُ يَقِفُ فِي الصَّلَاةِ سَاكِتًا، وَقِيلَ: يُحَرِّكُ لِسَانَهُ؛ لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ وَحُكِيَ عَنْ النَّصِّ وَبِهِ جَزَمَ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ: يُحَرِّكُ لِسَانَهُ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ تَتَضَمَّنُ نُطْقًا وَتَحْرِيكَ اللِّسَانِ، فَلَا يَسْقُطُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ بِالْمَعْجُوزِ عَنْهُ.
وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ ضَابِطًا لِبَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ، فَقَالَ: كُلُّ أَصْلٍ ذِي بَدَلٍ فَالْقُدْرَةُ عَلَى بَعْضِ الْأَصْلِ، لَا حُكْمَ لَهَا وَسَبِيلُ الْقَادِرِ عَلَى الْبَعْضِ كَسَبِيلِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكُلِّ، إلَّا فِي الْقَادِرِ عَلَى بَعْضِ الْمَاءِ، أَوْ الْقَادِرِ عَلَى إطْعَامِ بَعْضِ الْمَسَاكِينِ إذَا انْتَهَى الْأَمْرُ إلَى الْإِطْعَامِ، وَإِنْ كَانَ لَا بَدَلَ لَهُ كَالْفِطْرَةِ لَزِمَهُ الْمَيْسُورُ مِنْهُمَا وَكَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، إذَا وَجَدَ بَعْضَ السَّاتِرِ يَجِبُ الْمَقْدُورُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إذَا انْتَقَضَتْ الطَّهَارَةُ بِانْتِقَاضِ بَعْضِ الْمَحَلِّ، فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْإِتْيَانِ بِالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ يَعْنِي، كَمَا لَوْ قَطَعَ بَعْضَ يَدِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ الْبَاقِي، قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ فِيهِ خِلَافًا بَعِيدًا، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ التَّرَدُّدِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ يَعْنِي مِنْ الْفِطْرَةِ.
قُلْت: وَيُرَدُّ عَلَى الْحَصْرِ فِيمَا اسْتَثْنَاهُ مِنْ صُورَةِ الْقَادِرِ عَلَى بَعْضِ الْمَاءِ، مَا سَبَقَ مِنْ الْقَادِرِ عَلَى بَعْضِ الْفَاتِحَةِ يَجِبُ، وَإِنْ كَانَ لَهَا بَدَلٌ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَالْأَحْسَنُ فِي الضَّبْطِ أَنْ يُقَالَ، إنْ كَانَ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ لَيْسَ هُوَ مَقْصُودًا مِنْ الْعِبَادَةِ، بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ لَمْ يَجِبْ قَطْعًا كَإِمْرَارِ مُوسَى عَلَى الرَّأْسِ فِي الْحَلْقِ وَالْخِتَانِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ لِقَصْدِ الْحَلْقِ وَالْقَطْعِ، وَقَدْ سَقَطَ الْمَقْصُودُ فَسَقَطَ الْوَسِيلَةُ، وَإِنَّمَا جَرَى الْخِلَافُ فِي تَحْرِيكِ اللِّسَانِ مِنْ الْأَخْرَسِ، وَنَظَائِرُهُ لِلْخِلَافِ فِي أَنَّهُ وَجَبَ وُجُوبُ الْمَقَاصِدِ، أَوْ الْوَسَائِلِ، وَإِنْ كَانَ مَقْصُودًا نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لَهُ وَجَبَ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَسْلِ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ بَدَلٌ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ اسْمُ الْمَأْمُورِ بِهِ يَصْدُقُ عَلَى بَعْضِهِ وَجَبَ أَيْضًا كَالْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْدُقُ لَمْ يَجِبْ كَبَعْضِ الرَّقَبَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى رَقَبَةً وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ عَلَى التَّرَاخِي وَلَا يُخَافُ فَوَاتُهُ لَمْ يَجِبْ كَالْكَفَّارَةِ، وَإِلَّا وَجَبَ.