الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تَعَارُضُ الْوَاجِبَيْنِ]
ِ يُقَدَّمُ آكَدُهُمَا فَيُقَدَّمُ فَرْضُ الْعَيْنِ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَلِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الطَّوَافِ: قَطْعُ الطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ، لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَكْرُوهٌ، إذْ لَا يَحْسُنُ تَرْكُ فَرْضِ الْعَيْنِ (لِفَرْضِ) الْكِفَايَةِ، وَقَالَ فِي بَابِ الْكُسُوفِ: لَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَضَاقَ الْوَقْتُ، قُدِّمَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجِنَازَةَ؛ لِأَنَّ (لِلْجُمُعَةِ) بَدَلًا، وَقَالَ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي سَفَرِ الْجِهَادِ، إلَّا (بِإِذْنِ) الْمُدَايِنِ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ الْفَرْضَ الْمُتَعَيَّنَ عَلَيْهِ، وَيَشْتَغِلَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ. قُلْت: وَكُلُّ هَذَا يَرُدُّ إطْلَاقَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الْقِيَامَ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ بِفَرْضِ الْعَيْنِ مِنْ جِهَةِ (إسْقَاطِهِ الْحَرَجَ عَنْ الْأُمَّةِ) ، وَالْعَمَلُ الْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ مِنْ الْقَاصِرِ، وَمِنْ هَذَا لَيْسَ لِلْوَالِدَيْنِ مَنْعُ الْوَلَدِ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الصَّحِيحِ، بِخِلَافِ الْجِهَادِ، (فَإِنَّهُ) لَا يَجُوزُ، إلَّا بِرِضَاهُمَا؛ لِأَنَّ بِرَّهُمَا فَرْضُ عَيْنٍ وَالْجِهَادُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَفَرْضُ (الْعَيْنِ) مُقَدَّمٌ.
نَعَمْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَقَالُوا: إنْ كَانَ مُتَعَيَّنًا فَلَيْسَ لَهُمَا مَنْعُهُ، (وَكَذَا، إنْ) كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ (عَلَى) الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ بِالْخُرُوجِ إلَيْهِ يَدْفَعُ الْإِثْمَ عَنْ نَفْسِهِ كَالْفَرْضِ الْمُتَعَيَّنِ.
وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ أَنَّ الْجِهَادَ مَا دَامَ فَرْضَ كِفَايَةٍ، فَالِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْهُ، فَإِنْ صَارَ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْعِلْمِ، سَوَاءٌ كَانَ الْعِلْمُ فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ. قُلْت: وَعَلَى الْأَوَّلِ (يَنْزِلُ) نَصُّ الشَّافِعِيِّ، الَّذِي حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ: لَيْسَ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرْضِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ، قِيلَ (لَهُ) : وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
(وَإِنْ) اجْتَمَعَ فَرْضَا عَيْنٍ، فَإِمَّا أَنْ (يَكُونَا) لِلَّهِ، أَوْ لَهُ وَلِآدَمِيٍّ فَإِنْ كَانَا لِلَّهِ (تَعَالَى) ، قُدِّمَ آكَدُهُمَا؛ وَلِهَذَا لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ (فَرِيضَةٍ) ، وَقَضَاءِ (الْفَائِتَةِ) كَانَ فَرْضُ الْوَقْتِ أَوْلَى، كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ (وَكُسُوفٌ) وَضَاقَ الْوَقْتُ يُصَلَّى الْعِيدُ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى شِرَاءِ الثَّوْبِ وَالْمَاءِ، وَلَمْ يَقْدِرْ، إلَّا عَلَى أَحَدِهِمَا اشْتَرَى الثَّوْبَ وَيُقَدَّمُ مَا لَا يُتْرَكُ بِالْعُذْرِ أَلْبَتَّةَ، كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ طَرَفَ خَيْطٍ بِاللَّيْلِ وَطَرَفُهُ الْآخَرِ خَارِجٌ، وَأَصْبَحَ كَذَلِكَ، فَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَإِنْ نَزَعَهُ أَوْ ابْتَلَعَهُ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَادِرَ فَقِيهٌ إلَى نَزْعِهِ وَهُوَ غَافِلٌ، (وَإِنْ) لَمْ يَتَّفِقْ فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَاةِ بِنَزْعِهِ أَوْ ابْتِلَاعِهِ أَوْلَى، وَيَقْضِي الصَّوْمَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ يُتْرَكُ بِالْعُذْرِ، وَقِيلَ: الْأَوْلَى تَرْكُهُ مُحَافَظَةً عَلَى الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ مَرَّةٌ فِي السَّنَةِ، وَيُصَلِّي لِلضَّرُورَةِ وَيَقْضِي الصَّلَاةَ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا،
وَتَجْرِي هَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي الْمَرْأَةِ، فَإِذَا قُلْنَا: يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ فَرْجِهَا، إذَا انْتَشَرَ بَوْلُهَا إلَيْهِ وَتَجْفِيفُهُ.
هَكَذَا (رَجَّحُوا) هُنَا تَقْرِيمَ الصَّلَاةِ وَقَدَّمُوا الصَّوْمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا حَشْوُ الْفَرْجِ بِقُطْنٍ، إلَّا إذَا كَانَتْ صَائِمَةً. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَخَرَّجَ الْمُقَدَّمُ مِنْهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَالْأَصَحُّ فِيهِ مُرَاعَاةُ الصَّلَاةِ، يَعْنِي وَلَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ، ثُمَّ فَرَّقَ بِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ (دَوَامُهَا) فَلَوْ رَاعَيْنَا الصَّلَاةَ لَتَعَذَّرَ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهَا تُصَلِّي (الثَّلَاثَ) صَلَوَاتٍ النَّهَارِيَّةِ وَتَحْشُو لِكُلٍّ دَائِمًا، فَلَا يُتَصَوَّرُ (مِنْهَا) الصَّوْمُ وَالْقَضَاءُ مُتَيَسِّرٌ كُلَّ وَقْتٍ، وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْمَحْذُورَ هُنَا (مَعَ الْحَشْوِ)(يَخِفُّ) ، وَلَا يَنْتَفِي بِالْكُلِّيَّةِ؛ فَإِنَّ الْحَشْوَ (يَتَنَجَّسُ)(وَهِيَ حَامِلَتُهُ)، وَهُنَاكَ يَنْتَفِي بِالْكُلِّيَّةِ. قُلْت: إنَّمَا لَمْ يُخَرِّجُوا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْخِلَافَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ (يُوجَدْ مِنْهَا) تَقْصِيرٌ (فَخُفِّفَ) عَنْهَا أَمْرُهَا (فَصَحَّتْ)
الْعِبَادَتَانِ مِنْهَا) قَطْعًا، كَمَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَعَ النَّجَاسَةِ، وَالْحَدَثِ الدَّائِمِ لِلضَّرُورَةِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ يَتَكَرَّرُ عَلَيْهَا الْقَضَاءُ، (وَيَشُقُّ) بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ، إلَّا نَادِرًا.
وَقَالُوا فِي الْمُحْرِمِ: إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ، لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ، امْتَنَعَ، عَلَيْهِ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يَجُوزُ فَعَلَى (الْأَصَحِّ) قِيلَ: يُصَلِّي بِالْأَرْضِ مُطَمْئِنًا، وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ، وَقِيلَ: يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَعَنْ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ تَخْصِيصُ الْخِلَافِ بِمَا إذَا عَلِمَ فَوْتَ الْكُلِّ، فَلَوْ عَلِمَ إدْرَاكَ رَكْعَةٍ فِي الْوَقْتِ، فَعَلَيْهِ الصَّبْرُ إلَى الْمَوْقِفِ، وَيُصَلِّي رَكْعَةً فِي الْمَوْقِفِ، وَلَوْ كَانَ إذَا صَلَّى قَائِمًا لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلُهُ، وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا اسْتَمْسَكَ، فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا فِي التَّحْقِيقِ يُصَلِّي قَاعِدًا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ قَاعِدًا مَعَ الطَّهَارَةِ أَوْلَى.
وَلَوْ حُبِسَ فِي مَكَانٍ نَجِسٍ وَمَعَهُ ثَوْبٌ، إنْ بَسَطَهُ صَلَّى عُرْيَانًا قَالُوا: يَبْسُطهُ وَيُصَلِّي عُرْيَانًا فِي الْأَصَحِّ.
وَلَوْ كَانَ الْمُحْدِثُ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَوَجَدَ (مَاءً يَكْفِي) أَحَدَهُمَا قَدَّمَ (النَّجَاسَةَ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، بِخِلَافِ الْحَدَثِ، وَلَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا فِي (رَمَضَانَ) وَأَصْبَحَ صَائِمًا تَعَارَضَ وَاجِبَانِ، إنْ قُلْنَا: يَجِبُ الِاسْتِقَاءَةُ.
وَلَوْ كَانَ الْمُحْرِمُ عَلَى بَدَنِهِ طِيبٌ وَمَعَهُ (مَا يَكْفِيه) لِوُضُوئِهِ، وَجَبَ إزَالَةُ الطِّيبِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ كَالنَّجَاسَةِ، قَالَ (الْإِمَامُ) الشَّافِعِيُّ (رضي الله عنه) ، وَلَوْ وَجَدَ مَاءً قَلِيلًا إنْ غَسَلَهُ (بِهِ) لَمْ يَكْفِهِ لِوُضُوئِهِ غَسَلَهُ بِهِ (وَيَتَيَمَّمُ) ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِغَسْلِهِ، وَلَا رُخْصَةَ لَهُ فِي تَرْكِهِ إذَا قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ، وَهَذَا مُرَخَّصٌ لَهُ فِي التَّيَمُّمِ، إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً انْتَهَى.
(وَإِنْ) كَانَ الْحَقَّانِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِآدَمِيٍّ، قُدِّمَ الْمُضَيَّقُ؛ وَلِهَذَا لَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنْعُ زَوْجَتِهِ مِنْ أَدَاءِ صَوْمِ (رَمَضَانَ) .
وَكَذَا مِنْ قَضَائِهِ، إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَمِنْهُ حَجُّ الْفَرْضِ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ: نَعَمْ إنْ لَمْ يَمْتَدَّ زَمَنُ الْمُوَسَّعِ كَالصَّلَاةِ آخِرَ الْوَقْتِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ.
وَحَكَى الْجِيلِيُّ: إنَّهُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَهُوَ بِأَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ لَوْ خَرَجَ مِنْهَا فَاتَتْ الصَّلَاةُ أَنَّهُ يُصَلِّي كَذَلِكَ.
وَلَوْ تَعَيَّنَ الْجِهَادُ عَلَى مَنْ لَهُ أَبَوَانِ سَقَطَ إذْنُهُمَا.
وَلَوْ اجْتَمَعَ زَكَاةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ فِي تَرِكَةٍ، قُدِّمَتْ الزَّكَاةُ عَلَى الْأَظْهَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اجْتَمَعَ الْحَجُّ وَالدَّيْنُ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اجْتَمَعَ جِزْيَةٌ وَدَيْنُ آدَمِيٍّ حَيْثُ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي الْجِزْيَةِ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهَا أُجْرَةُ الدَّارِ؛ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَ فِي أَثْنَاءِ