الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[التَّوْبَةُ]
ُ يَتَعَلَّقُ بِهَا مَبَاحِثُ الْأَوَّلُ التَّوْبَةُ لُغَةً: الرُّجُوعُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ عَنْ ذَنْبٍ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «إنِّي لَأَتُوبُ إلَى اللَّهِ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً» فَإِنَّهُ رَجَعَ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِمَصَالِحِ الْخَلْقِ (إلَى الْحَقِّ){فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] ثُمَّ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَشْرِيعًا وَلِيَفْتَحَ بَابَ التَّوْبَةِ لِلنَّاسِ كَمَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا صَلَّى وَصَامَ وَنَكَحَ لَنَا (أَيْ) لِيُعَلِّمَنَا كَيْفَ الطَّرِيقُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ (سُئِلَ) بَعْضُ أَكَابِرِ الْقَوْمِ عَنْ قَوْله تَعَالَى {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ} [التوبة: 117] مِنْ أَيْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ عَرَّضَ بِتَوْبَةِ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ سَتْرًا لِمَنْ أَذْنَبَ يُشِيرُ الشَّيْخُ إلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَقَامًا مِنْ الْمَقَامَاتِ الصَّالِحَةِ إلَّا تَابِعًا لَهُ صلى الله عليه وسلم فَلَوْلَا ذِكْرُ تَوْبَتِهِ عَلَيْهِ مَا حَصَلَ لِأَحَدٍ تَوْبَةٌ وَأَصْلُ هَذِهِ التَّوْبَةِ أَخْذُ الْعَلَقَةِ مِنْ صَدْرِهِ الْكَرِيمِ صلى الله عليه وسلم -
وَقِيلَ (هَذِهِ حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْك) وَهَذَا أَوْلَى مَا يُقَالُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَيُعْتَمَدُ. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَالرُّجُوعُ عَنْ (التَّعْوِيجِ) إلَى سُنَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ.
وَالتَّوْبَةُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، لَا يَتَصَوَّرُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا أَحَدٌ مِنْ الْبَشَرِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةِ الْجَوَارِحِ وَإِنْ تَصَوَّرَ خُلُوَّهُ عَنْهَا لَمْ يَخْلُ عَنْ الْهَمِّ بِالذُّنُوبِ وَلِأَنَّ تَصَوُّرَ خُلُوِّهِ عَنْهُ لَمْ يَخْلُ عَنْ وَسْوَاسِ الشَّيْطَانِ بِإِيرَادِ الْخَوَاطِرِ الْمُتَفَرِّقَةِ الْمُذْهِلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ (تَعَالَى) وَإِنْ خَلَا عَنْهَا فَلَا يَخْلُو مِنْ غَفْلَةٍ وَقُصُورٍ فِي الْعِلْمِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كُلُّ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَنَازِلِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَحْوَالِهِمْ وَمَقَامَاتِهِمْ وَالْكُلُّ يَفْتَقِرُ إلَى التَّوْبَةِ وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمَقَادِيرِ: فَتَوْبَةُ الْعَوَامّ مِنْ الذَّنْبِ وَالْخَوَاصِّ مِنْ الْغَفْلَةِ وَمَنْ فَوْقَهُمْ مِنْ رُكُونِ الْقَلْبِ إلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
(الثَّانِي) : فِي حُكْمِهَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْفَوْرِ فَمَنْ أَخَّرَهَا زَمَنًا يَتَّسِعُ لَهَا
صَارَ عَاصِيًا بِتَأْخِيرِهَا قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَكَذَلِكَ يَتَكَرَّرُ عِصْيَانُهُ بِتَكَرُّرِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَّسِعَةِ لَهَا فَيَحْتَاجُ إلَى تَوْبَةٍ مِنْ تَأْخِيرِهَا قَالَ: وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنْ الطَّاعَاتِ (انْتَهَى) .
وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَهُوَ جَارٍ عَلَى قَاعِدَتِنَا فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ إذَا هَلَكَ الْمَغْصُوبُ أَعْلَى الْقِيَمِ لِأَنَّهُ عَاصٍ فِي كُلِّ زَمَنٍ إلَى آخِرِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ. أَمَّا الْكَبَائِرُ فَبِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ إطْلَاقِ غُفْرَانِ الذُّنُوبِ جَمِيعِهَا عَلَى فِعْلِ بَعْضِ الطَّاعَاتِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ لِحَدِيثِ «الْوُضُوءُ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ» . وَحَدِيثِ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ» «وَمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» «وَمَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَنَحْوُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى الصَّغَائِرِ فَإِنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا غَيْرُ التَّوْبَةِ وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَقَالَ فَضْلُ اللَّهِ أَوْسَعُ وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ كِتَابُ الِاعْتِكَافِ. فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» قَالَ يُغْفَرُ لَهُ جَمِيعُ ذُنُوبِهِ صَغِيرُهَا وَكَبِيرُهَا وَحَكَاهُ (ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ)
فِي التَّمْهِيدِ عَنْ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ (قِيلَ: يُرِيدُ بِهِ أَبَا مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيَّ الْمُحَدِّثَ) أَنَّ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ يُكَفِّرُهَا الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ قَالَ وَهُوَ جَهْلٌ بَيِّنٌ وَمُوَافَقَةٌ لِلْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ وَلَوْ كَانَ كَمَا زَعَمُوا لَمْ يَكُنْ لِلْأَمْرِ بِالتَّوْبَةِ مَعْنًى، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهَا فَرْضٌ وَالْفُرُوضُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا إلَّا بِقَصْدٍ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ» .
(وَأَمَّا) التَّوْبَةُ مِنْ الصَّغَائِرِ فَوَاجِبَةٌ عِنْدَ (الْأَشْعَرِيِّ) ، وَخَالَفَ فِيهِ (أَبُو هَاشِمٍ بْنُ الْجُبَّائِيِّ) وَادَّعَى بَعْضُ أَئِمَّتِنَا الْإِجْمَاعَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَنَسَبَ أَبَا هَاشِمٍ
إلَى خَرْقِ الْإِجْمَاعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا تَابَ مِنْ الْكَبَائِرِ انْدَرَجَتْ الصَّغَائِرُ فِي ضِمْنِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَطْمَعَ فِي ذَلِكَ، وَيُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي التَّوْبَةِ عَنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الصَّغَائِرِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، أَمَّا التَّوْبَةُ عَنْهَا عَيْنًا أَوْ فِعْلَ مَا يُكَفِّرُهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ.
(وَقَالَ) الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي أَحْكَامِهِ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ تَكْفِيرَ
الصَّغَائِرِ بِالْعِبَادَاتِ، هَلْ هُوَ مَشْرُوطٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدِهِمَا: (نَعَمْ) وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ» وَظَاهِرُهُ الشَّرْطِيَّةُ، فَإِذَا اُجْتُنِبَتْ، كَانَتْ مُكَفِّرَاتٍ لَهَا، وَإِلَّا فَلَا.
وَذَكَرَ (ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ) ، أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُشْتَرَطُ وَالشَّرْطُ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّقْدِيرُ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إلَّا الْكَبَائِرَ قَالَ وَهَذَا أَظْهَرُ لِمُطْلَقِ (حَدِيثِ خُرُوجِ الْخَطَايَا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَعَ قَطْرِ الْمَاءِ) وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ التَّكْفِيرَ، هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّوْبَةُ، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّأْوِيلَيْنِ فَمَنْ جَعَلَ اجْتِنَابَ الْكَبَائِرِ شَرْطًا فِي تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ، لَمْ يَشْتَرِطْ التَّوْبَةَ، وَجَعَلَ هَذِهِ خُصُوصِيَّةً لِمُجْتَنِبِ الْكَبَائِرِ، وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ اشْتَرَطَ التَّوْبَةَ وَعَدَمَ الْإِصْرَارِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ (حَدِيثُ الَّذِي قَبَّلَ الْمَرْأَةَ ثُمَّ نَدِمَ فَأَخْبَرَهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ كَفَّرَتْ عَنْهُ) ، وَكَانَ النَّدَمُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ. وَالنَّدَمُ تَوْبَةٌ، لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّكْفِيرَ، كَانَ بِنَفْسِ
الصَّلَاةِ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ بِمُجَرَّدِهَا تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا، فَلَوْ اشْتَرَطْنَاهَا مَعَ الْعِبَادَاتِ، لَمْ تَكُنْ الْعِبَادَاتُ مُكَفِّرَةً، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا مُكَفِّرَاتٌ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ التَّوْبَةِ مَعَهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ، هَلْ هُوَ قَيْدٌ فِي التَّكْفِيرِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُصِرًّا عَلَى الْكَبَائِرِ، لَمْ يُغْفَرْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّغَائِرِ (أَوْ هُوَ قَيْدُ التَّعْمِيمِ، أَيْ تَعْمِيمِ الْمَغْفِرَةِ) ، فَعَلَى هَذَا تُغْفَرُ الصَّغَائِرُ، وَإِنْ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ تَأْثِيرٌ فِي التَّكْفِيرِ، لِأَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] .
قَالَ صَاحِبُ (الْإِحْيَاءِ) ، (وَاجْتِنَابُ) الْكَبِيرَةِ، إنَّمَا يُكَفِّرُ الصَّغِيرَةَ إذَا اجْتَنَبَهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، كَمَنْ (تَمَكَّنَ)(مِنْ امْرَأَةٍ وَيَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِهَا فَيَقْتَصِرُ عَلَى النَّظَرِ وَاللَّمْسِ، فَإِنَّ مُجَاهَدَةَ نَفْسِهِ) فِي الْكَفِّ عَنْ الْوِقَاعِ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي تَنْوِيرِ قَلْبِهِ مِنْ إقْدَامِهِ عَلَى النَّظَرِ فِي إطْلَاقِهِ، فَإِنْ كَانَ عِنِّينًا لَمْ يَكُنْ امْتِنَاعُهُ، إلَّا بِالضَّرُورَةِ لِلْعَجْزِ أَوْ كَانَ قَادِرًا، لَكِنْ امْتَنَعَ لِخَوْفٍ مِنْ أَمْرٍ آخَرَ (فَهَذَا) لَا يَصْلُحُ لِلتَّكْفِيرِ أَصْلًا، قَالَ وَكُلُّ مَنْ لَا يَشْتَهِي الْخَمْرَ بِطَبْعِهِ، وَلَوْ (أُتِيحَ) لَهُ لَمَا شَرِبَهُ، فَاجْتِنَابُهُ لَا يُكَفِّرُ عَنْهُ الصَّغَائِرَ الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَاتُهُ كَسَمَاعِ الْمَلَاهِي.
الرَّابِعُ فِي شُرُوطِهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ مُسْتَصْحَبَةً، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ:(الْأَوَّلُ) النَّدَمُ عَلَى الْفِعْلِ، وَعَلَامَةُ صِحَّةِ النَّدَمِ، رِقَّةُ الْقَلْبِ وَغَزَارَةُ الدَّمْعِ.
(وَالثَّانِي) ، الْإِقْلَاعُ فِي الْحَالِ.
(وَالثَّالِثُ) : الْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ، لِعِلْمِهِ أَنَّ الْمَعَاصِيَ حَائِلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْبُودِهِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ غَيْرَ مُسْتَصْحَبَةٍ فَشَرْطَانِ النَّدَمُ وَالْعَزْمُ.
وَفِي الْحَقِيقَةِ رُكْنُ التَّوْبَةِ النَّدَمُ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ «النَّدَمُ تَوْبَةٌ» ، لَكِنْ، لَا يَتَحَقَّقُ النَّدَمُ إلَّا بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا، إذْ يَسْتَحِيلُ تَقْدِيرُ أَنْ يَكُونَ نَادِمًا عَلَى مَا هُوَ مُصِرٌّ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ عَازِمًا عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ.
وَلِهَذَا قِيلَ فِي حَدِّ التَّوْبَةِ ذَوَبَانُ الْحَشَى لِمَا سَبَقَ مِنْ الْخَطَا.
وَلِهَذَا، قِيلَ النَّدَمُ رُكْنُهَا، وَالْآخَرَانِ شَرْطٌ.
وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّهُمَا شَطْرٌ أَوْ شَرْطٌ وَشَرْطُ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ، أَنْ يَتْرُكَ الذَّنْبَ لِلَّهِ خَالِصًا، كَمَا ارْتَكَبَهُ لِهَوَاهُ خَالِصًا.
قَالَ الْعَبَّادِيُّ: وَمَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً سِرًّا، فَتَوْبَتُهُ أَنْ يَنْدَمَ وَيُقْلِعَ عَنْهَا سِرًّا، فَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ فَيَتُوبُ عَلَانِيَةً.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَدْ تَكُونُ التَّوْبَةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْعَزْمِ وَالْإِقْلَاعِ، فَلَا يَسْقُطُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ بِالْمَعْجُوزِ عَنْهُ، كَمَا لَا يَسْقُطُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بِمَا عَجَزَ عَنْهُ وَذَلِكَ كَتَوْبَةِ الْأَعْمَى عَنْ النَّظَرِ الْمُحَرَّمِ، وَتَوْبَةِ الْمَجْبُوبِ عَنْ الزِّنَى قُلْت: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ (رحمه الله) ، فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ تَوْبَتُهُ.
قَالَ: لِأَنَّ التَّوْبَةَ عِبَارَةٌ عَنْ نَدَمٍ يَبْعَثُ عَلَى التَّرْكِ فِيمَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلِهِ، وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَدْ انْعَدَمَ بِنَفْسِهِ لَا بِتَرْكِهِ إيَّاهُ.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا، مَا لَوْ آلَى مِنْ زَوْجَتِهِ ثُمَّ جُبَّ، وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَيْئُهُ بِاللِّسَانِ، بِأَنْ يَقُولَ: لَوْ قَدَرْت لَفِئْت، وَلَا يَقُولُ إذَا، وَاعْتَبَرَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنْ يَقُولَ مَعَهُ نَدِمْت عَلَى مَا كَانَ مِنِّي.
(فَرْعٌ) مَنْ عَلِمَ اللَّهُ (تَعَالَى) مِنْهُ الْإِصْرَارَ عَلَى ذَنْبٍ، وَطَبَعَ عَلَى قَلْبِهِ فِي ذَلِكَ الذَّنْبِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ.
امْتَنَعَتْ تَوْبَتُهُ مِنْهُ، وَلَمْ تَمْتَنِعْ مِنْ غَيْرِهِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهَا، وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَمْرَ يَكْفِي فِيهِ الْإِمْكَانُ الذَّاتِيُّ.
(فَرْعٌ) هَلْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ التَّوْبَةِ عَلَى شَرْطٍ؟ قِيلَ: لَا، لِأَنَّهَا النَّدَمُ، وَالنَّدَمُ عَلَى الْمَاضِي، وَالتَّعْلِيقُ يَكُونُ فِي الِاسْتِقْبَالِ، وَهَلْ يَصِحُّ عَلَى الذَّنْبِ الْمَظْنُونِ، قِيلَ لَا، وَقِيلَ: يَصِحُّ مِمَّا يَظُنُّ أَنَّهُ أَثِمَ بِهِ. أَمَّا الْوُجُوبُ، فَلَا يَجِبُ بِدُونِ تَحَقُّقِ الْإِثْمِ.
الْخَامِسُ: الْمَعْصِيَةُ، إمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، أَوْ لِآدَمِيٍّ.
الْأَوَّلُ: إنْ كَانَ تَرْكُ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمِ أَوْ زَكَاةٍ، فَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ مِنْهُ حَتَّى يَنْضَمَّ إلَى ذَلِكَ الْقَضَاءُ.
(وَالثَّانِي) : التَّوْبَةُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَاجِبَةٌ، وَمَظَالِمُ الْعِبَادِ فِيهَا
أَيْضًا مَعْصِيَةٌ وَجِنَايَةٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى، نَهَى عَنْ ظُلْمِهِمْ، فَيَجِبُ فِيهَا الشُّرُوطُ السَّابِقَةُ، وَيَزِيدُ رَدُّ الظُّلَامَةِ.
ثُمَّ لَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ تَكُونَ فِي النُّفُوسِ، أَوْ الْأَمْوَالِ أَوْ الْأَعْرَاضِ أَوْ الْقُلُوبِ، وَهُوَ الْإِيذَاءُ الْمَحْضُ:
فَفِي النُّفُوسِ، يَجِبُ أَنْ يَأْتِيَ الْمُسْتَحِقُّ وَيَقُولَ: إنْ شِئْت أَنْ تَسْتَوْفِيَ الْعُقُوبَةَ وَإِنْ شِئْت فَاعْفُ. قَالَ الْعَبَّادِيُّ: فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ اُعْفُ عَنِّي، لَا يَكُونُ تَمْكِينًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْإِخْفَاءُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ زَنَى، أَوْ بَاشَرَ مَا يَجِبُ فِيهِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي التَّوْبَةِ أَنْ يَفْضَحَ نَفْسَهُ، بَلْ عَلَيْهِ السِّتْرُ بِسِتْرِ اللَّهِ وَيُقِيمَ حَدَّ اللَّهِ (تَعَالَى) عَلَى نَفْسِهِ، بِأَنْوَاعِ الْمُجَاهَدَةِ وَالتَّعْذِيبِ.
وَفِي الْأَعْرَاضِ، يَأْتِي مَنْ اغْتَابَهُ وَيُخْبِرُهُ بِمَا قَالَ فِيهِ حَتَّى يَعْفُوَ عَنْهُ، وَلَا يَكْفِي (الْإِبْهَامُ عَلَى الْأَصَحِّ) ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِيَصِحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْإِحْيَاءِ " قَالَ: اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَوْ ذَكَرَ، أَوْ عَرَّفَهُ لَتَأَذَّى بِمَعْرِفَتِهِ كَزِنَاهُ بِجَارِيَتِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ نَسَبِهِ بِاللِّسَانِ إلَى عَيْبٍ مِنْ خَفَايَا عُيُوبِهِ، يَعْظُمُ أَذَاهُ بِذِكْرِهِ، فَقَدْ انْسَدَّ عَلَيْهِ طَرِيقُ الِاسْتِحْلَالِ فَلَيْسَ لَهُ، إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ مِنْهُمَا
وَيَبْقَى لَهُ مَظْلِمَةٌ، فَلْيَجْبُرْهُ بِالْحَسَنَاتِ، كَمَا يَجْبُرُ مَظْلِمَةَ الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْمُغْتَابَ، فَقَالَ الْحَنَّاطِيُّ يَكْفِيهِ النَّدَمُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَزَادَ غَيْرُهُ، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْلَاغُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيذَاءِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، عَنْ الْإِمَامِ الْوَرَعِ (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ)، وَقَدْ نَاظَرَ (سُفْيَانُ) فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَا يُؤْذِهِ مَرَّتَيْنِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ لِمَوْتِهِ أَوْ تَعَسَّرَ لِغَيْبَتِهِ الْبَعِيدَةِ، اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَا اعْتِبَارَ بِتَحْلِيلِ الْوَرَثَةِ، كَذَا قَالَهُ الْحَنَّاطِيُّ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُوَرِّثُونَ هَذَا الْحَقَّ.
وَأَمَّا الْحَسَدُ، فَجَعَلَهُ الْعَبَّادِيُّ كَالْغَيْبَةِ، وَخَالَفَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: الْمُخْتَارُ الْمَنْعُ، وَلَوْ قِيلَ يُكْرَهُ لَمْ يُبْعِدْ
وَفِي الْأَمْوَالِ، فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا، مَا دَامَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ غَائِبًا عَزَمَ عَلَى أَدَائِهِ، إذَا ظَفِرَ بِهِ فِي أَسْرَعِ وَقْتٍ، فَإِنْ مَاتَ دَفَعَ إلَى وَارِثِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِلَى الْحَاكِمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا عَزَمَ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَجَدَ أَعْطَى، وَإِنْ مَاتَ عَلَى
هَذِهِ النِّيَّةِ يُرْجَى لَهُ الْعَفْوُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ، وَلَوْ كَانَ (لَهُ) عَلَى رَجُلٍ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَمْ يُطَالِبْ حَتَّى مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ يَنْتَقِلُ الْحَقُّ لِوَارِثِهِ هَكَذَا كُلَّمَا مَاتَ وَاحِدٌ انْتَقَلَ لِلْآخَرِ، وَقِيلَ إنْ طَالَبَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِالْأَدَاءِ، وَحَلَفَ عَلَيْهِ تَعَيَّنَ لَهُ، وَلَا يَنْتَقِلُ لِوَارِثِهِ لِأَنَّهُ اسْتَقْصَى فِي طَلَبِ حَقِّهِ، فَيَبْقَى لَهُ، وَلَكِنْ هَذَا بِشَرْطَيْنِ، أَنْ لَا يَدْفَعَ إلَى وَارِثِهِ، وَلَا يُبْرِيهِ وَارِثُهُ، فَإِنْ أَدَّى حَقَّهُ إلَى وَارِثِهِ أَوْ أَبْرَأَهُ وَارِثُهُ سَقَطَ الْحَقُّ مِنْ ذِمَّتِهِ، وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيمَا لَوْ قَصَّرَ الْمَدْيُونُ وَمَاتَ الْمُسْتَحِقُّ وَاسْتَحَقَّهُ وَارِثٌ بَعْدَ آخَرَ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ، أَرْجَحُهَا، وَبِهِ أَفْتَى الْحَنَّاطِيُّ أَنَّهُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَوَّلًا، وَالثَّانِي لِآخَرَ وَارِثٍ، وَالثَّالِثُ ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي الرَّقْمِ، أَنَّهُ يَكْتُبُ الْآخَرُ لِكُلِّ وَارِثٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، ثُمَّ بَعْدَهُ لِمَنْ بَعْدَهُ.
السَّادِسُ: التَّوْبَةُ هَلْ تُسْقِطُ الْحَدَّ: يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَحْضَ حَقِّ الْآدَمِيِّ، كَحَدِّ الْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ، لَمْ (يَسْقُطْ) كَالدُّيُونِ. وَلِهَذَا، لَوْ أَتْلَفَ مَالًا ثُمَّ مَاتَ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْغُرْمِ. وَإِنْ كَانَ مَحْضَ حَقِّ اللَّهِ (تَعَالَى) وَتَابَ مِنْهُ إلَى اللَّهِ التَّوْبَةَ النَّصُوحَةَ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدَّفْعِ إلَى الْإِمَامِ فَأَطْلَقَ الْحَلِيمِيُّ سُقُوطَ الْحَدِّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ
الدَّفْعِ إلَيْهِ وَقَالَ (تُبْت) لَمْ يَسْقُطْ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْمُحَارِبِينَ وَقَدْ عَلَّقَ (الْإِمَامُ) . الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِهِ فِي غَيْرِهِمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا ذَكَرَ الِاسْتِثْنَاءَ بِالتَّوْبَةِ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ.
قُلْت: أَمَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ يَتُوبُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَيَسْقُطُ تَحَتُّمُ الْقَتْلِ عَنْهُ وَقَطْعِ الرَّجُلِ وَالصَّلْبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] .
وَأَمَّا حَدُّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ فَفِي سُقُوطِهَا بِالتَّوْبَةِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا الْمَنْعُ وَرَجَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ السُّقُوطَ أَيْضًا كَالْحِرَابَةِ (قَالُوا) وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُحَارِبِ إلَّا أَنَّ غَيْرَ الْمُحَارِبِ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ التَّوْبَةُ وَإِصْلَاحُ الْعَمَلِ وَالْمُحَارِبُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ التَّوْبَةُ فَقَطْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الزِّنَى {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: 16] وَفِي قَطْعِ السَّرِقَةِ (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) وَقَالَ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 34] .
وَلَك أَنْ تَقُولَ لِمَ لَا حَمَلَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَلَعَلَّهُمْ بَنَوْهُ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا لِعَدَمِ اطِّلَاعِنَا عَلَى خُلُوصِ التَّوْبَةِ أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَاَللَّهُ عَالِمٌ بِالسَّرَائِرِ فَإِذَا عَلِمَ خُلُوصَ تَوْبَةِ عَبْدٍ لَمْ يُطَالِبْهُ لِمَا أَخْبَرَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا مِنْ
غَيْرِ مُعَارِضٍ لِذَلِكَ) .
وَفِي أَمَالِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا قُلْنَا التَّوْبَةُ لَا تُسْقِطُ الْحَدَّ فَأَيُّ شَيْءٍ تُسْقِطُهُ قُلْنَا تُسْقِطُ الْإِثْمَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَلَوْ مَاتَ بَعْدَ التَّوْبَةِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ سِوَى التَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ اطِّلَاعِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ (فَإِنْ) لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ سَقَطَ شَرْطُ وُجُوبِ التَّمْكِينِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِنَا الْحُدُودُ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ أَرْبَعُ صُوَرٍ:
(إحْدَاهَا) إذَا زَنَى الذِّمِّيُّ ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي السِّيَرِ.
(ثَانِيهَا) قَاطِعُ الطَّرِيقِ إذَا قَتَلَ وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ الْمُتَحَتِّمُ.
(ثَالِثُهَا) الْمُرْتَدُّ يَسْقُطُ حَدُّهُ بِالتَّوْبَةِ وَهِيَ الْعَوْدُ (إلَى الْإِسْلَامِ) .
(رَابِعُهَا) تَارِكُ الصَّلَاةِ يَسْقُطُ حَدُّهَا بِالتَّوْبَةِ وَهِيَ (الْعَوْدُ) لِفِعْلِ الصَّلَاةِ كَالْمُرْتَدِّ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ وَغَلِطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ كَيْفَ تَنْفَعُ التَّوْبَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ كَمَنْ سَرَقَ نِصَابًا ثُمَّ رَدَّهُ لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ وَهَذَا كَلَامُ مَنْ ظَنَّ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ الْحُدُودَ أَصْلًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا.
الْبَحْثُ السَّابِعُ: الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ قَطْعًا، وَالتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا ظَنًّا عَلَى الصَّحِيحِ وَتُفِيدُ الْأَحْكَامُ السَّابِقَةُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَقَبُولِ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي صُوَرٍ:
(إحْدَاهَا) فِي الْإِحْصَانِ فَمَنْ زَنَى مَرَّةً ثُمَّ تَابَ وَأَصْلَحَ لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا وَلَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ لَا يُحَدُّ.
(الثَّانِيَةُ) شَهِدَ، فَرُدَّ لِفِسْقِهِ ثُمَّ تَابَ فَأَعَادَهَا لَمْ تُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ وَكَذَا لَوْ رُدَّتْ لِعَدَاوَةٍ فَزَالَتْ ثُمَّ أَعَادَهَا.
(الثَّالِثَةُ) اشْتَرَى عَبْدًا فَوَجَدَهُ قَدْ زَنَى فِي يَدِ الْبَائِعِ وَتَابَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ لِأَنَّ ذَنْبَ
الزِّنَى لَا يَزُولُ) بِالتَّوْبَةِ، وَلِهَذَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي فَتَاوِيهِ
(الرَّابِعَةُ) التَّائِبُ مِنْ الْكَذِبِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ أَبَدًا كَمَا قَالَهُ الصَّيْرَفِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي الْحَاوِي أَنَّ مَنْ اسْتَتَرَ بِالْمَعْصِيَةِ إذَا تَابَ قَبْلَ ظُهُورِ حَالِهِ يَعُودُ بَعْدَ التَّوْبَةِ إلَى حَالِهِ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تُقْبَل شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ قُبِلَتْ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ لِاسْتِبْرَاءِ صَلَاحِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ مَسْتُورًا إلَّا عَنْ صَلَاحٍ يُغْنِي عَنْ اسْتِبْرَاءِ الْحَالِ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْمَعْصِيَةِ لَمْ تُقْبَلْ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَوَجَبَ التَّوَقُّفُ لِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ لِجَوَازِ التَّصَنُّعِ.
وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ الْمُرْتَدَّ إذَا أَتَى بِمَا يَكُونُ بِهِ تَائِبًا عَادَ إلَى حَالِهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ بَعْدَ تَوْبَتِهِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ شُرُوطُ الْعَدَالَةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْبَلُ قَبْلَ الرِّدَّةِ نُظِرَ فِي التَّوْبَةِ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ عَرْضِهِ لِلْقَتْلِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ مِنْهُ شُرُوطُ الْعَدَالَةِ بِاسْتِبْرَاءِ حَالِهِ وَإِنْ تَابَ قَبْلَ ذَلِكَ عَادَ بَعْدَ التَّوْبَةِ إلَى عَدَالَتِهِ.
(الثَّامِنُ) : أَنَّ مِنْ الْأَعْمَالِ مَا يَرْفَعُ الذَّنْبَ السَّابِقَ وَلَا يَدْفَعُ اللَّاحِقَ وَهُوَ الْكَثِيرُ.
(وَمِنْهَا) : مَا يَرْفَعُ الذَّنْبَ السَّابِقَ وَاللَّاحِقَ وَيُسَمَّى رَافِعًا دَافِعًا كَصَوْمِ
عَرَفَةَ فَإِنَّهُ رَافِعٌ لِذُنُوبِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَدَافِعٌ لِذُنُوبِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ (كَمَا ثَبَتَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ) .
قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَلَيْسَ لَنَا عِبَادَةٌ تُكَفِّرُ مَا بَعْدَهَا غَيْرَ صَوْمِ عَرَفَةَ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ (فَفِي الْحَدِيثِ «الْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ لَغْوِهِ وَرَفَثِهِ الْوَاقِعِ فِي رَمَضَانَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ.
وَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا مِنْ أَوَّلِ (رَمَضَانَ) وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ دَافِعَةً لِمَا يَقَعُ فِي الصِّيَامِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ كَانَتْ رَافِعَةً وَيَقَعُ السُّؤَالُ كَثِيرًا عَنْ هَذَا التَّكْفِيرِ هَلْ هُوَ فِي حَقِّ مَنْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ فَقَطْ أَمْ يَعُمُّ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ صَامَهُ (إمَّا أَنْ يَكُونَ) ، عَلَيْهِ ذُنُوبٌ أَمْ لَا، فَإِنْ كَانَ (فَالصَّوْمُ) يُكَفِّرُ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ وَإِلَّا فَيُعْطَى
مِنْ الثَّوَابِ قَدْرَ مَا يُكَفِّرُ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ذُنُوبٌ.
(وَكَذَلِكَ) نَقُولُ: (الصَّلَاةُ) لَهَا فَضْلَانِ: أَحَدُهُمَا الْكَفَّارَةُ الْمَذْكُورَةُ بِشَرْطِ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَالثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا وَقَدْ يَكُونُ فِي فَضْلِهِ مَا يَدْفَعُ الْكَبَائِرَ أَيْضًا وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] .
(التَّاسِعُ) : يُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْفِسْقِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ مُضِيُّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِإِظْهَارِهَا لِتَرْوِيجِ شَهَادَتِهِ وَعَوْدِ وِلَايَتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِبَارِهِ مُدَّةً يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِيهَا أَنَّهُ قَدْ صَلَحَ عَمَلُهُ وَسَرِيرَتُهُ.
ثُمَّ الْمُحَقِّقُونَ قَالُوا لَا يَتَقَدَّرُ بِمُدَّةٍ بَلْ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حُصُولُ الْعَدَالَةِ وَقَالَ آخَرُونَ تَتَقَدَّرُ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ سَنَةٌ وَهَلْ هِيَ تَحْدِيدٌ أَوْ تَقْرِيبٌ وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي، وَقِيلَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقِيلَ شَهْرَانِ، وَقِيلَ شَهْرٌ حَكَاهَا الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ.
قَالَ الْإِمَامُ وَكَيْفَ الطَّمَعُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَثْبُتُ إلَّا تَوْقِيفًا.
وَقَدْ اسْتَثْنَى الشَّيْخُ (أَبُو إِسْحَاقَ) فِي التَّنْبِيهِ صُورَتَيْنِ لَا يُحْتَاجُ فِيهِمَا إلَى
اسْتِبْرَاءٍ: الْكَافِرُ يُسْلِمُ وَمَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِنُقْصَانِ مُرُوءَتِهِ إذَا تَرَكَ لَمْ يَحْتَجْ لِاسْتِبْرَاءٍ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَحُصُولُ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِالْعَوْدِ إلَى حِفْظِ الْمُرُوءَةِ، وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُبَادِرَ بِالشَّهَادَةِ إذَا جَرَحْنَاهُ يُسْتَبْرَأُ أَيْضًا وَلَا يَبْلُغُ اسْتِبْرَاؤُهُ مَبْلَغَ اسْتِبْرَاءِ الْفَاسِقِ يَتُوبُ.
وَمَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ مِنْ إسْلَامِ الْكَافِرِ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ عِنْدَ عَرْضِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ كَمَا سَبَقَ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ.
وَمِمَّا لَمْ يَذْكُرْ الْأَصْحَابُ فِيهِ الِاسْتِبْرَاءَ
مَسَائِلُ:
إحْدَاهَا: إذَا عَضَلَ الْوَلِيُّ ثَلَاثًا ثُمَّ زَوَّجَهَا مَنْ عَضَلَ صَحَّ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا مُضِيَّ (الِاسْتِبْرَاءِ)
الثَّانِيَةُ: إذَا امْتَنَعَ الْقَاضِي مِنْ الْوِلَايَةِ الْمُتَعَيِّنَةِ عَلَيْهِ عَصَى، فَلَوْ قَبِلَهَا جَازَ وَصَحَّتْ وِلَايَتُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَ وَلِيٌّ (وَكَذَا) قَالَ فِي الْعَاضِلِ وَجَوَابُهُ أَنَّ الَّذِي حَصَلَ الْفِسْقُ بِسَبَبِهِ زَالَ يَقِينًا فَأَشْبَهَ الْكَافِرَ يُسْلِمُ بِخِلَافِ التَّوْبَةِ عَنْ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ فَاشْتَرَطَ الِاسْتِبْرَاءَ (وَنَظِيرُ) تَجْوِيزِ إسَاغَةِ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ يَقِينًا وَلَا يَتَدَاوَى بِهَا لِأَنَّ الشِّفَاءَ مَظْنُونٌ.
الثَّالِثَةُ: إذَا شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي بِزِنَى شَخْصٍ، وَلَمْ يَكْتَمِلْ النِّصَابُ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَلَا
يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ اسْتِبْرَاءٌ فِي الْأَصَحِّ إذَا تَابَ، وَقَبْلَ التَّوْبَةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَتُقْبَلُ رِوَايَتُهُ، وَقِيلَ: لَا كَالشَّهَادَةِ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ غَرِمَ الْغَارِمُ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَمْ يَتُبْ لَمْ يُدْفَعُ إلَيْهِ سَهْمَ الْغَارِمِينَ فَإِنْ تَابَ أُعْطِيَ فِي الْأَصَحِّ، قَالَ الرَّافِعِيُّ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا مُدَّةَ زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ، إلَّا أَنَّ الرُّويَانِيَّ، قَالَ يُعْطِي إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ صِدْقُهُ، قَالَ (النَّوَوِيُّ) ، لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ.
الْخَامِسَةُ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ اعْتِبَارُ (اخْتِبَارِهِ) فِي الِاسْتِبْرَاءِ، لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ شَهِدَا بِجُرْحِهِ فِي سَنَةٍ أَوْ بَلَدٍ، ثُمَّ شَهِدَ اثْنَانِ بِتَعْدِيلِهِ فِي سَنَةٍ بَعْدَهَا، أَوْ فِي بَلَدٍ (آخَرَ انْتَقَلَ إلَيْهِ) ، حُكِمَ بِتَعْدِيلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتُوبُ وَيَنْتَقِلُ عَنْ الْفِسْقِ إلَى الْعَدَالَةِ وَيَهْفُو كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ثُمَّ يَسْتَقِيمُوا، وَهَذَا حُكْمٌ مِنْهُ بِالتَّعْدِيلِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ مُرَاقَبَةٍ، وَلَا اخْتِيَارٍ.