الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّابِعُ: أَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، فَلَوْ أَصْدَقَ الْوَلِيُّ عَنْ الطِّفْلِ عَيْنًا مِنْ مَالِهِ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ، صَحَّ فِيهَا فِي قَدْرِ مَهْرِ الْمِثْلِ، وَبَطَلَ فِي الزَّائِدِ عَلَى وَجْهٍ وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
الثَّامِنُ: أَنْ يُورَدَ عَلَى الْجُمْلَةِ، لِيَخْرُجَ مَا لَوْ قَالَ أَجَرْتُك كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ قَطْعًا، وَهَلْ يَصِحُّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا وَهَكَذَا لَوْ قَالَ ضَمِنْت نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ، فَالضَّمَانُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ فَاسِدٌ، وَهَلْ يَصِحُّ فِي نَفَقَةِ يَوْمِهَا أَمْ لَا، قَالَ الْمُتَوَلِّي: الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ. فَائِدَةٌ الصَّفْقَةُ تُفَرَّقُ فِي الثَّمَنِ، كَمَا تُفَرَّقُ فِي الْمُثَمَّنِ وَهَذَا مِمَّا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ، بَلْ اقْتَضَى كَلَامُهُمْ فِي بَابِ (التَّحَالُفِ) أَنَّهَا لَا تُفَرَّقُ فِيهِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ فَقَالَ بَلْ بِأَلْفٍ وَخَمْرٍ، لَكِنْ قَالُوا فِي بَابِ الشُّفْعَةِ فِيمَا إذَا خَرَجَ بَعْضُ الْمُسَمَّى مُسْتَحَقًّا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَفِي الْبَاقِي خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَبِذَلِكَ يَصِحُّ مَا ذَكَرْنَا.
[التَّقْدِيمُ]
يُقَدَّمُ فِي كُلِّ وِلَايَةٍ مَنْ هُوَ أَقْوَمُ بِمَصَالِحِهَا.
فَيُقَدَّمُ لِلْقَضَاءِ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ تَفَطُّنًا لِوُجُوهِ (الْحُجَجِ) وَالْأَحْكَامِ.
وَفِي الْحُرُوبِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَكَايِدِهَا وَأَشَدُّ إقْدَامًا عَلَيْهَا وَأَعْرَفُ بِسِيَاسَتِهِ فِيهَا.
وَفِي أَمَانَةِ الْحُكْمِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِتَدْبِيرِ الْأَيْتَامِ، وَتَنْمِيَةِ أَمْوَالِهِمْ.
وَقَدْ يَكُونُ الْوَاحِدُ نَاقِصًا فِي بَابٍ كَامِلًا فِي غَيْرِهِ، كَالْمَرْأَةِ نَاقِصَةٌ فِي الْحُرُوبِ كَامِلَةٌ فِي حَضَانَةِ الطِّفْلِ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ عُرَاةٌ وَهُنَاكَ ثَوْبٌ وَأَرَادَ مَالِكُهُ إعَارَتَهُ لَهُمْ فَالْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِالنِّسَاءِ، ثُمَّ بِالرِّجَالِ، لِأَنَّ عَوْرَتَهُنَّ أَغْلَظُ وَآكَدُ حُرْمَةً، فَكَانَ الْبُدَاءَةُ بِسَتْرِهَا أَوْلَى.
وَمِنْ هَذَا تَقْدِيمُ الْفَقِيهِ عَلَى الْقَارِئِ فِي الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِإِقَامَةِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَدَرْءِ مُفْسِدَاتِهَا.
وَقُدِّمَ الْإِمَامُ عَلَى الْجَمِيعِ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى الْخَاصَّةِ.
وَاسْتَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ التَّقْدِيمُ بِالْمَكَانِ كَمَالِكِ الدَّارِ، وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ، فَإِنَّ الْمَكَانَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ رِعَايَتُهَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ حَقِّ الْمَالِكِ وَالْإِمَامِ.
وَلِهَذَا، إذَا اجْتَمَعَتْ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ، وَفَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِهَا قُدِّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ، وَإِنَّمَا خَرَجُوا عَنْ هَذَا بِدَلِيلٍ خَاصٍّ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ.»
وَلَوْ أَسَرَ الْكُفَّارُ عَالِمًا وَجَاهِلًا وَلَمْ يُمْكِنْ، إلَّا فَكُّ أَحَدِهِمَا فَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْجَاهِلُ، لِأَنَّ بَقَاءَهُ عِنْدَهُمْ رُبَّمَا يَجُرُّهُ إلَى دُخُولِهِ مَعَهُمْ وَبَقَاءُ الْعَالِمِ عِنْدَهُمْ، رُبَّمَا يَجُرُّ إلَى انْقِيَادِهِمْ إلَى الْحَقِّ بِبَيَانِ الْأَدِلَّةِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الْعَالِمُ، لِعُمُومِ نَفْعِنَا بِهِ.
وَمِنْ هَذَا يُبَاحُ، لِخَائِفِ الْعَنَتِ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَإِنْ حَرُمَتْ عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ مُجَلِّي، وَهَذَا فِيهِ تَقْدِيمٌ لِلْفَاجِرِ عَلَى الْمُتَّقِي بِسَبَبِ فُجُورِهِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَاجَةِ.
تَقْدِيمُ الْوَاجِبِ ضَرْبَانِ: الْأَوَّلُ: بَعْدَ دُخُولِهِ وَقْتِهِ فَتَعْجِيلُهُ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهِ.
إلَّا فِي الصَّلَاةِ فِي مَوَاضِعَ مُسْتَثْنَاةٍ، وَإِلَّا إخْرَاجُ زَكَاةِ الْمَالِ لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ، وَكَذَا زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَقَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَكَذَلِكَ الْهَدْيُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالْإِحْرَامِ وَتَأْخِيرُ ذَبْحِهِ إلَى الْحَرَمِ أَفْضَلُ، وَكَذَا مَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ تَأْخِيرُهُ إلَى فِعْلِهِ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ كَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ.
الثَّانِي: التَّقْدِيمُ عَلَى الْوَقْتِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي بَعْضِ عِبَادَاتِ الْمَالِ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ وَتَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ، كَمَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ الدَّيْنِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، بِخِلَافِ عِبَادَاتِ الْأَبْدَانِ لَا تُقَدَّمُ قَبْلَ دُخُولِهَا، كَالصَّلَاةِ.