الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّحَرُّمِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّتِهِ مَعَ السَّلَامِ. وَأَمَّا الْإِسْقَاطُ فِي الْجُمُعَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِإِدْرَاكِ فِعْلِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِفِعْلِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ.
[أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى أَضْرُبٍ]
(الْأَوَّلُ) الْمَالِيَّةُ: وَتَنْقَسِمُ إلَى عَيْنٍ وَدَيْنٍ أَمَّا الدَّيْنُ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ.
(وَالْأَوَّلُ) إنْ كَانَ زَكَاةٌ وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ إذَا تَمَكَّنَ وَكَذَلِكَ الْكَفَّارَاتُ وَكَذَا جَزَاءُ الصَّيْدِ وَالنُّذُورِ إنْ كَانَ سَبَبُهُمَا بِالتَّعَدِّي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَانَتْ عَلَى التَّرَاخِي، وَهَلْ لِلْإِمَامِ الْمُطَالَبَةُ بِهِمَا؟ وَجْهَانِ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ حِكَايَتَهُمَا وَلَا بُدَّ مِنْ لِحَاظِ هَذَا التَّفْصِيلِ، وَلَوْ ادَّعَى تَلَفَ النِّصَابِ قُبِلَ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ كَذِبُهُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ وَدَعْوَى الْأَمِينِ التَّلَفَ مَقْبُولَةٌ فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ.
(وَالثَّانِي) ضَرْبَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا.
فَلَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَلَوْ عَجَّلَهُ قَبْلَ الْمَحَلِّ فَإِنْ كَانَ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِامْتِنَاعِ كَخَوْفِ الْإِغَارَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَبُولُهُ وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَى الْقَبْضِ أَوْ الْإِبْرَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ فَقَالَ لِمَنْ لَهُ الْحَقُّ اسْتَوْفِ مِنِّي مَا تَسْتَحِقُّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى اسْتِيفَائِهِ أَوْ الْعَفْوِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الذِّمَّةَ هُنَاكَ بَرِّيَّةٌ وَإِنَّمَا قَصَدَ التَّخَلُّصَ مِنْ الْإِثْمِ وَقَدْ حَصَلَ بِبَذْلِهِ وَأَيْضًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي تَرْكِ الِاسْتِيفَاءِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ، وَإِذَا مَاتَ لَا يُمْكِنُ مُطَالَبَةُ وَرَثَتِهِ بِالْعُقُوبَةِ. وَأَمَّا هَا هُنَا فَرُبَّمَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ بِهَلَاكِ مَالِهِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ حَقِّهِ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ فِي كِتَابِ السَّلَمِ. هَذَا إذَا عَجَّلَهُ لِمُسْتَحِقِّهِ فَلَوْ كَانَ غَائِبًا فَدَفَعَهُ لِلْحَاكِمِ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ قَبْضُهُ لَهُ لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَدِيعَةِ وَالشَّهَادَاتِ الْمَنْعُ لِأَنَّ الْحَظَّ لِلْغَائِبِ فِي أَنْ يَبْقَى الْمَالُ فِي ذِمَّةِ الْمَلِيءِ فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَصِيرَ أَمَانَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ الْوَجْهَانِ يُبْنَيَانِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا هَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْنَا يُجْبَرُ أَخَذَهُ الْحَاكِمُ وَإِلَّا فَلَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي الْقَبُولِ وَهَذَا أَقْرَبُ مِمَّا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ.
(الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ حَالًّا فَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ مُوسِرًا رَشِيدًا حَيًّا فَهَلْ يَجِبُ أَدَاؤُهُ قَبْلَ الطَّلَبِ؟ يَتَحَصَّلُ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ مِنْ كَلَامِ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ:
أَحَدُهَا) يَجِبُ قِيَاسًا عَلَى الزَّكَاةِ.
(وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْحَقَّ لِمُعَيَّنٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ.
(وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ سَبَبُهُ مَعْصِيَةً وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا.
(وَالرَّابِعُ) إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمَالِكُ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا.
(وَالْخَامِسُ) إنْ كَانَ بِرِضَاهُ كَالْقَرْضِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجِبْ أَوْ بِغَيْرِ رِضَاهُ كَالْإِتْلَافَاتِ وَنَحْوِهَا وَجَبَ، وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَجِبُ فَلَوْ ظَهَرَتْ قَرَائِنُ حَالِيَّةٍ تُشْعِرُ بِالطَّلَبِ فَفِي وُجُوبِهِ احْتِمَالٌ وَتَرَدُّدٌ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الدَّيْنِ اللَّازِمِ لِيَخْرُجَ دَيْنُ الْكِتَابَةِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ. نَعَمْ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَطْلُ إذَا كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَحَتَّى يُوسِرَ وَلَا يَجِبُ الِاكْتِسَابُ لَهُ. وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ الْفَرَاوِيُّ إنْ اسْتَدَانَهُ فِي مَعْصِيَةٍ وَجَبَ. وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ يُخَالِفُهُ، وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا قَالُوا يُبَادَرُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ قَبْلَ تَجْهِيزِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ بِأَنْ كَانَتْ عَقَارًا وَنَحْوَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ (رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى) سَأَلَ وَارِثُهُ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عَلَيْهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ
رَأَوْا أَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَةَ تُبْرِئُهُ هُنَا لِلْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ قَضَاؤُهُ حَتَّى يَثْبُتَ وَيُطَالِبَ بِهِ صَاحِبُهُ فَإِنْ أَمْسَكَ عَنْ الْمُطَالَبَةِ نَظَرَ فَإِنْ كَانَ مَالُ الْمَحْجُورِ نَاضًّا أَلْزَمَهُمْ الْوَلِيُّ قَبْضَ دُيُونِهِمْ أَوْ الْإِبْرَاءَ مِنْهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يُتْلَفَ الْمَالُ وَإِنْ كَانَ أَرْضًا أَوْ عَقَارًا تَرَكَهُمْ عَلَى خِيَارِهِمْ فِي الْمُطَالَبَةِ انْتَهَى. وَسَكَتَ عَمَّا إذَا كَانَ لِمَحْجُورٍ عَلَى مِثْلِهِ وَهَا هُنَا يَجِبُ الْأَدَاءُ عَلَى الْفَوْرِ.
وَأَمَّا الْأَعْيَانُ فَأَنْوَاعٌ (الْأَوَّلُ) الْأَمَانَاتُ الْحَاصِلَةُ فِي يَدِهِ بِرِضَا صَاحِبِهَا فَلَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهَا كَالْوَدِيعَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْوَكَالَةِ وَأَدَاؤُهَا يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا هَذَا إذَا اسْتَمَرَّتْ عُقُودُهَا فَإِنْ ارْتَفَعَتْ وَلَمْ يَطْلُبْهَا الْمَالِكُ اُسْتُصْحِبَ الْحَالُ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي الرَّاهِنِ يَفُكُّ الرَّهْنَ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ فَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الْأَمَانَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الرَّدِّ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ الْأَدَاءِ كَمَنْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُرْتَهِنُ بِهِ أَوْ يَرُدَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِيَدِهِ إلَّا عَلَى سَبِيلِ الْوَثِيقَةِ وَمِثْلُهُ يَدُ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ " يَدُ أَمَانَةٍ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ " فَلَوْ انْقَضَتْ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ ". (الثَّانِي) الْأَمَانَاتُ الْحَاصِلَةُ بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِهَا وَهِيَ: الْأَمَانَاتُ الشَّرْعِيَّةُ كَمَا لَوْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى دَارِهِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُ
الْأَمْرَيْنِ إمَّا إعْلَامُ الْمَالِكِ أَوْ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ إذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبُوا الرَّدَّ عَيْنًا لِأَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ التَّمْكِينُ مِنْ الْأَخْذِ وَعَلَى هَذَا فَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ عَالِمًا بِهِ وَلَمْ يُطَالِبْ لَمْ يَضْمَنْ بِالتَّأْخِيرِ بِعِلْمِهِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الرَّدِّ وَمِنْ ذَلِكَ اللُّقَطَةُ إذَا عَلِمَ صَاحِبَهَا فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَهِيَ قَبْلَ التَّمَلُّكِ أَمَانَةٌ وَبَعْدَهُ مَضْمُونَةٌ (وَمِنْهُ) لَوْ اسْتَعَارَ صُنْدُوقًا فَوَجَدَ فِيهِ دَرَاهِمَ فَهِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ طَيَّرَ الرِّيحُ ثَوْبًا لِدَارِهِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَارِيَّةِ وَلَوْ أَبَقَ عَبْدُ إنْسَانٍ فَأَخَذَهُ الْغَيْرُ لِيَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ كَانَ ضَامِنًا بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ كَجٍّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمُتَّجَهِ خِلَافُهُ كَمَا لَوْ أَخَذَ صَيْدًا لِيُدَاوِيَهُ، وَلَوْ وَقَعَ طَيْرٌ لِغَيْرِهِ عَلَى طَرَفِ جِدَارِهِ فَنَفَّرَهُ أَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ فَطَارَ لَا يَضْمَنُ فَإِنَّهُ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ قَبْلُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ فَقَتَلَهُ يَضْمَنُ سَوَاءٌ كَانَ فِي هَوَاءِ دَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْعَ الطَّائِرِ مِنْ هَوَاءِ دَارِهِ قَالَهُ فِي (التَّهْذِيبِ) فِي بَابِ الْغَصْبِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ (رحمه الله) فِي بَابِ الرِّبَا أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ نِصْفَ دِينَارٍ شَائِعًا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ صَحَّ وَيُسْلِمُ إلَيْهِ الْكُلُّ لِيَحْصُلَ تَسْلِيمُ النِّصْفِ وَيَكُونَ النِّصْفُ الْآخَرُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَأَعْطَاهُ عَشَرَةً
عَدَدًا فَوُزِنَتْ فَكَانَتْ أَحَدَ عَشَرَ كَانَ الدِّرْهَمُ الْفَاضِلُ لِلْمَقْبُوضِ مِنْهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِنَفْسِهِ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَ لَوْ وَزَنَ لَهُ مِائَةَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ فَأَخْطَأَ بِزِيَادَةِ عَشَرَةٍ كَانَتْ الْعَشَرَةُ مَضْمُونَةً عَلَى الْآخِذِ وَكَذَا لَوْ اقْتَرَضَ مِنْهُ مِائَةً فَوَزَنَ لَهُ مِائَةً وَعَشَرَةً.
(الثَّالِثُ) الْأَعْيَانُ الْمَمْلُوكَةُ بِالْعُقُودِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عَلَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ كَالْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَكَذَا الصَّدَاقُ وَعِوَضُ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ الدَّمِ وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ عَلَى الثَّمَنِ وَإِذَا قَبَضَ وَجَبَ التَّسْلِيمُ.
(الرَّابِعُ) الْأَعْيَانُ الْمَضْمُونَةُ بِالْيَدِ فَيَجِبُ الرَّدُّ سَوَاءٌ كَانَ أُصُولُهَا فِي يَدِهِ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ أَوْ مَحْظُورٍ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَالْأَوَّلُ كَالْعَارِيَّةِ إذَا انْتَهَى قَدْرُ الِانْتِفَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالثَّانِي كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَالثَّالِثُ كَالزَّكَاةِ إذَا قُلْنَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ فَيَجِبُ الْمُبَادَرَةُ إلَى دَفْعِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ عِنْدَ التَّمْكِينِ، وَكَذَلِكَ الصَّيْدُ إذَا أَحْرَمَ وَهُوَ فِي يَدِهِ أَوْ حَصَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَهَذَا كَالْإِرْثِ وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ عَيْنٌ مَغْصُوبَةٌ فَأَتَى بِهَا الْحَاكِمُ وَجَبَ الْقَوْلُ فِي الْأَصَحِّ وَيَبْرَأُ مِنْهَا الْغَاصِبُ وَوَجْهُهُ مَا مَرَّ أَنَّ صَاحِبَهَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا أَجْبَرَهُ عَلَى أَخْذِهِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي الْمُوجِبَاتُ لِلْعُقُوبَةِ مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ: فَيَجِبُ إعْلَامُ الْمُسْتَحِقِّ بِهَا لِيَسْتَوْفِيَهُ أَوْ يَعْفُوَ فَإِذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَجَبَ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ فِي الْأَصَحِّ ذَكَرُوهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَذْفِ وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ فِي الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ مُكِّنَ الْمُسْتَحِقُّ لَمْ يُجْبَرْ صَاحِبُ الْحَقِّ
عَلَى اسْتِيفَائِهِ أَوْ الْعَفْوِ بِخِلَافِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. أَمَّا السَّرِقَةُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ بِهَا بَلْ يُخْبَرُ الْمَالِكُ بِأَنَّ لَهُ عِنْدَهُ كَذَا إنْ كَانَ تَالِفًا، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا رَدَّهُ أَوْ وَكَّلَ فِيهِ. نَعَمْ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّدِّ بِنَفْسِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ دَفْعُ الْمَغْصُوبِ إلَى غَيْرِ مَالِكِهِ إلَّا إلَى الْحَاكِمِ وَمِثْلُهُ الْوَدِيعَةُ وَنَحْوُهُ. وَأَمَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ فَإِنْ غَلَّبْنَا فِيهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَكَالسَّرِقَةِ يُخْبَرُ بِالْمَالِ مُسْتَحَقُّهُ وَإِنْ غَلَّبْنَا فِيهِ حَقَّ الْآدَمِيِّ وَجَبَ إعْلَامُهُ لِيَسْتَوْفِيَهُ أَوْ يَدْفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ وَقَدْ اخْتَلَفَ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْجُنَاةِ فَقِيلَ التَّخْلِيَةُ وَالتَّنْكِيلُ كَالْأَمَانَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَقِيلَ بَلْ الْإِقْبَاضُ وَالتَّسْلِيمُ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ أُجْرَةِ الْجَلَّادِ وَالْمُسْتَوْفِي لِلْقِصَاصِ، فَإِذَا أَوْجَبْنَا التَّمْكِينَ فَقَطْ لَمْ تَلْزَمْ الْجَانِيَ وَإِلَّا وَجَبَتْ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
(الضَّرْبُ الثَّالِثُ) الْأَمَانَاتُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالذِّمَّةِ كَالشَّهَادَةِ فَيَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ الْأَدَاءُ إذَا دُعِيَ لِلتَّحَمُّلِ وَيَلْزَمُهُ الْحُضُورُ عِنْدَ الْقَاضِي. وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا أَدَاءُ الشَّهَادَةِ إذَا اجْتَمَعَ مَعَ