الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَحَيْثُ قَالَ يُلَقَّنُ إذَا وَقَفَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَفْتَحَ عَلَيْهِ وَحَيْثُ قَالَ لَا يُلَقَّنُ إذَا كَانَ تَرَدَّدَ لِيَفْتَحَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الِاسْتِقْصَاءِ إنْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ إنْ فَتَحَ عَلَيْهِ انْطَلَقَ فَتَحَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْهَشُ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ.
[التَّمَنِّي]
أَنْوَاعٌ
(إحْدَاهَا) : تَمَنِّي الرَّجُلِ حَالَ أَخِيهِ مِنْ دِينٍ أَوْ دُنْيَا عَلَى أَنْ يَذْهَبَ مَا عِنْدَهُ وَهَذَا حَرَامٌ فَإِنَّهُ الْحَسَدُ بِعَيْنِهِ وَقَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ تَعَالَى مَا فِي تَمَنِّي زِينَةِ الدُّنْيَا وَكَثْرَةِ مَتَاعِهَا الْمُطْغِي بِقِصَّةِ (قَارُونَ) وَمَنْ تَمَنَّى مِثْلَ مَا أُوتِيَ (قَارُونُ) حَتَّى شَهِدُوا الْمِنَّةَ فِي الْمَنْعِ لَا فِي الْإِعْطَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ (الْوَاحِدِيُّ) فِي الْبَسِيطِ، (وَابْنُ فُورَكٍ) فِي مُشْكِلِهِ وَغَيْرِهِمَا
عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّمَنِّيَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32] عَلَى التَّحْرِيمِ إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: لَيْتَ مَالَ فُلَانٍ لِي، وَإِنَّمَا لَيْتَ لِي مِثْلَهُ وَحَكَوْا عَنْ (الْفَرَّاءِ) أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ وَغَلَّطُوهُ لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَنْصَرِفُ عَنْ مُقْتَضَاهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ.
وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ تَعْلِيقِهِ: كَمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ يَحْرُمُ التَّفَكُّرُ فِيهِ بِقَلْبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَتَمَنَّوْا} [النساء: 32] . الْآيَةَ، فَمَنَعَ مِنْ التَّمَنِّي مِمَّا لَا يَحِلُّ كَمَا مَنَعَ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَا لَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] لَكِنَّ النَّظَرَ يَفْسُقُ بِهِ وَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ بِخِلَافِ الْفِكْرِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حَتَّى لَوْ أَخْبَرْنَا بِهِ، كَانَ قَادِحًا فِي شَهَادَتِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَ مَا لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَتِهِ عَنْهُ، فَهَذَا غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَعَلَيْهِ جَاءَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم، «لَا حَسَدَ إلَّا فِي
اثْنَتَيْنِ» ) ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ (الْغِبْطَةُ) . وَنَبَّهَ بِالِاسْتِثْنَاءِ عَلَى أَنَّ مَا يَتَمَنَّى بِهِ كَرَامَةَ الْآخِرَةِ لَا يُنْهَى عَنْهُ.
الثَّالِثُ: تَمَنِّي فِعْلِ الْعِبَادَاتِ وَإِنْ شَقَّتْ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ مُثَابٌ عَلَيْهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا، وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ، وَقَدْ ثَبَتَ تَمَنِّي الشَّهِيدِ فِي الْبَرْزَخِ الرُّجُوعَ إلَى الدُّنْيَا وَهُوَ دَلِيلٌ لِجَوَازِ ذَلِكَ.
وَفِي الْحَدِيثِ «وَدِدْت أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أَحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ» .
وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ سُؤَالَ الشَّهَادَةِ وَهِيَ قَتْلُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ، وَقَتْلُ الْكَافِرِ لِلْمُسْلِمِ مَعْصِيَةٌ.
وَأُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ تَحْصُلُ فِي الْحَرْبِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْقَتْلِ غَيْرِ قَتْلِ الْكَافِرِ. (وَثَانِيهِمَا) أَنَّ الشَّهَادَةَ لَهَا جِهَتَانِ إحْدَاهُمَا حُصُولُ تِلْكَ الْحَالَةِ الشَّرِيفَةِ فِي رِضَا اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الْمَسْئُولَةُ، وَالثَّانِيَةُ: قَتْلُ الْكَافِرِ وَهِيَ كَذَلِكَ.
الرَّابِعُ: تَمَنِّي لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ» ، وَهَذَا النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى تَمَنِّي لِقَائِهِ إدْلَالًا
بِالْقُوَّةِ، وَاعْتِمَادًا عَلَيْهَا.
فَأَمَّا تَمَنِّي ذَلِكَ، لِإِقَامَةِ الْجِهَادِ اعْتِمَادًا عَلَى اللَّهِ (تَعَالَى) دُونَ الْقُوَى وَالْأَسْبَابِ مِنْ الْإِنْسَانِ فَحَسَنٌ، لِأَنَّ تَمَنِّي الْفَضَائِلِ وَسِيلَةٌ إلَيْهَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي كِتَابِ الشَّجَرَةِ وَقَالَ صَاحِبُهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، لَمَّا كَانَ لِقَاءُ الْمَوْتِ مِنْ أَشَقِّ الْأَشْيَاءِ وَأَصْعَبِهَا عَلَى النُّفُوسِ وَكَانَتْ الْأُمُورُ الْمُقَدَّرَةُ عِنْدَ النَّفْسِ لَيْسَتْ كَالْأُمُورِ الْمُحَقَّقَةِ لَهَا خَشِيَ أَلَّا يَكُونَ عِنْدَ التَّحْقِيقِ، كَمَا يَنْبَغِي، فَكُرِهَ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ لِذَلِكَ.
الْخَامِسُ: فِي تَمَنِّي الْمَوْتِ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِضَرَرٍ نَزَلَ بِهِ، فَإِنَّ طُولَ الْعُمْرِ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ قِصَرِهِ لِيَسْتَعْتِبَ مِنْ إسَاءَتِهِ وَيَسْتَكْثِرَ مِنْ طَاعَاتِهِ، فَإِذَا تَمَنَّى الْمَوْتَ كَانَ تَمَنِّيًا لِفَوَاتِ الطَّاعَاتِ، أَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَى دِينِهِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، فَلَا يُكْرَهُ، بَلْ قَدْ يُسْتَحَبُّ وَقَدْ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ (أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ)(وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ)
السَّادِسُ: فِي تَمَنِّي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ مَعَ إهْمَالِ الطَّاعَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} [النجم: 24] وَفِي الْحَدِيثِ «الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» .
السَّابِعُ: تَمَنِّي خِلَافِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَهُوَ مَذْمُومٌ وَلِلشَّافِعِيِّ (رضي الله عنه) فِيهِ نَصَّانِ: أَحَدُهُمَا: قَالَ فِي الْأُمِّ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ، وَقَدْ رَوَى عَنْ عُمَرَ لَا يَسْتَرِقُّ عَرَبِيٌّ قَالَ (الْإِمَامُ)(الشَّافِعِيُّ)(رحمه الله) ، لَوْلَا أَنَّا نَأْثَمُ بِالتَّمَنِّي لَتَمَنَّيْنَا أَنْ يَكُونَ هَذَا هَكَذَا وَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَغَيُّرَ الْأَحْكَامِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ التَّمَنِّيَ كُلَّهُ حَرَامٌ.
وَالثَّانِي: فِي طَبَقَاتِ الْعَبَّادِيِّ عَنْ (ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ) ، سُئِلَ الشَّافِعِيُّ (رحمه الله) عَنْ نِكَاحِ الْعَامَّةِ الْهَاشِمِيَّاتِ، فَقَالَ إنَّهُ جَائِزٌ وَوَدِدْت، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، إلَّا أَنِّي لَا أَرَى فَسْخَهُ وَالْمَنْعَ مِنْهُ، لِأَنِّي سَمِعْت اللَّهَ (تَعَالَى) يَقُولُ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] انْتَهَى.
وَهَذَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْأَحْكَامِ، أَمَّا فِي وَقْتِ النَّسْخِ، فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم، لَمَّا أُمِرَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَانَ يَتَمَنَّى التَّوَجُّهَ لِلْكَعْبَةِ فَنَوَّلَهُ اللَّهُ (تَعَالَى) مُرَادَهُ.
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّ مَنْ يَتَمَنَّى تَحْلِيلَ مَا كَانَ حَرَامًا، إنْ كَانَ مُبَاحًا، ثُمَّ حَرُمَ لَمْ يَكْفُرْ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَحِلَّ فَقَطْ وَفِيهِ نَظَرٌ.
الثَّامِنُ: أَنْ يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ (تَعَالَى) مِنْ غَيْرِ أَنْ (تَقْتَرِنَ) أُمْنِيَّتُهُ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32] .
(قَالَ) بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلَى، لِمَنْ سَأَلَ اللَّهَ (سُبْحَانَهُ)(وَتَعَالَى) مِنْ الْمَتَاعِ (الْفَانِي) أَنْ يَقْرِنَ (بِرَغْبَتِهِ) سُؤَالَهُ التَّوْفِيقَ لِلْعَمَلِ لِلَّهِ (تَعَالَى) بِالطَّاعَةِ وَالْعِصْمَةِ مِنْ التَّعَرُّضِ بِهِ لِسُوءِ الْخَاتِمَةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] وَهَذَا تَفْسِيرُ حَدِيثِ (ابْنِ مَسْعُودٍ) عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «اسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ» ، وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ
الْفَرَجِ بِفَضْلِ اللَّهِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَهُ. هُوَ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يُفْرَحَ بِهِ.
وَأَمَّا الْإِقْتَارُ وَضَرَرُ الْأَبْدَانِ، فَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ فِيهَا انْتِظَارُ الْفَرَجِ.
فُرُوعٌ: قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: مَنْ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا إنْ تَمَنَّى فِي زَمَنِ نَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ هُوَ النَّبِيُّ دُونَ الَّذِي نُبِّئَ بِالْحَقِيقَةِ، فَقَدْ كَفَرَ، وَكَذَا لَوْ تَمَنَّى بَعْدَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ لَوْ كَانَ نَبِيًّا، لِأَنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ لَا يَكُونَ عليه الصلاة والسلام شُرِّفَ بِخَتْمِ النُّبُوَّةِ وَأَمَّا مَنْ تَمَنَّى النُّبُوَّةَ فِي زَمَنِ جَوَازِهَا، فَلَا يَكْفُرُ.
قَالَ: وَلَوْ كَانَ فِي قَلْبِ مُسْلِمٍ غِلٌّ عَلَى كَافِرٍ، فَأَسْلَمَ، فَحَزِنَ الْمُسْلِمُ لِذَلِكَ وَتَمَنَّى لَوْ عَادَ إلَى الْكُفْرِ، لَا يَكْفُرُ، لِأَنَّ اسْتِقْبَاحَهُ الْكُفْرَ، هُوَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى تَمَنِّيهِ لَهُ وَاسْتِحْسَانَهُ الْإِسْلَامَ، هُوَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى كَرَاهَتِهِ لَهُ، قَالَ: وَإِنَّمَا يَكُونُ تَمَنِّي الْكُفْرِ كُفْرًا، إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْسَانِ لَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِدُعَاءِ مُوسَى عليه السلام عَلَى فِرْعَوْنَ بِقَوْلِهِ {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا} [يونس: 88] .
قَالَ: تَمَنَّى أَنْ لَا يُؤْمِنُوا، وَزَادَ عَلَى التَّمَنِّي بِأَنْ دَعَا اللَّهَ بِذَلِكَ، لَمَّا