المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعريف المسند إليه: - المنهاج الواضح للبلاغة - جـ ٢

[حامد عونى]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌علم المعانى

- ‌مدخل

- ‌تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء

- ‌مدخل

- ‌صدق الخبر وكذبه:

- ‌ما يقصده المخبر بخبره:

- ‌اختبار- تمرين

- ‌أَضْرُبُ الخَبَرِ:

- ‌إخراج الكلام على غير مقتضى الظاهر:

- ‌تمرين:

- ‌أحوال المسند إليه

- ‌ذكر المسند إليه

- ‌حذف المسند إليه:

- ‌تعريف المسند إليه:

- ‌تنكير المسند إليه:

- ‌تقديم وتأخير المسند إليه:

- ‌أحوال المسند

- ‌ذكر المسند

- ‌حذف المسند:

- ‌تعريف المسند:

- ‌تنكير المسند:

- ‌تقديم وتأخير المسند:

- ‌تمرينات منوعة:

- ‌أحوال متعلقات بالفعل:

- ‌تمرينات متنوعة:

- ‌القصر:

- ‌تعريفه:

- ‌تقسيم القصر:

- ‌اختبار1:

- ‌تمرين:

- ‌طرق القصر:

- ‌مواقع القصر:

- ‌اختبار2:

- ‌تمرينات:

- ‌الإنشاء

- ‌مدخل

- ‌مبحث الأمر:

- ‌مبحث النهي:

- ‌اختبار- تمرين1:

- ‌مبحث الاستفهام:

- ‌اختبار- تمرين2:

- ‌مبحث التمني:

- ‌مبحث النداء:

- ‌اختبار- تمرين3:

- ‌الفصل والوصل

- ‌مدخل

- ‌مواضع الفصل والوصل:

- ‌مواضع الوصل:

- ‌محسنات الوصل:

- ‌اختبار- تمرين4:

- ‌المساواة والإيجاز والإطناب

- ‌مبحث المساواة

- ‌مبحث الإيجاز:

- ‌مبحث الإطناب:

- ‌اختبار

- ‌نصوص أسئلة لامتحانات رسمية:

- ‌موضوعات الكتاب:

الفصل: ‌تعريف المسند إليه:

‌تعريف المسند إليه:

اعلم أن المسند إليه ينبغي أن يكون معرفة، لأنه المحكوم عليه فلا بد أن يكون معلومًا ليكون الحكم عليه معتدًا به، ونكتة الإتيان به معرفة قصد إفاده المخاطب أتم فائدة.

ثم إن تعريفه على وجوه مختلفة يكون بالإضمار، وبالعلمية، وبالموصولية، وبالإشارة، وبأل، وبالإضافة، ولا يخلو وجه من هذه الوجوه من أن يتعلق به غرض للبليغ إليك بيانها على هذا الترتيب:

تعريفه بالإضمار:

يؤتى بالمسند إليه ضميرًا إذا كان الحديث في أحد المقامات الثلاثة الآتية مع الاختصار1.

1-

مقام التكلم: كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب"، وقول بشار بن برد أحد شعراء الدولة العباسية:

أنا المرعث لا أخفى على أحد

ذرت بي الشمس للقاصي وللداني2

يصف نفسه بأنه ذائع الصيت، واضح الأمر، يعرفه كل من يراه.

2-

مقام الخطاب: كقول الحماسي:

وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني

وأشمت بي من كان فيك يلوم

3-

مقام الغيبة: ولا بد في هذا المقام من أن يتقدم مرجع الضمير لفظًا تحقيقًا أو تقديرًا، أو أن يتقدم معنى، أو تدل عليه قرينة حال، فمثال المتقدم لفظًا تحقيقًا قوله تعالى:{وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} ، ومثال المتقدم لفظًا تقديرًا قولهم:"نعم فارسًا علي" عند من يجعل المخصوص بالمدح مبتدأ مؤخرًا، والجملة قبله خبرًا عنه مقدمًا، فمرجع الضمير في "نعم" حينئذ هو المخصوص وهو، وإن تأخر عنه في اللفظ، متقدم عليه في التقدير، لأنه مبتدأ، والمبتدأ مرتبته التقديم، ومثال المتقدم قوله تعالى:{وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} فضمير الغائب وهو لفظ "هو" عائد على معنى "الرجوع" المفهوم من قوله "فارجعوا"، ومثال ما دلت عليه قرينة حال قوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} فمرجع الضمير في ترك هو "الميت" وهو لم يتقدم لفظًا، ولا تقديرًا، ولا معنى، وإنما أرشدت إليه قرينة حال، هي أن الكلام مسوق لبيان الإرث.

تنبيه:

الأصل في الخطاب: أن يوجه إلى مشاهد معين، لأن معنى الخطاب:

1 احترز به عن قول أحد الأمراء: أمير البلاد يأمرك بكذا، فإن الحديث هنا في مقام التكلم ولكن لا اختصار فيه.

2 الرعثة بضم الراء القرط يعلق بشحمة الأذن، ولقب بشار بالمرعث لرعثة كانت له في صغره، وذرت به الشمس طلعت.

ص: 27

توجيه الكلام إلى حاضر، وهو لا يكون إلا مشاهدًا معينًا كقولك تخاطب شخصًا أمامك:"أنت أسرتني بمعروفك"، وقد يخرج الخطاب عن أصله فيخاطب:

1-

غير المشاهد إذا كان مستحضرًا في القلب، كأنه نصب العين كما في قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، ونحو:"لا إله إلا أنت" وما أشبه ذلك.

2-

غير المعين إذا قصد تعميم الخطاب، أي توجيهه إلى كل من يتأتى خطابه، كما نقول:"فلان لئيم، إن أحسنت إليه أساء إليك"، فليس بالضمير في قولك:"إن أحسنت" مخاطبًا معينًا كما هو الأصل في الخطاب، وإنما أريد مطلق مخاطب، إشارة إلى أن سوء معاملة اللئيم، لا يختص به واحد دون آخر، ومنه قول المتنبي:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

وقوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} . فالمراد بقوله: "ولو ترى": مطلق مخاطب "إشارة" إلى أن حالة المجرمين في ذلك الوقت من تنكيس الرءوس خوفًا وخجلًا، ومن رثاثة الهيئة، واسوداد الوجه وغير ذلك من سمات الخزي والخذلان، قد تناهت في الظهور والافتضاح لأهل المحشر إلى حد، يمتنع عنده خفاؤها، فلا يختص بها راء دون راء، وإذا فلا يختص بهذا الخطاب مخاطب دون مخاطب، بل كل من تتأتى منه الرؤية فله نصيب من هذا الخطاب. ا. هـ.

تعريفه بالعلمية:

يؤتى بالمسند إليه علمًا لأسباب كثيرة منها:

1-

إحضار معناه في ذهن السامع باسمه الخاص به ليتميز عمن عداه كقوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} . {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُول} جيء في المثالين بالمسند إليه علمًا لإحضاره مسماه في ذهن السامع باسمه الخاص تمييزًا له عمن سواه، وإنما قلنا:"باسمه الخاص" للاحتراز به عن إحضار المسمى بالضمير مثلًا نحو: "أنا كتبت" فإنه وأن أحضر به معنى المسند إليه في ذهن السامع، ليس اسمًا خاصًّا به، لأن لفظ "أنا" موضوع وضعًا عامًّا لكل متكلم، وهكذا يقال في سائر المعارف كاسم الإشارة، والموصول، وغيرهما.

2-

تعظيم المسند إليه: أو إهانته، كما في الألقاب، والكنى

ص: 28

الصالحة لذلك كقولك: "قدم حسام الدين" و"أقبل أبو الفضل"، وكقولك:"ذهب أنف الناقة"، و"رحل أبو الجهل" جيء بالمسند إليه علمًا في هذه المثل لقصد تعظيمه في الأولين، وتحقيره في الآخرين، وقد يكون ذلك لتعظيم غير المسند إليه، أو إهانته كما في قولك:"أبو الخير صديقي"، و"أبو لهب رفيقك" فالغرض من هذا تعظيم المتكلم في الأول وإهانة المخاطب في الثاني، وكلاهما المسند إليه.

3-

التفاؤل به: أو التطير منه نحو: "أقبل سرور، وذهب حرب"، فالغرض من الإتيان بالمسند إليه علمًا التفاؤل في الأول والتشاؤم في الثاني.

4-

التبرك به أو التلذذ فالأول نحو "الله حسبي" و"محمد شفيعي" إذا تقدم لهما ذكر في الكلام، فيعاد ذكرهما تيمنًا به، والثاني كما في ذكر أسماء الأحبة كقول مجنون ليلى:

بالله يا ظبيات القاع قلن لنا

ليلاي منكن أم ليلى من البشر

والشاهد في قوله "أم ليلى"، فإن مقتضى سياق الحديث أن يقول:"أم هي" إذ المقام للضمير لتقدم المرجع، لكنه أورده علمًا لقصد التلذذ بذكر اسم محبوبته.

5-

الكناية عن معنى يصلح المعلوم، بحسب معناه الأصلي، قبل أن يكون علمًا كما تقول:"أبو لهب فعل كذا".

وتوجيه الكناية فيه: أن "أبو لهب" قبل أن يكون علمًا على الذات فهو مركب إضافي معناه، أبو النار، وأن النار متولدة منه كما تتولد من الخشب، ويلزم من كون الإنسان أبا للنار، بمعنى أنه وقودها، أن يكون جهنميًّا، أي من أهل جهنم إذ إن اللهب الحقيقي هو لهب جهنم، قال تعالى:{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} ، وحينئذ فلفظ "أبو لهب" -بهذا المعنى المذكور- ملزوم، وقد أطلق لينتقل منه إلى لازمه، وهو كونه جهنميًّا، والانتقال من الملزوم إلى اللازم هو معنى الكناية كما عرفته في محله، فإذا قلت في شأن كافر مسمى "بأبي لهب": أبو لهب فعل كذا فالنكتة في إيراد المسند إليه علمًا: هي أنه كناية عن كونه جهنميا باعتبار المعنى الأصلي الإضافي: من إطلاق الملزوم وهو كونه أبا للنار، وإرادة اللازم، وهو "كونه جهنميًّا" أي من أهل جهنم خالدًا فيها، إلى غير ذلك من دواعي إيراد المسند إليه علمًا.

ص: 29

تعريفه بالإشارة:

يؤتى بالمسند إليه اسم إشارة لدواع، يلاحظها البلغاء منها:

1-

تمييز المسند إليه أكمل تمييز لاقتضاء الحال ذلك، كأن يكون المقام مقام مدح، أو أن يكون المسند إليه مختصًّا بحكم بديع، فمثال الأول قول ابن الرومي الشاعر العباسي:

هذا أبو الصقر فردًا في محاسنه

من نسل شيبان بين الضال والسلم1

يمدح الشاعر هذا الرجل بأنه فذ في خَلقه وخُلقه، لا يدانيه فيهما أحد، وأنه سليل قوم ذوي شمم وإباء، لأنهم يسكنون البوادي، وهي لا تخضع لسطان حاكم، ولا تدين لسلطة قانون والشاهد قوله: هذا أبو الصقر، حيث عبر عن المسند إليه "باسم إشارة" لمقصد تمييزه تمييزًا كاملًا، اقتضاء مقام المدح. ومثال الثاني قول الراوندي:

كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه

وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة

وصير العالم النحرير زنديقًا

يقول: كثير من ذوي الرأي والعقل، ضاقت بهم سبل العيش الرغيد، وسدت في وجوههم مسالك الحياة الهنيئة، بينما نرى كثيرا من ذوي الجهل في رغد من العيش، وسعة الرزق، وهذا الأمر لبعده في بادئ الرأي عن مظان الحكمة والصواب، وخروجه عن المعتاد المألوف، جدير أن يترك العقول حائرة، ويجعل العالم الراسخ في العلم زائغ العقيدة، مسلوب الرشاد، والشاهد قوله:"هذا الذي" حيث أتى بالمسند إليه "اسم إشارة"2 لقصد تمييزه تمييزا كاملا لما اختص به من هذا الحكم البديع، وهو ترك العقول حائرة، والعالم النحرير زنديقا.

2-

التعريض بغباوة السامع، وأن الأشياء لا تتميز عنده إلا بالإشارة الحسية، كقول الفرزدق يهجو جريرًا، ويفتخر عليه:

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

1 شيبان اسم قبيلة، والضال جمع ضالة وهي شجرة النبق والسلم بفتح اللام جمع سلمة بالتحريك وهي شجرة ذات شوك.

2 المشار إليه هو ما فهم من البيت الأول "من إعطاء الجاهل وحرمان العاقل" ولغرابة مدلوله وخروجه عن المألوف اختص بهذا الحكم البديع الذي هو "ترك الأوهام حائرة

إلخ".

ص: 30

يريد: أن جريرًا لا يستطيع أن يأتي بمثلهم آباء ذوي مجد وحسب إذا جمعتهما مجامع الفخر والمساجلة، والشاهد قوله:"أولئك آبائي" حيث أورد المسند إليه "اسم إشارة" قصدًا إلى أن يصم جريرًا يوصمه الغباوة، وأنه لا يدرك إلا المحس بحاسة البصر، ولو أنه عدد آباءه بأسمائهم، فقال: فلان وفلان آبائي لم يكن فيه ما أراد الشاعر: من التعريض عند من له ذوق سليم.

3-

بيان حال المسند إليه: من القرب، أو البعد، أو التوسط، فيقال:"هذا محمد" إذا أريد بيان أنه قريب ويقال: "ذلك محمد" إذا أريد بيان أنه بعيد، ويقال:"ذاك محمد" إذا أريد بيان أنه في مكان لا هو بالقريب، ولا بالبعيد.

غير أنه قيل: إن كون "هذا" للقريب و"ذلك" للبعيد، و"ذاك" للمتوسط، بحث خاص بعلماء اللغة، لأنهم إنما يبحثون في المعاني الوضعية، أي من حيث أن "هذا" موضوع للقريب، و"ذلك" موضوع للبعيد، و"ذاك" موضوع للمتوسط، وعلم المعاني يبحث فيها من جهة أنه يؤتى "بهذا" إذ قصد بيان قرب المشار إليه، بأن كان المقام يقتضي ذلك، ويؤتى "بذلك" إذا أريد بيان بعد المشار إليه متى اقتضته الحال، وهكذا فالبحث فيها عند علماء اللغة من حيث الوضع، وعند علماء المعاني من حيث اقتضاء الحال لها فوضح الفرق.

4-

تعظيم المسند إليه بالقرب: كما في قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ، فينزل قربه من النفس، وحضوره في الذهن منزلة قرب المسافة، ويعبر عنه "باسم الإشارة" الموضوع للقريب لقصد تعظيمه1.

5-

تعظيم المسند إليه بالبعد: كأن تقول لحاضر في المجلس: "ذلك الرجل ملجأ البائسين، ومنار المدلجين" فينزل بعد درجته وعلو مرتبته منزلة المسافة، ويعبر عنه "باسم الإشارة" الموضوع للبعيد لقصد تعظيمه2.

1 وجه دلالته على التعظيم هو أنه الشيء المحبوب يكون عادة مخالطًا للنفس حاضرًا في الذهن، فتعظيمه حينئذ يناسبه القرب المكاني.

2 وجه دلالته على التعظيم هو أن العظيم يتأبى على الناس عادة ويبعد عنهم لعزته ورفعة شأنه، فتعظيمه حينئذ يناسبه البعد المكاني على هذا الاعتبار.

ص: 31

6-

تحقير المسند إليه بالقرب: كما في قوله تعالى: {هَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آَلِهَتَكُم} ، قاله أبو جهل "قبحه الله" مشيرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد نزل دنو درجته وانحطاط مرتبته منزلة قرب المسافة، وعبر عنه "باسم الإشارة" الموضوع للقريب لقصد إهانته في "زعمه" لعنة الله عليه1.

7-

تحقير المسند إليه بالبعد: كقولك لحاضر مجلسك، ذلك اللئيم وشى بي عند الأمير، فينزل بعده عن ساحة الحضور والخطاب منزلة بعد المسافة، ويعبر عنه "باسم الإشارة" الموضوع للبعيد لقصد تحقيره وامتهانه2.

8-

التنبيه على أن المشار إليه المعقب بأوصاف، جدير من أجل تلك الأوصاف بما يذكر بعد "اسم الإشارة" كما في قوله تعالى:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ، أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ، فالمشار إليه في الآية بأولئك هم "المتقون" وقد عقبه بأوصاف: هي "الإيمان بما أنزل"، و"الإيقان بالآخرة"، ثم أتى بالمسند إليه "اسم الإشارة" تنبيهًا على أن المشار إليهم أحقاء -من أجل تلك الأوصاف المذكورة- بأن يفوزوا بالهداية عاجلًا، وبالفلاح آجلًا.

ملاحظة:

كثيرًا ما يشار إلى القريب غير المشاهد بإشارة البعيد تنزيلًا للبعيد عن العيان منزلة البعد المكاني، كقوله تعالى حكاية عن سيدنا الخضر مخاطبًا موسى عليه السلام:{ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} يشير بذلك إلى السبب الذي حمله على ما فعل، من "قتل الغلام، وخرق السفينة، وإقامة الجدار".

1 وجه دلالته على التحقير هو أن الحقير عادة لا يمتنع على الناس بل يكون قريب الموصول إليه مبتذلًا واقعًا بين أيديهم وأرجلهم، فتحقيره حينئذ يناسبه القرب المكاني على هذا التقدير.

2 وجه دلالته على التحقير هو أن الحقير عادة من شأنه ألا يلتفت إليه، ولا يعرض للخاطر لنفرة النفس منه، فتحقيره يناسبه البعد المكاني على هذا الاعتبار.

ص: 32

تعريفه بالموصولية:

يؤتى بالمسند إليه اسم موصول لدواع كثيرة، نذكر منها ما يلي:

1-

ألا يعلم المتكلم أو المخاطب أو كلاهما شيئًا مما يتعلق بالمسند إليه سوى الصلة، كأن ترى عند أحد أصدقائك رجلًا يرجوه في أمر، ولا عهد لكما أو لأحدكما به، فتقول له من الغد "جاءك الذي كان عندك أمس يتوسل إليك" فتأتي بالمسند إليه "اسم موصول" لعدم العلم بشيء يتعلق به سوى هذه الصلة، لأنها هي المعلومة لكما.

2-

استهجان التصريح بذكر المسند إليه، بأن كان مشعرًا بمعنى تقع النفرة منه عرفًا كما في قولك:"الذي يخرج من السبيلين ناقض للوضوء". وكقولك: "الذي رباني أبي" إذا كان اسمه مما لا يستحسن ذكره كلفظة جحش، أو برغوث، أو بطة، أو نحو ذلك.

3-

التفخيم والتهويل كقوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} عبر عن المسند إليه "بما" الموصولية قصدا إلى التفخيم والتهويل، إذ إن في الموصول إشارة إلى أن تفصيل المسند إليه وبيانه، مما لا تفي به عبارة ولا يحيط به علم، ومنه قول الشاعر يصف الخمر:

مضى بها ما مضى من عقل شاربها

وفي الزجاجة باق يطلب الباقي

أي مضي بها قدر عظيم من العقل، لا يدرك كنهه.

4-

تشويق المخاطب إلى الخبر ليتمكن في ذهنه، وذلك حيث يكون مضمون الصلة حكمًا غريبًا كقول المعري:

والذي حارت البرية فيه

حيوان مستحدث من جماد

يقول: إن الذي تحيرت الخلائق في خلقه العجيب واختلف الناس في أمر بعثه، وهل يعاد ثانيًا بعد موته أو لا يعاد؟ هو ذلك الحيوان الآدمي المتولد من النطفة، أو من طينة آدم على الخلاف في المراد بالجماد، والشاهد قوله:"والذي حارت البرية فيه" حيث عبر عن المسند إليه "باسم الموصول" لتضمن الصلة أمرًا غريبًا، هو إيقاع البرية في حيرة وارتباك، ومثل هذا الأمر الغريب يشوق النفس إلى أن تعرف ذلك الذي أوقع البرية كلها في هذه الحيرة.

5-

تقرير الغرض المسوق له الكلام: كقوله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} فالغرض المسوق له الكلام "نزاهة يوسف وبعده عن مظان الريبة"، والتعبير باسم الموصول مع صلته أدل على هذا

ص: 33

الغرض مما لو قال: "وروادته امرأة العزيز أو زليخاء"؛ لأنه إذا كان في بيتها، وتمكن من نيل مراده منها، ومع ذلك عف وامتنع، كان ذلك غاية في النزاهة.

وقيل: إن المراد في الآية: تقرير المسند الذي هو "المراودة" بمعنى أنها وقعت منها "لا محالة" لأن وجوده في بيتها -مع ما لها من سعة السلطان، وقوة النفوذ، ومع فرط الاختلاط والألفة- أدل على وقوع المراودة، وصدور الاحتيال منها1.

6-

التنبيه على خطأ وقع فيه المخاطب أو غيره؛ مثال الأول قول عبيدة بن الطيب من قصيدة يعظ بها بنيه:

إن الذين ترونهم إخوانكم

يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا

يقول: إن الذين تظنونهم أحباءكم، وأنهم يتمنون الخير لكم، هم على غير ما تظنون؛ يودون السوء لكم، وإيقاع الشر بكم. والشاهد قوله:"إن الذين ترونهم إخوانكم" حيث أتى بالمسند إليه موصولا لقصد تنبيه المخاطبين على خطئهم في ظنهم أن أمثال هؤلاء أصدقاء لهم، إذا تحقق فيهم ما لا يتفق مع هذه الصداقة: من تربص الدوائر بهم، بخلاف ما لو صرح بأسمائهم، فليس في ذلك ما يدل على تنبيههم إلى ذلك الخطأ، ومثال ما فيه تنبيه على خطأ غير المخاطب قولك:"إن الذي يحسبه محمد صديقه الحميم يغتم لسروره ويبتهج لحزنه، ويود له ما لا يحب" ففيه من التنبيه على الخطأ في هذا الحسبان ما ليس في التصريح بالاسم، ومنه قول الشاعر2:

إن التي زعمت فؤادك ملها

خلقت هواك كما خلقت هوى لها

1 وقيل: المراد تقرير المسند إليه الذي هو امرأة العزيز أو زليخاء لإمكان وقوع الإبهام والاشتراك فيهما. بيان ذلك أنه لو قال: وراودته زليخاء لم يعلم يقينا أنها المرأة التي هو في بيتها لاحتمال أن يكون هناك امرأة أخرى مسماة بهذا الاسم غير التي هو في بيتها، ولو قيل: وراودته امرأة العزيز لوقع مثل هذا الاحتمال أيضًا وإن كان بعيدًا، بخلاف التعبير بالموصول فإنه لا احتمال فيه، لأنه معلوم من الخارج أن التي هو في بيتها إنما هي زليخاء امرأة العزيز لا غير.

2 هو ابن أذينة أحد بني ليث بن بكر، وهو شاعر غزل مقدم من شعراء المدينة معدود في الفقاء والمحدثين روى عنه مالك بن أنس.

ص: 34

ففي التعبير بالموصول تنبيه على خطأ هذا الزعم.

7-

الإشارة إلى نوع الخبر المحكوم به على المسند إليه كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أتى بالمسند إليه "اسم موصول"؛ لأن في مضمون صلته وهو الاستكبار عن العبادة تلميحًا وإشارة إلى أن الخبر المترتب عليه من جنس العقوبة والإذلال، وكقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} ، فإن في مدلول الصلة -وهو الإيمان والعمل الصالح- ما يشير إلى أن الخبر المحكوم به من نوع الإثابة والإمتاع، ومن ذلك قولهم:"من ثابر وصبر جنى أطيب الثمر"، وقولهم:"من زرع الإهمال حصد الوبال"، ففي الأول إشارة إلى أن الخبر من نوع الفوز والفلاح، وفي الثاني إشارة إلى أن الخبر من جنس الإخفاق والحرمان، وهكذا.

تنبيه: قد يكون في الموصول إشارة إلى نوع الخبر على نحو ما تقدم ولكن لا يكون ذلك ملحظ المتكلم، ولا مقصوده من الكلام، وإنما يرمى إلى هدف آخر، هو "التعريض" بتعظيم الشيء أو تحقيره، أو أن يكون الهدف تحقيق ذلك الشيء وتقريره.

فمثال ما فيه تعريض بالتعظيم قول الفرزدق يفخر على جرير:

إن الذي سمك السماء بنى لنا

بيتًا دعائمه أعز وأطول

يقول: إن الذي رفع السماء "ذلك البناء العظيم" بنى لنا مجدًا وشرفًا لا يطاولهما شيء، وجعل فينا العزة والسيادة، أما أنت "يا جرير" بلا مجد لك ولا شرف، والشاهد فيه قوله:"إن الذي سمك السماء"، ففي الموصول إشارة إلى أن الخبر من جنس البناء والرفعة، لكن ليس هذا هو المقصود بالذات إنما الغرض الذي يرمي إليه الشاعر هو التعريض بتفخيم بيته وتعظيمه من حيث إن بانيه هو ذلك الذي رفع السماء، وأي بناء أرفع وأعظم من سماء هي من صنع يد ذلك المبدع القادر؟ ولو أنه عبر عن المسند إليه بغير الموصول، فقال مثلا:"إن الله بنى لنا بيتًا" لتعطل جيد العبارة من تلك الحلية البلاغية، ومثله قوله تعالى:{الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ} ففي الموصول إشارة إلى أن الخبر من نوع الخيبة والخسران، لأن شعيبًا نبي، فتكذيبه يفضي إلى هذه الصفة الخاسرة، لكن المقصود من هذا إنما هو التعريض بتعظيم شأن شعيب عليه السلام، من حيث إن تكذيبه، أوجب هذا الخسران المبين.

ومثال ما فيه تعريض بالإهانة قولك: "إن الذي لا يحسن قرض الشعر أنشأ قصيدة" ففي الموصول إشارة إلى أن الخبر من نوع

ص: 35

التأليف والإنشاء لكن ليس هذا هو المقصود، إنما الغرض التعريض، بتحقير هذه القصيدة، وأنها من النوع المبتذل الساقط، لأنها من صنع من لا يجيد قول الشعر، ومثله قولهم:"إن الذي يتبع الشيطان مخذول خاسر" ففي الموصول إشارة إلى أن الخبر من نوع الخزي والخذلان، لأن الشيطان ضال مضل، فاتباعه ضرب من التخاذل، غير أن الغرض التعريض بتحقير الشيطان، من حيث إن اتباعه يفضي إلى ذلك المصير البغيض.

ومثال ما فيه تحقيق الشيء وتقريره قول الشاعر:

إن التي ضربت بيتًا مهاجرة

بكوفة الجند غالت ودها غول1

يقول متوجعًا شاكيًا من جفاء حبيبه وهجره، أن التي نزعت إلى الكوفة واتخذت بها موطن إقامة دائمة تصرمت حبال ودها، وانحلت عرى العلاقة بيني وبينها، والشاهد في تعبيره بالموصول، إذ فيه إشارة إلى أن الخبر المترتب عليه من نوع زوال المحبة، وانقطاع المودة، لأن الإنسان لا يهجر وطنه إلى غيره "في العادة" إلا إذا كان كارهًا لأهله، راغبًا عنهم ولكن ليس هذا ملحظ الشاعر، إنما يريد أن يدل بهذه المهاجرة منها على تحقيق هذا الجفاء، وتقرير انصراف قلبها عنه، وإلا فكيف استساغت لنفسها هذا الفراق، واتخذت ذلك البلد النائي موطن إقامة؟ إلى أشباه ذلك من الدواعي كالترغيب في نحو قولك:"الذي حسنت خصاله، ونبلت فعاله محبوب" وكالتنفير نحو: "الذي شاه خلقه وساء خلقه ممقوت" وغير ذلك مما يكون الغرض فيه شيئًا آخر غير الإشارة إلى نوع الخبر.

تعريفه بأل:

يؤتى بالمسند إليه معرفًا "بأل" للأغراض الآتية بعد:

1-

الإشارة بها إلى معهود خارجًا، وتسمى اللام حينئذ "لام العهد الخارخي" وهي التي كون مدخولها معينًا في الخارج.

وتنقسم باعتبار مدخولنا إلى ثلاثة أقسام: لام العهد الصريحي، ولام العهد الكنائي، ولام العهد العلمي.

1 ضرب البيت بناؤه للإقامة فيه، وإضافة الكوفة للجند لأدنى ملابسة والغول كل ما يغتال.

ص: 36

فالأولى: ما يتقدم لمدخولها ذكر صريح كقولك: "صنعت في رجل جميلًا فلم يحفظ الرجل هذا الجميل" فإتيان المسند إليه وهو "الرجل" محلى "بأل" للإشارة بها إلى معهود في الخارج عهدًا صريحًا لتقدم ذكره في قوله: "صنعت في رجل جميلًا".

والثانية: ما يتقدم لمدخولها ذكر كنائي، أي غير مصرح به كما في قوله تعالى:{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى} ، فإتيان المسند إليه، وهو لفظ "الذكر" معرفة "بأل" للإشارة بها إلى معهود في الخارج عهدًا كنائيًا، لتقدم ذكره كناية في قوله تعالى حكاية عن امرأة عمران:{رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} فإن لفظ "ما" مبهم: يعم "بحسب وضعه" الذكور والإناث لكن التحرير، وهو أن يعتق الولد ليكون وقفًا على خدمة بيت المقدس، إنما كان للذكور دون الإناث. فلفظ "ما" حينئذ كناية عن الذكر باعتبار اختصاص التحرير بالذكور.

والثالثة: ما لا يتقدم لمدخولها ذكر مطلقًا، ولكن للمخاطب علم به لقرينة حال، وهذه اللام على قسمين: لام العهد الحضوري، ولام العهد العلمي.

فالأولى: ما يكون مدخولها حاضرًا في المجلس كأن تقول في شأن رجل حاضر: "أبدع الرجل في كلامه" لمخاطب سبق له علم به.

والثانية: ما يكون مدخولها غائبًا عن المجلس كأن تقول في شأن رجل غائب: "أنشد الرجل فأبدع في إنشاده" لمخاطب سبق له به علم، فإتيان السند إليه في القسمين محلى "بأل" للإشارة بها إلى معهود في الخارج عهدًا علميًا لتقدم علم المخاطب به.

2-

الإشارة بها إلى الحقيقة: وهي التي يكون مدخولها موضوعًا للحقيقة والماهية.

وتنقسم أيضًا باعتبار مدخولها إلى ثلاثة أقسام لام الحقيقة1، لام العهد الذهني، لام الاستغراق.

فالأولى: ما يكون مدخولها مرادًا به الحقيقة نفسها، بغض النظر عما ينطوي تحقيقًا من أفراد كقولهم:"أهلك الناس الدرهم والدينار"، فالإتيان بالمسند إليه محلى "بأل" للإشارة بها إلى حقيقة الدرهم، وحقيقة الدينار، لأن الحكم المذكور إنما هو على جنس هذين النقدين، لا على نقد بعينه كما هو ظاهر، وكقولهم:"الرجل خبر من المرأة" فالحكم بالخبرية إنما هو على الحقيقة نفسها، بمعنى: أن حقيقة الرجل خير من حقيقة المرأة،

1 وتسمى أيضًا لام الجنس ولام الطبيعة.

ص: 37

بلا نظر إلى الأفراد، وهذا لا ينافي أن بعض أفراد حقيقة المرأة يفضل بعض أفراد حقيقة الرجل كالسيدة عائشة أم المؤمنين مثلًا فالمنظور إليه في المفاضلة إنما هو الحقيقة لا الفرد، وليس من شك في أن حقيقة الرجل إذا صرف النظر عن الأفراد تفضل حقيقة المرأة.

والثانية: ما يكون مدخولها مرادًا به فردًا مبهمًا من أفراد الحقيقة إذا قامت القرينة على ذلك كقوله تعالى: {وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} عرف المسند إليه "بأل" للإشارة بها إلى فرد غير معين من أفراد حقيقة الذئب، فليس المراد الحقيقة نفسها بقرينة قوله:{أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ} ، إذ الحقيقة من حيث هو أمر لا وجود لها في الخارج، حتى يتحقق منه أكل أو شرب، وليس المراد فردًا معينًا من أفراد الحقيقة، إذ لا عهد في الخارج بذئب معين، فتعين أن يكون المراد فردًا مبهمًا من أفرادها، ومنه قول الشاعر:

ومن طلب العلوم بغير كد

سيدركها متى شاب الغراب

فليس المراد حقيقة الغراب، بقرينة قوله:"شاب"، وليس المراد فردًا معينًا من أفرادها إذ لا عهد بغراب معين، فظهر أن المراد فرد مبهم.

والثالثة: ما يكون مدخولها مرادًا به جميع أفراد الحقيقة، وإنما سميت "لام الاستغراق" لأن المفاد بها: استغراق جميع الأفراد.

وهذه اللام قسمان: لام الاستغراق الحقيقي، ولام الاستغراق العرفي.

فالأولى: ما يكون مدخولها مرادًا به كل فرد مما يتناوله اللفظ بحسب اللغة كقولك: "الغيب يعلمه الله"، عرف المسند إليه "بأل"؛ لأن القصد إلى جميع الأفراد التي يتناولها لفظ "الغيب" لغة، أي كل غيب، وكقوله تعالى:{إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} فالقصد فيه أيضًا إلى جميع الأفراد التي يتناولها لفظ "الإنسان" لغة، أي كل إنسان، بدليل الاستثناء الآتي بعد في قوله:{إِلَّا الَّذِينَ}

الآية، فهو أمارة إرادة العموم في الإنسان: إذ شرطه دخول المستثنى في المستثنى منه لو سكت عن ذكر المستثنى.

والثانية: ما يكون مدخولها مرادًا به كل فرد مما يتناول اللفظ بحسب العرف والعادة، كأن تقول:"امتثل الجند أمر الأمير"، فإن المراد جميع الأفراد التي يتناولها لفظ "الجند" عرفًا، أي جنود مملكته، لا جنود الدنيا، إذ ليس في وسع الأمير: أن يبسط نفوذه على جنود العالم أجمع عادة.

ص: 38

وصفوة القول: هو أن "أل" التعريفية على قسمين:

الأول: لام العهد، وتحته أنواع ثلاثة: صريحي، كنائي، علمي. والعلمي نوعان: علمي حضوري وعلمي فقط.

والثاني: لام الحقيقة وتحته أنواع ثلاثة أيضًا: لام الحقيقة من حيث هي ولام الحقيقة ويراد فرد مبهم من أفرادها، وهي المسماة بلام العهد الذهني، ولام الحقيقة، ويراد جميع أفرادها وهي المسماة بلام الاستغراق، وهي نوعان: لام الاستغراق الحقيقي، ولام الاستغراق العرفي. ا. هـ.

تعريفه بالإضافة:

يؤتى بالمسند إليه معرفًا بالإضافة لمزايا كثيرة، نذكر أهمها فيضًا يأتي:

1-

أنها أخصر طريق إلى إحضار مدلول المسند إليه في ذهن السامع كما تقول: "وافاني غلامي" فالتعبير بالإضافة أخصر من قولك: الغلام الذي لي أو غلام لي. وكقول جعفر بن علبة الحارثي1.

هواي مع الركب اليمانين مصعد

جنيب وجثماني بمكة موثق2

ويقول والحزن يملأ قلبه، ويجز في أحشائه: أنه سجين بمكة، وأن السجن حال دون أن يرى حبيبه بل سفره، وكان يود لو يحظى منه بنظرة وداع، والشاهد قوله "هواي" حيث أتى بالمسند إليه مضافًا لقصد الاختصار في اللفظ، وهو مطلوب هنا لضيق صدره، وفرط سآمته، وتوجعه لكونه سجينًا والحبيب راحل، ولا شك أن "هواي" أخصر من "الذي أهواه" مثلا.

1 قاله وهو سجين بمكة وكان قد قتل رجلًا من بني عقيل، فسجن فيه وكان يومئذ بمكة ركب من اليمن فيه محبوبته، وقد عزم هذا الركب على الرحيل فأنشد هذا البيت. من قصيدة في هذا المعنى.

2 هواي أي مصدر أريد به اسم المفعول أي مهوي، والركب اسم جمع لراكب واليمانين جمع يمان، وأصل "يمان" يمني، حذفت منه ياء النسب وعوض عنها الألف على خلاف القياس، ثم أعل أعلام "قاض"، ومصعد من أصعد في الأرض إذا سار فيها والجنيب المستتبع، وهو الذي يتبعه قومه، ويقدمونه أمامهم.

ص: 39

2-

تضمن الإضافة تعظيمًا لشأن المضاف، أو المضاف إليه، أو غيرهما فمثال تعظيم المضاف قولك:"عبد الأمير قادم" ففي الإضافة تعظيم للمضاف بأنه عبد الأمير، ومثال تعظيم المضاف إليه قولك:"عبدي حضر" فالمراد تعظيم المتكلم بأن له عبدًا، ومثال تعظيم غير المضاف والمضاف إليه قولك:"جليس الأمير زارني"، ففي الإضافة تعظيم للمتكلم وهو غير المسند إليه المضاف، وغير ما أضيف إليه المسند إليه، وفيها أيضًا تعظيم للمضاف، ولكنه غير مراد.

3-

تضمن الإضافة تحقيرًا لشأن المضاف، أو المضاف إليه، أو غيرهما كذلك، فمثال الأول قولك:"ولد اللص قادم" ففي الإضافة تحقير للمضاف بأن أباه لص، ومثال الثاني قولك:"ضارب زيد آت" ففيه إهانة للمضاف إليه بأنه مضروب، ومثال الثالث قولك:"ولد السفيه يجالس عمرًا" ففي الإضافة إهانة وتحقير لشأن عمرٍو بأن ولد السفيه من جلسائه، وهو ليس مضافًا ولا مضافًا إليه، وفيها أيضًا تحقير للمضاف، ولكنه غير مقصود.

4-

إغناؤها عن تفصيل متعذر أو متعسر، فمثال المتعذر تفصيله قولهم:"أهل مصر كرام" فقد أضيف المسند إليه لتعذر تعداد أهل مصر، ومثال المتعسر قول حسان بن ثابت:

أولاد جفنة حول قبر أبيهم

قبر ابن ماوية الكريم المفضل1

وقول مروان بن أبي حفصة:

بنو مطر يوم اللقاء كأنهم

أسود لها في غيل خفان أشبل2

أضيف المسند إليه في "البيتين"؛ لتعسر تعداد أولاد جفنة، وبني مطر.

5-

إغناؤها عن تفصيل حال دونه مانع مع تيسره، كما تقول:

"حضر قادة الجيش" فيضاف المسند إليه منعًا لوقوع التنافس بينهم فيما لو ذكرت أسماؤهم، وقدم اسم أحدهم على غيره.

6-

تضمن الإضافة اعتبارًا لطيفًا كما في قول الشاعر:

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة

سهيل أذاعت غزلها في القرائب

1 أولاد جفنة من الغساسنة الذين كان يمدحهم الشاعر بالشام.

2 الغيل الأجمة وخفان مأسد مشهورة بقوة أسودها.

ص: 40