المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مبحث الإطناب: الإطناب: هو أن يؤدى المعنى بعبارة زائدة عما يستحق، - المنهاج الواضح للبلاغة - جـ ٢

[حامد عونى]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌علم المعانى

- ‌مدخل

- ‌تقسيم الكلام إلى خبر وإنشاء

- ‌مدخل

- ‌صدق الخبر وكذبه:

- ‌ما يقصده المخبر بخبره:

- ‌اختبار- تمرين

- ‌أَضْرُبُ الخَبَرِ:

- ‌إخراج الكلام على غير مقتضى الظاهر:

- ‌تمرين:

- ‌أحوال المسند إليه

- ‌ذكر المسند إليه

- ‌حذف المسند إليه:

- ‌تعريف المسند إليه:

- ‌تنكير المسند إليه:

- ‌تقديم وتأخير المسند إليه:

- ‌أحوال المسند

- ‌ذكر المسند

- ‌حذف المسند:

- ‌تعريف المسند:

- ‌تنكير المسند:

- ‌تقديم وتأخير المسند:

- ‌تمرينات منوعة:

- ‌أحوال متعلقات بالفعل:

- ‌تمرينات متنوعة:

- ‌القصر:

- ‌تعريفه:

- ‌تقسيم القصر:

- ‌اختبار1:

- ‌تمرين:

- ‌طرق القصر:

- ‌مواقع القصر:

- ‌اختبار2:

- ‌تمرينات:

- ‌الإنشاء

- ‌مدخل

- ‌مبحث الأمر:

- ‌مبحث النهي:

- ‌اختبار- تمرين1:

- ‌مبحث الاستفهام:

- ‌اختبار- تمرين2:

- ‌مبحث التمني:

- ‌مبحث النداء:

- ‌اختبار- تمرين3:

- ‌الفصل والوصل

- ‌مدخل

- ‌مواضع الفصل والوصل:

- ‌مواضع الوصل:

- ‌محسنات الوصل:

- ‌اختبار- تمرين4:

- ‌المساواة والإيجاز والإطناب

- ‌مبحث المساواة

- ‌مبحث الإيجاز:

- ‌مبحث الإطناب:

- ‌اختبار

- ‌نصوص أسئلة لامتحانات رسمية:

- ‌موضوعات الكتاب:

الفصل: ‌ ‌مبحث الإطناب: الإطناب: هو أن يؤدى المعنى بعبارة زائدة عما يستحق،

‌مبحث الإطناب:

الإطناب: هو أن يؤدى المعنى بعبارة زائدة عما يستحق، بحسب متعارف الأوساط، بشرط أن يكون ذلك الزائد لفائدة كقوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام:{رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} فاللفظ المستحق في متعارف الأوساط أن يقال: "رب إني كبرت" أو شخت لكنه لما كان في مقام بث الشكاية، وطلب استدرار الرحمة ناسب ذلك ذكر ما يستوجب الشفقة والإحسان لهذا كان الزائد لفائدة، فإن لم يكن لفائدة لم يكن الكلام إطنابًا، وكان بمعزل عن أهداف البلاغة، ولا يخلو الحال حينئذ من أمرين:

1-

أن يكون الزائد غير متعين.

2-

أن يكون متعينًا.

فإن كان الزائد غير متعين سمي "تطويلا" كقول عدي بن زيد، وهو من شعراء العصر الجاهلي:

وقددت الأديم لراهشيه

وألفى قولها كذبا ومينا1

وهو من قصيدة له يخاطب بها النعمان بن المنذر يذكره فيها أحداث الدهر، وما وقع "لجذيمة الأبرش" و"الزباء" من خطوب جسام، ولهذين قصة طويلة لا محل لذكرها هنا2، والشاهد في قوله:"ومينا" فإن فيه تطويلا؛ لأن الكذب هو المين، ولا فائدة في الجمع بينهما، ولم يتعين أحدهما للزيادة، ومثله قول الشاعر.

ألا حبذا هند وأرض بها هند

وهند أتى من دونها النأي والبعد

ففي قوله و"البعد" تطويل؛ لأنه "النأي" بعينه، ولا فائدة في الجمع بينهما، ولم يتعين أحدهما للزيادة.

وإن كان الزائد متعينًا سمي "حشوًا"، وهو نوعان: مفسد للمعنى وغير مفسد له، وإليك البيان:

1 "قددت" من القد وهو القطع، و"الأديم" الجلد، و"الراهشان" عرقان في باطن الذراعين إذا فصد المرء منهما مات لساعته، و"المين" الكذب.

2 تتلخص في أن "جذيمة الأبرش" كان قد قتل أبا "الزباء" وكلاهما صاحب ملك وسلطان فسكتت الزباء على كره ريثما يقوى أمرها، ثم بعثت إليه تستدعيه لتتخذه زوجًا فنصح له بعض حاشيته ألا يأمن لها فلم يستجب لنصحه وركب إليها يدفعه الطمع في ملكها، وحينما وصل إليها غدرت به، فأجلس على نطع وشد عضداه وقطع رأهشاه، فتدفق الدم منهما حتى مات.

ص: 137

فالحشو المفسد كلفظ "الندى" في قول أبي الطيب المتنبي يرثي غلامًا:

ولا فضل فيها للشجاعة والندى

وصبر الفتى لولا لقاء شعوب1

يقول: إنه لا فضل في الدنيا للشجاعة والصبر لولا "الموت"، وهو حس جميل، لأنهما إنما عدا من الفضائل لما فيهما من الإقدام على الموت واحتمال المكروه، ولو علم الإنسان أنه لن يموت لم يبال بالمغامرات، وهان عليه اقتحام المخاطر، كما أنه لو أيقن الخلود وزوال المكروه لهان عليه الاحتمال والصبر لوثوقه بالخلاص، أما الندى فعلى العكس من ذلك إذ لو أيقن الإنسان أنه لن يفنى اشتد حرصه على المال مخافة أن ينفد، فيصبح صفر اليدين ما لو علم أنه سيموت، ويترك ماله، فإنه حينئذ يستخف به، ويهون عليه بذله، وإذا لا يظهر لهذا البذل فضل، وحينئذ فنظم "الندى" في سياق الحديث عن الشجاعة والصبر لا يستقيم لفساد المعنى، فهو لذلك حشو مفسد.

والحشو غير المفسد كلفظ "قبله" من قول زهير بن أبي سلمى من قصيدة في إصلاح ذات البين بين قبيلتي عبس وذبيان:

وأعلم علم اليوم والأمس قبله

ولكنني عن علم ما في غد عمي

يقول: إني محيط علمًا بما مضى، وبما هو حاضر، ولكنني جاهل بما استكن في ضمير المستقبل، فلا أدري ماذا عسى أن يكون في الغد، والشاهد في قوله:"قبله" فهو حشو، ولكنه غير مفسد، أما إنه حشو فلأنه زيادة متعينة، لا لفائدة؛ لأن "الأمس" مفيد للقبلية لدخولها في مفهومه إذ هو اليوم الذي قبل يومك، وأما أنه غير مفسد؛ فلأن المعنى لا يبطل بذكره، ومثله قول الشاعر:

ذكرت أخي فعاودني

صداع الرأس والوصب

فذكر "الرأس" مع الصداع حشو؛ لأن الصداع لا يكون في غير الرأس، ولكنه غير مفسد، لأن المعنى لا يفسد به.

وقد يحسن الحشو إذا تضمن نكتة لطيفة كما في قول أبي الطيب المتنبي:

1-

"الندى" الكرم و"شعوب" بفتح الشين المنية، وهو مأخوذ من الشعبة وهي الفرقة إذ إن المنية تشعب وتفرق بين الأحبة.

ص: 138

وخفوق قلبي لو رأيت لهيبه

يا جنتي لرأيت فيه جهنما

فقوله: "يا جنتي" حشو، ولكنه غاية في الحسن والإبداع لمقابلته بجهنم. ا. هـ.

ويكون الإطناب بأمور شتى:

1-

يكون بالإيضاح بعد الإبهام:

ونكتته عرض المعنى في صورتين مختلفتين؛ إحداهما مبهمة، والأخرى موضحة، وذلك أمر مستحسن إذ هو أشبه بعرض الحسناء في لباسين متغايرين. أو نكتته تمكن المعنى الموضح بعد إبهامه في نفس السامع فضل تمكن، إذ إن الإشعار بالشيء إجمالا يدعو إلى التشوق إليه تفصيلًا، والشيء إذا جاء بعد تشوق وتلهف عليه وقع في النفس، وتمكن أيما تمكن، يرشدك إلى ذلك: أنك إذا قلت: هل أدلك على أكرم الناس أبا، وأفضلهم حسبًا، وأمضاهم عزيمة، وأنفذهم رأيًا؟ ثم قلت:"فلان" كان ذلك أوقع في النفس مما لو قلت: فلان الأكرم الأفضل

إلخ، من ذلك قوله تعالى:{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ} ثم وضحه بقوله: {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} ولو قيل في غير القرآن: وقضينا إليه أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين لم يكن له من حسن الموقع ما كان مع الإبهام يدل على ذلك الذوق البلاغي.

ويدخل في الإيضاح بعد الإبهام باب "نعم وبئس" نحو: "نعم الرجل محمد"، و"بئس الرجل مسيلمة" على رأي من يجعل المخصوص خبرًا حذف مبتدؤه، أو مبتدأ حذف خبره.

2-

يكون بالتوشيع:

وهو أن يؤتى في عجز الكلام بمثنى مفسر ياسمين ثانيهما معطوف على الآخر، أو يؤتى بجمع مفسر بأسماء معطوف بعضها على بعض. مثاله في المثنى قولهم: خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق. وقولهم: يشيب ابن آدم، ويشيب معه خصلتان: الحرص وطول الأمل. ونحو: علينا بالشفاءين: العسل والقرآن، ومن هذا القبيل قول الشاعر:

فما زلت في ليلين شعر وظلمة

وشمسين من خمر ووجه حبيب

ومثاله في الجمع قولك: إن في فلان ثلاث خصال حميدة: الكرم، والشجاعة، والحلم.

3-

يكون بعطف الخاص على العام، ونكتته: التنبيه على فضل الخاص حتى كأنه "لفضله" شيء آخر مغاير لما قبله، كقوله تعالى:

ص: 139

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} قيل: هي صلاة العصر -في الرأي الغالب- لتوسطها بين نهاريتين وليليتين، وقيل غير ذلك.

4-

يكون بعطف العام على الخاص ونكتته: الاهتمام بالخاص بذكره في عنوان عام بعد العنوان الخاص نحو: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} ، ونحو:{وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ} .

5-

يكون بالإيغال وهو "لغة":

المبالغة من أوغل في الأمر إذا أمعن فيه، وبالغ، و"اصطلاحًا": ختم الكلام بما يفيد نكتة، يتم المعنى بدونها كالمبالغة في التشبيه أو تحقيقه، أو زيادة الحث والترغيب، فمثال المبالغة في التشبيه قول الخنساء في رثاء أخيها صخر:

وإن صخرًا لتأتم الهداة به

كأنه علم في رأسه نار

فقولها: "في رأسه نار" إيغال إذ قد تم المقصود، وهو تشبيهها إياه بالعلم في الظهور والارتفاع، غير أنها لم تكتف بوقوفها عند هذا الحد في التشبيه بل جعلت في رأس العلم نارًا مبالغة في التشبيه لما في ذلك من مزايدة الظهور والاشتهار والاهتداء به، ومثال تحقيق التشبيه، أي بيان التساوي بين الطرفين في وجه الشبه قول امرئ القيس:

كأن عيون الوحش حول خبائنا

وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب1

يريد أن يقول: إنهم كانوا كثيري اصطياد الوحوش، وكادوا يأكلونها ويطرحون أعينها حول أخبيتهم أشبه شيء بالجزع غير المثقوب، فقوله:"لم يثقب" إيغال إذ قد تم المعنى المراد، وهو تشبيه عيون الوحش بالجزع وبدونه وإنما أتى به تحقيقًا للتشبيه، وبيانًا لتساوي الطرفين في وجه الشبه، ذلك: أن تشبيه عيون الوحش بعد موته "بالجزع" في اللون والشكل ظاهر، لكن الجزع إذا كان مثقبًا يخالف العيون شكلًا إلى حد ما؛ لأن العيون لا ثقوب فيها، فزاد الشاعر قوله "لم يثقب" ليتحقق التشابه كاملا في الشكل حتى يتساوى الطرفان مساواة تامة في وجه الشبه، ومثال زيادة الحث والترغيب قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ

1 "أرحل" جمع رحل "والجزع" بفتح الجيم أو كسرها وسكون الزاي عقيق فيه دوائر بيض وسود يشبه به عيون الوحش.

ص: 140

اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِين، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} ، فقوله:{وَهُمْ مُهْتَدُونَ} إيغال؛ لأن المعنى يتم بدونه إذ إن الرسول مهتد لا محالة إلا أن في التصريح بوصف الاهتداء ما يحفزهم إلى اتباع الرسل، ويزيدهم ترغيبًا فيه.

6-

يكون بالتكرير لأغراض منها:

"أ" تأكيد الردع والإنذار: كقوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ، ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} ، فقوله "كلا" للردع والزجر عن الانشغال، والتعلق بالدنيا، والتلهي بها عن الآخرة، وقوله:{سَوْفَ تَعْلَمُونَ} إنذار وتهديد أي سوف تعلمون ما أنتم عليه من ضلال إذا شاهدتم هول المحشر وفي تكريره تأكيد لهذا الردع والإنذار.

"ب" استمالة المخاطب لقبول الخطاب كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} كرر قوله: {يَا قَوْمِ} لقصد استمالتهم، وحملهم على قبول الإرشاد.

"ج" قصد الاستيعاب: نحو "قرأت الكتاب بابا بابا"، "وفهمته كلمة كلمة"، ففي هذا التكرار معنى الاستيعاب والشمول.

"د" التنويه بشأن المخاطب: كقولهم: "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم".

"هـ" إظهار التحسر: كقول الحسين بن مطير بن الأشيم الأسدي1:

فيا قبر معن أنت أول حفرة

من الأرض خطت للسماحة موضعا

ويا قبر معن كيف واريت جوده

وقد كان منه البر والبحر مترعا

1 وهو شاعر فصيح متقدم في الرجز والقصيد يعد من فحول المحدثين، أدرك بني أمية وبني العباس، ووفد على معن بن زائدة مادحًا فأجزل صلته.

ص: 141

ففي تكرار قوله: "يا قبر معن" إظهار لكمية الحزن المندلعة ناره بين جوانحه على فقده.

"و" طول الفصل: كما في قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} ، كررت "إنَّ واسمها" لطول الفصل خشية أن يكون الذهن قد ذهل عما ذكر أولا، ومثله قول الشاعر:

وإن امرأ دامت مواثيق عهده

على مثل هذا إنه لكريم

7-

يكون بالتكميل، ويسمى الاحتراس أيضًا، وهو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المراد بما يدفعه كقول المتنبي.

غير اختيار قبلت برك بي

والجوع يرضي الأسود بالجيف

فقوله: "غير اختيار" تكميل أتى به دفعًا لتوهم أن قبول البر عن رضا واشتهاء له، وكقول المعتز يصف فرسا:

صببنا عليها ظالمين سياطنا

فطارت بها أيد سراع وأرجل

فقوله "ظالمين" تكميل واحتراس دفع به توهم أنها تستحق الضرب لبلادتها، أو لسوء سيرها، وكقوله تعالى:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} تكميل واحتراس قصد به دفع إيهام أن وصفهم بالذلة لضعفهم وهوانهم: من حيث إن شأن المتذلل أن يكون ضعيفًا مهينًا دفع ذلك بأن تذللهم للمؤمنين ليس عن ضعف ومهانة، وإنما هو وليد التوضع منهم للمؤمنين، بدليل أنهم أعزة على الكافرين.

8-

يكون بالتتميم، وهو أن يؤتى في الكلام بفضله لنكتة سوى دفع توهم غير المراد كالمبالغة في قوله تعالى:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} فقوله: {عَلَى حُبِّهِ} تتميم أريد به المبالغة في مدحهم بالسخاء والكرم، أي يطعمونه مع حبهم، واشتهائهم له، واحتياجهم إليه، ولا شك أن إطعام الطعام -مع اشتهائه والاحتياج إليه- أبلغ في المدح بالكرم من مجرد إطعام الطعام، ومثله قول زهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان:

من يلق يوما على علاته هرما

يلق السماحة منه والذي خلقا

ص: 142

فقوله: "على علاته" أي على رقة حاله وقلة ماله، تتميم قصد به: المبالغة في مدحه بالكرم، والمعنى: إن تلقه على حال إعسار تجده سمحًا جوادًا فما ظنك به على غير هذه الحال.

9-

يكون بالتذييل، وهو "لغة": جعل الشيء ذيلا للشيء. "واصطلاحًا": تعقيب الجملة بجملة أخرى تشتمل على معناها تأكيدا لها.

والتذييل على ضربين:

الأول: ضرب لم يخرج مخرج المثل، وهو الذي لا يستقل بإفادة المعنى، بل يتوقف على ما قبله كقوله تعالى:{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} ، {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} ، فصدر الآية صريح في أن هذا الجزاء إنما كان من أجل كفرهم، فقوله بعد:{وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} تذييل جيء به تأكيدًا لما استفيد من سابقه، ولم يجر مجرى المثل لتوقف على ما قبله إذ المراد بالجزاء "في الآية": ذلك الجزاء الخاص، وهو المذكور فيما قبل من إرسال سيل العرم، وتبديل جنتيهم، إلى آخر ما هو مذكور في هذا الحادث، فإن أريد مطلق جزاء كان من قبيل الضرب الثاني الآتي بعد.

الثاني: ضرب جرى مجرى المثل، وهو ما تضمن حكمًا كليًّا، واستقل بإفادته كقوله تعالى:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} فقوله: {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} ، تذييل أتى تأكيدًا لما فهم مما قبله، وهو جار مجرى المثل لاستقلاله بالإفادة عما قبله بتضمنه معنى كليًّا وهو: أن الباطل لا تقوم له قائمة.

والتأكيد بالتذييل على ضربين أيضًا:

الأول: أن يكون التأكيد لمنطوق الجملة الأولى كأن تشترك ألفاظ الجملتين في مادة واحدة، مع اختلاف نسبتهما، بأن تكون أحداهما فعلية والأخرى اسمية مثلا كالآية السابقة، فإن قوله تعالى:{إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} تذييل مؤكد لمنطوق قوله: {وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} لاشتراك الجملتين في مادة واحدة، واختلافهما بالفعلية والاسمية.

الثاني: أن يكون التأكيد لمفهوم الأولى بألا تشترك ألفاظ الجملتين في مادة واحدة كما في قول النابغة الذبياني:

ولست بمستبق أخا لا تلمه

على شعث أي الرجال المهذب

ص: 143

فصدر البيت يدل بمفهومه على نفي الكامل من الرجال إذ يريد أن يقول: إذا لم تضم أخا إليك، وتقبله على عيبه، وتغض النظر عن زلاته ولم تؤاخذه على كل جريرة لم يطق عشرتك أحد، ولم يبق أخ في الدنيا، إذ ليس في الرجال مهذب كامل التهذيب، مبرأ من العيب فقوله بعد ذلك: أي الرجال المهذب؟ تذييل أتى به تأكيدًا لذلك المفهوم؛ لأنه في معنى قولك: ليس في الرجال مهذب كامل.

10-

يكون بالاعتراض: وهو أن يؤتى في أثناء الكلام بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لأغراض منها:

"أ" التنزيه: كما في قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} ، فقوله:{سُبْحَانَهُ} اعتراض وقع في أثناء الكلام لغرض تنزيهه تعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا.

"ب" الدعاء: كما في قول عوف بن محلم الشيباني يشكو ضعفه:

إن الثمانين وبلغتها

قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

يشكو الشاعر ضعف سمعه بسبب الكبر، حتى صار بحيث يحتاج إلى من يكرر له القول بصوت أجهر من سابقه، والشاهد في قوله:"وبلغتها"، فهو اعتراض أتى به أثناء الكلام لقصد الدعاء للمخاطب بطول العمر، وهذه الواو تسمى واو الاعتراض.

"ج" التنبيه على فضيلة العلم كما في قول الشاعر:

واعلم فعلم المرء ينفعه

أن سوف يأتي كل ما قدرا

يقول: إن الذي قدر "لا محالة" آت طال الزمن أو قصر، وفي هذه تسكين للنفس وتسهيل للأمر عليها؛ لأنها إذا علمت: أن ما قدره الله لا بد آت سهل عليها الصبر، والتفويض، والاستسلام. والشاهد قوله:"فعلم المرء ينفعه"، فهو اعتراض أتى به تنبيهًا للمخاطب على فضل العلم، وهذا مما يزيده إقبالا على طلبه.

"د" زيادة التأكيد كما في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} فقوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} ، تفسير لقوله: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ

ص: 144

بِوَالِدَيْهِ} ، وقوله:{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} اعتراض أتى به تأكيدًا لطلب الشكر للوالدة، تقديرًا لفضلها العظيم، بسبب ما عانته من آلام الحمل طوال الشهور.

ومما جاء فيه الاعتراض بأكثر من جملة قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} ، فقوله:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} اعتراض بأكثر من جملة، وقع في أثناء الكلام، وكقوله تعالى:{إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} ، فقوله:{وَاللَّهُ أَعْلَمُ}

إلخ، اعتراض بأكثر من جملة.

ص: 145