الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول: إن المرأة الحمقاء لا تتهيأ في الصيف للشتاء بإعداد الغزل، حتى إذا ما طلع الكوكب المذكور في بدء الشتاء وزعت غزلها على قريباتها ليغزلنه، والشاهد قوله:"إذا كوكب الخرقاء" حيث أضيف المسند إليه "الخرقاء" لاعتبار لطيف، وهو الإشارة إلى أن الإهمال والتكاسل ديدنها وعادتها، وإنها غافلة عن القيام بشئونها، ولا تفيق إلا على ضوء هذا النجم، وكأنما خلق لأجلها.
إلى غير ذلك من الدواعي كالاستهزاء في قوله تعالى حكاية عن فرعون مخاطبًا قومه: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} ، وكغير ذلك من دواعي الإضافة، فليست الدواعي محصورة فيما ذكرنا كما هو معروف.
تنكير المسند إليه:
يؤتى بالمسند إليه نكرة لأسباب أهمها ما سنذكره لك فيما يلي:
1-
أن يكون القصد إلى فرد غير معين، إما لأن المتكلم لم يعلم جهة من جهات التعريف: من علمية، أو صلة، أو غير ذلك، أو لأن غرضه لم يتعلق بتعيينه، وإن كان معينًا، مثال الأول قولك لآخر:"حضر رجل هنا يسأل عنك" تقول ذلك إذ لم تعرف اسمه، ولا شيئًا يتعلق به، ومثال الثاني قوله تعالى:{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} فقد ذكر المفسرون أن ذلك الرجل هو "حبيب النجار" غير أن الغرض لم يتعلق به معينًا.
2-
أن يكون القصد نوعًا خاصًّا من أنواع الجنس كقوله تعالى: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَة} نكر المسند إليه وهو "غشاوة"؛ لأن المقصود نوع خاص من أنواع الأغشية غير ما يتعارفه الناس، ذلك هو غطاء التعامي عن الحق، أي الإعراض عن آيات الله1.
2-
أن يكون الغرض تعظيم المسند إليه، أو تحقيره، وأنه بلغ في رفعة الشأن حدًّا فوق متناول المدارك، أو انحط إلى درجة لا يعتد بها.
1 يرى السكاكي أن التنكير في هذا لتعظيم أي غشاوة عظيمة تحجب أبصارهم دفعة واحدة وتحول بينهم وبين الإدراك، لكن هذا لا يتنافى مع قصد النوعية: لأن الغشاوة العظيمة التي هي غطاء التعامي عن الحق نوع خاص من أنواع الأغشية.
ولا يلتفت إليها، وقد اجتمعا في قول مروان ابن أبي حفصة:
له حاجب في كل أمر يشينه
…
وليس له عن طالب العرف حاجب
يقول: أن بينه وبين ما يشينه حجابًا كثيفًا، وهو إلى جانب هذا في متناول أيدي العفاة، لا يحول دون قاصديه حائل، والشاهد في لفظي "حاجب" في شطري البيت، حيث أتى بهما منكرين، أما في الشطر الأول فلقصد تعظيم الحائل دون ما يشينه، وأنه في حصن حصين من كل ما يزري به، وأما في الشطر الثاني فلقصد تحقير ما يحول بينه وبين قاصديه، كناية عن أن بابه مفتوح على مصراعيه لمن يريد الولوج، فليس هناك أدنى مانع يحجبهم عن فضله ومعروفه. ومثله قول الشاعر:
ولله مني جانب لا أضيعه
…
وللهو مني والخلاعة جانب
فالتنكير في الأول للتعظيم، وفي الثاني للتحقير، يدل على مقام التمدح برجحان جانب الخير فيه على جانب الشر.
4-
أفاده التكثير أو التقليل، مثاله في التكثير:"إن له لإبلا، وإن له لغنمًا"، أتى بالمسند إليه في الجملتين نكرة لقصد إفادة أن لديه عددًا كبيرًا من الإبل والغنم، وأنها من الكثرة، بحيث لا يمكن الإحاطة بها، والوقوف على مقدارها. ومثاله في التقليل قوله تعالى:{لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} فقد نكر المسند إليه، وهو "شيء" لقصد أفاده أنه شيء قليل.
ولا يخطر بالبال: "أن التعظيم والتكثير شيء واحد، وأن التحقير والتقليل كذلك فإن بين هذه المعاني من الفروق ما لا يخفى، ذلك أن التعظيم يراعى فيه الحال والشأن كعلو المرتبة، وبعد المنزلة، أما التكثير فالمراعى فيه الكميات والمقادير، كالمعدودات والموزونات، وكذلك يقال في الفارق بين التحقير والتقليل، وقد اجتمع التعظيم والتكثير في قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} ذكر المسند إليه وهو "رسل" لقصد إفادة التعظيم أو التكثير باعتبارين؛ فعلى اعتبار أنهم ذوو شأن عظيم كان التنكير للتعظيم، وعلى اعتبار أن عددهم كبير كان التنكير للتكثير واجتمع التحقير والتقليل كذلك في قولهم: "أصابني منه شيء" أي حقير قليل، فالتنكير هذا للتحقير إن روعي من حيث الشأن، وهو للتقليل إن روعي من حيث العدد.
5-
أن يمنع من التعريف مانع كقول الشاعر:
إذا سئمت مهنده يمين
…
لطول العهد بدله شمالًا
لم يقل "يمينه" تحاشيًا من أن ينسب السآمة بصريح اللفظ إلى يمين الممدوح، وهو اعتبار لطيف.
6-
أن يراد إخفاؤه عن المخاطب كما تقول لآخر: "قال لي رجل: إنك تنكبت جادة الطريق" فتخفي اسمه لئلا يلحقه أذى من المخاطب إذ نسب إليه ما لا يحب
…
إلى غير ذلك من دواعي التنكير.
تمرين:
بين الأغراض التي اقتضت تعريف أو تنكير المسند إليه فيما يأتي:
1-
أنت تبقى ونحن طرا فداكا
…
أحسن الله ذو الجلال عزاكا
2-
لكل داء دواء يستطب به
…
إلا الحماقة أعيت من يداويها
3-
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
…
والبيت يعرفه والحل والحرم
4-
إذا جاء موسى وألقى العصا
…
فقد بطل السحر والساحر
5-
فقل لمن يدعي في العلم فلسفة
…
حفظت شيئا وغابت عنك أشياء
6-
ومن طلب العلوم بغير كد
…
سيدركها متى شاب الغراب
7-
والخل كالماء يبدي لي ضمائره
…
مع الصفاء ويخفيها مع الكدر
8-
كل من في الوجود يطلب صيدا
…
غير أن الشباك مختلفات
9-
طلبت الجميع فغاب الجميع
…
فمن سوء حظك لا ذا ولا ذا
10-
حكم حارت البرية فيها
…
وجدير بأنها تحتار
11-
ولله مني جانب لا أضيعه
…
وللهو مني والخلاعة جانب
12-
شرق متاعك الذي وفد عليك فأكرمت وفادته. 13- {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} . 14- ركب سيف الدولة. 15- أبو الفضل قادم إليك. 16- {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَاّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ} . 17- إن الذي يعق أباه مطرود من رحمة الله. 18- مات الذي أدبك فأحسن تأديبك. 19- {فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} . 20- {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} . 21- أخو الأمير أرسل إليّ.22- محمد يسبق الريح في عدوه.
23-
ولله صعلوك يساور همه
…
ويمضي على الأحداث والدهر مقدما1
1 يساور همه يواثبه بمعنى: يستثير همته إذا أنس منها فتورا.
إذا ما رأى يومًا مكارم أعرضت
…
تيمم كبراهن ثم صمما
ويغشى إذا ما كان يوم كريهة
…
صدور العوالي1 وهو مختضب دما
إذا الحرب أبدت ناجذيها وشمرت
…
وولى هدان2 القوم أقبل معلما3
فذلك إن يهلك فحسنى ثناؤه
…
وإن عاش لم يقعد ضعيفًا مذمما
الجواب:
1-
عرف المسند إليه في "أنت" و"نحن" بالإضمار، لأن الحديث في مقام الخطاب الأول، والتكلم في الثاني، وعرف بالعلمية في "أحسن الله" لإحضاره في ذهن السامع باسمه الخاص.
2-
نكر المسند إليه في "دواء" للقصد إلى نوع من الدواء خاص، إذ لكل داء من الأدواء ما يناسبه، عرف بالإضمار في "يستطيب" و"أعيت"؛ لأن المقام للغيبة لتقدم المرجع.
3-
عرف المسند إليه "بالإشارة" لقصد تمييزه أكمل تمييز لاقتضاء مقام المدح إياه، أو للتعرض بغباوة السامع، وعرف "بأل" في كل من "البطحاء" و"البيت" و"الحل" و"الحرم" للعهد العلمي فإن كل ذلك معهود في علم المخاطب.
4-
عرف المسند إليه "بالعلمية" لقصد إظهار التعجب من موسى عند إلقائه العصا، وعرف "بأل" في "السحر" و"الساحر" للعهد العلمي.
5-
عرف المسند إليه "بالإضمار" في "يدعي"؛ لأن المقام للغيبة لتقدم المرجع لفظًا تحقيقًا، وعرف بالإضمار في "حفظت"؛ لأن المقام للخطاب، ونكر في "أشياء" لقصد إفادة التكثير.
6-
عرف المسند إليه في "طلب"؛ لأن المقام للغيبة لتقدم المرجع لفظًا تحقيقًا، وعرف كذلك في "سيدركها" للسبب المذكور، وعرف "بأل" في "الغراب" للعهد الذهني أي للإشارة إلى فرد ما من أفراد الحقيقة.
7-
عرف المسند إليه "بأل" في قوله: و"الخل" للإشارة بها إلى الحقيقة في ذاتها، وعرف "بالإضمار" في "يبدي": لأن المقام للغيبة لتقدم المرجع لفظًا تحقيقًا، وكذلك يقال في "يخفيها".
1 العوالي: الرماح.
2 الهدان بكسر الهاء: الأحق.
3 المعلم بفتح اللام المخففة: المرسوم بسيما الحرب.
8-
عرف المسند إليه بالإضمار في "يطلب"؛ لأن المقام للغيبة، وعرف "بأل" في "الشباك" لقصد الاستغراق الحقيقي.
9-
عرف المسند إليه بالإضمار في "طلبت"؛ لأن المقام للخطاب، وعرف "بأل" في الجميع الثاني للإشارة إلى العهد الخارجي الصريحي.
10-
ذكر المسند إليه في قوله: "الحكم" لقصد تعظيمه، وأنه بلغ من السمو ما لا يدرك كنهه، وعرف "بأل" في "البرية" للعهد العلمي، وعرف بالإضمار في "تحتار" لمقام الغيبة.
11-
نكر المسند إليه في "جانب" الأول لقصد تعظيمه، وفي الثاني لقصد تحقيره، بمعونة المقام.
12-
عرف المسند إليه "بالموصولية" لقصد تقرير الرفض المسوق له الكرم وهو خيانة الضيف، أو لقصد تقرير المسند، أو المسند إليه، على ما تقدم في مبحث تعريف المسند إليه بالموصولية.
13-
عرف المسند إليه "بالعلمية" في {وَمَا مُحَمَّدٌ} لقصد إحضار مسماه في ذهن السامع، أو للتبرك به أو التلذذ.
14-
عرف المسند إليه "بالعلمية" لقصد تعظيمه، أو لغرض الإرهاب.
15-
عرف المسند إليه "بالعلمية" لقصد إفادة المعنى الكناني، وهو أن الفضل لازمة ملازمة الأب لابنه.
16-
عرف المسند إليه "بالإشارة" الموضوعة للقريب لقصد تحقيره، وأنه في المرتبة الدنيا، تنزيلًا لدنو مرتبته منزلة قرب المسافة.
17-
عرف المسند إليه "بالموصولية" للإشارة إلى نوع الخبر المترتب عليها.
18-
عرف المسند إليه "بالموصولية" لقصد إفادة التعظيم والتبجيل.
19-
عرف المسند إليه بإشارة البعيد لقصد تعظيمه تنزيلًا لبعد درجته منزلة بعد المسافة.
20-
عرف المسند إليه بإشارة البعيد لقصد تحقيره تنزيلًا لبعده عن ساحة عز الخطاب منزلة بعد المسافة.
21-
عرف المسند إليه بالإضافة لقصد تعظيم المتكلم بأن الذي أرسل إليه أخو الأمير.
22-
عرف المسند إليه بالعلمية لقصد إظهار التعجب من سباقه الريح.
23-
عرف المسند إليه "باسم الإشارة" في البيت الأخير لقصد التنبيه على أن المشار إليه المعقب بأوصاف جدير، من أجل تلك الأوصاف بما يذكر بعد اسم الإشارة، ذلك أنه ذكر المشار إليه في قوله:"لله صعلوك"، ثم عدد له خصالا فاضلة من المضاء على الأحداث، وتيمم كبرى المكرمات، والتأهب للحرب بلا مبالاة، ثم عقب ذلك بقوله: فذلك أن يهلك
…
إلخ.
تمرين يطلب جوابه على هذا النحو:
أنا الذي نظر الأعمي إلى أدبي
…
وأسمعت كلماتي من به صمم
وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني
…
وأشمت بي من كان فيك يلوم
بيمن أبي إسحاق طالت يد العلا
…
وقامت قناة الدين واشتد كاهله
هو البر من أي النواحي أتيته
…
فلجته المعروف والبحر ساحله
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا
…
وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
وليس يصح في الأذهان شيء
…
إذا احتاج النهار إلى دليل
ولربما بخل الكريم وما به
…
بخل ولكن سوء حظ المطالب
تقول وصكت صدرها بيمينها
…
أبعلي هذا بالرحى المتقاعس1
1 من كلام ابن كعب العنبري، والمتقاعس من "القعس" بالتحريك، وهو خروج الصدر ودخول البطن ضد الحدب. قاله يخاطب زوجته وقد مرت به في نسوة فوجدته يطحن الرحى لنزول أضياف ببابه، فقالت لهن ولم يكن قد ابتنى بها بعد: أبعلي هذا! استهزاء به، فأخبر بذلك فأنشد هذا البيت وبعده:
فقلت لها لا تعجبي وتبيني
…
بلائي إذا التفت على الفوارس
لعمر أبيك الخير إني لخادم
…
لضيفي وإني إن ركبت لفارس