الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمرين يقاس على ما سبق:
لا تطع أمري. استعد لما أنت لاقيه مني أيها المغرور. لا تنته عن غيك. بأسماء أقلعي. لا تحسبن سرورًا دائمًا أبدًا. عش ما شئت فإنك ميت. {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} . لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله. استقم أو لا تستقم. لا تلتمس من عيوب الناس ما ستروا. إن كان كبر عليك فوات الغرض فتصعد في السماء. لا تكن قئولا غير فعول.
فيا موت زر إن الحياة ذميمة
…
ويا نفس جدي إن دهرك هازل
قولك لزميل لك: لا تتوان عن تحصيل دروسك. لا تعبث في الصلاة. قوله صلى الله عليه وسلم: "أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام".
مبحث الاستفهام:
الاستفهام "لغة": طلب الفهم، "واصطلاحًا": طلب العلم بشيء بواسطة أداة من أدواته، وهي إحدى عشرة: الهمزة، هل، ما، من، متى، أيان، أين، كيف، أنى، كم، أي. وهذه الأدوات على ثلاثة أقسام:
1-
ما يطلب به التصور تارة، والتصديق أخرى، وهو "الهمزة".
2-
ما يطلب به التصديق فحسب، وهو "هل".
3-
ما يطلب به التصور فقط، وهو بقية أدوات الاستفهام. وإليك تفصيل الكلام فيها على هذا الترتيب.
الهمزة ولها حالتان:
الحالة الأولى:
أن يطلب بها: تصور المفرد كإدراك المسند إليه وحده أو المسند وحده، تقول في طلب إدراك المسند إليه:"أمحمد مسافر أم محمود؟ "، إذا كنت تعرف أن أحدهما مسافر، ولكنك لا تعرفه بعينه، فأنت تريد بالسؤال تعيينه وتصوره، فتجاب حينئذ بأنه "محمود" مثلًا. وتقول في طلب تصور المسند:"أعلي شاعر أم كاتب" إذا كنت تعرف أن أحد الوصفين ثابت "لعلي" ولكنك لا تعرفه على التعيين، فأنت تطلب بالسؤال تعيينه، فتجاب بأنه "كاتب" مثلًا.
والمسئول عنه بهذه الهمزة1 هو ما يليها سواء أكان مسندًا إليه أم مسندًا أو شيئًا من المتعلقات كالمفعول، والظرف، والمجرور، والحال، ونحو ذلك فمثال ما ولى فيه "المسند إليه" الهمزة قولك:"أأنت أنشأت هذه القصيدة؟ "، إذا كنت تعلم بوقوع الفعل وهو "الإنشاء" ولكنك لا تدري فاعله أهو المخاطب أم غيره، وتريد بالسؤال تعيينه، ومثله "أعلي بنى هذه الدار؟ "، "أمحمد أقام هذه المصنع؟ "، "أإبراهيم خاط هذه القباء؟ "، فالمسئول عنه في هذه المثل هو "المسند إليه" إذ هو الذي ولي الهمزة.
ومثال ما ولي فيه "المسند" الهمزة قولك: "أأكرمت محمودًا"؟ إذا كنت تعلم أن فعلا من المخاطب تعلق "بمحمود"، ولكنك لا تدري أهو إكرام أم إهانة؟ وتريد بالسؤال تعيينه ومثال ما وليها "المفعول" قولك "أأياي قصدت؟ " إذا كنت تعلم بوقوع القصد من المخاطب، وتجهل عين المقصود وتريد بالسؤال تعيينه.
ومثال ما وليها "الظرف" قولك: "أيوم الجمعة قدمت؟ " إذا علمت بحصول القدوم، وجهلت زمنه، وقولك:"أعندكم أقام فلان؟ "، إذا علمت بحصول الإقامة، وجهلت مكانها، ومثال ما وليها الحال قولك:"أراكبا جئت؟ " ومثال ما وليها المجرور قولك: "أفي المسجد صليت؟ ". وهكذا فالمسئول عنه في هذه المثل وأشباهها هو ما ولي الهمزة كما رأيت.
تنبيهان:
الأول: يجوز أن يذكر بعد "همزة التصور"، وبعد حرف "أم" لفظ يناسب ما يليها أي مناسبة. ويسمي "معادلا" كما تقول في الأمثلة السابقة:"أأكرمت محمودًا أم أهنته"؟ فلفظ "أهنت" معادل "لأكرمت" وهما متناسبان من حيث التضاد، وتقول:"أأياي قصدت أم أخي؟ " فلفظ "أخي" معادل "لإياي" وهما متناسبان من حيث أن كلا مفعول "قصدت"، وتقول:"أيوم الجمعة قدمت أم يوم الخميس؟ " فلفظ يوم الخميس معادل ليوم الجمعة، وهما متناسبان من حيث الظرفية، وتقول:"أراكبا جئت أم ماشيا" فلفظ "ماشيا" معادل "لراكبا" وهما متناسبان من حيث إن كلا حال مضادة لأخرى، وتقول:"أفي المسجد صليت أم في البيت؟ " فلفظ "البيت" معادل للمسجد من حيث أن كلا ظرف مكان للصلاة
…
وهكذا، ويجوز حذفه كما تقدمت أمثلته. وتسمى "أم" هذه "متصلة" وهي لتعيين أحد المعادلين، بعد العلم بثبوت أصل الحكم.
1 وهي التي لطلب القصور.
الثاني: محل وجوب إيلاء المسئول عنه الهمزة إذا لم تقم قرينة تدل عليه، فإن قامت عليه قرينة جاز تأخيره كما إذا أتى في الكلام بمعادل -على ما بيناه في التنبيه السابق- نحو:"أأكرمت محمودًا أم أحمد"؟ فإن ذكر المعادل وهو "أحمد" قرينة أن المسئول عنه المفعول لا الفعل، ونحو:"أليلة الخميس بكرت في نومك أم سهرت؟ ""أعندك قام محمد أم علي؟ ""أفي الحفل شعرت أم خطبت؟ ""أماشيًا جاء محمد أم محمود؟ "، "أأنت أنشأت هذه القصيدة أم رويتها؟ " وهكذا فالمسئول عنه في هذه المثل هو ما ولي الهمزة بقرينة، ذكر المعادل "كما رأيت". ا. هـ.
الحالة الثانية:
أن يطلب بالهمزة: التصديق بنسبة بين شيئين -ثبوتًا أو نفيًا- فالمسئول عنه بها هو نسبة يتردد العقل بين ثوبتها ونفيها، أي بين أن تكون محققة خارجًا أو غير محققة ويكثر حينئذ دخولها على الجملة الفعلية نحو:"أقدم صديقك؟ " فأنت لا تريد السؤال عن ذات القدوم ولا عن ذات "الصديق"، وإنما تسأل عن نسبة القدوم إليه هل هي محققة في الخارج أو لا؟ ويقل دخولها على الجملة الاسمية نحو:"أعلي مسافر؟ " تسأل عن نسبة السفر إليه هل هي حاصلة أم غير حاصلة؟ ويجاب: "بنعم" أو "بلا" في الموضعين، وهذه الهمزة لا يتأتى فيها، أن يليها المسئول عنه لأنه "النسبة" وليس لها لفظ خاص يلي الهمزة.
"فائدة" إذا ولي الهمزة الفعل كما في نحو: "أأكرمت محمودًا؟ " احتمل ظاهره: أن تكون الهمزة لطلب تصور الفعل أهو إكرام أم إهانة؟ واحتمل أن تكون لطلب التصديق بنسبة الإكرام إلى المخاطب هل هي محققة في الخارج أم لا؟ ، ويكون تعيين أحد الاحتمالين بالقرينة كأن يذكر المعادل لما ولي الهمزة، فإن كان المعادل هو النقيض كانت الهمزة لطلب التصديق كما تقول في المثال المذكور:"أأكرمت محمودًا أم لم تكرمه"، وإن كان المعادل غير النقيض كانت الهمزة لطلب القصور كما تقول في هذا المثال:"أأكرمت محمودًا أم أهنته"؟ وعلى هذا فقس.
هل ولها صفتان:
الأول: اختصاصها بطالب التصديق بنسبة بين شيئين ثبوتًا، أو نفيًا، أي طلب إدراك وقوعها، أو عدم وقوعها كما في الحالة الثانية "للهمزة" وتدخل على الجملتين الفعلية والاسمية نحو:"هل قدم أخوك"؟ وهل أخوك قادم؟ تريد السؤال عن نسبة القدوم إلى الأخ، هل هي حاصلة في الواقع أم غير حاصلة؟ ويجاب "بنعم" أو "لا".
ولاختصاص "هل" بطلب التصديق يمتنع استعمالها في صورة، ويقبح في أخرى، كما تراه فيما يلي:
فيمتنع في مثل قولك: "هل قدم محمد أم علي"، من كل تركيب يذكر في المعادل، ووجه المنع: هو أن ذكر المعادل يفيد بحسب السليقة العربية والذوق البلاغي: أن السائل عالم، ومصدق بأصل الحكم، وهو "القدوم" في هذا المثال، وإنما يسأل فقط عن الفاعل أهو محمد أم علي؟ ، و"هل" تفيد: أن السائل جاهل بأصل الحكم لأنها لطلب التصديق به، فيؤدي الجمع بينهما في تركيب واحد إلى التناقض.
ويقبح استعمالها في مثل قولك: "هل عمرا قابلت"، و"هل بناديك نزل"، و"هل راكبًا أتى إليك"، و"هل عندك أقام" ونحو ذلك: من كل تركيب يتقدم فيه المعمول على العامل، ووجه القبح: هو أن تقديم المعمول على العامل -كما في الأمثلة- يفيد "غالبًا": تخصيص العامل بالمعمول كما تقدم في باب القصر، فقولنا:"عمرًا قابلت" مثلًا يفيد اختصاص عمرو بهذه المقابلة دون سواه، وإذا فالقائل:"هل عمرًا قابلت؟ " مصدق بوقوع المقابلة من الفعل، وإنما يسأل فقط عمن اختص بهذه المقابلة دون غيره -أهو عمرو أم غير عمرو- وحينئذ فتقديم المعمول على عامله يقتضي: التصديق بأصل الحكم، و"هل" لطلب التصديق بأصل الحكم فيؤدي ذلك إلى طلب حصول الحاصل، وهذا ضرب من العبث، ينبغي أن يصان عنه كلام البليغ.
وإنما قبح ذلك ولم يمتنع كسابقه، مع أن علة القبح تقتضي المنع، لاحتمال أن يكون تقديم المعمول لغير التخصيص كالاهتمام بالمقدم مثلا، فلا يقتضي تقديمه حينئذ: التصديق بأصل الحكم، فلا يؤدي إلى هذا العبث.
الصفة الثانية شبهها "بالسين وسوف" في تخليصها المضارع للاستقبال وضعًا، بعد أن كان محتملا له وللحال، ولهذا لا يصح أن يستفهم بها عن الفعل الواقع في الحال، فلا يقال:"هل تصدق" في جواب من قال: "أحبك" إذ يريد هل تصدق الآن في قولك؟ فهو يستفهم عن اتصافه بالصدق في الحال ووجه عدم الصحة: أن "هل" للاستقبال "كما ذكرنا" والفعل الواقع بعدها هنا حالي، وهما معنيان متدافعان بخلاف الهمزة فإنه يصح فيها ذلك، لأنها ليست مخصصة للمضارع بالاستقبال، فيصح أن يقال في المثال السابق:"أتصدق؟ " ولا ضمير فيه.
ولأجل اختصاص "هل" بطلب التصديق، وتخليصها المضارع للاستقبال اختصت بدخولها على الفعل لفظًا أو تقديرًا، تقول في الأول:"هل يعود أبوك من سفره"؟ وتقول في الثاني: "هل أبوك يعود من سفره"؟ على تقدير رفع "أبوك" في المثال الثاني على الفاعلية لفعل محذوف يفسره المذكور.
فإن عدل بها عن الجملة الفعلية إلى الاسمية كان ذلك لنكتة بلاغية أن يجعل ما سيوجد كأنه حاصل موجود اهتمامًا بشأنه، ودلالة على شدة المرغبة فيه نحو:"هل علي مجتهد؟ " والأصل: أن يقال: هل يجتهد علي؟ بمعنى: هل سيحصل اجتهاد من "علي" فيما بعد، غير أنه لما كان الاجتهاد منه مرغوبًا فيه جد الرغبة مطلوبا أشد الطلب أبرز في صورة الحاصل الآن كما هي عادة الإنسان إذا اشتدت رغبته في شيء مستقبل الوقوع تخيله واقعًا؛ لهذا عبر بالجملة الاسمية؛ لأنها أدل على طلب حصول الاجتهاد لدلالتها على الثبوت القائم.
ومن هنا كان قوله تعالى: {هَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُون} الذي عدل فيه عن الجملة الفعلية إلى الاسمية أدل على طلب حصول الشكر من العباد مما لو قيل: "فهل تشكرون؟ "، أو "أفأنتم شاكرون؟ ".
أما وجه الأدلية "في الأول" فلأن "هل" عشيقة الفعل، لا ترضى به بديلا، فإذا أبعد عنها، وأتى بالجملة الاسمية في مكانه كان ذلك دليلا على كمال العناية بمدلول هذه الجملة لأنها -كما ذكرنا- أدل على طلب حصول المقصود لدلالتها على حصول قائم بخلاف الفعلية1 فإنها إنما تدل على حصول سيأتي.
وأما وجه الأدلية "في الثاني" فلأن "هل" أشد ارتباطًا بالفعل من الهمزة، فانفكاكه عنها أشد عسرًا من انفكاكه عن الهمزة لفرط تعلق "هل" به، فيكون ذلك أدل على شدة الاهتمام بمدلول الجملة الاسمية لهذا كان قوله تعالى:{هَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} ؟ أدل على طلب حصول الشكر مما لو قيل: "أفأنتم شاكرون؟ "، مع اتحاد نوعي الجملة فيهما، ولذلك لا يحسن أن يقال:"هل أنت شاكر"؟ إلا من البليغ، لأنه
1 أي المضارعية لأن الحديث فيها.
هو الذي يراعي النكات البلاغية في عباراته أما صدور مثل هذا القول من غير البليغ فقبيح، لأنه استعمال اللفظ في غير موضعه، عن جهل بمرامي الكلام ولطائفه.
و"هل" نوعان: بسيطة، ومركبة:
فالبسيطة هي التي يستفهم بها عن وجود الشيء في نفسه، أو عدم وجوده على معنى تحققه في الخارج، أو عدم تحققه فيه، بحيث يكون لفظ الوجود، أو عدم الوجود، أو ما في معناهما1 محمولًا على مدخولها كقولك:"هل العنقاء موجودة؟ " أو "هل هي غير موجودة؟ " أي هل هي ثابتة في الخارج متحققة فيه، أو غير متحققة فيه؟ بأن كانت أمرًا اعتباريًا وهميًا.
ومعنى كونها بسيطة: أن المذكور فيها شيء واحد غير لفظ "الوجود".
أو ما في معناه "كالعنقاء" في المثال المذكور، و"كمحمد" في نحو قولك:"هل محمد موجود؟ "، و"كالكرم" في قولك:"هل الكرم متحقق؟ "فالمذكور في الكلام غير لفظ الوجود أو التحقق، هو "العنقاء" في المثال السابق ومحمد في المثال الثاني والكرم في المثال الثالث.
والمركبة: هي التي يستفهم بها عن وجود شيء لشيء، أو عدم وجوده له، بمعنى ثبوته له، أو عدم ثبوته كقولك:"هل الشمس طالعة؟ "، أو "هل هي غير طالعة" أو "هل علي كريم" أو "هل هو غير كريم؟ " فليس الغرض: الاستفهام عن وجود "الشمس" في ذاتها، أو عن وجود "علي" في نفسه، كما في "هل" البسيطة، إنما الغرض، الاستفهام عن ثبوت شيء لهما، هو "الطلوع" للشمس، و"الكرم" لعلي.
ومعنى كونها مركبة: أن المذكور فيها شيئان غير لفظ "الوجود أو ما في معناه"، وهذان الشيئان هما "المسند والمسند إليه""كالشمس والطلوع" في المثال الأول، و"علي والكرم" في المثال الثاني، إلى هنا ينتهي الحديث عن "الهمزة، وهل".
1 كالثبوت والحصول والتحقق ونحو ذلك.
أما باقي أدوات الاستفهام المذكورة فلطلب التصور فحسب غير أنها تختلف: من جهة أن المطلوب بكل منها تصور شيء غير المطلوب تصوره بأداة أخرى وإليك الحديث عنها.
ما: ويستفهم بها عن غير العاقل وهي نوعان:
1-
ما يطلب به إيضاح الاسم وشرحه كأن تسمع لفظًا لا تعرف معناه، فتقول، ما هو؟ طالبًا أن يبين لك مدلوله اللغوي كقولك:"ما المسجد" أي ما مدلوله اللغوي، فتجاب بلفظ أشهر، فيقال "ذهب"، وكقولك:"ما الغضنفر؟ " فتجاب: "أشد" وهكذا:
2-
ما يطلب به، ماهية المسمى وحقيقته كما يقال:"ما الإنسان؟ أي ما حقيقة مسمى هذا اللفظ، فيجاب: "حيوان ناطق" وما الشمس؟ أي ماهيتها: فيجاب: "كوكب نهاري" وهكذا.
ويقع السؤال "بهل" البسيطة بين السؤال "بما" التي لشرح الاسم، و"ما" التي لطلب الماهية والحقيقة تمشيًا مع ما يقتضيه المنطق والطبع، فإن من يجهل معنى "البشر" مثلًا يسأل أولًا "بما" التي لشرح الاسم عن مدلوله اللغوي، فيقول:"ما هو؟ " فيجاب: "إنسان"، ثم يسأل ثانية "بهل" البسيطة عن وجوده، فيقول:"هل هو موجود"؟ فيجاب "نعم" مثلًا ثم يسأل ثالثًا "بما" التي لطلب الماهية والحقيقة، فيقال:"ما حقيقته؟ " فيجاب: "حيوان ناطق"، وهكذا.
من ويسأل بها عن العاقل كما يقال: "من بنى الأهرام؟ ""من فتح مصر؟ " فيجاب باسمه الخاص، فيقال في الأول "خوفو"، وفي الثاني:"عمرو بن العاص"، وقد يجاب بوصفه المعين له كما يقال:"من في الدار؟ " فيجاب "الرجل الطويل الذي أنشدك قصيدة أمس"، وخرج الوصف غير المعين نحو: تاجر، أو كاتب أو غير ذلك من الأوصاف المشتركة بين كثيرين، فلا يصح أن يقع جواب السؤال "بمن".
متى: ويسأل بها عن الزمان ماضيًا كان أو مستقبلًا تقول: "متى قدمت؟ " فتجاب: "أمس"، وتقول:"متى تسافر؟ " فتجاب: "بعد أسبوع أو بعد شهر".
أيان: ويسأل بها عن الزمان المستقبل خاصة، فيقال:"أيان يثمر هذا الشجر؟ " فيجاب: بعد شهرين، أو ثلاثة، أو بعد سنة. وقد تستعمل في مواضع التفخيم والتهويل كما في قوله تعالى:{يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَة} فإن الغرض: تفخيم هذا اليوم، وجواب هذا السؤال " {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} .
أين: ويسأل بها عن المكان، فيقال:"أين بيتك" و"أين تذهب" و"أين قضيت يومك؟ " فيجاب عن كل هذا بأسماء الأماكن.
كيف: ويسأل بها عن الحال، فيقال:"كيف صحتك"، أي على أي حالة هي، فيجاب: جيدة أو معتدلة، ويقال:"كيف وجدت صاحبك؟ " أي على أية حال وجدته، فيجاب: وجدته صحيحًا، أو مريضًا، أو مسرورًا أو حزينًا، ويقال:"كيف أتى إليك فلان" أي على أي حال أتى إليك، فيجاب أتى ماشيًا، أو راكبًا
…
وهكذا.
أنى: ولها استعمالان:
أحدهما أن تكون بمعنى "كيف" كما في قوله تعالى: {أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ} ، وكقوله تعالى:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} ؟ على معنى كيف في المثالين، ويجب -والحالة هذه- أن يليها الفعل "كما مثلنا" بخلاف "كيف" فلا يجب فيها ذلك كما تقدم في أمثلتها.
ثانيهما: أن تكون بمعنى: "من أين" كما في قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} ؟ على معنى: "من أين لك هذا الرزق"؟ بدليل قولها: "هو من عند الله"، وقد تأتي بمعنى "متى" كما في قولك:"أني يفيض هذا النيل" أي متى يفيض؟
كم: ويسأل بها عن العدد المبهم كما في قوله تعالى: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} ؟ ويقال: "كم كتابًا عندك؟ " فيجاب: كذا من الأعداد.
أي ويطلب بها، تعيين واحد مما أضيفت إليه كما في قوله تعالى:{أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا} ؟، و"أي الحزبين أحصى"؟ و {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} ؟ ويجاب في كل هذا بتعيين واحد من المضاف إليه، وهي بحسب ما تضاف إليه، فتكون للزمان، أو المكان إذا أضيفت إليهما، وتكون للحال، أو العدد كذلك وتضاف إلى العاقل، وإلى غيره، فيقال: "أي الأيام
قدمت"، و"أي الأماكن نزلت"، و"على أي الأحوال كنت"، "وأي الرجال بني الأهرام" "وفي أي الكتب تقرأ".
استعمال هذه الأدوات في غير معناها الحقيقي:
تخرج هذه الأدوات عن معناها الحقيقي إلى معان مجازية، تفهم من سياق الكلام بواسطة القرائن، منها:
1-
الأمر: كما في قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ؟ على معنى: انتهوا.
2-
النهي: كما في قوله تعالى: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ} ؟ بمعنى: لا تخشوهم فالله هو الجدير بالخشية منه.
3-
النفي: كما في قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} ، على معنى ما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
4-
التشويق: كما في قوله تعالى: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ؟ يريد: أن يشوقهم إلى تجارة رابحة هي العمل بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
5-
التعجب: كما في قوله تعالى: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} ، فالغرض، التعجب من هذه الحال في الرسول.
6-
التنبيه على ضلال: نحو: {أَيْنَ تَذْهَبُونَ} ؟ فليس الغرض: الاستفهام عن مكان الذهاب، بل المراد: تنبيههم على أنهم ضالون، وأن لا مفر لهم من عذاب الله، فهو لاحق بهم حيثما كانوا.
7-
التمني: كما في قوله تعالى: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا} ؟
فليس الغرض: الاستفهام عن وجود شفعاء لهم إذ هم يعتقدون أن لا شفيع، ولكنهم يتمنون لو يكون لهم شفعاء يشفعون لهم.
8-
التهكم والاستهزاء: كما في قوله تعالى: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا} ؟ فليس الاستفهام هنا محمولا على معناه الحقيقي، إنما المقصود السخرية والاستهزاء به.
9-
الاستبطاء: كقولك لمن دعوته فأبطأ في الإجابة: "كم دعوتك"؟ فليس المراد: الاستفهام عن عدد الدعوة، إنما الغرض: إظهار أنه تلكأ في الإجابة، فلم يسارع.
10-
الاستبعاد: كقوله تعالى: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} ؟ فليس الغرض: السؤال عن الذكرى لاستحالته من الله العالم بخفايا الأمور، إنما المراد: استبعاد تذكرهم بدليل قوله: {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ} فكأنه يقول من أين لهم التذكر والاعتبار والرجوع إلى الحق، وقد جاءهم رسول واضح الحجة، فأعرضوا عنه؟
11-
التحقير: كقولك لآخر: "من أنت"؟ استخفافًا به وازدراء.
12-
التكثير: كقوله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ} ؟ فليس المراد: السؤال من عدد الآيات، وهو الذي لا تخفى عليه خافية، إنما الغرض: بيان أن ما أوتي إليهم من الآيات البينات كثير العدد، أي وهم -مع ذلك- يكابرون عنادًا.
13-
التعظيم: كما في قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ؟ يراد تعظيمه "سبحانه"، وأن الأمن في الشفاعة مرجعه إليه، ومنوط بإذنه وإرادته.
14-
التسوية: كما في قوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} أي إنذارهم وعدمه سيان، فهم -في الحالين- معرضون.
15-
التقرير: أي حمل المخاطب على الإقرار بما يعرفه كما في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} ؟ فحمل الاستفهام على حقيقته ممنوع بداهة؛ لأنه قول الله تعالى، وإنما هو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف، ومثله قوله تعالى:{أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} ؟
16-
الإنكار: كقولك لمن يتعاطى الخمر: "أتشرب الخمر؟ "، أو لمن يسرق:"أتسرق؟ "، فليس الاستفهام محمولًا على حقيقته إذ لا معنى للسؤال عن شيء مشاهد، إنما الغرض. الإنكار على الفاعل فعله، ويسمى الاستفهام حينئذ إنكاريًا، ولا يخرج أمره عن معنيين: التوبيخ، والتكذيب.
فالتوبيخ إما على أمر وقع فيما مضى، بمعنى "ما كان ينبغي"، أو على أمر خيف وقوعه في المستقبل، بمعنى:"لا ينبغي أن يكون"، فالأول كقولك لمن ارتكب جرمًا:"أعصيت ربك؟ " أي ما كان ينبغي لقد أن تعصيه، والثاني كقولك لمن يعتزم ارتكاب محظور:"أتعصي ربك؟ " أي لا ينبغي أن يصدر منك عصيان، ومن هذا قول الشاعر: