الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبحث الأمر:
الأمر:
هو طلب حصول الفعل على جهة الاستعلاء حقيقيًّا كان ذلك الاستعلاء، أو ادعائيًّا، فالأول كقول السيد لعبده:"افعل كذا"، والثاني كقول العبد لسيده:"افعل كذا" متعاظمًا لا متواضعًا.
ولصيغة الأمر صور أربع:
1-
فعل الأمر، كقوله تعالى:{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} ، وكقولك:"اعطني كتابك".
2-
المضارع المقرون بلام الأمر، كقوله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِه} ، وكقولك:"ليؤد كل منكم واجبه".
3-
اسم فعل الأمر، كقولك لآخر:"صه عن الغيبة والنميمة"، أي كف عنهما، ونحو:"حي على الفلاح" أي أقبل على ما فيه الخير والسعادة، ونحو "آمين" بمعنى استجب، فإن مجنون ليلى العامرية.
يا رب لا تسلبني حبها أبدا
…
ويرحم الله عبدًا قال آمينا
4-
المصدر النائب عن فعل الأمر نحو: سعيًا في الخير، ورفقًا بالضعفاء، وصبرًا على البأساء1.
المعنى الحقيقي لصيغة الأمر:
مدلول الصيغة -على ما ذهب إليه الجمهور- هو الطلب على جهة الوجوب إذ هو المفهوم منها عند الإطلاق، وما عداه من المعاني يحتاج إلى قرائن تحف به، تستفاد من سياق الكلام، وقيل غير ذلك.
فورية الأمر وتراخيه:
اختلفوا في صيغة الأمر عند تجردها من القرائن، هل تقتضي الامتثال فورًا، أو على التراخي، أو ما هو أعم منهما؟
فالجمهور على أن مدلول صيغة الأمر هو طلب حصول الفعل مطلقًا عن قيد الفورية؟ أو التراخي، فالمأمور يكون ممثلًا للآمر بالإتيان بالفعل المأمور به سواء أتى به فورًا، أو بعد مهلة، ولا يتعين أحدهما إلا بقرينة، وهذا هو الراجح.
وقال السكاكي: إن مدلول الأمر، طلب حصول الفعل فور النطق بالصيغة، إذ مقتضى الطبع في كون الشيء مطلوبًا، أن يراد حصوله في
1 هذه المصادر نائبة عن فعل الأمر المحذوف وجوبًا، ولهذا كان المصدر نفسه هو "المسند" لا الفعل المحذوف، والضمير المستتر فيه هو "المسند إليه".
الحال، فإذا قيل:"افعل كذا" كان معناه افعله فورًا، كما هو الشأن في "الاستفهام والنداء"، فالأول يقتضي فورية الجواب عن المستفهم عنه، والثاني يقتضي فورية إقبال المنادى، ولا يستفاد المتراخي إلا بقرينة. ا. هـ.
تنبيه:
كما أن مدلول صيغة الأمر لا يفيد الفورية، ولا التراخي عند خلو المقام عن القرائن -كما قدمنا- كذلك لا يفيد استمرار الفعل، ولا تكراره، فإذا أمر السيد عبده بالقيام مثلًا كان ممتثلًا بمجرد قيامه، ولا يقتضي ذلك أن يستمر قائمًا، أو أن يكرر القيام مرة بعد أخرى، ما لم تقم قرينة على ذلك. ا. هـ.
المعاني المجازية لصيغة الأمر:
تخرج صيغ الأمر عن معانيها الحقيقية إلى معان آخر مجازية. تفهم من سياق الكلام، وقرائن الأحوال؛ منها:
1-
الدعاء: إذا استعملت الصيغة في مقام التضرع نحو {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ} .
2-
الالتماس: كقولك لندك سنًا ومقامًا: "اعطني هذا الكتاب".
3-
التهديد: إذا استعملت الصيغة في مقام عدم الرضا بالمأمورية كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} ، وكقولك:"افعلوا ما بدا لكم"، وإنما كان تهديدًا؛ لأن أمرهم بكل عمل شاءوا، أو بكل عمل بدأ لهم ليس مرغوبًا فيه.
4-
التعجيز: إذا استعملت الصيغة في مقام إظهار عجز المدعي كقوله تعالى: {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} ، وإنما كان تعجيزًا لأن الإتيان بسورة من مثله فوق مقدورهم، ومن التعجيز قول الشاعر:
يا لبكر انشروا لي كليبا
…
يا لبكر أين أين الفرار
فالأمر هنا مراد به التعجيز، لأن المقصود به: إعادة الحياة لكليب، وذلك فوق مقدورهم، وخارج عن طوقهم.
5-
التسخير: إذا استعملت الصيغة في مقام يكون المأمور فيه منقادًا لما أمر به كقوله تعالى: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} .
6-
الإهانة: إذا استعملت الصيغة في مقام عدم الاعتداد بشأن المأمور كقوله تعالى: {كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} .
7-
الإباحة: إذا استعملت الصيغة، حيث توهم المخاطب عدم جواز الإتيان بالشيء كقوله تعالى:{كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فالمراد بهذا الأمر، بيان حكم الأكل والشرب وأنه مباح لا حظر فيه.
8-
التسوية بين الشيئين: إذا استعملت الصيغة في مقام توهم المخاطب فيه أرجحية أحد الطرفين المتساويين كقوله تعالى: {اصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} وكقوله تعالى: {أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ} .
9-
التمني: إذا استعملت الصيغة في معنى لا طماعية في حصوله كقول الشاعر الجاهلي:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
…
بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فليس الليل مما يوجه إليه أمر أو نهي، وإنما الشاعر يشكو من طول ليله، ويود لو ينبلج الصبح ليتخلص من هموم الليل والألم والسهر.
10-
الامتنان: نحو: {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} ، يريد "سبحانه" أن يمتنّ علينا بما منحنا من نعمه وآلائه.
11-
الإكرام: كقوله تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ} فليس المراد: الأمر بالدخول لحصوله وقتئذ، وإنما الغرض: إظهار إكرامهم وأنهم يستحقون هذا النعيم بما قدموا من خير.
12-
الدوام: كقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، وكقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا} فليس المراد: الأمر بالهداية والإيمان لأنهما حاصلان إنما الغرض الدوام عليهما.
13-
الإذن: كقولك لمن طرق الباب: "ادخل" تريد الإذن له بالدخول.
14-
الإرشاد والاعتبار: فالأول كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} يريد: إرشادنا إلى ما ينبغي، من تدوين ما يجرى بيننا من معاملات تفاديا لما عسى أن يقع من نزاع، والثاني كقوله تعالى:{انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} ، فليس المراد: مجرد الأمر بالنظر إلى الثمر، وإنما الغرض: لفت النظر إلى ما في قدرة الله تعالى من إبداع ليعتبروا
…
إلى غير ذلك.