الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقسيم القصر:
تقسيم القصر باعتبار غرض المتكلم:
يقسم القصر باعتبار غرض المتكلم إلى قسمين: حقيقي، وإضافي.
فالحقيقي: هو ما اختص فيه المقصور عليه. بحيث لا يتجاوزه إلى غيره بمعنى ثبوته له، وانتفائه عن ذلك الغير حقيقة كان ذلك أو ادعاء.
فالأولى: كما في قولك: "ما خطيب في البلد إلا علي" إذا لم يكن في البلد خطيب سواه، فهذا قصر حقيقي إذ إن الغرض تخصيص الخطابة "بعلي" وقصرها عليه، بحيث لا تتعداه إلى غيره في الواقع ومثله قولهم:"ما معبود بحق إلا الله" فإن العبادة بحق مختصة بالله تعالى لا تكون لأحد سواه.
والثاني: كما في المثال المتقدم: "ما خطيب في البلد إلا علي" إذا كان ثم خطباء غيره، ولكنهم لم يبلغوا في الخطابة مبلغ "علي" فهذا قصر حقيقي ادعائي أما أنه حقيقي، فلأن الغرض تخصيص الخطابة "بعلي" وقصرها عليه، بحيث لا تتعداه إلى غيره، وأما ما ادعاني، فلام التخصيص فيه ليس واقعيًا إذ الواقع أن هناك خطباء غيره، وإنما هو في ادعاء المتكلم وافتراضه، وأن من عداه من الخطباء في حكم المعدوم لقصورهم فيها، وكان لم يكن ثم خطيب سواه. ومثله قول الشاعر:
لا سيف إلا ذو الفقا
…
ر ولا فتى إلا علي
القصرين في البيت حقيقي ادعائي، فافتراض أن غير "ذي الفقار" من السيوف، وغير "علي" من الفتيان في حكم المعدوم.
فالفرق إذا بين القصر الحقيقي حقيقة، والحقيقي ادعاء: أن الأول منظور فيه إلى الحقيقة والواقع، وأن الثاني منظور فيه إلى الادعاء والافتراض يجعل ما عدا المقصور عليه في حكم المعدوم وسمي هذا القصر حقيقيًّا، لأن القصر فيه بالنسبة إلى جمع ما عداه ولو فرضًا.
والإضافي: ما اختص فيه المقصور عليه بالنسبة إلى شيء معين، بحيث لا يتعداه إلى ذلك الشيء، ويصح أن يتعداه إلى شيء آخر كما تقول:
"ما كاتب إلا محمد" أي لا "علي" مثلا فالغرض تخصيص الكتابة "بمحمد" وقصرها عليه، بحيث لا تتجاوزه إلى "علي" ويصح أن
تكون لغير "علي" لأن الغرض تخصيصها "بمحمد" بالنسبة "لعلي" فقط وسمي هذا القصر إضافيا، لأن القصر فيه بالإضافة إلى شيء معين كما رأيت.
تنبيه:
يعلم مما تقدم أن القصر الحقيقي الإدعائي، والقصر الإضافة يشتركان في أمر، ويفترقان في آخر يشتركان في أن المقصور فيهما لا يختص بالمقصور عليه في الواقع، بل يوجد فيه وفي غيره كما تقول:"ما كاتب إلا محمد، فإن الكتابة غير مختصة بمحمد في القصرين أما في الحقيقي الادعائي فلأن الغرض فيه: تخصيص الكتابة بمحمد، مع وجودها في غيره، وافتراضها في حكم المعدوم، وأما في الإضافي فلأن الغرض فيه، تخصيص الكتابة "بمحمد" بالنسبة إلى شخص معين كعلي مثلًا، لا بالنسبة لكل من عدا المقصور عليه، ويفترقان في أن الحقيقي الادعائي روعي فيه نفي الحكم عما عدا المقصور عليه، باعتبار أن ما عداه في حكم المعدوم مبالغة وأن الإضافي يراعى فيه نفس الحكم عن شيء معين لا عن كل ما عدا المقصور عليه كما في المثال المذكور فإن الحقيقي الادعائي روعي فيه نفي الكناية عن غير "محمد" من اشتركوا معه فيها، باعتبارهم في حكم المعدول، وأن الإضافي روعي فيه نفي الكتابة عن "علي" فقط، ولم يتعرض فيه لنفي الكتابة عن غير "علي" فوضح ما بين القصرين من اتفاق وافتراق. ا. هـ.
تقسيم القصر باعتبار حال المقصور:
يقسم القصر "بنوعيه" باعتبار حال المقصور إلى قسمين قصر صفة1 على موصوف، وقصر موصوف على صفة، والفرق بينهما أن الأول يكون بتقديمه الصفة على الموصوف كما تقول:"ما شاعر إلا علي". والثاني يكون بتقديم الموصوف على الصفة كما تقول "ما علي إلا شاعر"2.
1 المراد بالصفة هنا: الصفة المعنوية وهي المعنى القائم بالغير المقابل للذات سواء دل عليه بلفظ النعت النحوي كقائم، أو بغيره كالفعل ونحوه من ظرف أو جار ومجرور مثل: ما يقوم إلا محمد، وما عندي إلا علي، وما في الدار إلا خالد.
2 هذا إذا لم يكن القصر من طريق التقديم فإن كان منه اختلف الحال ففي نحو: "مصري أنا" قصر موصوف على صفة مع تأخير الموصوف، وفي نحو "إياك نعبد" قصر صفة على موصوف مع تأخير الصفة على ما سيأتي.
فمثال قصر الصفة على الموصوف من الحقيقي حقيقة قولك: "لا إله إلا الله" ففيه قصر صفة الألوهية على ذات الله "سبحانه" قصرًا حقيقيًا حقيقة وهو ظاهر، ومثله قولك:"ما خطيب في البلد إلا علي" إذا لم يكن في البلد خطيب سواه، ومثله من الحقيقي ادعاء قولك "ما عادل إلا عمر" ففيه قصر صفة العدالة على "عمر" قصرًا حقيقيًا ادعائيًا لأنها توجد في غيره ولكنها في "عمر" أكمل منها في سائر الأفراد، فاعتبر كأن لم يكن عادل سواه ومثاله من القصر الإضافة قولك:"ما أديب إلا إبراهيم": أي لا أحمد مثلًا، ففيه قصر الأدب على إبراهيم قصرًا إضافيًا، أي بالإضافة إلى "أحمد" فقط.
ومثال قصر الموصوف على الصفة قصرًا حقيقيًا قولك: "ما علي إلا تاجر" تريد قصره على صفة التجارة، وأن لا صفة له غيرها، وهذا النوع من القصر لا يكاد يوجد لتعذر الإحاطة بصفات الشيء، حتى يمكن إثبات شيء منها، ونفي ما عداه، وحينئذ فالتعويل في مثل هذا النوع على قصد المبالغة، بمعنى عدم الاعتداد بصفة غير الصفة المقصور عليها، فيكون من قبيل القصر الحقيقي الادعائي، ومثاله من القصر الإضافي قولك:"ما شوقي إلا شاعر" أي إلا خطيب مثلًا، تريد قصره على صفة الشعر، بحيث لا يتجاوزها إلى الخطابة.
تقسيم القصر باعتبار حال المخاطب:
ينقسم القصر بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام: قصر قلب، قصر أفراد، قصر تعيين.
فقصر القلب: ما يخاطب به من يعتقد عكس الحكم الذي أثبته المتكلم، مثاله في قصر الصفة على الموصوف قولك:"ما نابه إلا أحمد" ردًّا على من اعتقد أن النابه محمود لا أحمد، ومثاله في قصر الموصوف على الصفة قولك:"ما علي إلا بطل" ردًا على من اعتقد اتصافه بالجبن، دون البطولة وسمي: قصر قلب لقلب الحكم على المخاطب.
وقصر الإفراد: ما يخاطب من يعتقد الشركة، مثاله في قصر الصفة على الموصوف قولك:"ما نبيل إلا فؤاد" ردًا على من اعتقد اشتراك عباس معه في هذه الصفة، ومثاله في قصر الموصوف على الصفة:"ما فؤاد إلا كاتب" ردًا على من اعتقد اتصافه بالكتابة والشعر، وسمي قصر أفراد لقطع الشركة التي اعتقدها المخاطب.
وقصر التعيين: ما يخاطب به المتردد بين شيئين، مثاله في قصر الصفة على الموصوف قولك:"ما ذكي إلا خالد" خطابًا لمن تردد بين ذكائه وذكاء "بكر" ولا يدري أيهما على التعيين، ومثاله في قصر الموصوف على الصفة قولك:"ما فؤاد إلا ناجح" خطابًا لمن تردد بين نجاحه وإخفاقه، وسمي قصر تعيين لتعيين ما هو غير معين عند المخاطب.
تنبيهان:
الأول: اعلم أن التقسيم إلى القلب، والإفراد، والتعيين خاص بالقصر الإضافي كما يظهر لك من الأمثلة السابقة، وعللوا ذلك: بأن التقسيم المذكور لا يتأتى إجراؤه في القصر الحقيقي حقيقة1.
بيان ذلك: أنك إذا قلت مثلًا في قصر الصفة على الموصول قلبًا: "ما كاتب إلا محمد" تريد قصر الكتابة عليه قصرًا حقيقيًا بمعنى إثبات الكتابة له ونفيها عمن عداه كان مقتضى ذلك: أن المخاطب يعتقد العكس أي يعتقد اتصاف جميع الناس بالكتابة دون "محمد" وهذا بعيد جدًا. إذ لا يتصور من السامع العاقل أن يعتقد اتصاف جميع الناس بصفة من الصفات إلا واحدًا منهم لما هو معلوم بداهة من تعذر استقصاء كافة الناس حتى يحكم عليهم بإثبات أو نفي، كذلك إذا قلت في قصر الموصوف على الصفة قلبًا:"ما محمد إلا كاتب" تريد قصره على صفة الكتابة قصرًا حقيقيًّا حقيقة، بمعنى إثبات الكتابة له، دون غيرها من سائر الصفات، كان مقتضى ذلك أن المخاطب قد اعتقد العكس أي اعتقد ثبوت جميع الصفات "لمحمد" إلا الكتابة، وهذا أيضًا غير متأت لما علم بالبداهة: من تعذر الإحاطة بصفات الشيء، حتى يمكن الحكم بثبوت شيء منها ونفي ما عداه، وهكذا يقال في قصري الإفراد والتعيين. اهـ.
الثاني: علمت مما تقدم: أن قصر الإفراد هو ما يخاطب به من يعتقد الشركة أي اشتراك شيئين أو أشياء في أمر واحد كما مثلنا سابقًا وحينئذ.
يشترط: في قصر الموصوف على الصفة إفرادًا، إلا يتنافى الوصفان ليتأتى اعتقاد المخاطب اشتراكهما في موصوف واحد، فيرد عليه حينئذ بقصر الإفراد أي بأنه متصف بأحد الوصفين دون الآخر، فإذا قلت مثلًا "ما علي إلا شاعر" وجب أن تكون الصفة المراد نفيها: كونه خطيبًا أو كاتبًا، لا كونه مفحمًا، أي لا يقول الشعر إذ الإقحام ينافي الشاعرية فلا يتأتى اعتقاد اجتماعهما في موصوف واحد. ا. هـ.
1 إنما قلنا ذلك لإمكان القصر الحقيقي الادعائي.