المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

4- فضل هذه الأمة وكرامتها على الأمم قبلها. 5- فضل الكتابي - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ٢

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌(82)

- ‌(87)

- ‌(97)

- ‌(101)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(109)

- ‌(112)

- ‌(116)

- ‌ الأنعام

- ‌1

- ‌(12)

- ‌(20)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(46)

- ‌(68)

- ‌(71)

- ‌(74)

- ‌(80)

- ‌(84)

- ‌(88)

- ‌(91)

- ‌(93)

- ‌(95)

- ‌(100)

- ‌(111)

- ‌(118)

- ‌(122)

- ‌(129)

- ‌(136)

- ‌(145)

- ‌(148)

- ‌(151)

- ‌(154)

- ‌(158)

- ‌(161)

- ‌ 1

- ‌(6)

- ‌(11)

- ‌(23)

- ‌(26)

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(35)

- ‌(44)

- ‌(48)

- ‌(52)

- ‌(55)

- ‌(57)

- ‌(70)

- ‌(73)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(88)

- ‌(94)

- ‌(96)

- ‌(109)

- ‌(113)

- ‌(117)

- ‌(130)

- ‌(134)

- ‌(138)

- ‌(146)

- ‌(150)

- ‌(155)

- ‌(158)

- ‌(163)

- ‌(167)

- ‌(171)

- ‌(179)

- ‌(182)

- ‌(187)

- ‌(194)

- ‌(199)

- ‌الأنفال:

- ‌1

- ‌(5)

- ‌(9)

- ‌(15)

- ‌(27)

- ‌(30)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(55)

- ‌(67)

- ‌(70)

- ‌ 1:

- ‌(9)

- ‌(13)

- ‌(19)

- ‌(23)

- ‌(25)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(44)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(53)

- ‌(60)

- ‌(64)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(79)

- ‌(81)

- ‌(84)

- ‌(86)

- ‌(91)

- ‌(93)

- ‌(97)

- ‌(100)

- ‌(103)

- ‌(117)

- ‌(124)

- ‌1

- ‌ يونس

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌(31)

- ‌(40)

- ‌(45)

- ‌(49)

- ‌(54)

- ‌(59)

- ‌(62)

- ‌(65)

- ‌(68)

- ‌(71)

- ‌(79)

- ‌(88)

- ‌(90)

- ‌(93)

- ‌(94)

- ‌(98)

- ‌(101)

- ‌(104)

- ‌(108)

- ‌ هود

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(18)

- ‌(32)

- ‌(35)

- ‌(40)

- ‌(50)

- ‌(58)

- ‌(61)

- ‌(69)

- ‌(74)

- ‌(77)

- ‌(81)

- ‌(84)

- ‌(87)

- ‌(91)

- ‌(100)

- ‌(103)

- ‌(114)

- ‌(120)

- ‌ يوسف

- ‌(1)

- ‌4

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(19)

- ‌(26)

- ‌(39)

- ‌(43)

- ‌(47)

- ‌(53)

- ‌(58)

- ‌(73)

- ‌(101)

- ‌(102)

- ‌(110)

الفصل: 4- فضل هذه الأمة وكرامتها على الأمم قبلها. 5- فضل الكتابي

4-

فضل هذه الأمة وكرامتها على الأمم قبلها.

5-

فضل الكتابي إذا أسلم. وحسن إسلامه.

6-

بيان مصير الكافرين والمكذبين وهو خلودهم في نار جهنم.

7-

استعمال القرآن أسلوب الترغيب والترهيب بذكره الوعيد بعد الوعد.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ‌

(87)

وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ (88) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)

شرح الكلمات:

لا تحرموا: التحريم: المنع أي لا تمتنعوا.

مما أحل الله لكم: أي ما أباحه لكم وأذن لكم فيه من نكاح وطعام وشراب.

حلالاً طيباً: مباحاً غير مستقذر ولا مستخبث.

لا يؤاخذكم الله باللغو: لا يعاقبكم الله باللغو الذي هو ما كان بغير قصد اليمين.

عقدتم الأيمان: عزمتم عليها بقلوبكم بأن تفعلوا أو لا تفعلوا.

من أوسط: أغلبه ولا هو من أعلاه، ولا هو من أدناه.

أهليكم: من زوجة وولد.

ص: 7

تحرير رقبة: عتقها من الرق القائم بها.

يبين الله لكم آياته: المتضمنة لأحكام دينه من واجب وحلال وحرام.

معنى الآيات:

الآيتان الأولى (87) والثانية (88) نزلتا في بعض1 الصحابة منهم عبد الله بن مسعود وعثمان بن مظعون وغيرهما كانوا قد حضروا موعظة وعظهم إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة. وعزموا على التبتل والانقطاع عن الدنيا فأتوا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وسألوها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامه فكأنهم تقالّوا ذلك فقال أحدهم: أنا لا آتي النساء، وقال آخر: أنا أصوم لا أفطر الدهر كله وقال آخر: أنا أقوم فلا أنام، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطب الناس، وقال:"ما بال أقوام يقولون كذا وكذا وإني وأنا رسول الله لآكل اللحم، وأصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" ونزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات2 ما أحل الله لكم} من طعام وشراب ونساء، {ولا تعتدوا} بمجاوزة3 ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم فإن الله تعالى ربكم {لا يحب المعتدين} {وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً} أما الحرام فلا يكون رزقاً لكم، {واتقوا الله} أي خافوه بترك الغلوّ والتنطع المفضى بكم إلى الترهب ولا رهبانية في الإسلام. {الذي أنتم به مؤمنون} أي رباً يشرع فيحلل ويحرم، وإلهاً يطاع ويعبد، هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى والثانية أما الآية الثالثة وهي قوله تعالى:{لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} فقد نزلت لما قال أولئك الرهط من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم: "لقد حلفنا على ما عزمنا عليه من التبتل فماذا نصنع بأيماننا" فبين لهم تعالى ما يجب عليهم في أيمانهم لما حنثوا فيها بعدولهم عما حلفوا عليه فقال: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} وهو ما لا قصد للحلف فيه وإنما جرى لفظ اليمين على اللسان فقط نحو: لا والله أو بلى والله، ومثله أن

1 أخرج البخاري عن أنس قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته فلمّا أخبروا كأنّما تقالّوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له من ذنبه ما تقدّم وما تأخّر، فقال أحدهم أمّا أنا فإني أصلي الليل أبداً وقال آخر أمّا أنا فأصوم الدهر ولا أفطر وقال آخر أمّا أنا فأعتزل النساء ولا أتزوج أبداً فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أنتم الذين قلتم كذا وكذا أما والله إنّي لأخشاكم للَّه واتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".

2 قالت العلماء هذه الآية وما شابهها والأحاديث الواردة في معناها تردّ على غلاة المترهبين وأهل البطالة من المتصوفين، وقال الطبري لا يجوز لمسلم تحريم شيء مما أحل الله لعباده المؤمنين على نفسه من الطيبات.

3 إذا حرّم العبد على نفسه شيئاً لا يحرم عليه إلاّ امرأته فإنّها تحرم عليه بالطلاق.

ص: 8

يحلف على الشيء يظنه كذا فيظهر على خلاف ما ظن، {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} أي قصدتموها عازمين1 عليها، فمن حنث بعد الحلف فالواجب في حقه خروجاً من الإثم كفَّارة وهي {إطعام عشرة مساكين} لكل مسكين نصف صاع أي مدَّان2 من أعدل {ما تطعمون أهليكم} ما هو بالأجود الغالي، ولا بالأردأ الرخيص، {أو كسوتهم} كقميص وعمامة، أو إزار ورداء، {أو تحرير رقبة} أي عتق رقبة مؤمنة ذكراً كان أو أنثى صغيرة أو كبيرة فهذه الثلاثة المؤمن مخيّر في التكفير بأيها شاء، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام مفرقة أو متتابعة كما شاء هذا معنى قوله تعالى {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام} ، وقوله {ذلك كفارة أيمانكم} أي هذا الذي بين لكم هو ما تكفِّرون به ما علق بنفوسكم من إثم الحنث. وقوله {واحفظوا أيمانكم3} أي لا تكثروا الحلف فتحنثوا فتأثموا فتجب عليكم الكفارة لذلك. وقوله تعالى:{كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون} معناه مثل هذا التبيين الذي بينه لكم في مسألة الحنث في اليمين والكفارة له يبين لكم آياته المتضمنة لشرائعه وأعلام دينه ليعدكم بذلك لشكره بطاعته بفعل ما يأمركم به وترك ما ينهاكم عنه، فله الحمد والمنة.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

حرمة تحريم ما أباح الله، كحرمة تحليل ما حرم الله عز وجل.

2-

بيان مدى حرص الصحابة على طاعة الله خوفاً من عقابه وطمعاً في إنعامه.

3-

حرمة الغلو في الدين والتنطع فيه.

4-

بيان كفارة اليمين بالتفصيل.

1 هذا إذا لم يستثن بأن يقول إلاّ أن يشاء الله أمّا من استثنى فلا كفارة عليه إذ لا إثم مع الاستثناء ولابد للاستثناء من النطق يقول: إلاّ أن يشاء الله ولا يتم إلاّ بتحريك لسانه وشفتيه.

2 وفي الآية وجه آخر ذكره القرطبي وهو أن يبادر إلى إخراج الكفارة إذا حنث وهذا حفظها من النسيان ظاهر.

3 قال العلماء: الأيمان أربعة: يمينان يكفر فيهما إذا حنث ويمينان لا كفارة فيهما فالأوّلان أن يقول: والله لأفعلن كذا ثم يحنث والثاني أن يقول: والله لا أفعل كذا ويحنث، واللّذان لا كفارة فيهما: الأولى: لغو اليمين وهو أن يحلف على الشيء يظنه كذا فيظهر خلافه، والثانية: أن يجري على لسانه الحلف وهو غير قاصد نحو: لا والله، بلى والله، والخامسة: اليمين الغموس، وهو أن يحلف متعمّداً الكذب وكفّارتها التوبة لا غير وان كفّر مع التوبة فحسن.

ص: 9

5-

كراهة الإكثار من الحلف. وحرمة الحلف1 بغير الله تعالى مطلقاً.

6-

استحباب حنث من2 حلف على ترك مندوب أو فعل مكروه، وتكفيره على ذلك أما إذا حلف أن يترك واجباً أو يأتي محرماً فإن حنثه واجب وعيه الكفارة.

7-

الأيمان ثلاثة3: لغو: يمين لا كفارة لها إذ لا إثم فيها، الغموس4: وهي أن يحلف متعمداً الكذب ولا كفارة لها إلا التوبة، اليمين المكفَّرة: وهي التي يتعمد فيها المؤمن الحلف ويقصده ليفعل أو لا يفعل ثم يحنث فهذه التي ذكر تعالى كفارتها وبينها.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)

1 لحديث الترمذي: "من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر" وحديث الصحيح: "ألا إنّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت"..

2 لقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه".

3 هذا العدد مجمل وقد تقدم تفصيله وأنّ الأيمان خمسة.

4 أخرج البخاري "أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله إعرابي قائلاً يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله قال ثمّ ماذا؟ قال: عقوق الوالدين. قال: ثمّ ماذا؟ قال اليمين الغموس. قلت وما اليمين الغموس؟ قال: التي يقتطع بها مال امرىء مسلم هو فيها كاذب".

ص: 10

شرح الكلمات:

الخمر والميسر: الخمر1: كل مسكر كيفما كانت مادته وقلّت أو كثرت، والميسر: القمار. 2

والأنصاب: الأنصاب: جمع نصب. ما ينصب للتقرب به إلى الله أو التبرك به، أو لتعظيمه كتماثيل الرؤساء والزعماء في العهد الحديث.

الأزلام: جمع زلم: وهي عيدان يستقسمون بها في الجاهلية لمعرفة الخير من الشر والربح من الخسارة، ومثلها قرعة الأنبياء، وخط الرمل، والحساب بالمسبحة.

رجس: الرجس: المستقذر حساً كان أو معنى، إذ المحرمات كلها خبيثة وإن لم تكن مستقذرة.

من عمل الشيطان: أي مما يزينّه للناس ويحببه إليهم ويرغبهم فيه ليضلهم.

فاجتنبوه: اتركوه جانباً فلا تقبلوا عليه بقلوبكم وابتعدوا عنه بأبدانكم.

تفلحون: تكملون وتسعدون في دنياكم وآخرتكم.

ويصدكم: أي يصرفكم.

فهل أنتم منتهون: أي انتهوا فالاستفهام للأمر لا للإستخبار.

جناح فيما طعموا: أي إثم فيما شربوا من الخمر وأكلوا من الميسر قبل تحريم ذلك.

معنى الآيات:

لما نهى الله تعالى المؤمنين عن تحريم ما أحل الله تعالى لهم بَيَّنَ لَهُم ما حرَّمه عليهم ودعاهم إلى تركه واجتنابه لضرره بهم، وإفساده لقلوبهم وأرواحهم فقال تعالى:{يا أيها الذين3 آمنوا} أي يا من صدقتم بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً اعلموا {إنما الخمر والميسر

1 صحَّ عن عمر رضي الله عنه أنه خطب يوماً فقال: "أيّها الناس ألا إنّه قد نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة: من العنب والتمر، والعسل والحنطة والشعير" والخمر ما خامر العقل أي: ستره وغطّاه فأصبح المرء يهذي ويقول الخطأ والصواب.

2 ما دامت علّة التحريم في الخمر والميسر هي إثارة العداوة بين إخوة الإيمان، والصدّ وهو الإلهاء عن ذكر الله وعن الصلاة فإن كل ما ينشأ عنه إثارة العداوة والصدّ عن الذكر والصلاة فهو حرام.

3 هذه الآية نزلت بعد وقعة أحد وكانت في السنة الثالثة من الهجرة أي في آخرها ولكنها وقعت هنا في سورة المائدة بعد نزولها وهذه الآية هي الناسخة لإباحة الخمر ويروى في سبب نزولها أن ملاحاة كانت بين سعد بن أبي وقاص ورجل من الأنصار سببها شرب خمر في ضيافة لهم.

ص: 11

والأنصاب1 والأزلام رجس} أي سخط وقذر مما يدعو إليه الشيطان ويزيّنه للنفوس ويحسنه لها لترغب فيه، وهو يهدف من وراء ذلك إلى إثارة العداوة والبغضاء بين المسلمين الذين هم كالجسم الواحد. وإلى صدهم عن ذكر الله الذي هو عصمتهم وعن الصلاة التي هي معراجهم إلى الله ربهم، وآمرتهم بالمعروف وناهيتهم عن المنكر، ثم أمرهم بأبلغ أمر وأنفذه إلى قلوبهم لخطورة هذه المحرمات الأربع وعظيم أثرها في الفرد والمجتمع بالشر والفساد فقال:{فهل أنتم منتهون2؟!} وأمرهم بطاعته وطاعة رسوله وحذرهم من مغبة المعصية وآثارها السيئة فقال {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا} مغبة ذلك ثم أعلمهم أنهم إن تولوا عن الحق بعدما عرفوه فالرسول لا يضيره توليهم، إذ ما عليه إلا البلاغ المبين وقد بلّغ وأما هم فإن جزاءهم على توليهم سيكون جزاء الكافرين وهو الخلود في العذاب المهين. هذا معنى قوله:{وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأحذروا فإن توليتم فاعلموا3 أنما على رسولنا البلاغ المبين} وقوله تعالى في الآية الأخيرة (93){ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا4 وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين} فقد نزلت لقول بعض الأصحاب5 لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله ما بال الذين ماتوا من إخواننا وهم يشربون الخمر ويلعبون الميسر؟ " أي كيف حالهم فهل يؤاخذون أو يعفى عنهم فأنزل الله تعالى هذه الآية فأعلم أنهم ليس عليهم جناح أي إثم أو مؤاخذة فيما شربوا وأكلوا قبل نزول التحريم بشرط أن يكونوا قد اتقوا الله في محارمه وآمنوا به وبشرائعه، وعملوا الصالحات استجابة لأمره وتقرباً إليه. فكان رفع الحرج عليهم مقيداً بما ذكر. وقوله: {ثم اتقوا

} كما لا جناح6 على الأحياء فيما طعموا وشربوا قبل التحريم

1 ذكر الأنصاب والأزلام مع الخمر والميسر المقصود منه تأكيد التحريم وتقويته نظراً لما ألفته النفوس منهما، والمراد من تحريم الأنصاب تحريم عبادتها وصنعها، وبيعها

2 هذه الصيغة تستعمل للحث على الفعل إذا المأمور بدا عليه التراخي أو عدم الاهتمام مما أمر بفعله أو تركه. والفاء في {فهل أنتم} تفريع عن قوله: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم..} الآية، والمأمور بالانتهاء عنه هو الخمر والميسر فلذا يقدّر عنهما بعد {منتهون} .

3 {فاعلموا} جواب الشرط أي فإن توليتم عن طاعة الله والرسول فاعلموا أن توليكم لا يضر الرسول شيئا إنما على الرسول البلاغ وقد بلّغكم.

4 جملة: {ثم اتقوا وآمنوا} تأكيد لفظي لجملة: {إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات} .

5 يروى أن القائل: أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو سؤال إشفاق ورحمة على من مات وهو يشرب هذا المحرم.

6 الجناح، الإثم المترتب عن الجنح الذي هو الميل إلى المعصية وعدم الطاعة.

ص: 12

وبشرط الإيمان، والعمل الصالح والتقوى لسائر المحارم، ودوام الإيمان والتقوى والإحسان في ذلك بالإخلاص فيه لله تعالى.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

حرمة الخمر والقمار، وتعظيم الأنصاب والاستقسام بالأزلام.

2-

وجوب الانتهاء من تعاطي هذه المحرمات فوراً وقول انتهينا يا ربنا كما قال عمر رضي الله عنه.

3-

بيان علة تحريم شرب الخمر ولعب الميسر وهي إثارة العداوة والبغضاء بين الشاربين واللاعبين والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهما قوام حياة المسلم الروحية.

4-

وجوب طاعة الله والرسول والحذر من معصيتهما.

5-

وجوب التقوى حتى الموت ووجوب الإحسان في المعتقد والقول والعمل.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)

ص: 13

شرح الكلمات:

ليبلونكم: ليختبرونكم.

الصيد1: ما يصاد. 2

تناله أيديكم3: كبيض الطير وفراخه.

ورماحكم: جمع رمح، وما ينال به هو الحيوان على اختلافه.

ليعلم القه من يخافه بالغيب:: ليظهر الله تعالى بذلك الاختبار من يخافه بالغيب فلا يصيد.

فمن اعتدى (بعد التحريم) : بأن صاد بعد ما بلغه التحريم.

وأنتم حرم: جمع حرام والحرام: المُحرم لحج أو عمرة ويقال رجل حرام وامرأة حرام.

من النعم: النعم: الإبل والبقر والغنم.

ذوا عدل منكم: أي صاحبا عدالة من أهل العلم.

وبال أمره: ثقل جزاء ذنبه حيث صاد والصيد حرام.

وللسيارة: المسافرين يتزوّدون به في سفرهم. وطعام البحر ما يقذف به إلى الساحل.

معنى الآيات:

ينادي الرب تبارك وتعالى عباده المؤمنين ليعلمهم مؤكداً خبره بأنه يبلوهم اختباراً لهم ليظهر4 المطيع من العاصي فقال: {يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب} فحرم عليهم تعالى الصيد وهم حرم ثم ابتلاهم بوجوده بين أيديهم بحيث تناله أيديهم ورماحهم بكل يسر وسهولة على نحو ما ابتلى به بني إسرائيل في تحريم الصيد يوم السبت فكان السمك يأتيهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا يأتيهم كذلك بلاهم ربهم بما كانوا يفسقون بيد أن المسلمين استجابوا لربهم

1 أُذن للمحرم ولمن في الحرم في قتل ما يؤذي كالحية والعقرب، والغراب والفأرة وكل ما يؤذي كالأسد والنمر والذئب والفهد لقوله صلى الله عليه وسلم:"خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحدأة".

2 الصيد مصدر صاد بصيد صيداً وأطلق المصدر على اسم المفعول: المصيد فقالوا: صيدٌ.

3 قوله: {تناله أيديكم} يريد صغار الصيد، وفراخه وبيضه. {ورماحكم} هو كبار الصيد الذي لا يؤخذ باليد ولكن بآلة الصيد.

4 أي ليظهر ذلك لهم إقامة للحجة عليهم أما هو سبحانه وتعالى فعلمه بذلك أزلي سابق.

ص: 14

وامتثلوا أمره، على خلاف بني إسرائيل فإنهم عصوا وصادوا فمسخهم قردة خاسئين. وقوله تعالى {فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} ، أي فمن صاد بعد هذا التحريم فله عذاب أليم هذا ما دلت عليه الآية الأولى (94) . أما الآية الثانية (95) وهي قوله تعالى:{يا أيها1 الذين آمنوا لا تقتلوا2 الصيد وأنتم حرم} فأكد لهم تحريم الصيد وبين لهم ما يترتب على ذلك من جزاء فقال {ومن قتله منكم متعمداً} فالحكم الواجب على من قتله جزاءً {مثل ما قتل من النعم} وهى الإبل والبقر والغنم {يحكم به ذوا عدل منكم} فالعدلان ينظران إلى الصيد وما يشبهه من النعم فالنعامة تشبه الجمل وبقرة الوحش تشبه البقرة، والغزال يشبه التيس وهكذا فإن شاء3 من وجب عليه بعير أو بقرة أو تيس أن يسوقه إلى مكة الفقراء الحرم فليفعل وأن شاء اشترى بثمنه طعاماً وتصدق به، وإن شاء صام بدل كل نصف صاع يوماً لقوله تعالى:{هدياً بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما} وقوله تعالى: {ليذوق وبال أمره} أي ثقل جزاء مخالفته وقوله تعالى: {عفا الله عما سلف} أي ترك مؤاخذتكم على ما مضى، وأما مستقبلاً فإنه تعالى يقول:{ومن عاد فينتقم4 الله منه والله عزيز ذو انتقام} ومعناه أنه يعاقبه على معصيته ولا يحول دون مراده تعالى حائل ألا فاتقوه واحذروا الصيد وأنتم حرم، هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الثالثة (96) فقد أخبر تعالى بعد أن حرم على المؤمنين الصيد وهم حرم وواجب الجزاء على من صاد. أخبر أنه امتناناً منه عليهم أحل لهم صيد البحر أي ما يصيدونه من البحر وهم حرم كما أحل لهم طعامه وهو ما يقذفه البحر من حيوانات5 ميتة على ساحله {متاعا لكم وللسيارة} وهم المسافرون يتزودون به في سفرهم ويحرم عليهم صيد البر ما داموا حرماً، وأمرهم بتقواه أي بالخوف من عقوبته فيلزموا طاعته بفعل ما أوجب وترك ما حرم، وذكرهم بحشرهم جميعاً إليه يوم القيامة للحساب والجزاء فقال:{واتقوا الله الذي إليه تحشرون} .

1 روي أن أبا اليسر عمرو بن مالك الأنصاري قتل حمار وحش وهو محرم بعمرة عام الحديبية فنزلت هذه الآية.

2 القتل لغة: إفاتة الروح وهو أنواع منها النحر، والذبح، والخنق، والرضخ وشبهه.

3 قالت العلماء: ما يجزىء من الصيد شيئان دواب وطير فيجزىء ما كان من الدواب بنظيره في الخلقة والصورة ففي النعامة بدنه والطير: القيمة إلا الحمام ففيه شاة.

4 الجمهور أنّ مَنْ صاد ودفع الجزاء ثمّ صاد كلما صاد لزمه الفداء، وبعض أهل العلم يرى أنه لا يحكم عليه بشيء ويترك لله تعالى ويقال له: ينتقم الله منك.

5 مذهب مالك حلية ميتة البحر مطلقا لحديث: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وحديث العنبر.

ص: 15