المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يَصِفُونَ ‌ ‌(100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ٢

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌(82)

- ‌(87)

- ‌(97)

- ‌(101)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(109)

- ‌(112)

- ‌(116)

- ‌ الأنعام

- ‌1

- ‌(12)

- ‌(20)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(46)

- ‌(68)

- ‌(71)

- ‌(74)

- ‌(80)

- ‌(84)

- ‌(88)

- ‌(91)

- ‌(93)

- ‌(95)

- ‌(100)

- ‌(111)

- ‌(118)

- ‌(122)

- ‌(129)

- ‌(136)

- ‌(145)

- ‌(148)

- ‌(151)

- ‌(154)

- ‌(158)

- ‌(161)

- ‌ 1

- ‌(6)

- ‌(11)

- ‌(23)

- ‌(26)

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(35)

- ‌(44)

- ‌(48)

- ‌(52)

- ‌(55)

- ‌(57)

- ‌(70)

- ‌(73)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(88)

- ‌(94)

- ‌(96)

- ‌(109)

- ‌(113)

- ‌(117)

- ‌(130)

- ‌(134)

- ‌(138)

- ‌(146)

- ‌(150)

- ‌(155)

- ‌(158)

- ‌(163)

- ‌(167)

- ‌(171)

- ‌(179)

- ‌(182)

- ‌(187)

- ‌(194)

- ‌(199)

- ‌الأنفال:

- ‌1

- ‌(5)

- ‌(9)

- ‌(15)

- ‌(27)

- ‌(30)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(55)

- ‌(67)

- ‌(70)

- ‌ 1:

- ‌(9)

- ‌(13)

- ‌(19)

- ‌(23)

- ‌(25)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(44)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(53)

- ‌(60)

- ‌(64)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(79)

- ‌(81)

- ‌(84)

- ‌(86)

- ‌(91)

- ‌(93)

- ‌(97)

- ‌(100)

- ‌(103)

- ‌(117)

- ‌(124)

- ‌1

- ‌ يونس

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌(31)

- ‌(40)

- ‌(45)

- ‌(49)

- ‌(54)

- ‌(59)

- ‌(62)

- ‌(65)

- ‌(68)

- ‌(71)

- ‌(79)

- ‌(88)

- ‌(90)

- ‌(93)

- ‌(94)

- ‌(98)

- ‌(101)

- ‌(104)

- ‌(108)

- ‌ هود

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(18)

- ‌(32)

- ‌(35)

- ‌(40)

- ‌(50)

- ‌(58)

- ‌(61)

- ‌(69)

- ‌(74)

- ‌(77)

- ‌(81)

- ‌(84)

- ‌(87)

- ‌(91)

- ‌(100)

- ‌(103)

- ‌(114)

- ‌(120)

- ‌ يوسف

- ‌(1)

- ‌4

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(19)

- ‌(26)

- ‌(39)

- ‌(43)

- ‌(47)

- ‌(53)

- ‌(58)

- ‌(73)

- ‌(101)

- ‌(102)

- ‌(110)

الفصل: يَصِفُونَ ‌ ‌(100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ

يَصِفُونَ ‌

(100)

بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)

شرح الكلمات:

شركاء: جمع شريك في عبادته تعالى.

الجن: عالم كعالم الإنس إلا أنهم أجسام خفية لا ترى لنا إلا إذا تشكلت بما يُرى.

وخرقوا: اختنقوا وافتاتوا.

يصفون: من صفات العجز بنسبة الولد والشريك إليه.

بديع السموات والأرض: مبدع خلقهما حيث أوجدهما على غير مثال سابق.

أنى يكون له ولد: أي كيف يكون له ولد؟ كما يقول المبطلون.

ولم تكن له صاحبة: أي زوجة.

لا تدركه الأبصار: لا تراه في الدنيا، ولا تحيط به في الآخرة.

وهو يدرك الأبصار: أي محيط علمه بها.

وهو اللطيف: الذي ينفذ علمه إلى بواطن الأمور وخفايا الأسرار فلا يحجبه شيء.

معنى الآيات:

لقد جاء في الآيات السابقة من الأدلة والبراهين العقلية ما يبهر العقول ويذلها لقبول التوحيد، وأنه لا إله إلا الله، ولا رب سواه، ولكن مع هذا فقد جعل الجاهلون لله من

ص: 98

الجن شركاء فأطاعوهم فيما زينوا لهم من عبادة الأصنام والأوثان، وهذا ما أخبر به تعالى في هذه الآية الكريمة (100) إذ قال {وجعلوا لله شركاء الجن1 وخلقهم2 وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون} ومعنى الآية وجعل العادلون بربهم الأصنام والجن شركاء لله في عبادته، وذلك بطاعتهم فيما زينوا لهم من عبادة الأصنام، والحال أنه قد خلقهم فالكل مخلوق له العابد والمعبود من الجن والأصنام، وزادوا في ضلالهم شوطاً آخر حيث اختلقوا له البنين والبنات وهذا كله من تزيين الشياطين لهم وإلا فأي معنى في أن يكون لخالق العالم كله بما فيه الإنس والجن والملائكة أبناء وبنات. هذا ما عناه تعالى بقوله:{وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون} فنزه الرب تبارك وتعالى نفسه عما وصفوه به كذباً بحتاً وتخرّصاً كاملاً من أن له بنين وبنات وليس لهم على ذلك أي دليل علمي لا عقلي ولا نقلي، وقد شارك في هذا الباطل العرب المشركون حيث قالوا الملائكة بنات الله، واليهود حيث قالوا عزير ابن الله، والنصارى إذ قالوا المسيح ابن الله، تعالى الله عما يقول المبطلون. هذا ما تضمنته الآية الأولى أما الآية الثانية (101) فقد تضمنت إقامة الدليل الذي لا يرد على بطلان هذه الفرية المنكرة فرية نسبة الولد لله سبحانه وتعالى، فقال تعالى:{بديع السموات والأرض} أي خالقهما على غير مثال سابق {أنى3 يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} أي يا للعجب كيف يكون لله ولد ولم تكن له زوجة إذ التوالد يكون بين ذكر وأنثى لحاجة إليه لحفظ النوع وكثرة النسل لعمارة الأرض بل ولعبادة الرب تعالى بذكره وشكره، أما الرب تعالى فهو خالق كل شيء ورب كل شيء فأي معنى لاتخاذ ولد له، لولا تزيين الشياطين للباطل حتى يقبله أولياؤهم من الإنس، وقوله تعالى:{وهو بكل شيء عليم} دليل آخر على بطلان ما خرق أولئك الحمقى لله من ولد، إذ لو كان لله ولد لعلمه وكيف لا، وهو بكل شيء عليم. هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الثالثة (102)

1 صور اتخاذهم الجن شركاء ثلاث الأولى: أنهم أطاعوا الجن فجعلوهم بطاعتهم لهم شركاء لله إذ المطاع الحق هو الله تعالى:

والثانية: قولهم الملائكة بنات الله مع عبادتهم لهم فذلك معنى جعلوا لله شركاء الجن لأن الملائكة لا يرون كالجن قال تعالى {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا} فسمى الملائكة جناً لاجتنابهم واستتارهم عن عيون الناس والثالثة: أن الزنادقة قالوا الله خالق الماء والنور والدواب والأنعام وإبليس خالق الظلمة والسباع والحيات والعقارب.

2 قوله تعالى وخلقهم يصح عود الضمير فيه على العادلين كما في التفسير ويصح عوده على الجن الذين اتخذوهم شركاء لله يعبدونهم معه.

3 أي من أين يكون له ولد والولد لا يكون إلاّ من صاحبة أي زوجة.

ص: 99

وهي قوله تعالى: {ذلكم الله ربكم لا اله إلا هو خالق كل شيء1} أي ذلكم الله الذي هو بديع السموات والأرض والخالق لكل شيء والعليم بكل شيء هو ربكم الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه ولا تشركوا به سواه. وإنه لكفيل برزقكم وحفظكم ومجازاتكم على أعمالكم وهو على كل شيء قدير. والآية الأخيرة في السياق الكريم (153) يقرر تعالى حقيقة كبرى وهى أن الله تعالى مباين لخلقه في ذاته وصفاته ليس كمثله شيء فكيف يشرك به وكيف لكون له ولد، وهو لا تدركه الأبصار2 وهو يدركها وهو اللطيف3 الذي ينفذ علمه وقدرته في كل ذرات الكون علويِّه وسفليِّه الخبير بكل خلقه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وهو العزيز الحكيم.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

أن من الإنس من عبد الجن بطاعتهم وقبول ما يأمرونهم به ويزينونه لهم.

2-

تنزه الرب تعالى عن الشريك والصاحبة والولد 3- مباينة الرب تبارك وتعالى لخلقه.

4-

استحالة رؤية الرب في الدنيا4، وجوازها في الآخرة لأوليائه في دار كرامته.

قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ

1 هذا أكبر برهان على بطلان نسبة الولد له تعالى إذ كل شيء خلقه فهل من خلق شيئاً يقال لمن خلقه ولده؟ لو صح هذا لقالوا لكل من صنع شيئاً هو أبو والمصنوع ولده ولا قائل بهذا البتة.

2 لا تدركه الأبصار بمعنى لا تحيط به ولذا يراه أولياؤه في الجنة رؤية بصرية فينظرون إلى وجهه الكريم وأما رؤيته تعالى فمتعذرة في الحياة الدنيا إذ طلبها موسى ولم ينلها لعجز الإنسان عن رؤية الله تعالى بهذه الأبصار المحدودة القدرة والطاقة.

3 روي في الصحيحين ما يفيد تعذر رؤية الله في الدنيا لضعف الإنسان فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع الله عمك النهار قبل الليل، وعمل الليل قبل النهار حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

4 وفسر اللطيف بالرفيق بعباده واللطيف من أسماء الله تعالى. ولذا هو يلطف بعباده. كما هو للطفه لا يدرك بالكيفية، واللطيف في الأجسام الذي يدخل في كل شيء.

ص: 100

الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ (107)

شرح الكلمات:

بصائر من ربكم: البصائر جمع بصيرة: والمراد بها هنا الآيات المعرفة بالحق المثبتة له بطريق الحجج العقلية فهي في قوة العين المبصرة لصاحبها.

حفيظ: وكيل مسئول.

نصرف الآيات: نجريها في مجاري مختلفة تبياناً للحق وتوضيحاً للهدى المطلوب.

وليقولوا درست: أي تعلمت وقرأت لا وحياً أوحي إليك.

وأعرض عن المشركين: أي لا تلتفت إليهم وامضِ في طريق دعوتك.

ولو شاء الله ما أشركوا: أي لو شاء أن يحول بينهم وبين الشرك حتى لا يشركوا لَفَعَل وما أشركوا.

معنى الآيات:

ما زال السياق في طلب هداية المشركين وبيان الطريق لهم ففي هذه الآية يقول {قد جاءكم} أي أيها الناس {بصائر من1 ربكم} وهي آيات القرآن الموضحة لطريق النجاة {فمن أبصر} بها وهي كالعين المبصرة {فلنفسه} إبصاره إذ هو الذي ينجو ويسعد {ومن عمي} فلم يبصر فعلى نفسه عماه إذ هي التي تهلك وتشقى وقل لهم يا رسولنا {ما أنا عليكم بحفيظ} أي بوكيل مسئول عن هدايتكم، وفي الآية الثانية (105) يقول تعالى:{وكذلك2 نصرف الآيات} أي بنحو ما صرفناها من قبل في هذا القرآن نصرفها كذلك لهداية مريدي الهداية والراغبين3 فيها أما غيرهم فسيقولون درست4 وتعلمت من غيرك حتى يحرموا الإيمان

1 قد جاءكم بصائر أي حجج وبينات ووصفها بالمجيء لتضخيم شأنها واكباره.

2 كذلك الكاف في محل نصب أي مثل أي نصرف الآيات: مثل ذلك التصريف.

3 وهم المذكورون في الآية ولنبيننه لقوم يعلمون.

4 قرىء دَارست أي ذاكرت أهل الكتاب وتعلمت عنهم ولم يوح إليك شيء واللام في قوله وليقولوا درست هي لام العاقبة كما يقال كتب فلان هذا الكتاب لحتفه، وفي القرآن {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} .

ص: 101

بك وبرسالتك والعياذ بالله تعالى، وفي الآية الثالثة (106) يأمر الله تعالى رسوله باتباع ما يوحى إليه من الحق والهدى، والإعراض عن المشركين المعاندين الذين يقولون درست حتى لا يأخذوا بما آتيتهم به ودعوتهم إليه من آيات القرآن الكريم إذ قال تعالى له:{اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين1} ، وفي الآية الرابعة (107) يسلي الرب تعالى رسوله ويخفف عنه آلام إعراض المشركين عن دعوته ومحاربته فيها فيقول له:{ولو شاء الله ما أشركوا} 2 أي لو يشاء الله عدم إشراكهم لما قدروا على أن يشركوا إذا فلا تحزن عليهم، هذا أولاً، وثانياً {وما جعلناك عليهم حفيظاً} تراقبهم وتحصي عليهم أعمالهم وتجازيهم بها، وما أرسلناك عليهم وكيلا تتولى هدايتهم بما فوق طاقتك {إن عليك إلا البلاغ} وقد بلغت إذاً فلا أسى ولا أسف!!

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

آيات القرآن بصائر من يأخذ بها يبصر طريق الرشاد وينجو ويسعد.

2-

ينتفع بتصريف الآيات وما تحمله من هدايات العالمون لا الجاهلون وذلك لقوله تعالى في الآية الثانية (105){ولنبينه لقوم يعلمون} .

3-

بيان الحكمة في تصريف الآيات وهي هداية من شاء الله هدايته.

4-

وجوب اتباع الوحي المتمثل في الكتاب والسنة النبوية.

5-

بيان بطلان مذهب القدرية "نفاة القدر".

وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (108) وَأَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ

1 هذا منسوخ بآية الجهاد.

2 في الآية دليل على إبطال مذهب القدرية وهم نفاة القدر والزاعمون أن أفعال العباد لم تقدر عليهم وإنما هم الخالقون لهَا بدون إذن الله وإرادته.

ص: 102

لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)

شرح الكلمات:

ولا تسبوا: ولا تشتموا آلهة المشركين حتى لا يسبوا الله تعالى.

عدواً: ظلماً.

زينا لكل أمة عملهم: حسناه لهم خيراً كان أو شراً حتى فعلوه.

جهد أيمانهم: أي غاية اجتهادهم في حلفهم بالله.

آية: معجزة كإحياء الموتى ونحوها.

وما يشعركم: وما يدريكم

ونذرهم: نتركهم.

يعمهون: حيارى يترددون.

معنى الآيات:

عندما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبح يصدع بالدعوة جهراً بعد ما كانت سراً أخذ بعض أصحابه يسبون أوثان المشركين، فغضب لذلك المشركون وأخذوا يسبون الله تعالى إله المؤمنين وربهم فنهاهم تعالى عن ذلك أي عن سب آلهة المشركين بقوله:{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله} أي لا تسبوا آلهتهم {فيسبوا1 الله عدواً2} أي ظلماً واعتداء بغير علم، إذ لو علموا جلال الله وكماله لما سبوه، وقوله تعالى:{وكذلك زينا لكل أمة عملهم} بيان منه تعالى لسنته في خلقه وهي أن المرء إذا أحب شيئاً ورغب فيه وواصل ذلك الحب وتلك الرغبة يصبح زيناً له ولو كان في الواقع شيئاً ويراه حسناً وإن كان في حقيقة الأمر

1 قال ابن عباس رضي الله عنهما: قالت كفار قريش لأبي طالب إما أن تنهى محمداً وأصحابه عن سب آلهتنا والغضّ منها وإما أن نسب إلهه ونهجوه. فنزلت الآية وهذا الحكم باق إلى نهاية الحياة فإن كان سب المؤمن الكافر يؤدي إلى سب الله تعالى أو رسوله فلا يحل للمؤمن أن يسب الكافر أو دينه.

2 وقرىء عُدوا بضم العين والدال ومعنى القراءتين واحد وهو الجهل والاعتداء الذي هو الظلم.

ص: 103

قبيحاً، ومن هنا كان دفاع المشركين عن آلهتهم الباطلة من هذا الباب فلذا لم يرضوا أن تسب لهم وهددوا الرسول والمؤمنين بأنهم لو سبوا آلهتهم لسبوا لهم آلهتهم وهو الله تعالى، وقوله تعالى {ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون} يخبر تعالى أن مرجع الناس المزين لهم أعمالهم خيرها وشرها ورجوعهم بعد نهاية حياتهم إلى الله ربهم فيخبرهم بأعمالهم ويطلعهم عليها ويجزيهم بها الخير بالخير والشر بالشر. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (108) وأما الآيتان الثانية (109) والثالثة (110) فقد أخبر تعالى أن المشركين أقسموا1 بالله أبلغ إيمانهم وأقصاها أنهم إذا جاءتهم آية كتحويل جبل الصفا إلى ذهب آمنوا عن آخرهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته واتبعوه على دينه الذي جاء به، قال هذا رؤساء المشركين، والله يعلم أنهم إذا جاءتهم الآية لا يؤمنون، فأمر رسوله أن يرد عليهم قائلاً:{إنما الآيات عند الله} هو الذي يأتي بها إن شاء أما أنا فلا أملك ذلك. إلا أن المؤمنين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم رغبوا في مجيء الآية حتى يؤمن المشركون وينتهي الصراع الدائر بين الفريقين فقال تعالى لهم: {وما يشعركم2} أيها المؤمنون {أنها إذا جاءت3 لا يؤمنون} أي وما يدريكم أن الآية لو جاءت لا يؤمن بها المشركون؟ وبين علة عدم إيمانهم فقال: {ونقلب أفئدتهم} فلا تعي ولا تفهم {وأبصارهم} فلا ترى ولا تبصر. فلا يؤمنون كما لم يؤمنوا بالقرآن أول مرة لما دعوا إلى الإيمان به {ونذرهم في طغيانهم يعمهون} أي ونتركهم في شركهم وظلمهم حيارى يترددون لا يعرفون الحق من الباطل ولا الهداية من الضلال.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

حرمة قول أو فعل ما يتسبب4 عنه يسب الله ورسوله.

2-

بيان سنة الله في تزيين الأعمال لأصحابها خيراً كانت أو شراً.

3-

بيان أن الهداية بيد الله تعالى وأن المعجزات قد لا يؤمن عليها من شاهدها.

1 في هذا دليل الموادعة والأخذ بمبدأ سد الذرائع.

2 كان المشركون يحلفون بآلهتهم، وإذا حلفوا بالله كان ذلك أقصى أيمانهم وأشدها. وهنا مسألة لو قال المرء الأيمان تلزمه ثم حنث فإن عليه إطعام ثلاثين مسكيناً لأن أقل الجمع ثلاثة، وإن لم يكن له مال صام تسعة أيام..

3 الإشعار مصدر أشعره إذا أعلمه بأمر من شأنه أن يخفى ويدق.

4 قرئت إنها بكسر الهمزة على الاستئناف فيكون الكلام قد انتهى عند قوله وما يشعركم ويكون المعنى وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت ثم قال إنها إذا جاءت لا يؤمنون. فذكر علة عدم إيمانهم بقوله ونقلب أفئدتهم وأبصارهم.

ص: 104