الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى ذلك العذاب الشديد الذي أذاقهم بكفرهم فقال: {بما كانوا يكفرون} 1 أي يجحدون كمال الله وغناه فنسبوا إليه الولد والشريك.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
كفر من ينسب إلى الله تعالى أي نقص كالولد والشريك أو العجز مطلقاً.
2-
كل دعوى لا يقيم لها صاحبها برهاناً قاطعاً وحجة واضحة فلا قيمة لها ولا يحفل بها.
3-
أهل الكذب على الله كالدجالين والسحرة وأهل البدع والخرافات لا يفلحون ونهايتهم الخسران.
4-
لا ينبغي للمؤمن أن يغتر بما يرى عليه أهل الباطل والشر من المتع وسعة الرزق وصحة البدن فإن ذلك متاع الحياة الدنيا، ثم يؤول أمرهم إلى خسران دائم.
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ
(71)
فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَاّ عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73)
شرح الكلمات:
واتل عليهم نبأ نوح: أي اقرأ على المشركين نبأ نوح أي خبره العظيم الخطير.
1 الباء في {بما كانوا يكفرون} للتعليل الذي هو السببيّة أي: بسبب كفرهم، إذ الكفر خبث نفوسهم فاستوجبوا النار وعذابها.
كبر عليكم مقامي: أي عظم عليكم مقامي بينكم أدعو إلى ربي.
فأجمعوا أمركم: أي اعزموا عزماً أكيداً.
غمّة: أي خفاء ولبساً لا تهتدون منه إلى ما تريدون.
ثم اقضوا إلي: أي انفذوا أمركم.
ولا تنظرون: أي ولا تمهلون رحمة بي أو شفقة علي.
فإن توليتم: أي أعرضتم عما أدعوكم إليه من التوحيد.
في الفلك: أي في السفينة.
خلائف: أي يخلف الآخر الأول جيلاً بعد جيل.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في طلب هداية المشركين بالرد على دعاواهم وبيان الحق لهم وفي هذه الآيات يأمر الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليهم طرفاً من قصة نوح مع قومه المشركين الذين كانت حالهم كحال مشركي العرب سواء بسواء وفي قراءة هذا القصص فائدتان الأولى تسلية الرسول وحمله على الصبر، والثانية تنبيه المشركين إلى خطإهم، وتحذيرهم من الاستمرار على الشرك والعصيان فيحل بهم من العذاب ما حل بغيرهم قال تعالى:{واتل عليهم نبأ نوح} 1 أي خبره العظيم الشأن وهو قوله لهم {يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي} 2 أي عظم وشق عليكم وجودي بينكم أدعوكم إلى الله، وتذكيري إياكم بآيات الله، فإني3 توكلت على الله فأجمعوا أمركم أي اعزمرا عزماً أكيداً وادعوا أيضاً شركاءكم للاستعانة بهم، ثم أحذركم أن يكون أمركم عليكم غمة أي4 خفياً ملتبساً عليكم فيجعلكم تترددون في إنفاذ ما عزمتم عليه، ثم اقضوا5 إليَّ ما تريدون من قتلي أو نفعي ولا
1 {اتل} فعل أمر حذفت منه الواو لبنائه على حذفها إذ ماضيه تلا ومضارعه يتلو، والأمر: اتل بمعنى اقرأ، والتلاوة: موالاة الكلمات والقراءة جمعها.
2 المقام: بفتح القاف، موضع القيام، والمُقام بالضمّ الإقامة، ومعنى كبُر: ثقل وعظم.
3 هذه الجملة {فعلى الله توكلت} هي جواب الشرط الذي هو: فان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله التي هي دلائل فضله ودلائل وحدانيته تعالى.
4 الغمّة والغمَ بمعنى واحد، ومعناه التغطية والستر ومنه: غم الهلال إذا استتر، قال الشاعر:
لعمرك ما أمري عَليّ بغمّة
…
نهاري ولا ليلي عليَّ بسرمد
وأصل الغمّ: مشتق من الغمامة، وكل أمر مبهم ملتبس فهو غمّة.
5 أي: أنفذوا ما حكتم به عليَّ من قتلي إن أردتم ذلك.
تنظرون أي لا تؤخروني أي تأخير. وقوله تعالى: {فإن توليتم} أي أعرضتم عن دعوتي وتذكيري ولم تقبلوا ما أدعوكم إليه من عبادة الله تعالى وحده، فما سألتكم عليه من أجر أي ثواب، حتى تتولوا. إن أجري إلا على ربي الذي أرسلني وكلفني. وقد أمرني أن أكون من المسلمين له قلوبهم ووجوههم وكل أعمالهم فأنا كذلك كل عملي له فلا أطلب أجراً من غيره قال تعالى:{فكذبوه} أي دعاهم واستمر في دعائهم إلى الله زمناً غير قصير وكانت النهاية: أن كذبوه، ودعانا لنصرته فنجيناه ومن معه من المؤمنين في السفينة وجعلناهم خلائف1 لبعضهم بعضاً أي يخلف الآخر الأول، وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا التي أرسلنا بها عبدنا نوحاً فانظر يا رسولنا كيف كان عاقبة المنذرين الذين لم يقبلوا النصح ولم يستجيبوا للحق إنها عاقبة وخيمة إذ كانت إغراقاً في طوفان وناراً في جهنم وخسراناً قال تعالى في سورة نوح:{مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا ناراً فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تسلية الدعاة بمثل موقف نوح العظيم إذ قال لقومه: أجمعوا أمركم ونفذوا ما تريدون إني توكلت على الله.
2-
ثمرة التوكل شجاعة واطمئنان نفس وصبر وتحمل مع مضاء عزيمة.
3-
دعوة الله لا ينبغي أن يأخذ الداعي عليها أجراً إلا للضرورة.
4-
بيان سوء عاقبة المكذبين بعد إنذارهم وتحذيرهم.
ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَآؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (75)
1 جمع خليفة وهو اسم لمن يخلف غيره.
فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78)
شرح الكلمات:
بالبينات: أي بالحجج الواضحات على صدق دعوتهم، وما يدعون إليه من توحيد الله تعالى.
نطبع: الطبع على القلب عبارة عن تراكم الذنوب على القلب حتى لا يجد الإيمان إليه طريقاً.
المعتدين: الذين تجاوزوا الحد في الظلم والاعتداء على حدود الشرع.
الحق.: الآيات التي جاء بها موسى عليه السلام وهي تسع.
لتلفتنا: لتصرفنا وتحول وجوهنا عما وجدنا عليه آباءنا.
الكبرياء: أي العلو والسيادة والملك على الناس.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى طرفاً من قصة نوح عليه السلام وأبرز فيها مظهر التوكل على الله تعالى من نوح ليُقتدى به، ومظهر نصرة الله تعالى لأوليائه وهزيمته أعدائه ذكر هنا سنة من سننه في خلقه وهي أنه بعث من بعد نوح رسلاً كثيرين1 إلى أممهم فجاؤوهم بالبينات أي بالحجج والبراهين على صدقهم وصحة ما جاءوا به ودعوا إليه من توحيد الله، فما كان أولئك الأقوام ليؤمنوا بما كذب به من سبقهم من أمة نوح. قال تعالى: {كذلك نطبع على2
1 كهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وغيرهم.
2 {نطبع} نختم، إذ الختم والطبع واحد، والطبع يكون بالخاتم.
قلوب المعتدين} هذا بيان سنة الله تعالى في البشر وهي أن العبد إذا أذنب وواصل الذنب بدون توبة يصبح الذنب طبعاً من طباعه لا يمكنه أن يتخلى عنه، وما الذنب إلا اعتداء على حدود الشارع فمن اعتدى واعتدى وواصل الاعتداء حصل له الطبع وكان الختم على القلب فيصبح لا يقبل الإيمان ولا يعرف المعروف ولا ينكر المنكر. وقوله تعالى:{ثم بعثنا من بعدهم موسى وهرون} 1 أي من بعد الأمم الهالكة بعثنا رسولينا موسى وهرون ابني عمران إلى فرعون وملئه بآياتنا المتضمنة الدليل على صحة مطلب رسولينا وهو توحيد الله وإرسال بني إسرائيل معهما، {فاستكبروا} أي فرعون وملؤه {وكانوا قوماً مجرمين} حيث أفسدوا القلوب2 والعقول وسفكوا الدماء وعذبوا الضعفاء يقول تعالى عنهم {فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن هذا لسحر مبين} أي لما بهرتهم المعجزات وهي آيات موسى وأبطلت إفكهم قالوا إن هذا لسحر مبين تخلصاً من الهزيمة التي لحقتهم، فرد موسى عليهم بقوله {أتقولون للحق لما جاءكم} هذا سحر3 ثم بعد توبيخهم استدل على بطلان قولهم بكونه انتصر عليهم فأفلح بينهم وفاز عليهم فقال:{أسحر هذا ولا يفلح الساحرون} فلو كان ما جئت به سحراً فكيف أفلحت في إبطال سحركم وهزيمة سحرتكم. فلما أفحمهم بالحجة قالوا مراوغين: {أجئتنا لتلفتنا} أي تصرفنا {عما وجدنا عليه آباءنا، وتكون لكما الكبرياء في الأرض} أي وتكون لكما السيادة والملك في أرض مصر فسلكوا مسلك الاتهام السياسي. وقالوا {وما نحن لكما بمؤمنين} أي بمصدقين ولا متبعين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
بيان سنة الله في البشر وهي أن التوغل في الشر والفساد والظلم يوجب الختم على
1 أي: من بعد الرسول والأمم إذ لكل امّة رسول.
2 أفسدوا القلوب بالشرك والكفر والعقول بالسحر والأباطيل وسفكوا الدماء بقتل ذكران بني إسرائيل الصغار (المواليد) .
3 مفعول {أتقولون} محذوف لدلالة الكلام عليه وهو: إن هذا لسحر مبين وتقدير الكلام أنهم لما قالوا في الآيات لسحر مبين رد عليهم موسى بقوله: أتقولون للحق لما جاءكم هذا. أسحر هذا؟ أي كيف يكون هذا الذي جئتكم به من الآيات سحراً؟ والساحر لا يفلح وقد أفلحت فبطل أن يكون ما جئتكم به من الآيات سحراً للحق: اللام يسميهم بعضهم لام المجاوزة فهي بمعنى عن أي: تقولون عن الحق كذا. والظاهر أنها لام التعليل.