الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
بيان سنة الله تعالى في إهلاك الأمم.
3-
إذا رأيت الأمة قد فسقت عن أمر ربها ورسوله فعوقبت فلم تتعظ بالعقوبة واستمرت على فسقها وبسط الله تعالى لها في الرزق وأغدق علبها الخيرات فاعلم أنها قد استدرجت للهلاك وأنها هالكة لا محالة.
4-
شؤم الظلم هلاك الظالمين.
5-
الإرشاد إلى حمد الله تعالى عند نهاية كل عمل، وعاقبة كل أمر.
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيات ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ
(46)
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَاّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَاّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآياتنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (49)
شرح الكلمات:
أرأيتم: أخبروني وفي هذه الصيغة نوع من التعجب.
أخذ سمعكم وأبصاركم: أي أصمكم وأعماكم.
وختم على قلوبكم: جعلها لا تعي ولا تفهم.
نصرف الآيات: ننوع الأساليب لزيادة البيان والإيضاح.
يصدفون: يعرضون.
بغتة أو جهرة: بغتة: بدون إعلام ولا علامة سابقة، والجهرة: ما كان بإعلام وعلامة تدل عليه.
هل يهلك: أي ما يهلك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في دعوة العادلين بريهم الأصنام والأوثان إلى التوحيد فقال تعالى لنبيه يلقنه الحجج التي تبطل باطل المشركين {قل أرأيتم} أي أخبروني يا قوم {إن أخذ الله1 سمعكم} وجعلكم صماً لا تسمعون وأخذ {أبصاركم} فكنتم عمياً لا تبصرون {وختم على قلوبكم} أي طبع عليها فأصبحتم لا تعقلون ولا تفهمون. أي إله غير الله يأتيكم بالذي أخذ الله منكم؟ والجواب لا أحد، إذاً فكيف تتركون عبادة من يملك سمعكم وأبصاركم وقلوبكم ويملك كل شيء فيكم وعندكم، وتعبدون مالا يملك من ذلكم من شيء؟ أي ضلال أبعد من هذا الضلال! ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم {انظر} يا رسولنا {كيف2 نصرف الآيات} .
أي ننوع أساليبها زيادة في بيانها لإظهار الحجة بها {ثم هم يصدفون} أي يعرضون عادلين بربهم مالا يملك نفعاً ولا ضراً ثم أمره في الآية الثانية (47) أن يقول لهم وقد أقام الحجة عليهم في الآية الأولى (46) قل لهم {أرأيتكم} أي أخبروني3 {إن أتاكم عذاب الله} وقد استوجبتموه بصدوفكم عن الحق وإعراضكم عنه {بغتة4} أي فجأة بدون سابق علامة، {أو جهرة} بعلامة تقدمته تنذركم به أخبروني من يهلك منا ومنكم؟ {هل يهلك إلا القوم الظالمون} 5 بصرف العبادة إلى هن لا يستحقها وترك من وجبت له وهو الله الذي لا إله إلا هو ثم عزى الرحمن جل جلاله رسوله بقوله:{وما نرسل المرسلين إلا مبشرين6 ومنذرين} أي ما نكلفهم بغير حمل البشارة بالنجاة ودخول الجنة لمن آمن وعمل صالحاً والنذارة لمن كفر وعمل سوءاً، فقال تعالى:{فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} {والذين
1 الأخذ: انتزاع الشيء، وتناوله من مقره وهو هنا بمعنى السلب والإعدام.
2 هذا التعجيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من عدم تأثرهم بما عاينوا من الآيات الباهرة، أي: انظر كيف نكررها ونلونها من أسلوب إلى آخر تارة نوردها بمقدمات عقلية وأخرى بأسلوب الترغيب والترهيب، والتنبيه والتذكير.
3 وهذا تبكيت آخر غير الأول لهم.
4 وفُسّر بغتة وجهرة بليلا ونهارا والكل صالح وصحيح.
5 الاستفهام في قوله: {هل يهلك..} الخ للتقرير وحصر الهلاك في أهل الظلم تسجيلا عليهم الظلم وإيذاناً بأن هلاكهم كان سبب ظلمهم الذي هو وضعهم الشرك موضع التوحيد والكفر موضع الإيمان.
6 {مبشرين ومنذرين} حالان مقدرتان من المرسلين أي ما نرسلهم إلاّ مقدرين تبشيرهم وإنذارهم وفيهما معنى التعليل للإرسال والتبشير: الأصل فيه الإخبار بالأمر السار، والإنذار: الإخبار بالخبر الضار دنيويا أو أخرويا. والمراد هنا لكل من البشارة والنذارة نعيم الآخرة وعذابها.
كذبوا بآياتنا} التي نرسل نجا المرسلين فلم يؤمنوا ولا يعملوا صالحا {يمسهم العذاب} 1 عذاب النار {بما كانوا يفسقون} بسبب فسقهم عن طاعتنا وطاعة رسلنا الفسق الذي أثمره لهم التكذيب بالآيات، إذ لو آمنوا بآيات الله لما فسقوا عن طاعته وطاعة رسوله فشؤمهم في تكذيبهم، وذلك جزاؤهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
افتقار العبد إلى الله في سمعه وبصره وقلبه وفي كل حياته موجب عليه عبادة الله وحده دون سواه.
2-
هلاك الظالمين لا مناص منه عاجلاً أو آجلاً.
3-
بيان مهمة الرسل وهي البشارة لمن أطاع والنذارة من عصى والهداية والخيرات على الله تعالى.
4-
الفسق عن طاعة الله ورسوله ثمرة التكذيب، والطاعة ثمرة الإيمان.
قُل لَاّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50) وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ
1 أي: العذاب الذي أنذروا به وهو عاجل كعذاب الدنيا أو آجل وهو عذاب الآخرة.
عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)
شرح الكلمات:
خزائن: جمع خزانة أو خزينة ما يخزن فيه الشيء ويحفظ.
الغيب: ما غاب عن العيون وكان محصلاً في الصدور وهو نوعان غيب حقيقي وغيب إضافي والحقيقي مالا يعلمه إلا الله تعالى، والإضافي ما يعلمه أحد ويجهله آخر.
أنذر به: خوّف به أي بالقرآن.
الغداة: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والعشي من صلاة العصر إلى غروب الشمس.
فتطردهم: أي تبعدهم من مجلسك.
فتنا: ابتلينا بعضهم ببعض الغني بالفقير، والشريف بالوضيع.
من الله علينا: أي أعطاهم الفضل فهداهم إلى الإسلام في دوننا.
بالشاكرين: المستوجبين لفضل الله ومنته بسبب إيمانهم وصالح أعمالهم.
معنى الآيات:
مازال السياق مع العادلين بربهم الأصنام المنكرين للنبوة المحمدية فأمر الله تعالي رسوله أن يقول لهم: {لا أقول لكم عندي خزائن الله1} أي خزائن الأرزاق {ولا أعلم الغيب} أي ولا أقول لكم إني أعلم الغيب، {ولا أقول لكم إني ملك} من الملائكة ما أنا إلا عبد رسول أتبع ما يوحي2 إليّ ربي فأقول وأعمل بموجب وحيه إليّ. ثم قال له اسألهم قائلاً {هل
1 هذا ردّ على المشركين في اقتراحاتهم المتعددة المتنوعة فأمر تعالى رسوله أن يرد عليهم بأنه لا يملك خزائن الله التي فيها الأرزاق حتى يعطيهم ما يطلبون ويقترحون، ولا هو يعلم الغيب حتى يخبرهم بموعد العذاب الذي ينتظرهم، ولا هو ملك يقدر على مالا يقدر عليه البشر، وإنما هو بشر يوحى إليه الخبر من ربّه فيخبر به ويعمل به ليس غير.
2 هذا غير ناف لاجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وكثيرا ما يجتهد وقد يقيس على المنصوص عنه، ولكنه لا يقرّ على غير الحق وما يرضي الرب عز وجل.
يستوي الأعمى1 والبصير؟} والجواب لا، فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر، والمهدي والضال {أفلا تتفكرون} أي مالكم لا تتفكرون فتهتدوا للحق وتعرفوا سبيل النجاة. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (50) أما الآية الثانية (51) فإن الله تعالى يأمر رسوله أن ينذر بالقرآن المؤمنين العاصين فقال {وأنذر2 به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم} يوم القيامة وهم مذنبون، وليس لهم من دون الله ولي ولا شفيع3 فهؤلاء ينفعهم إنذارك بالقرآن أما الكفرة المكذبون فهم كالأموات لا يستجيبون وهذا كقوله تعالى من سورة ق {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} فهؤلاء إن أنذرتهم يرجى لهم أن يتقوا معاصي الله ومعاصيك أيها الرسول وهو معنى قوله تعالى:{لعلهم يتقون} . هذا ما تضمنته الآية الثانية (51) أما الآية الثالثة (52) وهي قوله تعالى {ولا تطرد4 للذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، يريدون وجهه} فإن بعض المشركين في مكة اقترحوا على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعد من مجلسه فقراء المؤمنين كبلال وعمار وصهيب حتى يجلسوا إليه ويسمعوا عنه فهمَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفعل رجاء هداية أولئك المشركين فنهاه الله تعالى عن ذلك بقوله {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} في صلاة الصبح، وصلاة العصر، يريدون وجه الله ليرضى عنهم ويقربهم ويجعلهم من أهل ولايته وكرامته، ومبالغة في الزجر عن هذا الهم قال تعالى:{ما عليك من حسابهم من شيء} أي ما أنت بمسؤول عن خطاياهم إن كانت لهم خطايا، ولا هم بمسئولين عنك فلم تطردهم إذاً؟ {فتطردهم5 فتكون من الظالمين} أي فلا تفعل، ولم يفعل صلى الله عليه وسلم وصبر عليهم وحبس نفسه معهم وفي الآية الأخيرة (53) يقول تعالى:{وكذلك فتنا بعضهم ببعض} 6
1 في هذا الخطاب الاستفهامي إيماء إلى المفارقة التامة الحاصلة من المؤمنين والكافرين، وأن الكافرين عمي والمؤمنين بصراء، والمؤمنون مهتدون، والكافرون ضالّون، فما لهم لا يتفكرون لعلهم يخرجون من ظلمة كفرهم.
2 وأنذر به أي: بالقرآن وقيل بيوم القيامة، وكونه القرآن أولى وأصح لقوله تعالى:{فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد} .
3 في الآية دليل على إبطال شفاعة الأصنام لعابديها، والأولياء للمشركين ممن يذبحون لهم وينذرون كما فيها إبطال لزعم أهل الكتاب القائلين نحن أبناء الله وأحباؤه فسوف يشفع لنا الأب، إذ شرط صحة الشفاعة يوم القيامة أن يأذن الله لمن يشفع وأن يرضى بنجاة المشفوع له.
4 روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم اطرد هؤلاء عنك لا يجترئون علينا وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدّث نفسه فأنزل الله عز وجل: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم
…
} الآية.
5 في الآية دليل على عدم جواز تعظيم الرجل لجاهه وثوبه وعدم احتقار الرجل لخموله ورثاثة ثوبه.
6 الفتنة: الاختبار أي: عاملناهم معاملة المختبر لهم فأغنينا بعضا وأفقرنا بعضا واللاّم في قوله تعالى: {ليقولوا} هي لام العاقبة أي: ليقول أغنياء وأشراف المشركين مشيرين إلى فقراء المؤمنين: أهؤلاء من الله عليهم بأن وفقهم لإصابة الحق دوننا، ونحن الرؤساء وهم العبيد.
أي هكذا ابتلينا بعضهم ببعض هذا غني وذاك فقير، وهذا وضيع وذاك شريف، وهذا قوي وذاك ضعيف ليؤول الأمر ويقول الأغنياء الشرفاء للفقراء الضعفاء من المؤمنين استخفافاً بهم واحتقاراً لهم: أهؤلاء الذين من الله عليهم بيننا بالهداية والرشد قال تعالى: {أليس الله بأعلم بالشاكرين} . بلى فالشاكرون هم المستحقون لإنعام الله بكل خير وأما الكافرون فلا يعطون ولا يزادون لكفرهم النعم، وعدم شكرهم لها.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم.
2-
تقرير مبدأ أن الرسول لا يعلم الغيب، وأنه لا يتصرف في شيء من الكون.
3-
نفي مساواة المؤمن والكافر إذ المؤمن مبصر والكافر أعمى.
4-
استحباب مجالسة أهل الفاقة وأهل التقوى والإيمان.
5-
بيان الحكمة في وجود أغنياء وفقراء وأشراف ووضعاء، وأقوياء وضعفاء وهي الاختبار.
6-
الشاكرون مستوجبون لزيادة النعم، والكافرون مستوجبون لنقصانها وذهابها.
وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ1 رَّحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ قُل لَاّ أَتَّبِعُ
1 قرئ {فأنه غفور} بالفتح أنّه وقرئ بكسرها على الاستئناف، أمّا على الفتح ففي توجيهه رأيان، الأوّل أن يكون في موضع رفع على الابتداء كأنّه قال: فله أنه غفور رحيم أي: فله غفران الله، والثاني: أن يضم مبتدأ تكون أنّ وما وعملت فيه خبره، فأمره غفران الله له، وهذا الأخير أولى من الأول.
أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (58) قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)
شرح الكلمات:
سلام عليكم: دعاء بالسلامة من كل مكروه، وهي تحية المؤمنين في الدنيا وفي الآخرة في الجنة.
كتب ربكم على نفسه الرحمة: أي أوجب الرحمة على نفسه فلذا لا يعذب إلا بعد الإنذار، ويقبل توبة من تاب.
سوءاً: أي ذنباً أساء به إلى نفسه.
بجهالة: الجهالة أنواع منها: عدم تقدير عاقبة الذنب، ونسيان عظمة الرب.
تستبين: تتضح وتظهر.
نهيت: أي نهاني ربي أي زجرني عن عبادة أصنامكم.
تدعون: تعبدون.
بينة: البينة: الحجة الواضحة العقلية الموجبة للحكم بالفعل أو الترك.
إن الحكم: أي ما الحكم إلا لله.
يقص الحق: أي يخبر بالحق.
خير الفاصلين: الفصل في الشيء: القضاء والحكم فيه، والفاصل في القضية: الحاكم فيها ومنهيها.
معنى الآيات:
يرشد الله تبارك وتعالى رسوله إلى الطريقة المثلى في الدعوة إليه، بعد أن نهاه عن الطريقة التي هم بها وهي طرد المؤمنين من مجلسه ليجلس الكافرون رجاء هدايتهم فقال تعالى:
{وإذا جاءك الذين1 يؤمنون بآياتنا} أي يصدقون بنبوتك وكتابك وما جئت به من الدين الحق فهؤلاء رحب بهم وقل2 سلام عليكم ومهما كانت ذنوبهم التي ارتكبوها، وأخبرهم أن ربهم تعالى قد كتب3 على نفسه الرحمة فلا يخافون ذنوبهم بعد توبتهم وإنابتهم إلى ربهم بالإيمان به وتوطين النفس على طاعته، {أنه من عمل منكم سوءً4 بجهالة ثم تاب من بعده} أي أقلع عن الذنب نادماً مستغفراً، وأصلح نفسه بالصالحات فإن ربه غفور رحيم فسيغفر له ويرحمه. هكذا يستقبل كل عبد جاء مؤمناً مستفتياً يسأل عن طريق النجاة يستقبل بالبشر والطلاقة والتحية والسلام لا بالعنف والتقريع والتوبيخ. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (54) أما الآية الثانية (55) فإنه تعالى بعد أن نهى رسوله عن الاستجابة لاقتراح المشركين المتكبرين، وعن طرد المؤمنين وعن حكمته في وجود أغنياء وفقراء وأقوياء وضعفاء في الناس وعن الطريقة المثلى في استقبال التائبين المستفتين بعد هذا كله قال تعالى:{وكذلك نفصل الآيات} أي مثل هذا التفصيل نفصل الآيات مستقبلاً لبيان الهداية الإلهية ليهتدي من أراد الله له الهداية وقد طلبها ورغب فيها، ولتستبين5 وتتضح سبيل المجرمين، فلا تُتبع وَيَنْهى عن اتباعها، لأنها طريق الهلاك والدمار. هذا ما أفادته الآية الثانية أما الآيات الثالثة والرابعة والخامسة في هذا السياق فهي تحمل الهداية الإلهية للرسول صلى الله عليه وسلم في طريق دعوته إلى ربه فكل آية من تلك الآيات مفتتحة بكلمة (قل) أي قل أيها الرسول لأولئك المشركين الذين يدعونك إلى موافقتهم على شركهم وعبادة غيري معهم {أني نهيت} أي نهاني ربي أن أعبد ما تدعون6 من الأصنام والأوثان، وقل لهم: لا أتبع أهواءكم في عبادة غير الله تعالى الموروثة لكم عن آبائكم الضلال مثلكم إني إن فعلت أكون قد
1 روي عن الفضل بن عباس قول: جاء قوم من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا إنّا قد أصبنا من الذنوب فاستغفر لنا فأعرض عنهم فنزلت الآية، وروي عن أنس بن مالك مثله.
2 أي: سلمكم الله في دينكم وأنفسكم، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بدأهم بالسلام وقال:"الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرني أن أبدأهم بالسلام ".
3 كتب: بمعنى أوجب ذلك على نفسه بفضله ورحمته، وكتبه في اللوح المحفوظ فالكتابة على بابها إذاً.
4 {سوءا} أي خطيئة من غير إرادة تحدي شرع الله وانتهاك حرماته وإنما ضعفاً منه وعدم قدرة على التغلب على طبعه وشهوته وميل هواه.
5 قرىء: {ليستبين} بالياء والتاء فقراءة التاء يكون الخطاب فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي: ولتستبين يا رسولنا سبيل المجرمين، وخطاب النبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته، وإذا بان سبيل المجرمين فقد بان سبيل المؤمنين وقراءة الياء ليستبين سبيل المجرمين، فسبيل مرفوع على الفاعلية.
6 أطلق لفظ الدعاء وأريد به العبادة، لأنّ الدعاء هو العبادة ومخها أيضاً لما في الدعاء من مظاهر العبودية لله تعالى ومظاهر أسمائه وصفاته عز وجل.
ضللت1 إذاً وما أنا من المهتدين إلى سبل الفوز والفلاح. وقل: {إني على بينة من ربي} أي على علم يقيني من وجوب الإيمان بالله ووجوب توحيده وطاعته ووجوب الدعوة إلى ذلك، وكذبتم أنتم بهذا كله وبالعذاب إذ أنذرتكم به وأنا ما عندي ما تستعجلون به من العذاب، ولو كان عندي لحل بكم وانتهى أمركم، ولكن الحكم لله ليس لأحد غيره وقد قص عليكم أخبار السابقين المطالبين2 رسلهم بالعذاب ورأيتم كيف حل بهم العذاب، {والله يقص3 الحق وهو خير الفاصلين} فإذا أراد أن يحكم بيني وبينكم فإنه نعم الحكم والعدل وهو خير الحاكمين. وقل لهم يا رسولنا {لو أن عندي ما تستعجلون به} من العذاب {لقضي الأمر بيني وبينكم} بتدمير الظالم منا، {والله أعلم بالظالمين} ، ولا يهلك غيرهم لأنهم المستوجبون للعذاب بظلمهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
وجوب الرفق والتلطف بالمستفتين وعدم الشدة والغلظة عليهم.
2-
إتباع أهواء أهل الأهواء والباطل يضل ويهلك.
3-
على المسلم الداعي إلى ربه أن يكون على علم كاف بالله تعالى وبتوحيده ووعده ووعيده وأحكام شرعه.
4-
وجوب الصبر والتحمل مما يلقاه الداعي من أهل الزيغ والضلال من الاقتراحات الفاسدة.
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَاّ يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَاّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59)
1 قرئ {ضلَلِت} بفتح اللام وكسرها، وهما لغتان، فضلِلت: بكسر اللام لغة تميم، والفتح لغة الحجاز، وهي أفصح.
2 إذ أكثر أمم الوصل قالوا لرسلهم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قالتها عاد لنبيها هود وقالها قوم نوح لنوح عليه السلام.
3 أي: يقص القصص الحق، قال القرطبي بهذا استدل من منع المجاز في القرآن، وقرئ نقض بالضاد من القضاء ويدل عليه قوله بعد:{وهو خير الفاصلين} الفصل: القضاء والحكم.
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)
شرح الكلمات:
مفاتح الغيب: المفاتح: جمع1 مفتح بفتح الميم أي المخزن.
البر والبحر: البر ضد البحر، وهو اليابس من الأرض، والبحر ما يغمره الماء منها.
ورقة: واحدة الورق والورق للشجر كالسعف للنخل.
حبة: واحدة الحب من ذرة أو بر أو شعير أو غيرها.
ولا رطب: الرطب ضد اليابس من كل شيء.
في كتاب مبين: أي في اللوح المحفوظ كتاب المقادير.
يتوفاكم بالليل: أي ينيمكم باستتار الأرواح وحجبها عن الحياة كالموت.
جرحتم: أي كسبتم بجوارحكم من خير وشر.
ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى: أي يوقظكم لتواصلوا العمل إلى نهاية الأجل المسمى لكل.
حفظة: الكرام الكاتبين.
رسلنا: ملك الموت وأعوانه.
1 المفتاح والجمع مفاتيح، والمفتح: عبارة عن كل ما يحل مغلقاً محسوساً كالقفل للباب، أو معقولاً كالنظر. وفي الحديث:"إنّ من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر".
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى في نهاية الآية السابقة أنه أعلم بالظالمين المستحقين للعقوبة أخبر عز وجل أن الأمر كما قال ودليل ذلك أنه عالم الغيب والشهادة، إذ {عنده مفاتح الغيب1} أي خزائن الغيب وهو الغيب الذي استأثر بعلمه فلا يعلمه سواه2 ويعلم ما في البر والبحر وهذا من عالم الشهادة، إضافة إلى ذلك أن كل شيء كان أو يكون من أحداث العالم قد حواه كتاب له اسمه اللوح المحفوظ، وهو ما دل عليه قوله:{وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب3 ولا يابس إلا في كتاب مبين} وما كتبه قبل وجوده فقد علمه إذاً فهو عالم الغيب والشهادة إضافة إلى ذلك أن كل شيء كان أو يكون من أحداث العالم قد حواه كتاب له اسمه اللوح المحفوظ، وهو ما دل عليه قوله:{وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} وما كتبه قبل وجوده فقد علمه إذاً فهو عالم الغيب والشهادة أحصى كل شيء عدداً وأحاط بكل شيء علماً، فكيف إذاً لا يعبد ولا يرغب فيه ولا يرهب منه وأين هو في كماله وجلاله من أولئك الأموات من أصنام وأوثان.؟؟ هذا ما دلت عليه الآية الأولى (59) وأما الآية الثانية (65) فقد قررت ما دلت عليه الآية قبلها من قدرة الله وعلمه وحكمته فقال تعالى مخبراً عن نفسه {وهو الذي يتوفاكم4 بالليل} حال نومكم إذ روح النائم تقبض ما دام نائماً ثم ترسل إليه عند إرادة الله بعثه من نومه أي يقظته، وقوله {ثم يبعثكم فيه} أي في النهار المقابل لليل، وعلة هذا أن يقضى ويتم الأجل الذي حدده تعالى للإنسان يعيشه وهو مدة عمره طالت أو قصرت، وهو معنى قوله {ثم يبعثكم فيه ليُقضى أجل مسمى} وقوله تعالى {ثم إليه مرجعكم} لا محالة وذلك بعد نهاية الأجل، {ثم ينبئكم} بعلمه {بما كنتم تعملون} من خير وشر ويجازيكم بذلك وهو خير الفاصلين. وفي الآية الثالثة يخبر تعالى عن نفسه أيضاً تقريراً لعظيم سلطانه الموجب له بالعبادة والرغبة والرهبة إذ قال مخبراً عن نفسه {وهو القاهر فوق عباده} ، ذو القهر التام
1 روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلاّ الله: لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله" ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرّافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" والعرّاف الحازي والمنجم الذي يدعي علم الغيب، والمهنة: العرافة، وصاحبها عَرّاف. وفي مسلم عن عائشة أنها قالت سأل رسول الله أناس عن الكهانة فقال:"ليست بشيء. فقالوا يا رسول الله انهم يحدّثون أحياناً بشيء فيكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الكلمة الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليّه قرّ الدجاجة فيخلطون معها مائة كذبة".
2 روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية، والله تعالى يقول:{قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله} .
3 يطلق لفظ الرطب على الماء وما ينبت والحيّ، ولسان المؤمن، واليابس على ضد ذلك كالياس والتراب ومالا ينبت، ولسان الكافر لأنّه لا يذكر الله تعالى.
4 التوفي: استيفاء الشيء، وتوفي الميت: استوفى عدد أيام عمره، والنائم كأنه استوفى حركاته في اليقظة، والوفاة: الموت، واستوفى دينه: أخذه كاملاً.
والسلطان الكامل على الخلق أجمعين {ويرسل عليكم} أيها الناس {حفظة1} بالليل والنهار يكتبون أعمالكم وتحفظ لكم لتجزوا بها {حتى إذا جاء أحدكم الموت} لانقضاء أجله {توفته رسلنا} ملك الموت وأعوانه، {وهم لا يفرطون} أي لا يضيعون ولا يقصرون وأخيراً يقول تعالى مخبراً بالأمر العظيم إنه الوقوف بين يدي الرب تعالى المولى الحق الذي يجب أن يعبد دون سواه، وقد كفره أكثر الناس وعصوه، وفسقوا عن أمره وتركوا طاعته وأدهى من ذلك عبدوا غيره من مخلوقاته فكيف يكون حسابهم والحكم عليهم؟ والله يقول:{ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين2} .
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
بيان مظاهر القدرة والعلم والحكمة لله تعالى.
2-
استئثار الله تعالى بعلم الغيب.
3-
كتاب المقادير حوى كل شيء حتى سقوط الورقة من الشجرة وعلم الله بذلك.
4-
صحة إطلاق الوفاة على النوم، وبهذا فسر قوله تعالى لعيسى إني متوفيك.
5 -
تقرير مبدأ المعاد والحساب والجزاء.
قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ (64) قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم
1 الحفظة: جمع حافظ كالكتبة جمع كاتب، والمراد هنا: الملائكة الكرام الكاتبون وهم أربعة: ملكان بالليل، وملكان بالنهار، وخامس لا يفارق أبداً.
2 {أسرع الحاسبين} أي: لا يحتاج إلى فكرة وروية ولا عقد يدٍ.
بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (66) لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)
شرح الكلمات:
ينجيكم: يخلصكم مما تخافون.
تضرعاً وخفية: التضرع: الدعاء بتذلل وخفية بدون جهر بالدعاء.
من هذه: أي الهلكة.
من الشاكرين: المعترفين بفضلك الحامدين لك على فعلك.
كرب: الكرب: الشدّة الموجبة للحزن وألم الجسم والنفس.
تشركون: أي به تعالى بدعائهم أصنامهم وتقربهم إليها بالذبائح.
من فوقكم: كالصواعق ونحوها.
من تحت أرجلكم: كالزلزال والخسف ونحوها.
أو يلبسكم شيعاً: أي يخلط عليكم أمركم فتختلفون شيعاً وأحزاباً.
ويذيق بعضكم بأس بعض: أي يقتل بعضكم بعضاً فتذيق كل طائفة الأخرى ألم الحرب.
يفقهون: معاني ما نقول لهم.
وكذب به قومك: أي قريش.
الوكيل: صن يوكل إليه الشيء أو الأمر يدبره.
لكل نبأ مستقر: المستقر: موضع الاستقرار والنبأ: الخبر العظيم.
معنى الآيات:
ما زال السياق مع المشركين العادلين بربهم فيقول الله تعالى لرسوله قل لهم: {من ينجيكم من ظلمات البر1 والبحر} إذا ضل أحدكم طريقه في الصحراء ودخل عليه ظلام الليل، أو
1 ظلمات البر والبحر: كناية عن شدائدهما، يقال: يوم مظلم أي: شديد، وتقول العرب: يوم ذو كواكب وأنشد سيبويه.
بني أسد هل تعلمون بلادنا
…
إذا كان يوم ذو كواكب أشنعاً
وجمع الظلمات لتعددها إذ هي ظلمة البر وظلمة البحر وظلمة الليل وظلمة الغيم.
ركب البحر فغشيته ظلمة السحاب والليل والبحر واضطربت نفسه من الخوف يدعو من؟ إنه يدعو الله وحده لعلمه أنه لا ينجيه إلا هو يدعوه ويتضرع إليه جهراً وسراً قائلاً وعزتك لئن أنجيتنا من هذه الهلكة التي حاقت بنا لنكونن من الشاكرين لك. ثم إذا نجاكم استجابة لدعائكم وأمنتم المخاوف عدتم فجأة إلى الشرك به بدعاء غيره. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (63){قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفية، لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين} ، وفي الآية الثانية (64) يأمر الله تعالى رسوله أن يقول لهم جواباً لقوله من ينجيكم:{الله ينجيكم منها1} أي من تلك الحالة التي اضطربت لها نفوسكم وخشيتم فيها الهلاك وينجيكم أيضاً من كل كرب2، ثم مع هذا يا للعجب أنتم تشركون3 به تعالى أصنامكم. قل لهم يا رسولنا أن الله الذي ينجيكم من كل كرب هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من السماء فوقكم4، أو من الأرض تحتكم، أو يخلط عليكم أمركم فتتنازعوا فتختلفوا فتصبحوا شيعاً وطوائف وفرقاً متعادية يقتل بعضكم بعضاً، فيذيق بعضكم بأس بعض، ثم قال الله تعالى لرسوله انظر يا رسولنا كيف نفصل الآيات بتنويع الكلام وتوضيح معانيه رجاء أن يفقهوا معنى ما نقول لهم فيهتدوا إلى الحق فيؤمنوا بالله وحده ويؤمنوا بلقائه وبرسوله وما جاء به فيكملوا ويسعدوا وفي الآية (65) يخبر تعالى بواقع القوم: أنهم كذبوا بهذا القرآن وما أخبرهم به من الوعيد الشديد وهو الحق الذي ليس بباطل ولا يأتيه الباطل، ويأمر رسوله أن يقول لهم بعد تكذيبهم له {لست عليكم بوكيل} فأخاف من تبعة عدم إيمانكم وتوحيدكم {لكل نبأ مستقر5} وقد أنبأتكم بالعذاب على تكذيبكم وشرككم {وسوف تعلمون} ذلك يوم يحل بكم وقد استقر نبأه يوم بدر والحمد لله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
لا برهان أعظم على بطلان الشرك من أن المشركين يخلصون الدعاء لله تعالى في الشدة.
1 قرئ: {ينجّيكم} بالتشديد، و {ينجيكم} بالتخفيف، والمعنى واحد والفعل: يقال نجّاه من كذا وأنجاه من كذا.
2 الكرب: الغمّ يأخذ النفس ويقال فيه: رجل مكروب، والكربة مأخوذة منه.
3 هذه الجملة تحمل لهم التقريع والتوبيخ أي: ومع هذا الإنجاء الذي يحصل لكم من ربكم إذا أنتم مشركون يا للوقاحة والدناءة، وإلاّ فهم مشركون من قبل.
4 من فوقكم كالحجارة، والطوفان والصواعق ومن تحتكم كالخسف والرجفة.
5 {لكل نبأ} أي: خبر مستقر أي وقت يقع فيه مضمونه فلا يتقدّم ولا يتأخر.