الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
ليس من سنة الله تعالى في الناس أن يضل عباده قبل أن يبين لهم ما يجب عليهم عمله أو اتقاؤه.
4-
ليس للعبد من دون الله من ولي يتولاه ولا نصير ينصره ولذا وجبت ولاية الله بطاعته واللجوء إليه بالتوكل عليه.
النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ
(117)
وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لَاّ مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَاّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
شرح الكلمات:
المهاجرين: الذين هجروا ديارهم من مكة وغيرها ولحقوا برسول الله بالمدينة.
الأنصار: هم سكان المدينة من الأوس والخزرج آمنوا ونصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ساعة العسرة 1: هي أيام الخروج إلى تبوك لشدة الحر والجوع والعطش.
يزيغ قلوب: أي تميل عن الحق لشدة الحال وصعوبة الموقف.
الثلاثة الذين خلفوا: هم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية.
1 لفظ الساعة يطلق على ظرف الزمان يطول ويقصر فقد أطلق على يوم القيامة وأطلق على ستين دقيقة، والمراد بالساعة: أيام غزوة تبوك.
بما رحبت: أي على اتساعها ورحابتها.
أن لا ملجأ: أي إذ لا مكان للُّجوء فيه والهرب إليه.
الصادقين: في نياتهم وأقوالهم وأعمالهم والصدق ضد الكذب.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في أحداث غزوة تبوك وفي هذه الآيات الثلاث إعلان عن شرف وكرامة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه البررة من الأنصار والمهاجرة إذ قال تعالى {لقد تاب الله1 على النبي والمهاجرين والأنصار} أي أدامها (التوبة) وقبلها وقوله {الذين اتبعوه في ساعة العسرة} 2 أي عند خروجه إلى تبوك في الحر الشديد والفاقة الشديدة وقوله {من بعد ما كاد يزيغ قلوبك3 فريق منهم} وذلك لصعوبة الحال وشدة الموقف لقد عطشوا يوماً كما قال عمر رضي الله عنه كان أحدنا يذبح بعيره ويعصر فرثه فيشرب ماءه ويضع بعضه على كبده فخطر ببعض القوم خواطر كادت القلوب تزيغ أي تميل عن الحق ولكن الله تعالى ثبتهم فلم يقولوا سوءاً ولم يعملوه لأجل هذا أعلن الله تعالى في هذه الآيات عن كرامتهم وعلو مقامهم ثم تاب عليهم إنه هو التواب الرحيم وقوله {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية ومعنى خلفوا أرجئوا في البت في توبتهم إذ تقدم قوله تعالى {وآخرون مرجون لأمر الله} فقد تخلفت توبتهم خمسين يوماً {حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت4 وضاقت عليهم أنفسهم5 وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه} فصبروا على شدة ألم النفس من جراء المقاطعة التي أعلنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم انتظاراً لحكم الله لأنهم تخلفوا عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ولم يكن لهم عذر، فلذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم تقدم المخلفون فاعتذروا فقبل منهم رسول الله وتاب الله على المؤمنين منهم ولم يتقدم هؤلاء الثلاثة ليعتذروا خوفاً من الكذب فآثروا جانب
1 قال ابن عباس رضي الله عنهما كانت التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم لأجل إذنه للمنافقين في القعود دليله قوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} ؟ وعلى المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه.
(العسرة) صعوبة الأمر، قال جابر: اجتمع عليهم عسرة الظهر أي: (المركوب) وعسرة الزاد وعسرة الماء قال ابن عرفة: سمي جيش غزوة تبوك جيش العسرة: لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى الغزو في حمارة الغيظ فغلظ عليهم وعسر.
3 تدارك قلوبهم حتى لم تزغ، وتلك سنته مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب أمطر عليهم سحائب رحمته فأحيا قلوبهم.
4 {رحبت} بمعنى: اتسعت، وما: مصدرية، أي ضاقت عليهم الأرض برحبها: أي: على رحبها لأنهم كانوا مهجورين لا يكلمون ولا يعاملون حتى من اقرب الناس إليهم، وفي هذا دليل على مشروعية هجران أهل المعاصي حتى يتوبوا.
5 أي: ضاقت صدورهم بالهمّ.
الصدق فأذاقهم الله ألم المقاطعة ثم تاب عليهم وجعلهم مثلاً للصدق فدعا المؤمنين أن يكونوا معهم فقال {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} أي اتقوا الله بإتباع أوامره واجتناب نواهيه وكونوا من الصادقين1 في نياتهم وأقوالهم وأعمالهم تكونوا مع الصادقين في الآخرة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وسائر النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
بيان فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2-
بيان فضل غزوة العسرة على غيرها من الغزوات "وهي غزوة تبوك".
3-
بيان فضل الله على المؤمنين بعصمة قلوبهم من الزيغ في حال الشدة.
4-
بيان فضل كعب بن مالك وصاحبيه في صبرهم وصدقهم ولجوئهم إلى الله تعالى حتى فرج عليهم وتاب عليهم وكانوا مثالاً للصدق.
5-
وجوب التقوى والصدق في النيات والأقوال والأحوال والأعمال.
مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللهِ وَلَا يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلَاّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ
1 فسّر (الصادقين) : بأنهم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم قال ابن العربي: هذا القول هو الحقيقة والغاية التي إليها المنتهى.
وَادِيًا إِلَاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (121) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
شرح الكلمات:
ومن حولهم من الأعراب: وهم مزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم.
ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه: أي يطلبون لأنفسهم الراحة ولنفس رسول الله التعب والمشقة.
ظمأ.: أي عطش.
ولا نصب: أي ولا تعب.
ولا مخمصة: أي مجاعة شديدة.
يغيظ الكفار: أي يصيبهم بغيظ في نفوسهم يحزنهم.
نيلا: أي منالاً من أسر أو قتل أو هزيمة للعدو.
وادياً: الوادي: مسيل الماء بين جبلين أو مرتفعين.
لينفروا كافة.: أي يخرجوا للغزو والجهاد جميعاً.
طائفة.: أي جماعة معدودة.
ليتفقهوا في الدين: أي ليعلموا أحكام الدين وأسرار شرائعه.
ولينذروا قومهم: أي ليخوفوهم عذاب النار بترك العمل بشرع الله.
لعلهم يحذرون: أي عذاب الله تعالى بالعلم والعمل.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في آثار أحداث غزوة تبوك فقال تعالى {ما كان لأهل المدينة} 1
1 هذه الآية نزلت تحمل العتاب للمؤمنين أهل المدينة والأحياء المجاورة لها كمزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم على التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك.
أي سكانها من المهاجرين والأنصار {ومن حولهم من الأعراب} أي ومن النازلين حول المدينة من الأعراب كمزينة وجهينة وغفار وأشجع وأسلم {أن يتخلفوا عن رسول الله} إذا خرج إلى جهاد ودعا بالنفير العام وفي هذا عتاب ولوم شديد لمن تخلفوا عن غزوة تبوك وقوله {ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه} أي بأن يطلبوا لأنفسهم الراحة دون نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله {ذلك} أي النهي الدال عليه بصيغة ما كان لأهل المدينة وهي أبلغ من النهي بأداته (لا) لأنه نفي للشأن أي هذا مما لا ينبغي أن يكون أبداً. وقوله {بأنهم لا يصيبهم} بسبب أنهم لا يصيبهم {ظمأ} أي عطش {ولا نصب} أي تعب {ولا مخمصة} 1 أي جوع شديد في سبيل الله أي في جهاد أهل الكفر لإعلاء كلمة الإسلام التي هي كلمة الله {ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار} أي ولا يطأون أرضاً من أرض العدو يغتاظ لها العدو الكافر ويحزن {ولا ينالون من عدو} 2 أي لله تعالى {نيلاً} أي منالاً أي أسرى أو قتلى أو غنيمة منه أو هزيمة له {إلا كتب لهم به عمل صالح} فلهذا لا ينبغي لهم أن يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يفوتهم هذا الأجر العظيم. وقوله {إن الله لا يضيع أجر المحسنين} تعليل لتقرير الأجر وإثباته لهم إن هُم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحسنوا الصحبة والعمل وقول تعالى {ولا ينفقون نفقة} أي في سبيل الله الذي هو هنا الجهاد {صغيرة ولا كبيرة} أي قليلة ولا كثيرة {ولا يقطعون وادياً} ذاهبين إلى العدو أو راجعين {إلا كتب لهم} 3 أي ذلك المذكور من النفقة والسير4 في سبيل الله. وقوله تعالى {ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون} أي جزاء أحسن عمل كانوا يعملونه قبل خروجهم في سبيل الله. وقوله تعالى {فلولا نفر من كل فرقة} 5 أي قبيلة منهم طائفة أي جماعة {ليتفقهوا في الدين} بما
1 أصل المخمصة: ضمور البطن يقال: رجل خمص الباطن أي: ضامره وامرأة خمصانة.
2 يقال: نال الشيء يناله: إذا أصابه، فينالون: بمعنى يصيبون.
3 قال ابن عباس بكل روعة تنالهم في سبيل الله سبعون ألف حسنة. وجاء في الصحيح في شأن الخيل وفيه: "وأمّا التي هي له أجر فرجلٌ ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام في مرج أو روضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة إلا كتب عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات".
4 روى مسلم وأبو داود أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم وادياً إلا وهم معكم فيه قالوا يا رسول الله وكيف يكونون معنا وهم في المدينة؟ قال حبسهم العذر".
5 هذه الآية دليل على أن الجهاد فرض كفاية ولا يتعين إلا إذا عيّنة الإمام أو هاجم العدو دار قوم مؤمنين فيجب عليهم قتاله كافة كما هي نص في وجوب طلب العلم وهو بالرحلة الطويلة إليه. وفي الحديث "طلب العلم فريضة على كل مسلم" وهذا الحديث دليل على أن طلب العلم يكون فرض عين ويكون فرض كفاية.
يسمعون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعلمونه منه {ولينذروا قومهم} عواقب الشرك والشر والفساد {لعلهم يحذرون} ذلك فينجون من خزى الدنيا وعذاب الآخرة هذه الآية نزلت لما سمع المسلمون ورأوا نتائج التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لن نتخلف بعد اليوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً ولا نتخلف عن غزو ما حيينا فأنزل الله تعالى هذه الآية يرشدهم إلى ما هو خير وأمثل فقال {فلولا} أي فهلا نفر من كل فرقة منهم أي قبيلة أو حيّ من أحيائهم طائفة فقط وتبقى طائفة منهم بدل أن يخرجوا كلهم ويتركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فإن خروجهم على هذا النظام أنفع لهم فالذين يبقون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يخرجون معه إذا خرج يتفقهون في الدين لصحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والباقون هم في مهام دينهم أيضاً ودنياهم فإذا رجع أولئك المتفقهون علموا إخوانهم ما فاتهم من العلم وأسرار الشرع كما أن الذين ينفرون إلى الجهاد قد يشاهدون من نصر الله لأوليائه وهزيمته لأعدائه ويشاهدون أيضاً ضعف الكفار وفساد قلوبهم وأخلاقهم وسوء حياتهم فيعودون إلى إخوانهم فينذرونهم ما عليه أهل الكفر والفساد فيحذرون منه ويتجنبونه وفي هذا خير للجميع وهو معنى قوله تعالى {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} .
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1-
وجوب إيثار رسول الله صلى الله عليه وسلم على النفس بكل خير بل بالحياة كلها.
2-
بيان فضل السير في سبيل الله، وما فيه من الأجر العظيم.
3-
فضل الإحسان وأهله.
4-
تساوي فضل طلب العلم والجهاد على شرط النية الصالحة في الكل وطالب العلم لا ينال هذا الأجر إلا إذا كان يتعلم ليعلم فيعمل فيعلم مجاناً في سبيل الله والمجاهد لا ينال هذا الأجر إلا إذا كان لإعلاء كلمة الله خاصة.
5-
حاجة الأمة إلى الجهاد والمجاهدين كحاجتها إلى العلم والعلماء سواء بسواء.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)
شرح الكلمات:
آمنوا: أي بالله ورسوله ووعد الله ووعيده.
الذين يلونكم: أي يلون بلادكم وحدودها.
من الكفار: من: بيانية، أي الكافرين.
وليجدوا فيكم غلظة: أي قوة بأس وشدة مراس ليرهبوكم وينهزموا أمامكم.
مع المتقين: أي بنصره وتأييده والمتقون هم الذين اتقوا الشرك والمعاصي والخروج عن السنن الإلهية في النصر والهزيمة.
معنى الآية الكريمة:
لما طهرت الجزيرة من الشرك وأصبحت دار إسلام وهذا في أخريات حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك بعد غزوة تبوك أمر الله تعالى المؤمنين بأن يواصلوا الجهاد في سبيله بعد وفاة نبيه وأرشدهم إلى الطريقة التي يجب أن يتبعوها في ذلك وهي: أن يبدأوا بدعوة وقتال أقرب كافر منهم والمراد به الكافر المتاخم لحدودهم كالأردن أو الشام أو العراق مثلاً فيعسكروا على مقربة منهم ويدعونهم إلى خصلة من ثلاث: الدخول في دين الله الإسلام أو قبول حماية المسلمين لهم بدخولهم البلاد وضرب الجزية على القادرين منهم مقابل حمايتهم وتعليمهم وحكمهم بالعدل والرحمة الإسلامية أو القتال حتى يحكم الله بيننا وبينكم فإذا ضمت أرض هذا العدو إلى بلادهم وأصبحت لهم حدود أخرى فعلوا كما فعلوا أولاً وهكذا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، فتسعد البشرية في دنياها وآخرتها. وأمرهم أن يعلموا أن الله ما كلفهم بالجهاد إلا وهو معهم وناصرهم ولكن على شرط أن يتقوه في أمره ونهيه فهذا ما دلت عليه الآية الكريمة {يا أيها الذين آمنوا1 قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} 2 أي قوة بأس وشدة مراس في الحرب {واعلموا3 أن الله مع المتقين} أي بنصره وتأييده.
1 توجيه الخطاب للذين آمنوا دون النبي صلى الله عليه وسلم فيه إيماء إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يغزو لله بعد ذلك وأن أجله الشريف قد اقترب، وفعلا فإنه صلى الله عليه وسلم ما غزا بعد تبوك وإنما حجّ حجة الوداع وبعدها بواحد وثمانين يوماً استأثر الله تعالى بروحه الطاهرة الشريفة.
2 {غلظة} مثلثة الغين غُلظة الكسر لغة الحجاز، والضم لغة بني تميم، والمراد الجرأة على القتال والصبر عليه مع العنف. والشدة في القتل والقصد من هذا إلقاء الرعب في قلوب الكافرين حتى يخشوا قتال المسلين.
3 افتتاح الجملة بـ اعلموا: للاهتمام بما يراد العلم به، وفي الجملة تسلية للمؤمنين بعد فقد نبيهم صلى الله عليه وسلم، وأن الله معهم بالنصر والتأييد فاتقوه بلزوم طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في أمرهما ونهيهما في السلم والحرب.