المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والمعاصي، فما لكم مقبلين غلى الفاني معرضين عن الباقي {أفلا - أيسر التفاسير للجزائري - جـ ٢

[أبو بكر الجزائري]

فهرس الكتاب

- ‌(82)

- ‌(87)

- ‌(97)

- ‌(101)

- ‌(105)

- ‌(106)

- ‌(109)

- ‌(112)

- ‌(116)

- ‌ الأنعام

- ‌1

- ‌(12)

- ‌(20)

- ‌(30)

- ‌(33)

- ‌(46)

- ‌(68)

- ‌(71)

- ‌(74)

- ‌(80)

- ‌(84)

- ‌(88)

- ‌(91)

- ‌(93)

- ‌(95)

- ‌(100)

- ‌(111)

- ‌(118)

- ‌(122)

- ‌(129)

- ‌(136)

- ‌(145)

- ‌(148)

- ‌(151)

- ‌(154)

- ‌(158)

- ‌(161)

- ‌ 1

- ‌(6)

- ‌(11)

- ‌(23)

- ‌(26)

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(35)

- ‌(44)

- ‌(48)

- ‌(52)

- ‌(55)

- ‌(57)

- ‌(70)

- ‌(73)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(88)

- ‌(94)

- ‌(96)

- ‌(109)

- ‌(113)

- ‌(117)

- ‌(130)

- ‌(134)

- ‌(138)

- ‌(146)

- ‌(150)

- ‌(155)

- ‌(158)

- ‌(163)

- ‌(167)

- ‌(171)

- ‌(179)

- ‌(182)

- ‌(187)

- ‌(194)

- ‌(199)

- ‌الأنفال:

- ‌1

- ‌(5)

- ‌(9)

- ‌(15)

- ‌(27)

- ‌(30)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(55)

- ‌(67)

- ‌(70)

- ‌ 1:

- ‌(9)

- ‌(13)

- ‌(19)

- ‌(23)

- ‌(25)

- ‌(29)

- ‌(30)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(44)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(53)

- ‌(60)

- ‌(64)

- ‌(71)

- ‌(75)

- ‌(79)

- ‌(81)

- ‌(84)

- ‌(86)

- ‌(91)

- ‌(93)

- ‌(97)

- ‌(100)

- ‌(103)

- ‌(117)

- ‌(124)

- ‌1

- ‌ يونس

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌(31)

- ‌(40)

- ‌(45)

- ‌(49)

- ‌(54)

- ‌(59)

- ‌(62)

- ‌(65)

- ‌(68)

- ‌(71)

- ‌(79)

- ‌(88)

- ‌(90)

- ‌(93)

- ‌(94)

- ‌(98)

- ‌(101)

- ‌(104)

- ‌(108)

- ‌ هود

- ‌(1)

- ‌(6)

- ‌(18)

- ‌(32)

- ‌(35)

- ‌(40)

- ‌(50)

- ‌(58)

- ‌(61)

- ‌(69)

- ‌(74)

- ‌(77)

- ‌(81)

- ‌(84)

- ‌(87)

- ‌(91)

- ‌(100)

- ‌(103)

- ‌(114)

- ‌(120)

- ‌ يوسف

- ‌(1)

- ‌4

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(19)

- ‌(26)

- ‌(39)

- ‌(43)

- ‌(47)

- ‌(53)

- ‌(58)

- ‌(73)

- ‌(101)

- ‌(102)

- ‌(110)

الفصل: والمعاصي، فما لكم مقبلين غلى الفاني معرضين عن الباقي {أفلا

والمعاصي، فما لكم مقبلين غلى الفاني معرضين عن الباقي {أفلا تعقلون؟!}

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

تقرير مبدأ البعث والجزاء بذكر صور ومشاهد له.

2-

قبح الذنوب وأنها أسوأ حمل يحمله صاحبها يوم القيامة.

3-

حكم الله تعالى بالخسران على من كذب بلقائه فلم يؤمن ولم يعمل صالحا.

4-

الساعة لا تأتي إلا بغتة، ولا ينافي ذلك ظهور علاماتها، لأن الزمن ما بين العلامة والعلامة لا يعرف مقداره.

5-

نصيحة القرآن للعقلاء بأن لا يغتروا بالحياة الدنيا. ويهملوا شأن الآخرة وهي خير للمتقين.

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيات اللهِ يَجْحَدُونَ ‌

(33)

وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)

شرح الكلمات:

ليحزنك: أي لوقعك في الحزن الذي هو ألم النفس من جراء فقد ما تحب من هدايتهم أو من أجل ما تسمع منهم من كلم الباطل كتكذيبك وأذيتك.

ص: 52

فإنهم لا يكذبونك: أي لا ينسبونك إلى الكذب في بواطنهم ومجالسهم السرية لعلمهم اليقيني أنك صادق.

كذبت رسل: أي كذبتهم أقوامهم وأممهم كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام.

ولا مبدل لكلمات الله: التي تحمل وعده بنصر أوليائه وإهلاك أعدائه.

من نبإ المرسلين: أي أخبارهم في دعواتهم مع أممهم.

تبتغي نفقاً: تطلب سرباً تحت الأرض.

أو سلماً في السماء: أي مصعداً تصعد به إلى السماء.

بآية: أي خارقة من خوارق العادات وهي المعجزات.

فلا تكونن من الجاهلين: أي فلا تقف موقف الجاهلين بتدبير الله في خلقه.

معنى الآيات:

هذه الآيات من تربية الله تعالى لرسوله وإرشاده لما يشد من عزمه ويزيد في ثباته على دعوة الحق التي أناط به بلاغها وبيانها فقال له تعالى: {قد نعلم1 أنه} أي الحال والشأن، {ليحزنك الذي يقولون} أي الكلام الذي يقولون لك وهو تكذيبك واتهامك بالسحر، والتقول على الله، وما إلى ذلك مما هو إساءة لك وفي الحقيقة إنهم لا يكذبونك2 لما يعلمون من صدقك وهم يلقبونك قبل إنبائك لهم وإرسالك بالأمين ولكن الظالمين هذا شأنهم فهم يرمون الرجل بالكذب وهم يعلمون أنه صادق ويقرون هذا في مجالسهم الخاصة، ولكن كي يتوصلوا إلى تحقيق أهدافهم في الإبقاء على عاداتهم وما ألفوا من عبادة أوثانهم يقولون بألسنتهم من نسبتك إلى الكذب وهم يعلمون أنك صادق3 غير كاذب فإذا عرفت هذا فلا تحزن لقولهم.

1 قد نعلم إنه: كسرت إن في إنه لدخول اللام في {ليحزنك} ولولاها لفتحت نحو أنه يحزنك.

2 روي أن أبا جهل وجماعة معه من رجالات قريش مرّوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ما نكذّبك وإنّك عندنا لصادق ولكن نكذّب ما جئت به. وهذه الآية شاهد لصحة هذه الرواية، ومعنى يكذّبونك ينسبونك إلى الكذب ويردون قولك.

3 روى ابن اسحق وغبره أنّ الأخنس بن شريق أتى أبا جهل فقال له: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد إذ كانوا يأتون دار محمد وهو يصلي بالليل يستمعون القرآن فإذا طلع النهار تفرّقوا قال ماذا سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منّا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك نحن هذه والله لا نؤمن أبداً ولا نصدقه فقام الأخنس وتركه.

ص: 53

هذا أولاً وثانياً فقد كذبت رسل من قبلك وأوذوا كما كُذبت أنت وأوذيت، وصبروا حتى أتاهم نصرنا فاصبر أنت حتى يأتيك النصر فإنه لا مبدل لكلمات الله التي تحمل وعده لأوليائه ووعيده لأعدائه، ولقد جاءك في هذا الكتاب الذي أوحينا إليك من نبأ المرسلين وأخبارهم ما يكون عوناً لك على الصبر حتى النصر فاصبر، وثالثاً {إن كان كبر1 عليك إعراضهم} عن دعوتك وعدم إيمانهم بها حتى تأتيهم بآية تلجئهم إلى الإيمان بك وبرسالتك كما يطلبون منك ويُلِحُّون عليك وهم كاذبون فإن استطعت أن تطلب لهم آية من تحت الأرض أو من السماء فافعل، وهذا ما لا تطيقه ولا تستطيعه لأنه فوق طاقتك فلا تكلف به وإذا فما عليك إلا بالصبر هذا معنى قوله تعالى:{وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض} أي2 سرباً، {أو سلماً في السماء} أي مصعداً {فتأتيهم بآية} أي فافعل، وما أنت بقادر فاصبر إذا ورابعاً إن الله قادر على أن يجمعهم كلهم على الإيمان بك وبرسالتك والدخول في دينك، ولكنه لم يشأ ذلك لحكم عالية فلا تطلب أنت مالا يريده ربك، فإنك إن فعلت كنت من الجاهلين3، ولا نريد لك ذلك4.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

ثبوت بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم ولذا هو يحزن لفوت محبوب كما يحزن البشر لذلك.

2-

تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وحمله على الصبر حتى يأتيه موعود ربه بالنصر.

3-

بيان سنة الله في الأمم السابقة.

4-

إرشاد الرب تعالى رسوله إلى خير المقامات وأكمل الحالات بإبعاده عن ساحة الجاهلين.

إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقَالُواْ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ

1 {كَبُرَ} ثقل فشق عليه تحمله لثقله.

2 أي نفقاً كالأنفاق المعروفة اليوم تحت الأرض، والسلّم: الدرج وهو ما يرقى عليه وسمي السلم من السلامة.

3 ولا يليق بمثلك مثله وهذا كلّه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتعزية وحمل له على الصبر وهو لكلّ داعٍ إلى الله تعالى يواجه التكذيب والتعذيب إلى يوم الدين.

4 جائز أن يكون المعنى: من الجهل الذي هو ضد العلم، والجهل الذي هو ضد الحلم ويناسب الأوّل قوله {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} والثاني قوله:{وإن كان كبر عليك إعراضهم..} الآية.

ص: 54

قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38) وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآياتنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (39)

شرح الكلمات:

إنما يستجيب: أي لدعوة الحق التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيؤمن ويهتدي.

يبعثهم الله: أي يوم القيامة.

لولا نزل عليه آية: هلا أداة تحضيض لا لولا الشرطية.

آية من ربه: آية: خارقة تكون علامة على صدقه.

لا يعلمون: أي ما يترتب على إيتائها مع عدم الإيمان بعدها من هلاك ودمار.

من دابة: الدابة كل ما يدب على الأرض من إنسان وحيوان.

في الكتاب: كتاب المقادير أم الكتاب اللوح المحفوظ.

صم وبكم في الظلمات: صم: لا يسمعون وبكم: لا ينطقون في الظلمات لا يبصرون.

صراط مستقيم: هو الدين الإسلامي المفضي بالآخذ به إلى سعادة الدارين.

معنى الآيات:

بعدما سلى الرب تعالى رسوله في الآيات السابقة وحمله على الصبر أعلمه هنا بحقيقة علمية تساعده على الثبات والصبر فأعلمه أن الذين يستجيبون لدعوته صلى الله عليه وسلم هم الذين يسمعون لأن حاسة السمع عندهم سليمة ما أصابها ما يخل بأداء وظيفتها من كره الحق

ص: 55

وبغض أهله والداعين إليه فهؤلاء هم الذين يستجيبون لأنهم أحياء أما الأموات فإنهم لا يسمعون ولذا فهم لا يستجيبون ولكن سيبعثهم الله يوم القيامة أحياء ثم يرجع الجميع إليه من استجاب، لحياة قلبه، ومن لم يستجب لموت قلبه ويجزيهم بما عملوا الجزاء الأوفى وهو على كل شيء قدير، هذا ما دلت عليه الآية الأولى (36) أما الآية الثانية (37) فقد أخبر تعالى رسوله بقولهم {لولا نزل عليه آية} ، وعلمه أن يقول لهم {إن الله قادر على أن ينزل آية} وهي الخارقة كإحياء الموتى أو تسيير الجبال أو إنزال الملائكة يشاهدونهم عياناً، ولكن لم ينزلها لحكم عالية وتدبير حكيم، {ولكن أكثرهم لا يعلمون} الحكمة في1 ذلك، ولو علموا أنها إذا نزلت كانت نهاية حياتهم لما سألوها. هذا ما تضمنته الآية الثانية أما الآية الثالثة (38) وهي قوله تعالى:{وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير2 بجناحيه إلا أمم أمثالكم} سيقت هذه الآية لبيان كمال الله تعالى وشمول علمه وعظيم قدرته، وسعة تدبيره تدليلاً على أنه تعالى قادر على إنزال الآيات، ولكن منع ذلك حكمته تعالى في تدبير خلقه فما من دابة تدب في الأرض ولا طائر يطير في السماء إلا أمم مثل الأمة3 الإنسانية مفتقرة إلى الله تعالى في خلقها ورزقها وتدبير حياتها، والله وحده القائم عليها، وفوق ذلك إحصاء عملها عليها ثم بعثها يوم القيامة ومحاسبتها ومجازاتها، وكل ذلك حواه كتاب المقادير وهو يقع في كل ساعة ولا يخرج شيء عما كتب في كتاب المقادير، اللوح المحفوظ {ما فرطنا في الكتاب من شيء} فهل يعقل مع هذا أن يعجز الله تعالى عن إنزال آية، وكل مخلوقاته دالة على قدرته وعلمه ووحدانيته، ووجوب عبادته وفق مرضاته، وقوله {ثم إلى ربهم يحشرون} 4 كل دابة وكل طائر يموت أحب أم كره، ويبعث5 أحب أم كره، والله وحده مميته ومحييه ومحاسبه ومجازيه، {ثم إلى ربهم يحشرون} ، ومن هنا كان المكذبون بآيات الله {صم وبكم

1 قال القرطبي: القول بحشر البهائم هو الصحيح، والبهائم وإن كان القلم لا يجري عليها في الأحكام ولكن فيما بينها تؤاخذ به، وروي عن أبي ذرّ قال، انتطحت شاتان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"يا أبا ذر أتدري فيما انتطحتا. قلت: لا، قال: لكن الله تعالى يدري وسيفضي بينهم".

2 من الحكمة في عدم إنزال الآية أنه لو أنزلها ما آمنوا بها، فاستوجبوا الهلاك فأهلكهم، ولكنّه يريد الإبقاء عليهم ليخرج من أصلابهم مؤمنين يعبدونه ويوحدونه.

3 ذكر الجناحين للتأكيد من جهة، وإزالة الإبهام من جهة أخرى لأن العرب تطلق لفظ الطيران على غير الطائر فتقول للرجل، طر في حاجتي أي أسرع في قضائها وطائر الإنسان ما قسم الله له أزلاً قال تعالى:{وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه} .

4 وهذه المثلية بين الإنسان وبين دواب الأرض وطائر السماء تقتضي ألا يظلم الإنسان الحيوان ولا يؤذيه ولا يتجاوز ما أمر به نحوه، ووجه المثلية في كون كل من الإنسان والحيوان يسبح الله تعالى ويدل على قدرته وعلمه وحكمته.

5 قيل في {يحشرون} أنّ حشرها الموت وهو مروي عن ابن عباس قال: موت البهائم: حشرها وروي عن مجاهد والضحاك أيضاً، وقيل حشرها: هو بعثها يوم القيامة حيّة وهذا أصح لحديث: "إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة".

ص: 56

في الظلمات1} أموات غير أحياء إذ الأحياء يسمعون وينطقون ويبصرون وهؤلاء صم بكم في الظلمات فهم أموات غير أحياء وما يشعرون. وأخيراً أعلم تعالى عباده أن هدايتهم كإضلالهم بيده فمن شاء هداه ومن شاء أضله، وعليه فمن أراد الهداية فليطلبها في صدق من الله جل جلاله وعظم سلطانه ومن رغب عنها فلن يعطاها.

هداية الآيات

من بداية الآيات:

1-

الإيمان بالله ورسوله ولقائه حياة والكفر بذلك موت فالمؤمن حي والكافر ميت.

2-

سبب تأخر الآيات علم الله تعالى بأنهم لو أعطاهم الآيات ما آمنوا وبذلك يستوجبون العذاب.

3-

تعدد الأمم2 في الأرض وتعدد أجناسها والكل خاضع لتدبير الله تعالى مربوب له.

4-

تقرير ركن القضاء والقدر وإثباته في أم الكتاب.

قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا

1 إنها ظلمات الكفر والشرك والمعاصي وما ينتج عن ذلك من القلق والحيرة واضطراب النفس، والخوف، والهمّ.

2 روى ابن كثير بسنده عن الحافظ أبي يعلى عن جابر بن عبد الله أن الجراد لم يُرَفي سنة من سِني عمر رضي الله عنه التي ولي فيها فسأل عنه فلم يخبر بشيء فاغتم لذلك فأرسل راكباً إلى كذا وآخر إلى الشام، وآخر إلى العراق يسأل هل رؤي من الجراد شيء أو لا؟ قال فأتاه الراكب الذي من قبل اليمن بقبضة من جراد فألقاها بين يديه فلما رآها كبّر ثلاثاً ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلق الله عز وجل ألف أمّة منها ستمائة في البحر وأربعمائة في البرّ وأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه. هذه الرواية ذكر بعض أهل العلم بطلانها.

ص: 57

نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إذا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإذا هُم مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)

شرح الكلمات:

أرأيتكم: أخبروني.

الساعة: يوم القيامة.

يكشف: يزيل ويبعد وينجي.

البأساء والضراء: البأساء: الشدائد من الحروب والأمراض، والضراء: الضر.

يتضرعون: يتذللون في الدعاء خاضعون.

بغتة: فجأة وعل حين غفلة.

مبلسون: آيسون قنطون متحسرون حزنون.

دابر القوم: آخرهم أي أهلكوا من أولهم إلى آخرهم.

الحمد لله: الثناء بالجميل والشكر لله دون سواه.

معنى الآيات:

مازال السياق في طلب هداية أولئك المشركين العادلين بربهم أصناماً وأحجاراً، فيقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل يا رسولنا لأولئك الذين يعدلون بنا الأصنام {أرأيتكم1} أي أخبروني، {إن أتاكم عذاب الله} اليوم انتقاماً منكم، {أو أتتكم الساعة} وفيها عذاب يوم القيامة، {أغير الله تدعون} ليقيكم العذاب ويصرفه عنكم {إن كنتم صادقين} في أن آلهتكم تنفع وتضره تقي السوء وتجلب الخير؟ والجواب معلوم أنكم لا تدعونها ليأسكم من إجابتها بل الله2 وحده هو الذي تدعونه فيكشف ما تدعونه له إن شاء، وتنسون عندها ما تشركون به من الأصنام فلا تدعونها ليأسكم من إجابتها لضعفها وحقارتها.

1 قال القرطبي: هذه الآية في محاجة المشركين ممن اعترف أنّ له صانعاً أي: أنتم عند الشدائد ترجعون إلى الله تعالى وسترجعون إليه يوم القيامة أيضاً، فلم تصرّون على الشرك في حال الرفاهية؟! وكانوا يعبدون الأصنام ويدعون الله في صرف العذاب.

2 {بل إيّاه تدعون} بل: للإضراب، إضراب عن الأوّل وهو دعاء غير الله تعالى وإيجاب للثاني وهو دعاء الله عز وجل.

ص: 58

هذا ما تضمنته الآيتان الأولى (40) والثانية (41) وأما الآيات الأربع بعدهما فإن الله تعالى يخبر رسوله بقوله {ولقد أرسلنا إلى أمم1 من قبلك} أي أرسلنا رسلاً من قبلك إلى أممهم فأمروهم بالإيمان والتوحيد والعبادة فكفروا وعصوا فأخذناهم بالشدائد من حروب ومجاعات وأمراض لعلهم يتضرعون إلينا فيرجعون إلى الإيمان بعد الكفر والتوحيد بعد الشرك والطاعة بعد العصيان ولما لم يفعلوا وبخهم تعالى بقوله: {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا2} أي فهلا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا إلينا {ولكن} حصل العكس حيث {قست قلوبهم وزين لهم الشيطان} أي حسن لهم {ما كانوا يعملون} من الشرك والمعاصي. وهنا لما نسوا ما ذكرتهم به رسلهم فتركوا العمل به معرضين عنه غير ملتفتين إليه فتح الله تعالى عليهم أبواب كل شيء من3 الخيرات حتى إذا فرحوا بذلك4 وسكنوا إليه واطمأنوا ولم يبق بينهم من هو أهل للنجاة. قال تعالى {أخذناهم بغتة} أي فجأة بعذاب من أنواع العذاب الشديدة {فإذا هم مبلسون} 5 آيسون من الخلاص متحسرون {فقطع دابر6 القوم الذين ظلموا} أي استؤصلوا بالعذاب عن آخرهم. وانتهى أمرهم {والحمد لله رب العالمين} ناصر أوليائه ومهلك أعدائه فاذكر هذا لقومك يا رسولنا لعلهم يثوبون إلى رشدهم ويعودون إلى الحق الذي تدعوهم إليه وهم معرضون.

هداية الآيات

من هداية الآيات:

1-

من غريب أحوال الإنسان المشرك أنه في حال الشدة الحقيقية يدعو الله وحده ولا يدعو معه الآلهة الباطلة التي كان في حال الرخاء والعافية يدعوها.

1 أي أرسلنا رسلاً. فرسلاً مضمر وهناك إضمار آخر تقديره: فكذّبوهم فأهلكناهم.

2 يتضرعون: يدعون الله ويتذلّلون له، إذ التضرع مأخوذ من الرضاعة التي هي الذلة، يقال: ضرع إليه فهو ضارع أي: متذلل.

3 أبواب كل شيء كان مغلقاً عنهم وهو استدراج لهم وقد تطول مدّة الاستدراج والإمهال عشرين سنة فأكثر.

4 روى أحمد عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم:{فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} .

5 قالوا: المبلس: هو الباهت الحزين الآيس من الخير لشدة ما نزل به من سوء الحال قال العجاج.

يا صاح هل تعرف رسما مكرساً

قال نعم أعرفه وأبلسا

المكرّس: الذي به الكرس وهو أبوال الإبل وأبعارها.

6 الدابر: الآخر يقال: دبر القوم يدبرهم دبراً إذا كان آخرهم. ومعناه أخذهم أجمعين إذ آخر من يؤخذ هو من كان خلف القوم وآخرهم.

ص: 59