الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
(57)
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَاّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)
شرح الكلمات:
الرياح: جمع ريح وهو الهواء المتحرك.
بشيراً1: جمع بشير أي مبشرات بقرب نزول المطر، قرىء نشراً أي تنشر السحاب للأمطار.
رحمته: أي رحمة الله تعالى وهي المطر.
أقلت سحاباً ثقالاً: أي حملت سحاباً ثقالاً مشبعاً ببخار الماء.
ميت: لا نبات به ولا عب ولا كلأ.
كذلك نخرج الموتى: أي كذلك نحيي الموتى ونخرجهم من قبورهم أحياء.
تذكرون: تذكرون فتؤمنون بالبعث والجزاء.
الطيب: أي الطيب التربة.
خبث: أي خبثت تربته بأن كانت سبخة.
إلا نَكِداً: أي إلا عسراً.
نصرف الآيات: أي ننوعها ونخالف بين أساليبها ونذكر في بعضها ما لم نذكره في بعضها للهداية والتعليم.
لقوم يشكرون: لأنهم هم الذين ينتفعون بالنعم بشكرها بصرفها في محاب الله تعالى.
1 كرسل جمع رسول، وسكّن بشراً للتخفيف كما تسكن السين في رُسُل فيقال: رُسْل على وزن فُعْل.
معنى الآيتين:
ما زال السياق الكريم في بيان مظاهر القدرة الربانية والرحمة الإلهية الموجبة لعبادته تعالى وحده دون سواه قال تعالى {وهو الذي يرسل الرياح بشراً} وهو أي ربكم الحق الذي لا إله إلا هو وبشراً أي مبشرات1 ونشراً أي تنشر الرياح تحمل السحب الثقال ليسقي الأرض الميتة فتحيا بالزروع والنباتات لتأكلوا وترعوا أنعامكم، وبمثل هذا التدبير ني إنزال المطر وإحياء الأرض بعد موتها يحييكم بعد موتكم فيخرجكم من قبوركم أحياء ليحاسبكم على كسبكم في هذه الدار ويجزيكم به الخير بالخير والشر بمثله جزاء عادلاً لا ظلم فيه وهذا الفعل الدال على القدرة والرحمة ولطف التدبير يُريكموه فترونه بأبصاركم لعلكم به تذكرون أن القادر على إحياء موات الأرض قادر على إحياء موات الأجسام فتؤمنوا بلقاء ربكم وتوقنوا به فتعملوا بمقتضى ما يسعدكم ولا يشقيكم فيه.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (57){وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته} أي المطر {حتى إذا أقلَّت} أي حملت {سحاباً ثقالاً} أي ببخار الماء {سقناه} بقدرتنا ولطف تدبيرنا {لبلد ميت2} لا حياة به لا نبات ولا زرع، ولا عشب {فأنزلنا به} أي بالسحاب {الماء} العذب الفرات، {فأخرجنا به من كل الثمرات} المختلفة الألوان والروائح والطعوم {كذلك نخرج الموتى} كهذا الإخراج للنبات من الأرض الميتة نخرج الموتى3 من قبورهم وعملنا هذا نسمعكم إياه ونريكموه بأبصاركم رجاء أن تذكروا فتذكروا أن القادر على إحياء الأرض قادر على إحياء الموتى رحمة منا بكم وإحساناً منا إليكم.
أما الآية الثانية (58) فقد تضمنت مثلاً ضربه الله تعالى للعبد المؤمن والكافر إثر بيان قدرته على إحياء الناس بعد موتهم فقال تعالى: {والبلد الطيب} أي طيب التربة {يخرج نباته بإذن ربه} وذلك بعد إنزال المطر به، وهذا مثل العبد المؤمن ذي القلب الحي الطيب إذا سمع ما ينزل من الآيات يزداد إيمانه وتكثر أعماله الصالحة {والذي خبث} أي والبلد الذي تربته خبيثة سبخة أو حمأة عندما ينزل به المطر لا يخرج نباته إلا نكداً4 عسراً قليلاً غير
1 قرىء {بُشرا} بضم الباء، وقرئ {نشرا} بالنون المضمومة، وهما قراءتان سبعيتان وفسرت الكلمتان بحسب ما تدلان عليه فتأمل، وفيهما قراءات أخرى من حيث الحركات كضم الباء مع الشين، وبشرى بالألف المقصورة.
2 البلد والبلدة بمعنى ويجمع على بلاد وبلدان.
3 روى مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يرسل الله أو قال: ينزل الله مطراً كأنّه الطلّ فتنبت منه أجساد الناس، ثم قال: أيها الناس هلموا إلى ربكم وقفوهم إنهم مسؤولون" الحديث.
4 النكد: العسر الممتنع من إعطاء الخير من الناس، وشبه به البلد الخبيث التربة كذات الحجارة أو السبخة.
صالح وهذا مثل الكافر عندما يسمع الآيات القرآنية لا يقبل عليها ولا ينتفع بها في خُلقه ولا سلوكه فلا يعمل خيراً ولا يترك شراً.
وقوله تعالى: {كذلك نصرف الآيات} أي ببيان مظاهر قدرته تعالى وعلمه وحكمته ورحمته وضرب الأمثال وسوق الشواهد والعبر {لقوم يشكرون} إذ هم المنتفعون بها أما الكافرون الجاحدون فأنى لهم الانتفاع بها وهم لا يعرفون الخير ولا ينكرون الشر.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
1-
تقرير عقيدة البعث والحياة بعد الموت للحساب والجزاء إذ هي من أهم أركان الإيمان.
2-
الاستدلال بالحاضر على الغائب وهو من العلوم النافعة.
3-
حسن ضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأذهان.
4-
فضيلة الشكر وهو صرف النعمة فيما من أجله وهبها الله تعالى للعبد.
لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59) قَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (61) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (62) أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63) فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ (64)
شرح الكلمات:
نوحاً: هذا أول الرسل هذا العبد الشكور هو نوح بن لَمْك بن متوشلخ بن أخنوخ أي أدريس1 عليهما السلام، أحد أولى العزم الخمسة من الرسل عاش داعياً وهادياً ومعلماً ألفاً ومائتين وأربعين سنة، ومدة الدعوة ألف سنة إلَاّ خمسين عاماً، وما بعدها عاشها هادياً ومعلماً وللمؤمنين.
عذاب يوم عظيم: هو عذاب يوم القيامة.
الملأ: أشراف القوم ورؤساؤهم الذين يملأون العين والمجلس.
وأنصح لكم: أريد لكم الخير لا غير.
أوَ عجبتم: الاستفهام للإنكار، وعجبتم الواو عاطفة والمعطوف عليه جملة: هي كذبتم أي أكذبتم وعجبتم.
لينذركم: أي العذاب المترتب على الكفر والمعاصي.
ولتتقوا: أي الله تعالى بالإيمان به وتوحيده وطاعته فترحمون فلا تعذبون.
والذين معه في الفلك: هم المؤمنون من قومه والفلك هي السفينة التي صنعها بأمر الله تعالى وعونه.
عمين: جمع عمٍ2 وهو أعمى البصيرة أما أعمى العينين يقال فيه أعمى.
معنى الآيات:
هذا شروع في ذكر قصص ستة من الرسل وهم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى عليهم السلام والمراد من ذكر هذا القصص هو تنويع أسلوب الدعوة ليشاهد المدعون من كفار قريش صوراً ناطقة ومشاهد حية لأمم سبقت وكيف كانت بدايتها وبم ختمت نهايتها، وهي لا تختلف إلا يسيراً عما هم يعيشونه من أحداث الدعوة والصراع الدائر بينهم وبين نبيهم لعلهم يتعظون.، ومع هذا فالقصص يقرر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إذ لو لم يكن رسولاً يوحى إليه لما تأتى له أن يقص من أخبار الماضين ما بهر العقول كما أن المؤمنين مع نبيهم يكتسبون من العبر ما يحملهم على الثبات والصبر، ويجنبهم القنوط واليأس من حسن العافية والظفر والنصر.
1 الظاهر أن إدريس هنا ليس هو إدريس النبي الرسول عليه السلام والله أعلم.
2 يقال: رجل عمٍ أي جاهل بكذا.
وهذا أول قصص بقوله تعالى فيه {ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه1} أي وعزتنا لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه كما أرسلناك أنت يا رسولنا إلى قومك من العرب والعجم، فقال: أي نوح في دعوته: {يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره2} أي ليس لكم على الحقيقة إله غيره، إذ إلإله الحق من يخلق ويرزق ويدبر فيحيي ويميت ويعطي ويمنع، ويضر وينفع، ويسمع ويبصر فأين هذا من آلهة نحتموها بأيديكم، ووضعتموها في بيوتكم عمياء لا تبصر صماء لا تسمع بكماء لا تنطق فكيف يصح أن يطلق عليها اسم الإله وتعبد {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} أنذرهم عذاب يوم القيامة إن هم أصروا على الشرك والعصيان فأجابه الملأ3 منهم وهم أهل الحل والعقد في البلاد قائلين:{إنا لنراك في ضلال مبين} بسبب موقفك العدائي هذا لآلهتنا، ولعبادتنا إياها فأجاب عليه السلام قائلاً:{يا قوم ليس بي ضلالة} مجرد ضلالة فكيف بالضلال كله كما تقولون، {ولكني رسول من رب العالمين} أي إليكم {أبلغكم رسالات ربي وأنصح4 لكم} أي بما هو خير لكم في حالكم ومآلكم، واعلموا أني {وأعلم من الله ما لا تعلمون} فأنا على علم بما عليه ربي من عظمة وسلطان، وجلال، وجمال، وما عنده من رحمة وإحسان، وما لديه من نكال وعذاب، وأنتم لا تعلمون فاتقوا الله إذاً وأطيعوني يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى آجالكم، ولا يعجل بفنائكم وواصل حديثه معهم وقد دام ألف سنة إلا خمسين عاماً قائلاً: أكذبتم بما دعوتكم إليه وجئتكم به وعجبتم5 أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم، ولتتقوا الله بتوحيده وعبادته وطاعته رجاء أن ترحموا فلا تعذبوا أمن هذا يتعجب العقلاء؟ وكانت النتيجة لهذه الدعوة المباركة الخيّرة أن كذبوه فأنجاه ربه والمؤمنين معه، وأغرق الظالمين المكذبين، لأنهم كانوا قوماً عمين فلا يستحقون البقاء والنجاة قال تعالى {فكذبوه فأنجيناه والذين معه في
1 نوح: هو أوّل الرسل من حيث أنه حارب الشرك ودعا إلى التوحيد، وهل إدريس من ذريته أو من آبائه خلاف، أمّا شيت بن آدم فقطعاً هو من آبائه.
2 غيره: مرفوع على النعت لأنه المرفوع تقديراً، إذ الأصل رفعه، وجُرَّ بحرف الجرّ الزائد الذي هو مِنْ.
3 الملأ: هم أشراف القوم ورؤساؤهم الذين إذا نظر إليهم ملأوا العين وإذا جلسوا ملأوا المجلس، هذا أصل الكلمة.
4 النصح: إخلاص القول والعمل من شوائب الفساد، بمعنى تخليص القول أو العمل مما هو ضار أو غير نافع للمنصوح له، ويقال نصحه ونصح له والمعنى واحد، والاسم النصيحة، والناصح الخالص من العسل مثل الناصح الذي لا شائبة فيه.
5 قوله تعالى: {أو عجبتم} الهمزة للاستفهام، والواو عاطفة على جملة محذوفة كما هي في التفسير.
الفلك1، وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوماً عمين2} لا يبصرون الآيات ولا يرون النذر والشواهد.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
تقرير نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كنبوة نوح عليه السلام.
2-
تقرير وتأكيد التوحيد، وبيان معنى لا إله إلا الله.
3-
التحذير من عذاب يوم القيامة بالتذكير به.
4-
أصحاب المنافع من مراكز وغيرها هم الذين يردون دعوه الحق لمنافاتها للباطل.
5-
تقرير مبدأ العاقبة للمتقين.
6-
عمى القلوب أخطرهن عمى العيون على صاحبه.
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65) قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (67) أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ (68) أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)
1 الفلك يكون واحداً وجمعاً ويذكر ويؤنث.
2 {عمين} أي: عن الحق وعن معرفة الله وقدرته ولطفه، وإحسانه يقال رجلٌ عَمٍ بكذا أي: جاهل به لا يعرفه.
شرح الكلمات:
وإلى عاد: أي ولقد أرسلنا إلى عاد وهم قبيلة عاد، وعاد أبو القبيلة وهو عاد بن عوص ابن إرم بن سام بن نوح عليه السلام.
أخاهم هوداً: أخاهم في النسب لا في الدين. وهود هو هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام ابن نوح عليه السلام.
أفلا تتقون: أي أتصرّون على الشرك فلا تتَّقون عذاب الله بالإيمان به وتوحيده، والاستفهام إنكاري أي ينكر عليهم عدم تقواهم لله عز وجل.
في سفاهة: السفاهة كالسّفَه وهو خِفّة العقل، وقلّة الإدراك والحلم.
أمين: لا أخونكم ولا أغشكم ولا أكْذِبُكم، كما أني مأمون على رسالتي لا أفرط في إبلاغها.
بسطة: أي طولاً في الأجسام، إذ كانوا عمالق من عظم ص أجسادهم وطولها.
آلاء الله: نعمه واحدها أَلىً وإلىً واْليٌ وإلْوٌ والجمع آلاء.
تفلحون: بالنجاة من النار في الآخرة، والهلاك في الدنيا.
معنى الآيات:
هذا هو القصص الثاني، قَصَصُ هود عليه السلام مع قومه عاد الأولى التي أهلكها الله تعالى بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام. قوله تعالى {وإلى عاد1} أي وأرسلنا إلى قبيلة عاد أخاهم من النسب هوداً فماذا قال لهم {قال يا قوم اعبدوا الله} أي وحدوه في العبادة ولا تعبدوا معه آلهة أخرى. وقوله:{مالكم من إله غيره} أي ليس لكم أي إله غير الله، إذ الله هو الإله الحق وما عداه فآلهة باطلة، لأنه تعالى يخلق وهم لا يخلقون. ويرزق وهم لا يرزقون ويدبر الحياة بكل ما فيها وهم مدبَّرون لا يملكون نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً فكيف يكونون آلهة. ثم حضهم على التقوى وأنكر عليهم تركهم لها فقال عليه السلام لهم:{أفلا تتقون} أي الله ربّكم فتتركوا الشرك وتوحدوه؟ فأجاب الملأ الذين كفروا من قومه، بأسوأ إجابة وذلك لكبريائهم واغترارهم فقالوا: {إنا لنراك في
1 عاد: آمّة عظيمة كانوا أكثر من عشر قبائل، ومنازلهم كانت ببلاد العرب من حضرموت والشّحر إلى عُمان، وعاد اسم القبيلة وصرف لأنّه ثلاثي ساكن الوسط كهند ودعد.
سفاهة} أي حمق وطيش وعدم بصيرة بالحياة وإلا كيف تخرج عن إجماع قومك، وتواجههم بعيب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، {وإنا لنظنك من الكاذبين} فيما جئت به أي من الرسالة، ودعوت إليه من التوحيد ونبذ الآلهة غير الله تعالى، فأجاب هود عليه السلام راداً شبهتهم فقال:{يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين} أي أني لست كما تزعمون أن بي سفاهة ولكني أحمل رسالة أبلغكموها، وأنا في ذلك ناصح لكم مريد لكم الخير أمين1 على وحي الله تعالى إلي، أمين لا أغشكم ولا أخونكم فما أريد لكم إلا الخير. ثم واصل دعوته فقال {أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربَّكم} أي أكذبتم برسالاتي وعجبتم من مجيئكم ذكر من ربكم {على رجل منكم لينذركم} أي عواقب كفركم وشرككم، أمن مثل هذا يتعجب العقلاء أم أنتم لا تعقلون؟.
ثم ذكرهم بنعم الله تعالى عليهم لعلّها تُحدْثُ لهم ذكراً في نفوسهم فيتراجعون بعد عنادهم وإصرارهم فقال: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء2 من بعد قوم نوح} أي بعد أن أهلكهم بالطوفان لإصرارهم على الشرك {وزادكم في الخلق بسطة3} أي جعل أجسامكم قوية وقاماتكم طويلة هذه نعم الله عليكم {فاذكروا آلاء4 الله لعلكم تفلحون} لأنكم إن ذكرتموها بقلوبكم شكرتموها بأقوالكم وأعمالكم، وبذلك يتم الفلاح لكم، وهو نجاتكم من المرهوب وظفركم بالمحبوب وذلك هو الفوز المطلوب.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
الدعوة إلى عبادة الله وترك عبادة ما سواه وهو معنى لا إله إلا الله.
2-
مشروعية دفع الإتهام، وتبرئة الإنسان نفسه مما يتهم به من الباطل.
3-
من وظائف الرسل عليهم السلام البلاغ لما أمروا بإبلاغه.
1 الأمين: هو الموصوف بالأمانة، والأمانة أعز أوصاف البشر وفي الحديث "لا إيمان لمن لا أمانة له" ويروى:"لمن لا أمان له".
2 الخلفاء: جمع خليفة وهو الذي يخلف غيره في شيء أي: يتولى العمل الذي كان يقوم به الآخر، كما يجمع خليفة على خلائف.
3 ويجوز بصطة: بالصاد أي طولاً في الأجسام قيل كان أطولهم مائة ذراع وأقصرهم ستين ذراعاً، فالزيادة كانت على خلق من قبلهم، وذكر القرطبي أموراً عجباً لا يحسن ذكرها.
4 الآلاء: مفرده إلي ويعرف فيقال الإلي وهو: النعمة وهو على وزن عِنَب وأعناب ونظيره إن أي: الوقت والجمع آناء قال تعالى: {ومن آناء الليل فسبّح} الخ.