الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدنيا والنهم فيها والتكالب عليها وهو سبب الظلم والفساد.
قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
(12)
وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ (14) قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)
شرح الكلمات:
كتب على نفسه الرحمة: أي أوجب على نفسه رحمة خلقه.
لا ريب فيه: لا شك في مجيئه وحصوله في أجله المحدد له.
خسروا أنفسهم: حيث لوثوها بأوضار الشرك والمعاصي فلم ينتفعوا بها.
وله ما سكن في الليل والنهار: أي ما استقر فيها من ساكن ومتحرك أي له كل شيء.
ولياً: أحبه وأنصره واطلب نصرته ومحبته وولايته.
من يصرف عنه: أي من العذاب بمعنى يبعد عنه.
الفوز المبين: أي الواضح إذ النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم.
معنى الآيات:
مازال السياق في الحديث مع العادلين بربهم غيره من أهل الشرك فيقول تعالى لرسوله
سلهم قائلاً: {لمن1 ما في السموات والأرض} خلقاً وإيجاداً أو ملكاً وتصرفاً وتدبيراً، واسبقهم إلى الجواب فقل لله، إذ ليس لهم من جواب إلا هذا:{لله} ، أي هو الله الذي {كتب2 على نفسه الرحمة} قضى بها وأوجبها على نفسه، ومظاهرها متجلية في الناس: إنهم يكفرونه ويعصونه وهو يطعمهم ويسقيهم ويكلؤهم ويحفظهم، وما حمدوه قط. ومن مظاهر رحمته جمعه الناس ليوم القيامة ليحاسبهم ويجزيهم بعملهم الحسنة بعشر أمثالها أما السيئة فبسيئة مثلها فقط وهو ما دل عليه قوله:{ليجمعنكم3 إلى يوم القيامة لا ريب فيه} أي الكائن الآتي بلا ريب ولا شك، وقوله تعالى:{الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} يخبر تعالى أنَّ الذين كتب خسرانهم أزلاً في كتاب المقادير فهم لذلك لا يؤمنون رما كتب أزلاً لعلم تام بموقفهم هذا الذي هم وافقوه من الكفر والعناد والشرك والشر والفساد، بذلك استوجبوا الخسران هذا ما دلت عليه الآية الأولى (12) أما الآية الثانية (13){وله ما سكن في الليل والنهار} وهذا تقرير بأنه رب كل شيء والمالك لكل شيء إذ ما هناك إلا ساكن ومتحرك وهو رب الجميع، وهو السميع لأحوال عباده وسائر مخلوقاته العليم بأفعالهم الظاهرة والباطنة ولذا لأ يسأل عما يفعل ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ومن هنا وجب اللجأ إليه والتوكل عليه، والانقياد لأمره ونهيه. وقوله تعالى في الآية الثالثة (14) {قل أغير4 الله أتخذ ولياً فاطر السموات والأرض وهو يُطْعِم ولا يُطْعَم} يأمر تعالى رسوله أن يرد على المشركين المطالبين منه أن يوافقهم على شركهم ويعبد معهم آلهتهم فيقول: أفغير الله فاطر السموات والأرض الذي يطعم غيره لافتقاره إليه، ولا يطعم5 لغناه المطلق أغيره تعالى أتخذ ولياً أعبده كما اتخذتم أنتم أيها المشركون أولياء تعبدونهم. إن هذا لن يكون أبداً كما أمره ربه تعالى أن يقول في صراحة ووضوح، {إني أمرت أن أكون أول من أسلم} أي وجهه لله، وأقبل عليه يعبده
1 هذا حجاج مع المشركين آخر: قل لهم لمن ما في السموات والأرض؟ فإن قالوا: لمن هو؟ قل: لله، ولكن لا يقولون إلاّ الله، لمعرفتهم أن غير الله لا يخلق ولا يرزق ولا يملك.
2 ولذا لم يعاجلهم بالعقوبة التي يقتضيها كفرهم وعنادهم، روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الله لمّا خلق الخلق كتب كتاباً عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي".
3 اللاّم: للقسم أي: وعزتي وجلالي ليجمعنكم في يوم القيامة الذي كذّبتم به وهو لا شك فيه.
4 الاستفهام إنكاري وقدم المفعول الأول: {أغير الله} لأنّه هو المقصود بالإنكار.
5 أي يرزُق ولا يُرزق كقوله تعالى: {ما أريد منهم من رزق ولها أريد أن يطعمون} وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير {وهو يُطعم ولا يطعم} بفتح العين أي إنّه يُطعم عباده بالرزق وهو لا يطعم لاستحالة احتياجه إلى الغذاء كما يحتاجه المخلوقون من عباده.
بما شرع له، ونهاني أن أكون من المشركين بقوله:{ولا تكونن من المشركين} الذين يعبدون مع الله غيره من مخلوقاته وأمره في الآية (15) أن يقول للمشركين الراغبين في تركه التوحيد: {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم1} وهو عذاب يوم القيامة. انه عذاب أليم لا يطاق من يصرف2 عنه يومئذ فقد رحمه أي أدخله الجنة والنجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم كما قال تعالى {فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز} نعم فاز وأي فوز أكبر من الخلود من العذاب ودخول في دار السلام.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
عموم رحمة الله تعالى.
2-
تقرير مبدأ الشقاوة والسعادة في الأزل قبل خلق الخلق.
3-
الله رب كل شيء ومليكه.
4-
تحريم ولاية غير الله، وتحريم الشرك به تعالى.
5-
بيان الفوز الأخروي وهو النجاة من العذاب ودخول الجنة.
وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لَاّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (19)
1 قوله: {إن عصيت ربي} عوضا عن اسم الجلالة (الله) فيه إيماء وإشارة إلى أن عصيان الرب قبيح قبحاً أشد من عصيان المعبود، لأن الربّ هو المليك المربي المتولي الحافظ الولي فعصيان من يربّي ويرزق قبيح جداً.
2 أي: من يصرف الله عنه العذاب يوم القيامة فقد رحمه فأدخله جنّته بعد أن نجّاه من النار.
شرح الكلمات:
يمسسك: يصبك.
بضر: الضر: ما يؤلم الجسم أو النفس كالمرض والحزن.
بخير: الخير: كل ما يسعد الجسم أو الروح.
القاهر: الغالب المذل المعز.
شهادة: الشهادة: إخبار العالم بالشيء عنه بما لا يخالفه.
لأنذركم به: لأخوفكم بما فيه من وعيد الله لأهل عداوته.
إله واحد: معبود واحد لأنه رب واحد، إذ لا يعبد إلا الرب الخالق الرازق المدبر.
معنى الآيات:
ما زال السياق في توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم وتقوية موقفه من أولئك العادلين بربهم المشركين به فيقول له ربه تعالى: {وإن يمسسك الله بضر1 فلا كاشف له إلا هو} أي إن أصابك الله بما يضرك في بدنك فلا كاشف له عنك بإنجائك منه إلا هو. {وإن يمسسك بخير} أي وإن يردك بخير فلا2 راد له {فهو على كل شيء قدير} ، والخطاب وإن كان موجهاً للرسول صلى الله عليه وسلم فإنه عام في كل أحد فلا كاشف للضر إلا هو، ولا راد لفضله أحد، ومع كل أحد، وقوله تعالى في الآية الثانية (18){وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير} تقرير لربوييته المستلزمة لألوهيته فقهره لكل أحد، وسلطانه على كل أحد مع علو كلمته وعلمه بكل شيء موجب لألوهيته وطاعته وطلب ولايته، وبطلان ولاية غيره وعبادة سواه وقوله تعالى في الآية الثالثة (19) {قل الله شهيد بيني وبينكم} نزلت لما قال المشركون بمكة للرسول صلى الله عليه وسلم إئتنا بمن يشهد لك بالنبوة فإن أهل الكتاب أنكروها فأمره ربه تعالى أن يقول لهم رداً عليهم: أي شيء أكبر شهادة؟ ولما كان لا جواب لهم إلا أن يقولوا الله أمره أن يجيب به: {قل الله شهيد بيني وبينكم} . فشهادة الله تعالى لي بالنبوة إيحاؤه إليّ بهذا القرآن الذي أنذركم به، وأنذر
1 الضر: هو ما يؤلم الإنسان وهو من الشر المنافي للإنسان ويقابله النفع وهو من الخير الملائم للإنسان ولذا فالضر هنا أعم من المرض إذ يتناوله وغيره من سائر ما يضر الإنسان.
2 شاهده حديث ابن عباس عند الترمذي وهو صحيح إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا غلام إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفّت الصحف".
كل من بلغه وسمع به بأن من بلغه1 ولم يؤمن به ويعمل بما جاء فيه من العقائد والعبادات والشرائع فإنه خاسر لنفسه يوم القيامة. ثم أمره أن ينكر عليهم الشرك بقوله: أئنكم2 لتشهدون مع الله آلهة أخرى، وذلك بإيمانكم بها وعبادتكم لها أما أنا فلا أعترف بها بل أنكرها فضلاً عن أن أشهد بها. ثم أمره بعد إنكار آلهة المشركين أن يقرر ألوهيته الله وحده وأن يتبرأ من آلهتهم المدعاة فقال له قل:{إنما هو إله واحد، وإنني بريء مما تشركون} 3.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
وجوب اللجأ إلى الله تعالى دون غيره من سائر خلقه إذ لا يكشف الضر4 إلا هو.
2-
شهادة الله تعالى لرسوله بالنبوة وما أنزل عليه من القرآن وما أعطاه من المعجزات.
3-
نذارة الرسول بلغت كل من بلغه القرآن الكريم إلى يوم الدين.
4-
تقرير مبدأ التوحيد لا إله إلا الله، ووجوب البراءة من الشرك.
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآياتهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَاّ أَن قَالُواْ وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (24)
1 في البخاري: "بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" وقال مقاتل: من بلغه القرآن من الجن والإنس فهو نذير له، وقال القرطبي: من بلغه القرآن فكأنما خد رأي محمداً صلى الله عليه وسلم وسمع منه.
2 الاستفهام للتوبيخ والتقريع مع الإنكار لشهادتهم الباطلة وذلك بتأليههم الأصنام، والأحجار جهلا وعنادا.
3 أي من الشرك والشركاء معاً.
4 آية (يونس) في هذا الباب عظيمة إذ قال مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم: {" ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك، فإن فعلت فانك إذا من الظالمين، وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم"} .