الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتدابير مكنا ليوسف في أرض مصر يتبوأ منها أي ينزل حيث يشاء يتقلب فيها أخذاً وعطاء وإنشاء وتعميراً لأنه أصبح وزيراً مطلق التصرف. وقوله تعالى: {نصيب برحمتنا من نشاء} أي رحمته من عبادنا ولا نضيع أجر المحسنين، وهذا وعد من الله تعالى لأهل الإحسان بتوفيتهم أجورهم، ويوسف عليه السلام من شاء الله رحمتهم كما هو من أهل الإحسان الذين يوفيهم الله تعالى أجورهم في الدنيا والآخرة، وأخبر تعالى أن أجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون، ترغيبا في الإيمان والتقوى إذ بهما تنال ولاية الله تعالى عز وجل إذ أولياؤه هم المؤمنون المتقون.
هداية الآيات.
من هداية الآيات:
1-
فضيلة هضم النفس باتهامها بالنقص والتقصير.
2-
تحقيق الحكمة القائلة: المرءُ مخبوء تحت لسانه.
3-
جواز ذكْرِ المًرشِّح للعمل كحذق الصنعة ونحوه ولا يعد تزكية للنفس.
4-
فضيلة الإحسان في المعتقد والقول والعمل.
5-
فضل الإيمان والتقويم.
وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ
(58)
وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (59) فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
شرح الكلمات:
وجاء إخوة يوسف: من أرض كنعان لما بلغهم أن ملك مصر يبيع الطعام.
وهم له منكرون: أي غير عارفين أنه أخوهم.
ولما جهزهم بجهازهم: أي أكرمهم وزودهم بما يحتاجون إليه في سفرهم بعدما كال لهم ما ابتاعوه منه.
بأخ لكم من أبيكم: هو بِنْيامين لأنه لم يجيء معهم لأن والده لم يقدر على فراقه.
سنراود عنه أباه: أي سنجتهد في طلبه منه.
وقال لفتيانه: أي غلمانه وخدمه.
بضاعتهم: أي دراهمهم التي جاءوا يمتارون بها.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن قصة يوسف عليه السلام وتتبع أحداثها، إنه بعد أن ولي يوسف أمر الوزارة ومرت سنوات الخصب وجاءت سنوات الجدب فاحتاج أهل أرض كنعان إلى الطعام كغيرهم فبعث يعقوب عليه السلام بنيه يمتارون وكانوا عشرة رجال بعد أن علم أن ملك مصر يبيع الطعام، قال تعالى مخبراً عن حالهم:{وجاء إخوة1 يوسف} أي من أرض كنعان {فدخلوا عليه} أي على يوسف {فعرفهم وهم له منكرون} أي لم يعرفوه لتغيره بكبر السن وتغير أحواله2 وقوله تعالى: {ولما جهزهم بجهازهم3} أي كال لهم وحَمَّل لكل واحد بعيره بعد أن أكرمهم غاية الإكرام {قال ائتوني4 بأخ لكم من أبيكم} ولا شك أنه قد سألهم عن أحوالهم فأخبروه عن أبيهم وأولاده بالتفصيل فلذا قال لهم {ائتوني بأخ لكم من أبيكم} وهو بنيامين ورغبهم في ذلك بقوله: {ألا ترون أني أوفِ الكيل وأنا خير المنزلين} أي خير المضيفين لمن نزل عليهم {فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون} . بعد هذا الإلحاح عليهم أجابوه بما أخبر تعالى به عنهم بقوله: {قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون} أي سنبذل جهدنا في طلبه
1 جاءوا إلى مصر لما أصابهم القحط ليميروا.
2 ولطول المدة إذ مضى عليهم يوم فارقوه أربعون سنة.
3 الجهاز بالفتح والكسر: ما يحتاج إليه المسافر والمراد به: الطعام الذي امتاروه من عنده.
4 سبب طلب يوسف أخاهم أنه كان معهم أحد عشر بعيراً وهم عشرة وقالوا ليوسف: إنّ لنا أخاً تخلف عنا، وبعيره معنا، فسألهم لِمَ تخلّف؟ فقالوا: لحب أبيه إيّاه وذكروا له القصة وما جرى فيها، وهنا قال لهم: إن رجعتم للميرة مرّة أخرى فأتوني بأخٍ لكم من أبيكم، ورغّبهم في ذلك وحذّرهم من أن يأتوا بدونه فإنه لا يبيعهم الطعام الذي هو حاجتهم.
حتى نأتي به، {وإنا لفاعلون} كما أخبرناك.
وقوله تعالى: {وقال لفتيانه1 اجعلوا بضاعتهم في رحالهم} يخبر تعالى عن قيل يوسف لغلمانه اجعلوا دراهمهم التي اشتروا بها الطعام في رحالهم من حيث لا يشعرون {لعلهم يعرفونها2 إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون3} كل هذا كان رغبة من يوسف في إحضار أخيه الشقيق فجعل رد الدراهم وسيلة لذلك لأنهم إذا وجدوها تحرجوا من أخذها فرجعوا بها. وجاءوا بأخيهم معهم، وهو مطلب يوسف عليه السلام حققه الله.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
عجيب تدبير الله تعالى إذ رؤيا الملك وتعبير يوسف لها وظهورها كما عبرها كان تدبيراً لولاية يوسف ثم لمجيء إخوته يطلبون الطعام لأهليهم ولتتم سلسلة الأحداث الآتية، فلا إله إلا الله، ولا رب سواه.
2-
حسن تدبير يوسف عليه السلام للإتيان بأخيه بنيامين تمهيداً للإتيان بالأسرة كلها.
3-
أثر الإيمان في السلوك، إذ عرف يوسف أن أخوته لا يستحلون أكل مال بغير حقه فجعل الدراهم في رحالهم ليرجعوا بها ومعهم أخوهم الذي يريد إحضاره.
فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَاّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا
1 قرئ: {لفتيانه} و {لفتيته} قراءتان سبعيتان نحو: صبية وصبيان.
2 قال لعلهم يعرفونها: إذ من الجائز أن لا تسلم لهم بضاعتهم بأن تؤخذ منهم في الطريق مثلا.
3 من الجائز أن يكون ردّ البضاعة إلى إخوته لأنه كره أن يأخذها من أبيه وإخوته، ومن الجائز أن يكون ردّها إليهم لعلمه أنهم لا يأكلون الطعام بغير حقّه فسيرجعون بها، وهو المراد.
مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَاّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)
شرح الكلمات:
منع منا الكيل: أي منع الملك منا الكيل حتى نأتيه بأخينا.
نكتل: أي نحصل على الكيل المطلوب.
على أخيه من قبل: أي كما أمنتكم على يوسف من قبل وقد فرطتم فيه.
ما نبغي: أي أي شيء نبغي.
ونزداد كيل بعير: أي بدل ما كنا عشرة نصبح أحد عشر لكل واحد حمل بعير.
ذلك كيل يسير: أي على الملك لغناه وطوله فلا يضره أن يزيدنا حمل بعير.
موثقاً: أي عهدا مؤكدا باليمين.
إلا أن يحاط بكم: أي تهلكوا عن آخركم.
من شيء: أي أراد الله خلافه.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في الحديث عن يوسف وإخوته قال تعالى مخبراً عن رجوع إخوة يوسف من مصر إلى أرض كنعان بفلسطين: {فلما رجعوا إلى أبيهم} أي يعقوب عليه
السلام {قالوا يا أبانا منع منا الكيل} أي منع1 منا ملك مصر الكيل إلا أن نأتي بأخينا بنيامين {فأرسل معنا أخانا نكتل2 وإنا له لحافظون} أن يناله مكروه بحال من الأحوال. فأجابهم يعقوب عليه السلام بما أخبر تعالى عنه بقوله: {قال هل آمنكم عليه} أي ما آمنكم عليه {إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل} يعني يوسف لما ذهبوا به إلى البادية. {فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين} 3 جرى هذا الحديث بينهم عند وصولهم وقبل فتح أمتعتهم، وأما بعد فتحها فقد قالوا ما أخبر تعالى به في قوله:{ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم} أي دراهمهم {ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا} أي فأرسل معنا أخانا نذهب به إلى مصر {ونمير4 أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير} لأن الملك المصري لا يبيع للنفر الواحد إلا حمل بعير نظراً لحاجة الناس إلى الطعام في هذه السنوات الصعبة للجدب العام في البلاد. فأجابهم يعقوب بما قال تعالى عنه {قال لن أرسله معكم حتى تؤتونِ موثقاً من الله} أي حتى تعطوني عهداً مؤكداً باليمين على أن تأتوني به {لتأتنني به إلا أن يحاط بكم} 5 بعدو ونحوه فتهلكوا جميعاً فأعطوه ما طلب منهم من عهد وميثاق، قال تعالى:{فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل} أي شهيد عليّ وعليكم، أي فأشهد الله تعالى على عهدهم. ولما أرادوا السفر إلى مصر حملته العاطفة الأبوية والرحمة الإيمانية على أن قال لهم ما أخبر تعالى عنه:{وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة} أي لا تدخلوا وأنتم أحد عشر رجلا من باب واحد فتسرع إليكم العين6، وإنما ادخلوا من عدة أبواب فلا
1 إذ قال لهم: {فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون} .
2 أصل نكتل: نكتال فحذفت الألف لسكون اللام بالجازم وقرىء بالياء يكتل: أي أخوهم بنيامين.
3 وقرىء: {خير حفظاً} ، قراءة سبعية.
4 {نمير أهلنا} أي نجلب لهم الطعام قال الشاعر:
بعثتك مائراً فمكثت حولاً
متى يأتي غياثك مَنْ تُغيث
5 أي: تهلكوا أو تموتوا وإلاّ أن تغلبوا عليه.
6 في الآية دليل على ما يلي:
أ- على التحرّز من العين، والعين حق لحديث:"إن العين لتدخل الرجل القبر ولجمل القدر" ولتعوذ الرسول صلى الله عليه وسلم منها في غير حديث.
ب- على المسلم إن أعجبه شيء أن يبرّك، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"ألا برَّكت"!! والتبريك أن يقول: تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه.
جـ - إذا أصاب العبد بعينه لأنّه لم يبرّك فإنه يؤمر بالاغتسال ويجبر عليه.
د – إذا عرف المرء بأذاه للناس بعينه يبعد عنهم وجوباً.
هـ- الاغتسال من العين: هو أن يغسل المعيان وجهه ويديه، ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه وداخل إزاره في إناء ثم يصب على المصاب بالعين فيشفى بإذن الله تعالى.
تُرون جماعة واحدة أبناء رجل واحد فلا تصيبكم عين الحاسدين ثم قال: {وما أغني عنكم من الله من شيء} ، وهو كذلك {إن الحكم إلا لله} فما شاءه كان. {عليه توكلت} أي فوضت أمري إليه {وعليه فليتوكل المتوكلون} أي فليفوض إليه المتوكلون أمورهم لأنه الكافي ولا كافي على الحقيقة إلا هو عز جاره وعظم سلطانه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1-
بيان مدى توكل يعقوب عليه السلام على الله وثقته في ربّه عز وجل، ومعرفته بأسمائه وصفاته، وكيف لا وهو أحد أنبياء الله ورسله عليهم السلام.
2-
جواز أخذ العهد المؤكد في الأمور الهامة ولو على أقرب الناس كالأبناء مثلاً.
3-
لا بأس بتخوف المؤمن من إصابة العين وأخذ الحيطة للوقاية منها مع اعتقاد أن ذلك لا يغني من الله شيئاً وأن الحكم لله وحده في خلقه لا شريك له في ذلك.
4-
وجوب التوكل على الله تعالى وإمضاء العمل الذي تعيَّن وتفويض أمر ما يحدث لله تعالى.
وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللهِ مِن شَيْءٍ إِلَاّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68) وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ
أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ (72)
شرح الكلمات:
إلا حاجة في نفس يعقوب: هي إرادة دفع العين عن أولاده شفقة عليهم.
آوى إليه أخاه: أي ضمه إليه أثناء الأكل وأثناء المبيت.
فلا تبتئس: أي لا تخزن.
جعل السقاية: أي صاع الملك وهو من ذهب كان يشرب فيه ثم جعله مكيالاً يكيل به.
أذن مؤذن: نادى مناد.
أيتها العير: أي القافلة.
صواع الملك.: أي صاع الملك. فالصاع والصواع بمعنى واحد.
وأنا به زعيم: أي بالحمل كفيل.
معنى الآيات:
مازال السياق في الحديث عن إخوة يوسف فقد عهد إليهم إذا هم وصلوا إلى ديار مصر أن لا يدخلوا من باب واحد بل من أبواب متعددة خشية العين عليهم، وقد وصلوا وعملوا بوصية أبيهم فقد قال تعالى مخبراً عنهم {ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم} أي دخولهم من أبواب متفرقة {من الله} أي من قضائه {من شيء إلا حاجة} أي لكن حاجة {في نفس يعقوب} وهي خوف العين عليهم {قضاها} 1 أي لا غير.
وقوله تعالى: {وإنه لذو علم لما علمناه} ثناء على يعقوب أي إنه لصاحب علم وعمل لتعليمنا إياه وقوله: {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} هو كما أخبر عز وجل أكثر
1 {قضاها} أي: أنفذها إذ القضاء: إنفاذ المحكوم به.
الناس لا يعلمون عن الله تعالى صفات جلاله وكماله ومحابه ومساخطه وأبواب الوصول، إلى مرضاته والحصول على رضاه ومحبته، وما يتقي مما يحرم على العبد من ذلك. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (68) .
أما الآية الثانية فقد أخبر تعالى أن إخوة يوسف لما دخلوا عليه في منزله آواى إليه أخاه أي شقيقه وهو بنيامين، وذلك لما جاء وقت النوم جعل كل اثنين في غرفة وهم أحد عشر رجلاً بقى بنيامين فقال هذا ينام معي، وأنه لما آواه إليه في فراشه أعلمه أنه أخوه يوسف، وأعلمه أن لا يحزن بسبب ما كان إخوته قد عملوه مع أبيهم ومع أخيهم يوسف وأعلمه أنه سيحتال على بقائه معه فلا يكترث بذلك ولا يخبر إخوته بشيء من هذا. هذا ما دلت عليه الآية الثانية وهي قوله تعالى:{ولما دخلوا على يوسف آوى إليه أخاه قال إني أنا أخوك فلا تبتئس1 بما كانوا يعملون} .
أما الآية الثالثة (70) فقد تضمنت الإخبار عن تدبير2 يوسف لبقاء أخيه معه دونهم وذلك أنه لما جهزهم بجهازهم أي كال لهم الطعام وزودهم بما يحتاجون إليه بعد إكرامه لهم جعل بطريق خفيّ لم يشعروا به سقاية الملك وهي الصاع أو الصواع وهي عبارة عن إناء من ذهب كان يشرب فيه ثم جعل آلة كيل خاصة بالملك عرفت بصواع الملك أو صاعه. جعلها في رحل أخيه بنيامين، ثم لما تحركت القافلة وسارت خطوات نادى منادٍ قائلاً أيتها العير3 أي يا أهل القافلة إنكم لسارقون. هذا ما تضمنته الآية الكريمة إذ قال تعالى:{فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير أنكم لسارقون} . قال تعالى إخباراً عنهم: {قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون} فأجابوا بقولهم: {نفقد صواع الملك، ولمن جاء به حمل بعير} أي مكافأة له {وأنا به زعيم4} أي وأنا بإعطائه حمل البعير كفيل.
هداية الآيات:
1 الابتئاس من البؤس الذي هو الحزن والكدر، فالابتئاس مطاوع الابئاس أي: جعل المرء بائساً: صاحب بؤس.
2 قيل: إن بنيامين قال ليوسف: لا تردني إليهم فأجابه يوسف ودبر كيفية إبقاء أخيه معه وكلّ ذلك بتدبير الله تعالى لهم.
3 العير: لفظ يطلق على ما امتير عليه من الإبل والخيل والبغال، والحمير، والمراد بها هنا: الإبل.
4 الزعيم: الكفيل، والحميل، والضمين، والقبيل، وهي بمعنى واحد سواء، ويطلق الزعيم على الرئيس.