الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أما هذا فقد ملأ يديه من الخير)(1)، هذا وعلى المسلم أن يجهد نفسه في تعلم الفاتحة، نصا ودلالة، ولا يقصر في ذلك، لترتب صحة الصلاة، وكمالها على صحة قراءة الفاتحة، فإذا بلغ الجهد وعجز فقد جعل الله له سبيلا إلى الخير كما أسلفنا بيانه.
النظرة الخامسة عشرة
احتواء الفاتحة على علوم القرآن:
تنافس العلماء رحمهم الله في كشف ما تضمنته الفاتحة من العلوم، وذكروا فوائدها ونفائسها، عشرة آلاف مسألة، فاستبعد هذا بعض الحساد، وقوم من أهل الجهل والغي والعناد
…
الخ (2).
ولا ريب أن الفاتحة تضمنت ما ورد في القرآن الكريم من علوم وهي مرتّبة كما يلي:
أولاً: علم توحيد الربوبية الذي نبه عليه رب العزة والجلال بالثناء على نفسه بأكمل الحمد وأوفاه فقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} فكأن قائلا تساءل فقال: من هو؟ ، فقال تعالى:{رَبِّ الْعَالَمِينَ} فذكر كل
(1) سنن أبي داوود، حديث (832) في إسناده إبراهيم السكسكي احتج به البخاري ولم يتفرد به تابعه طلحة بن مطرف كما ذكر محقق سنن الدارقطني (1/ 313 ـ ت 1).
(2)
التفسير الكبير (1/ 3).
الأوصاف والنعوت الجميلة الموجبة للإقبال عليه تعالى إقبالا كليا مضمنة قوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وقد جاء في الكتاب العزيز {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (1)، ولا يحصل العلم بأنه تعالى رب العالمين إلا بمعرفة معنى {رَبِّ} ومعرفة المراد (بالعالمين)(2)، وهذا تقرير توحيد الربوبية الشاملة لكل مخلوق (فالعالمين) شامل لجميع المخلوقات، خلافا لمن قصره على (الناس) فهو تعالى رب الناس، يعلم دقائق خلقهم وما يصلحهم في الدنيا والآخرة، كما هو رب هذا العالم الكبير، من الجواهر والأعراض يعلم دقائق خلقها، وما يصلحها ويدبر أمرها (فالعالمين) مفردها عالم، وقيل: العالم جمع لا واحد له من لفظه، فكما أن الجمع المعروف يستغرق آحاد أفراده، كما في مثل قوله تعالى:{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (3) أي كل محسن كذلك العالم يشمل أفراد الجنس المسمى به، وإن لم يطلق عليها فيتناول اللفظ (العالمين) كل
(1) الآية (39) من سورة يوسف.
(2)
انظر (التفسير الكبير 1/ 6).
(3)
من الآية (134) من سورة آل عمران. وفي آيات أخر من كتاب الله.
واحد من آحاد الأجناس التي لا تكاد تحصى، وجمع بالواو والنون؛ تغليبا للعقلاء، وقد روي عن وهب بن منبه أنه قال: لله تعالى ثمانية عشر ألف عالم والدنيا عالم منها (1) فاستفدنا من صيغة الجمع والتعريف أمرين:
1 ــ أن ذلك الجنس تحته أنواع مختلفة.
2 ــ أنه مستغرق لجميع ما تحته منها (2).
قلت: ما روي عن وهب إن صح وثبت فهو بحسب ما ظهر للإنسان، وليس المراد به الحصر والاستقصاء، فخلق الله لا يحيط به مخلوق {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (3).
ثانياً: علم توحيد الأسماء والصفات المضمن قول الله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} .
ثالثاً: علم توحيد الألوهية وهو توحيد العبادة الذي بعث الله الرسل للدعوة إليه المضمن قوله تعالى: {الْحَمْدُ
(1) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (1/ 19 ـ 21).
(2)
الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (مع الكشاف 1/ 9).
(3)
الآية (8) من سورة النحل.
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وقول الله سبحانه وتعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} .
رابعاً: علم الأحكام الشرعية، الأمر والنهي، الحلال والحرام، المضمن قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} المرتب عليه الوعد والوعيد، المضمن قوله تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} وقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} .
خامساً: علم الأخبار وقصص الأمم السابقة، والقرون الأولى، المضمن قوله تعالى:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} .