الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النظرة الخامسة والعشرون
تفسير: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
.
يلاحظ القارئ هنا أن أسلوب الآيات تحول من الغيبة إلى الخطاب، ولا غرابة في ذلك، ففيه إشارة إلى أن العبد تشبعت روحه بمعرفة الله تعالى وربوبيته للمخلوقات، ومعرفة أسمائه وصفاته، فتحول الخطاب بناء على هذه المعرفة، كأن العبد يرى ربه فيخاطبه، غير شاك في ألوهيته وأسمائه وصفاته، على حد ما ورد في ركن الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه، ثم إن التحول من الغيبة إلى الخطاب أسلوب عربي معروف، والقرآن نزل بلغة العرب، ومن المعقول عن العرب، أن من شأنهم إذا حكوا، أو أمروا بحكاية، أن يخاطبوا ثم يتحولوا إلى الإخبار عن غائب، ويخبرون عن غائب ثم يعودون إلى الخطاب، لما في الحكاية بالقول من معنى الغائب والمخاطب، كقولهم للرجل: قد قلتُ لأخيك، لو قمتَ لقمتُ، وقد قلتُ لأخيك، لو قام لقمتُ.
قال أبو كبير الهذلي:
يا لهف نفسي كان جِدةُ خالد
وبياض وجهكَ للتراب الأعفر (1).
ومنه قول لبيد بن ربيعة:
باتت تشكى إلي النفس مجهشة
وقد حملتكِ سبعا بعد سبعينا (2).
وفيهما الرجوع إلى الخطاب بعد الغيبة، وهذا في كتاب الله عز وجل كثير (3).
والمعنى: نخصك بالعبادة وحدك لا شريك لك، فنخشع ونذل ونستكين، ولا ريب أن الرجاء والخوف لا يكونان إلا مع ذلة، والعبودية عند العرب الذلة تقول: طريق معبد، أي: مذلل قد وطئته الأقدام، وذللته السابلة: جعلته معبدا، ومن ذلك قول طرفة بن العبد:
تُباري عتاقا ناجيات وأتبعت
وظيفا وظيفا (4) فوق مور معبد (5).
وقد قدم الضمير {إِيَّاكَ} في الجملتين للإشعار بخصوصية العبادة والاستعانة بالله وحده لا شريك له، ولئلا يتقدم ذكر العبد والعبادة على المعبود، فلا يجوز
(1) منسوب لأبي كبير الهذلي، وليس في ديوان الهذليين.
(2)
في ديوانه (ص 225) وقال (قامت) وانظر: (جامع البيان 1/ 153، 154) بتصرف.
(3)
انظر سورة يونس (الآية (22) وسورة الدهر (الآيتين 21، 22).
(4)
المراد به هنا خف الناقة الموصوفة، وانظر (جامع البيان (1/ 161).
(5)
في (ديوانه ص 35).