الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في سورة (الفاتحة) فإن اقتصر بعد ذلك على البدء بها في الركعة الأولى فحسن، وإن قرأها في كل ركعة كان أحسن، ومعلوم ما ورد من الترغيب في الاستعاذة في غير الصلاة، لما فيها من الحرز والحصانة، وهو مما يحرص عليه المسلم، فإن في الاستعاذة إشارة إلى نفي ما لا يجوز من العقائد والأعمال (1)، وهذه حصانة للروح قبل حصانة الجسد.
النظرة العشرون
تفسير الاستعاذة:
معنى الاستعاذة: الاستجارة، وتأويل قول القائل:"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" أستجير بالله من الشيطان، أن يضرني في ديني، أو يصدني عن حق يلزمني لربي عز وجل (2).
تأويل قوله: (من الشيطان): الشيطان في كلام العرب: كل متمرد من الجن والإنس والدواب، وكل شئ. قال الله عز وجل:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} (3)، فجعل من الإنس شياطين مثل الذي جعل من الجن، ولما ركب عمر بن الخطاب
(1) انظر: التفسير الكبير (1/ 5).
(2)
جامع البيان عن وجوه القرآن تأويل القرآن (1/ 111).
(3)
الآية (112) من سورة الأنعام.
- رضي الله عنه "برذونا"(1)، فجعل البرذون يتبختر به، أخذ عمر رضي الله عنه يضربه فلا يزداد إلا تبخترا فنزل عنه وقال:"ما حملتموني إلا على شيطان، ما نزلت عنه حتى أنكرت نفسي"(2)، وهذا يلفت النظر إلى دقة عمر رضي الله عنه في مراقبة أحوال نفسه.
وقد سمي المتمرد من كل شئ شيطانا، لمفارقة أخلاقه وأفعاله، أخلاق سائر جنسه وأفعاله، وبعده عن الخير، وقول القائل: شطنت داري من دارك: أي بعدت، ومنه قول نابغة بني ذبيان:
نأت بسعاد عنك نوىً شطون فبانت والفؤاد بهارهين (3)، تأويل قوله:{الرَّجِيمِ} :
الرجيم: الملعون المشتوم؛ وكل مشتوم بقول رديء أو سب فهو مرجوم، وأصل الرجم: الرمي بقول كان أو فعل، ومن الرجم بالقول: قول أبي إبراهيم، لإبراهيم
(1) البرذون: الدابة، وسَيْرَته (البرذنة) والأنثى (برذونةً).
قال الشاعر:
رأيتك إذ جالت بك الخيل جولة
…
وأنت على برذونة غير طائل
لم أقف على قائله وهو في (لسان العرب 13/ 5114/ 294).
(2)
أسنده أبو جعفر الطبري (جامع البيان 1/ 111) رجاله ثقات وهشام بن سعد حسن الحديث وهو من رجال مسلم.
(3)
للنابغة الذبياني في (ديوانه ص 72).